في أعقاب الهجوم بطائرة مسيرة على سفينة قبالة سواحل عمان في نهاية تموز/ يوليوالماضي، مارس وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، ووزير الخارجية يائير لابيد الضغط بشكل شامل، حيث تحدثا إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. وأطلع لابيد سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي على الأمر، وحدد هوية الرجل الذي تحمله إسرائيل مسؤولية الهجوم، قائلا إنه "سعيد أرا جاني، وهو رئيس قيادة الطائرات بدون طيار التابعة للحرس الثوري الإيراني. هذا هو الرجل المسؤول بشكل شخصي عن الهجمات الإرهابية في خليج عمان".
ويبدو أن الهجوم شاركت فيه العديد من الطائرات المسيرة الانتحارية التي ضربت جسر سفينة تحمل اسم "ميرسر ستريت". وكان هذا هو الهجوم الأخير في سلسلة من الهجمات على السفن التجارية والتي اتهمت إسرائيل إيران بالمسؤولية عنها. ويأتي هذا التطور في أعقاب توترات بين إسرائيل وإيران، وأيضا بعد عامين من اتهام واشنطن لطهران بتفجير ست سفن قبالة سواحل عمان.
فضلا عن ذلك، يأتي هذا التطور بعدما شنت إيران هجوما بطائرة مسيرة على المملكة العربية السعودية في أيلول/ سبتمبر 2019، وبعدما قالت إسرائيل إن طائرة مسيرة إيرانية اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي في أيار/ مايو 2021، أثناء القتال بين إسرائيل وحركة حماس. كما يأتي هذا الهجوم في سياق الهجمات التي شنتها مليشيات موالية لإيران على القوات الأمريكية في العراق. ومعنى كل هذه الهجمات هو أن الطائرات المسيرة الإيرانية أصبحت الآن تشكل خطرا كبيرا في مختلف أنحاء المنطقة.
وقال الكاتب والأكاديمي الأمريكي سيث فرانتزمان، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الاميركية إن إسرائيل استغلت هذه اللحظة لجذب الاهتمام الدولي. وأشار إلى أن السفينة التي تعرضت للهجوم لم تكن سفينة إسرائيلية، كما أن شركة مقرها في لندن هي التي تدير السفينة. ومع ذلك يبدو أن إيران تستهدف السفن التجارية التي تعتقد أنها مرتبطة بإسرائيل من خلال الشبكة المعتادة من الشركات المتداخلة التي تميل إلى إدارة الشحن وامتلاكه والتحكم فيه. ويرجع ذلك لأن السفن عادة ما تفتقر إلى الدفاعات الجوية وتعد أهدافا سهلة. وتمتلك إسرائيل طائرات متقدمة من الجيل الخامس، كما أن لديها أحدث الأنظمة المضادة للطائرات بدون طيار، إلا أن حماية السفن في البحر تتطلب قيام دول الخليج والقوات البحرية الأخرى بالمزيد من الجهد.
واستضاف وزيرا الدفاع والخارجية الإسرائيليان سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لإطلاعهم على الوضع في مقر وزارة الخارجية.
وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية في بيان إن "الإحاطة هي جزء من الجهود الوطنية التي تقوم بها دولة إسرائيل لدعوة المجتمع الدولي لإدانة ووقف الإرهاب والعنف الإيرانيين في المنطقة". خلال الأسبوع الماضي، تحركت إسرائيل في كل القنوات الدبلوماسية والأمنية الممكنة من أجل دعوة المجتمع الدولي لوضع حدود واضحة لإيران ولوقف سلوكها العدواني.
وقال غانتس: "أمير علي حاج زاده، قائد القوة الجوية بالحرس الثوري الإيراني مسؤول عن عشرات الهجمات الإرهابية في المنطقة باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ… لأول مرة على الإطلاق، سأكشف هوية الرجل المسؤول بشكل مباشر عن إطلاق الطائرات بدون طيار الانتحارية- اسمه سعيد أرا جاني وهورئيس قيادة الطائرات بدون طيار في الحرس الثوري الإيراني".
