• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
مقالات مترجمة

استمر تدهور الوضع الأمني في أفغانستان، حيث واصل مقاتلو حركة طالبان سيطرتهم على أراضٍ استولوا عليها بالتزامن مع اجتياح ست عواصم إقليمية خلال الأيام الماضية في شمال البلاد وغربها وجنوبها، وذلك بعد انسحاب القوات الأميركية قبل شهر. وفي ضوء هذا المشهد تتزايد التوقعات بشأن اتجاه واشنطن نحو إنشاء قاعدة عسكرية في إحدى الدول الحليفة في آسيا الوسطى.
ففي حين تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بعدم بقاء أي قوات أميركية في أفغانستان بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية هذا العام، فإن واشنطن عازمة على مواصلة دعم الحكومة الأفغانية في حربها ضد "طالبان". ويوم الاثنين، قال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إن بلاده ستواصل دعم القوات الحكومية "من خلال الغارات الجوية عندما يمكننا ذلك". ويقول متخصصون إن هذا الدعم من غير المرجح أن يتحقق من دون إنشاء قواعد عسكرية أميركية في الدول المجاورة لأفغانستان.
وبحسب بعض وسائل الإعلام الغربية، فإن الخيار المفضل للقيادة العسكرية الأميركية سيكون آسيا الوسطى، لا سيما أن القوات الأميركية كانت متمركزة في المنطقة بين عامي 2001 و2014. وفي 15 نيسان \أبريل الماضي، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مسؤولي الولايات المتحدة كانوا على اتصال بالسلطات الكازاخية والأوزبكية والطاجيكية في شأن إمكانية استخدام القواعد العسكرية في المنطقة. وفي الشهر ذاته، غرد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أنه تحدث مع وزيري الخارجية الأوزبكي والكازاخي، على الرغم من أنه من غير المعروف إذا ما كانا قد ناقشا احتمال استخدام الولايات المتحدة أو قوات "الناتو" القواعد العسكرية.
ويعتقد الباحث لدى مركز كارنيغي في موسكو تيمور أوماروف باحتمال عودة الولايات المتحدة إلى التمركز في منطقة آسيا الوسطى، لكنه يشير إلى أن الأمور في هذه المنطقة تغيرت عما كانت قبل سنوات قليلة، والأهم هو تدهور علاقات واشنطن مع اثنين من الشركاء الرئيسيين لدول المنطقة، وهما موسكو وبكين، وعلى الأرجح لن ترحبا بعودة الولايات المتحدة إلى المنطقة. لذلك، سيتعين على واشنطن أن تثبت لدول آسيا الوسطى أن الفوائد المالية والسياسية للتعاون معها ستفوق الخسائر الحتمية التي ستتكبدها الدول المضيفة نتيجة استياء موسكو وبكين. ولن يكون ذلك سهلاً، لأنه خلال العقد الماضي، توقفت الحكومات في آسيا الوسطى عن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة مستعدة للعمل كقوة موازنة لروسيا والصين في المنطقة.
وفيما تقع أفغانستان على حدود ست دول أخرى (إيران وباكستان والصين وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان)، لا تضم أي منها حالياً أي قواعد أميركية، أو لا يمكن وصفها بأنها حليفة مقربة للولايات المتحدة، يشير أوماروف في مقاله المنشور على موقع المركز إلى أنه يمكن استبعاد إيران والصين من الحسبة بالطبع، وكذلك باكستان التي باتت تعتمد بشكل كبير على الصين، بحيث لا يمكنها الشروع في مثل هذه الخطوة. كما أنه من غير المحتمل أن يكون لدى تركمانستان أي نية للابتعاد عن مسارها الانعزالي، بينما كازاخستان لا تبعد كثيراً عن أفغانستان، لكنها أيضاً ترتبط بعلاقات وثيقة مع روسيا.
وهذا لا يترك سوى خيارين: طاجيكستان وأوزبكستان. وتشير التسريبات في وسائل الإعلام الأميركية إلى أن البنتاغون يتطلع إلى هذين البلدين كمرشحين محتملين لقواعد جديدة، كما أن قيرغيزستان مرشح محتمل آخر، نظراً إلى قربها من أفغانستان، إذ إن احتمالات الفوضى واستعادة تنظيم القاعدة موطئ قدم له في أفغانستان ستشمل تداعياتهما الوخيمة الدول المتاخمة. ويشكل الأمر تهديداً لكل من طاجيكستان وأوزبكستان، لأن بعض مواطنيهما ينضمون إلى الجماعات الإرهابية في شمال أفغانستان.
وبالفعل، تنخرط حكومات الدول المتاخمة لأفغانستان في محادثات تشمل حركة طالبان للتوصل إلى تفاهم يهدف إلى منع تسلل الإرهابيين المحليين إلى أفغانستان لاستعادة نشاطهم وإحداث توتر في الداخل. وخلال محادثات استضافتها موسكو، الشهر الماضي، سعى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للحصول على تأكيدات من طالبان بأنها ستحترم حدود دول آسيا الوسطى التي كانت يوماً ما جزءاً من الاتحاد السوفياتي. وحذر وزير الخارجية الصيني وانغ يي من أن المهمة الأكثر إلحاحاً في أفغانستان هي "الحفاظ على الاستقرار ومنع الحرب والفوضى".
