وسط سيل الهجوم على الرئيس الأميركي جو بايدن بسبب قراره استكمال الانسحاب من أفغانستان بحلول نهاية أغسطس/آب الجاري، حذر بعض الخبراء والمسؤولين السابقين من مغبة الإقدام على الاعتراف بتنظيم طالبان سلطة حاكمة في أفغانستان.
وكان بيان صدر أمس عن مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، ومن ضمنها الولايات المتحدة، قد أشار إلى أنها ستؤجل الاعتراف بطالبان سلطة جديدة في أفغانستان إلى أن تظهر الحركة التزامها بحماية حقوق الإنسان وتوافق على عدم توفير مظلة للجماعات الإرهابية.
وأضاف البيان أن "الشعب الأفغاني يستحق أن يعيش بكرامة وسلام وأمن، بما يعكس ما تحقق من إنجازات سياسية واقتصادية واجتماعية، ولا سيما بالنسبة للنساء والفتيات. وأن شرعية أي حكومة في المستقبل ستعتمد على النهج الذي تتبعه للوفاء بالتزاماتها والتزاماتها الدولية لضمان استقرار أفغانستان".
وعقب سيطرة الحركة على كابل، جمدت الولايات المتحدة أرصدة الحكومة الأفغانية البالغة 9.6 مليارات دولار في مصارف أميركية، بانتظار حلّ معضلة وجود سلطة شرعية حاكمة داخل أفغانستان.
موقف أميركي ضبابي وصعب
لم تعترف الولايات المتحدة بحركة طالبان أثناء حكمها أفغانستان بين عامي 1996 و2001، واعترفت بها حينذاك 3 دول فقط، هي: السعودية والإمارات وباكستان.
وعلى مدى العقدين الأخيرين، لم تصنف الإدارات الأميركية الحركة جماعة إرهابية في قائمة وزارة الخارجية، إلا أن وزارة الخزانة فرضت من جانبها عدة عقوبات على عدد من زعماء الحركة خلال الأعوام الماضية.
وعلى الرغم من دعم واشنطن للحكومات الأفغانية المتعاقبة عقب إسقاطها حكم طالبان في بدايات عام 2020، أقدمت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على التفاوض مع الحركة، وتوصلتا معا لاتفاق الانسحاب الأميركي في محادثات الدوحة يوم 29 فبراير/شباط من العام الماضي.
ومنذ وصول بايدن للحكم، لم يتوقف التواصل مع حركة طالبان، وهو ما أدى لتمديد أمد إجلاء القوات الأميركية الذي كان مقررا له نهاية مايو/أيار الماضي، ليصبح نهاية أغسطس/آب الجاري.
والتقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز مع كبار مسؤولي الحركة بكابل أمس الأول، للبحث في قضية الإجلاء وتفاصيل استكمال الانسحاب.
ويتجنب بايدن -خلال أحاديثه المتكررة عن تطور الأوضاع في أفغانستان- توجيه إشارات سلبية إلى حركة طالبان.
ويعتبر بعض المعلقين أن هذه الاتفاقات والتواصل المستمر بين واشنطن وطالبان يعكس اعترافا أميركيا ضمنيا بالحركة، لكنه لا يعني اعتراف واشنطن بها سلطة حاكمة شرعية داخل أفغانستان بعد.
وصاحَب استيلاء طالبان على العاصمة الأفغانية كابل في 15 أغسطس/آب، فرار الرئيس السابق أشرف غني خارج البلاد، في وقت لم تعد فيه حكومة أفغانستان المعترف بها دوليا تعمل، وأكدت ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأميركي أن "أشرف غني لم يعد شخصية مؤثرة في أفغانستان".
أما وزير الخارجية أنتوني بلينكن، فقد قال لشبكة "سي إن إن" (CNN) إن "الحكومة الأفغانية المستقبلية التي تدعم الحقوق الأساسية لشعبها ولا تؤوي الإرهابيين، هي حكومة يمكننا العمل معها والاعتراف بها. وعلى العكس من ذلك، فإن الحكومة التي لا تفعل ذلك، ولا تدعم الحقوق الأساسية لشعبها، بما في ذلك النساء والفتيات، وتؤوي الجماعات الإرهابية التي لديها مخططات تستهدف الولايات المتحدة أو حلفاءنا وشركاءنا، فبالتأكيد لن نعترف بها".