وتابع غانتس: "قيادة الطائرات بدون طيار نفذت الهجوم على ميرسر ستريت. سعيد أرا جاني يخطط ويقدم التدريب والمعدات لتنفيذ هجمات إرهابية في المنطقة. لقد انتهكت إيران كل التوجيهات التي تنص عليها خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي الإيراني) وهي على بعد 10 أسابيع فقط من الحصول على مواد لازمة لصنع أسلحة نووية لتتمكن من تصنيع سلاح نووي".
وقال فرانتزمان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للإبلاغ والتحليل، وأستاذ مساعد سابق للدراسات الأمريكية في جامعة القدس، إن هذا الأمر أثار الدهشة، لأنه على الرغم من أن إسرائيل تحمل إيران وحدها مسؤولية الهجوم على السفينة، فإن التوترات الأوسع في المنطقة وبين الولايات المتحدة وإيران كانت تتركز على البرنامج النووي الإيراني. ومنذ أن انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، قامت إيران بزيادة عمليات تخصيب اليورانيوم.
وقامت إيران بزيادة تخصيب اليورانيوم سعيا منها للضغط على الولايات المتحدة وغيرها للعودة إلى إطار عمل الاتفاق. وقد أصبح لإيران رئيس جديد يتولى السلطة هو إبراهيم رئيسي ومن غير الواضح ما إذا كانت إيران سوف تقضي مزيدا من الوقت في إجراء محادثات في فيينا لتسوية الخلافات المرتبطة بالاتفاق النووي. وبدأت إيران تحول اتجاهها إلى الشرق، حيث تنظر إلى النزاع في أفغانستان وتسعى لإقامة علاقات أوثق مع الصين لتعزيز دورها في نظام عالمي جديد تفترض أنه سيكون عالم ما بعد هيمنة الولايات المتحدة.
وتشعر إسرائيل بالقلق ليس فقط من البرنامج النووي، ولكن من الخطر الإيراني الأوسع الذي يأتي من التمركز الإيراني في سوريا، وتدفق الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله، وأيضا الطائرات المسيرة المتمركزة في اليمن والعراق، فضلا عن الصواريخ الباليستية الإيرانية. وقال غانتس: "الشعب الإيراني ليس عدونا. النظام الإيراني يهددنا ويتسبب في سباق تسلح إقليمي".
من ناحية أخرى، تحدث لابيد عن الممارسات الإيرانية الأخيرة مؤكدا أن هذا ليس صراعا بين جيوش في سوريا "هذه ليست عملية سرية ضد منشأة عسكرية… إنه هجوم على طرق التجارة العالمية. هذا هجوم على حرية الحركة. هذه جريمة دولية".
وقال فرانتزمان إنه من غير الواضح ما الذي ستقوم به إسرائيل بعد ذلك. لقد انتقدت الولايات المتحدة وبريطانيا إيران بسبب الهجوم. ومن المتوقع أن ترد إسرائيل على الهجوم إلا أن لديها مجموعة من الخيارات. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف بشأن كيفية رد فعل إيران. فقد قالت وسائل الإعلام الإيرانية إن الهجوم على السفينة جاء ردا على ضربة جوية إسرائيلية في سوريا. وهذا يعني أن كل جانب يعتقد أنه يرد على الآخر، إلا أن الفرق هو أن الهجوم الذي شنته إيران بطائرة مسيرة أسفر عن مقتل شخصين كانا على متن السفينة، وهما بريطاني وآخر روماني. لقد كانا اثنين من البحارة المدنيين، وليسا مقاتلين.
واختتم فرانتزمان تقريره بالقول إن إسرائيل كانت تعزز علاقاتها الدولية مؤخرا. وقد شاركت مقاتلاتها من طراز "إف 35" في تدريبات مشتركة متعددة مع الولايات المتحدة وغيرها، كما استضافت إسرائيل مؤخرا تدريبات مشتركة للطائرات بدون طيار مع ست دول. وتعتبر الطائرات المسيرة الإسرائيلية من أحدث طرازات هذه الطائرات وتشكل حوالي 80 % من وقت طيران طائرات القوات الجوية.