ومن منطلق مكافحة الإرهاب، يعتقد مراقبون أنه يمكن للدول المُهَددة تبرير السماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها مؤقتاً إذا كان جزء من الهدف من هذه القواعد هو المساعدة في تحييد الجماعات المتطرفة في آسيا الوسطى وفي شمال أفغانستان، حتى لو لم يُقبل هذا المنطق تماماً من قبل طالبان.
ومن جانب آخر، يقول أستاذ العلاقات الدولية لدى جامعة تبليسي في جورجيا إميل أفدالياني إن الانسحاب الأميركي من أفغانستان قد يكون أساساً جيداً لتحسين محتمل في العلاقات الثنائية مع روسيا. فعندما التقى الرئيسان الروسي والأميركي في حزيران \يونيو الماضي في جنيف، كان من الواضح أن أفغانستان احتلت جانباً رئيساً من أجندة القمة، إذ ذكرت صحيفة "كومرسانت" الروسية في 17 تموز \يوليو أن بوتين عرض على بايدن استخدام القواعد العسكرية الروسية في آسيا الوسطى لجمع المعلومات من أفغانستان.وتستضيف طاجيكستان وقيرغيزستان عدداً من القواعد العسكرية الروسية ومنشآت أخرى، بعضها قريب من الحدود الأفغانية.
مع ذلك، يتفق المراقبون على صعوبة هذا الأمر بالنظر إلى الرفض الروسي والصيني للوجود الأميركي مجدداً في المنطقة. وكتب أفدالياني في مقال نشره مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية أنه في حين كانت موسكو على استعداد لمساعدة الولايات المتحدة في تشكيل جبهتها لمكافحة الإرهاب، فإن هذه المرة من غير المحتمل أن يُسمح للولايات المتحدة بالدخول إلى آسيا الوسطى.
وأضاف أنه بينما أسست الولايات المتحدة وجوداً عسكرياً في آسيا الوسطى في أعقاب الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر، لكن التكوين الجيوسياسي اليوم يختلف بشكل لافت في كل من المنطقة وعبر أوراسيا. هذا ليس لأن دول آسيا الوسطى أصبحت الآن أكثر استعداداً لمقاومة التهديد العسكري لـ"طالبان" فحسب، بل لأن روسيا عززت وجودها العسكري في المنطقة، ولن تكون على استعداد للسماح للقوى الخارجية بالدخول، خصوصاً في عصر سياسة الإقصاء التي تنتهجها موسكو.
كما أن روسيا ليست اللاعب الوحيد في هذا الأمر، فالصين ستعارض بشدة أي نوع من الوجود الأميركي بالنظر إلى تدهور العلاقات بين البلدين، إذ باتت بكين تنظر إلى الوجود الأميركي في المنطقة باعتباره جزءاً من مساعٍ أميركية لاحتواء طموحاتها الإقليمية. وبحسب أفدالياني فإن الصين لن تقبل بوجود غربي في آسيا الوسطى، لأن المنطقة تقع على حدود مقاطعة شينغيانغ المضطربة.
وتتوسع الصين عسكرياً وأمنياً في آسيا الوسطى، وقد افتتحت قاعدة عسكرية في طاجيكستان، وزادت خلال السنوات الماضية عدد التدريبات العسكرية مع دول آسيا الوسطى. ومن ثم فإن دخول منافس خارجي يهدد توازن القوى الإقليمي الذي طالما عملت الصين عليه بعناية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين تعد شريكاً اقتصادياً مهماً لدول آسيا الوسطى، كما أنها تتحرك بنشاط لإضفاء الطابع المؤسسي على علاقاتها مع تلك الدول. ففي 11 أيار \مايو الماضي، عُقد الاجتماع الثاني لوزراء خارجية الصين وآسيا الوسطى (C + C5) في مدينة شنشي الصينية. وخلاله، أكد وزير الخارجية الصيني متحدثاً باسم جميع الدول على الحاجة إلى "انسحاب مسؤول ومنظم للقوات الأجنبية" من أفغانستان.
ويقول أوماروف إن الصين وروسيا تخشيان زيادة النشاط الأميركي في المنطقة، لأنهما مقتنعتان بأن وجود قاعدة أميركية سيُستخدم ضدهما. وتعتقد بكين أن واشنطن تخطط لزعزعة استقرار الوضع في شينغ يانغ، بينما تشتبه موسكو في أن الولايات المتحدة ستواصل زرع الفوضى حول حدود روسيا. ومن ثم ستواصل روسيا والصين مقاومة الوجود الأميركي وستفعلان ذلك معاً وبفاعلية أكثر من ذي قبل.
وبالنسبة إلى البلدان الثلاثة المرشحة لاستضافة القاعدة الأميركية، فإن المزايا المحتملة لأي دولة مضيفة ليس من المتوقع أن تفوق المخاطر، ومن ثم يستبعد المراقبون أن توافق أي منها على إيواء قاعدة. وهذا يعكس تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، والتنافس المتصاعد بين القوى العالمية.