يستمر الحديث عن تراجع العلاقات الأميركية ـ الصهيونية على الرغم من إقرار مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة تمويل نظام الدفاع الصاروخي الصهيوني "القبة الحديدية" مع تصويت ثمانية نواب ديمقراطيين وجمهوري واحد ضد القرار، التقرير التالي يتناول بعضًا من الكتابات حول الموضوع:
تحت عنوان: "إسرائيل – أميركا: التزامات في ظلّ المتغيرات!" كتب المحلل السياسي الفلسطيني هاني حبيب على موقع جامعة النجاح:
بدموعٍ نبيلة، عبّرت النائبة الديمقراطية التقدمية ألكساندريا كورتيز عن غضبها بعد إقرار مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة تمويل نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي "القبة الحديدية" مع تصويت ثمانية نواب ديمقراطيين وجمهوري واحد ضد القرار، ذلك بعد أن تم رفضه في إطار الموازنة الفيدرالية العامة، ليعاد طرحه كمشروعٍ آخر، وبحيث يتم دفع مليار دولار من الميزانية السنوية لوزارة الدفاع الأميركية، وليس من الموازنة الفيدرالية العامة في تحايل دستوري واضح وفاضح.
التعثر الأولي المؤقت للمصادقة على تمويل ودعم مخزون القبة الحديدية في مجلس النواب بأغلبيتهم الديمقراطية، يعكس حقيقة التجاذبات الداخلية الأميركية من ناحية، ويعزز الحديث المتكرر عن تراجع الإجماع الأميركي حول العلاقة الإستراتيجية مع إسرائيل وضرورة توفير مقومات الدعم المالي والأمني لها، ولم يعد هذا الإجماع أمراً مسلماً به كما كان الحال خلال معظم الرئاسات الأميركية، الجمهورية والديمقراطية، بل بدأ الحديث يتعزز حول أن إسرائيل باتت بدرجةٍ أو بأخرى، محل خلاف في إطار الطبقة السياسية الأميركية، وحتى لدى الجمهور اليهودي في الولايات المتحدة، مع أن هذا الأمر يظهر بوضوح أكثر لدى الحزب الديمقراطي، الأمر الذي يشير إلى تآكل الإجماع الأميركي التقليدي حول إسرائيل.
تقدر أوساط إسرائيلية بأن العلاقة المتغطرسة مع إدارة أوباما ثم مع إدارة بايدن، من قبل رئيس الحكومة السابق نتنياهو، هي التي عززت هذا المتغير السلبي في علاقة الحزب الديمقراطي بإسرائيل، وهو نفس الرأي الذي عكسه رئيس الحكومة الحالي ووزير خارجيته في تفسير تعثر مصادقة الحزب الديمقراطي على القرار، عند إشارتهما إلى أن نتنياهو يتحمّل مسؤولية هذا التراجع، وفي اعتقادنا أن الأمر أبعد من ذلك، وأبعد من علاقة شخصية بين نتنياهو وأوباما وبايدن، وأن نتنياهو يتحمّل مسؤولية جزئية عن الأمر، ذلك أن هناك متغيرات ذاتية خاصة حدثت في الحزب الديمقراطي نفسه بنتائج الانتخابات التشريعية خلال السنوات القليلة الماضية، والتي أدت إلى بروز قيادات شابة جديدة ومن أعراقٍ مختلفة، ليست محكومة بالخطاب التقليدي الشعبوي الذي كان سائداً منذ قيام الدولة العبرية، هؤلاء نجحوا في تشكيل تكتل يضم قرابة 90 نائباً ليبرالياً في الغالب، هذا التكتل يتوافق حول جملة من القضايا الداخلية والخارجية، ومن بين هذه القضايا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، مع أن هناك تبايناً بهذا القدر أو ذاك داخل إطار هذا التكتل، وهذا يؤثر بشكلٍ واضح على طبيعة القرارات التي يتخذها مجلس النواب الأميركي تجاه العديد من القضايا والمسائل التي تعرض على التصويت.
بنظر هذا التكتل، لم تعد إسرائيل دولة صغيرة محاطة بالأعداء، ولا الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط كما روّجت وساهم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة في هذا الترويج الابتزازي، بل إن إسرائيل دولة تحتل شعباً آخر وتمعن في شن الحروب عليه ولا تلتزم بالقرارات الدولية، ولم تعد هذه الدولة فقيرة وضعيفة وذلك بفضل دافع الضرائب الأميركي، بينما تبلغ ميزانيتها السنوية تريليون ونصف التريليون من الشواكل، يذهب 80 ملياراً منها للتسلح وشنّ الحروب، فهل مثل هذه الدولة بحاجة إلى صدقة من دولة أخرى؟!