وتتهرب وزارة الخارجية من الإجابة عن سؤال الاعتراف بطالبان، وتبرر ذلك بعدم "حدوث انتقال رسمي للسلطة".
ويُعد اعتراف واشنطن بطالبان أداة ضاغطة تمتلكها الولايات المتحدة التي تمتلك مفاتيح التعامل مع المؤسسات المالية والإنمائية الدولية. كما أن اعتراف واشنطن بها سيدفع بالكثير من دول العالم للاعتراف بطالبان والتعامل معها.
تحذير وبدائل أربعة
وحذرت نيكي هيلي السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، من إقدام بايدن على الاعتراف بطالبان.
وغردت هيلي بمقالة نشرتها في صحيفة واشنطن بوست، قالت فيها إن "بايدن قد فشل فشلا ذريعا في الانسحاب من أفغانستان، وهو ما جعل أميركا أضعف وأقل أمانا، مع ترك العديد من الأميركيين والأفغان تحت رحمة طالبان. يجب على بايدن ألا يتخذ قرارا بالاعتراف بهؤلاء البرابرة".
وأضافت هيلي أنه لا "توجد كلمات تصف مدى سوء القرار، إذا كافأ بايدن العدو الذي أفنى الآلاف من الأميركيين حياتهم من أجل هزيمته، من خلال الاعتراف بطالبان حكومة شرعية في أفغانستان".
وعرضت الدكتورة تيس بريدجمان المسؤولة السابقة في البيت الأبيض خلال عهد الرئيس باراك أوباما، الأستاذة بكلية الحقوق بجامعة نيويورك، لبدائل أربعة لن يخرج عنها موقف إدارة بايدن فيما يختص معضلة الاعتراف الأميركي بتنظيم طالبان.
أولا: الاعتراف بطالبان، أو الاعتراف بأي حكومة قد تسعى طالبان إلى تشكيلها وتضمن ممثلي قوى أخرى.
ثانيا: وضع شروط للاعتراف بطالبان، حيث يمكن لإدارة بايدن الاعترافبها حال اتخاذها إجراءات معينة. وفي حين استخدام الاعتراف أداة دبلوماسية ضاغطة، يبدو أن واشنطن والعديد من حلفائها يتركون الباب مفتوحا أمام هذا الخيار، وقد تطلب تلك الدول تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تقتصر على حركة طالبان، إضافة لقضيتي حقوق النساء، ومكافحة الإرهاب.
ثالثا: اعتراف غير كامل، ويمثل مسارا متوسطا، وإذا بقيت طالبان تسيطر بقوة على مؤسسات الدولة وحدودها، يتم التعامل معها على مستوى دبلوماسي منخفض، دون أن يتم العمل بعلاقات دبلوماسية شاملة، ويحاول هذا البديل كسب بعض الوقت وعدم منح حركة طالبان فائدة الاعتراف المبكر بها.
رابعا: عدم الاعتراف بحكم طالبان، ويمثل ذلك وسيلة تسمح لواشنطن بالإبقاء على تجميد الودائع المالية الأفغانية الحكومية في الولايات المتحدة، وربما كوسيلة ضغط قصوى لتغيير مواقف وسياسات تتخذها حركة طالبان. ولا يمنح هذا البديل حكومة حركة طالبان أي حقوق أو التزامات دبلوماسية وقنصلية.
ومن المرجح ألا يتسرع بايدن في اتخاذ قرار سريع بشأن الاعتراف القانوني بطالبان، وستطفو خلال الأيام والأسابيع القادمة -عقب استكمال الانسحاب العسكري الأميركي- قضية الاعتراف بحكومة طالبان، وهل سيتم تأسيس علاقات ثنائية مباشرة أم ستتخذ واشنطن موقفا عدائيا من الحركة، وتحاول عزلها وإبعادها عن الجماعة والمنظمات الدولية كما كان الوضع في تسعينيات القرن الماضي.