وبطبيعة الحال، فإن عدم تمرير مشروع دعم القبة الحديدية في مرحلته الأولى، ورغم تمريره لاحقاً، قد أثار موجة من التساؤلات لدى الأوساط الإسرائيليّة، وعادت للحديث مجدداً عن الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على قطاع غزّة، فقد تم إطلاق 4400 قذيفة صاروخية من القطاع، تصدت القبة الحديدية لـ1700 منها، بينما وصلت 180 قذيفة صاروخية إلى مناطق مأهولة، الأمر الذي يعكس من وجهة نظر إسرائيلية أولاً: أهمية التزود الدائم بمقذوفات متطورة للقبة الحديدية التي أثبتت فاعليتها حسب إسرائيل، وثانياً: ضرورة تعويض ما فقدته إسرائيل من هذه المقذوفات خلال الحرب الأخيرة، ولكي تعوض إسرائيل ذلك فإن الأمر بحاجة إلى ستة أشهر للتزوّد بعددٍ كافٍ منها، لذلك فإن الدعم الأميركي مطلوب وضروري لكي تتم إقامة خطوط إنتاج جديدة تمكّن القدرات العسكرية والأمنية من الحصول على ما يكفي في فترة أقل، كما برزت تساؤلات من نوعٍ آخر، فإذا كان هذا هو الحال فيما يتعلق بأسلحة دفاعية، فكيف سيكون الأمر إذا طلبت إسرائيل أسلحة هجومية للعمل ضد جبهات أخرى كإيران وسورية ولبنان.
لكن ماذا عن المواجهة مع الصين؟ في تسريبات إعلامية أن إدارة بايدن دفعت قدماً بإقرار المصادقة على القرار، مقابل تراجع إسرائيل عن تفاهماتها وتعاقداتها الفنية والتقنية العالية مع الصين، وذلك في سياق الحرب المفتوحة بين واشنطن وبكين!
لا" لإسرائيل في الكونغرس: ظاهرة متنامية وإن كانت رمزية
وفي السياق نفسه نشر موقع العربي الجديد مقالًا بعنوان: "لا لإسرائيل في الكونغرس: ظاهرة متنامية وإن كانت رمزية"، وهو كتبه الكاتب اللبناني فكتور شلهوب، وفيه: "الكتلة "التقدمية" المناوئة لإسرائيل في الكونغرس الأميركي، ظاهرة جديدة ملفتة بنشاطها وتحركها، ولو أن صوتها أكبر من حجمها. ومع أنها ما زالت نواة قوة غير وازنة ولا مؤثرة كفاية في المعادلة، إلا أنها فرضت حضورها، وأسمعت اعتراضها على الانحياز الكامل لإسرائيل.
عادة في الكونغرس، من يخرج عن الإجماع ولا يصوّت لدعم تل أبيب، يسكت. الاحتجاج العلني كان إجمالاً من الممنوعات، لكن هذه القاعدة انكسرت، وتعذر أخيراً إسكات المحتجين من المشرعين. وما أغاظ الجوقة الإسرائيلية، أن التحرك هذه المرة ضد تقديم مساعدة عسكرية لإسرائيل، حصل من خلال المسار التشريعي في المجلس، وليس من خلال الخطاب السياسي فقط، وهذا اختراق غير مسبوق، وإن لم يتكلل سوى بنجاح جزئي مؤقت لم يقوَ على الصمود. والأهم أنه جرى على يد تكتل متبلور ولو صغير، لكنه متماسك وملتزم بخطه، وشارك فيه نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وهذا أيضاً غير معروف، وشكّل سابقة مزعجة لمفاتيح إسرائيل بواشنطن، ممّن لا يتحمّلون أي خروج على سياسة القطيع في الكونغرس تجاه إسرائيل.
أواخر الأسبوع الماضي، طرح الديمقراطيون في مجلس النواب مشروع قرار لتمويل نفقات حكومية عامة، وألحقوا به فقرة لتخصيص مليار دولار لإسرائيل، من أجل إعادة تجهيز شبكة القبة الحديدية بالصواريخ المضادة التي استخدمتها خلال حرب غزة في مايو/أيار الماضي. الكتلة "التقدمية" التقطت الفرصة لتسجيل أول خطوة تشريعية ضد إسرائيل تحمل توقيعها، فاشترطت إزاحة هذا النص كثمن لتأييد المشروع وبالتالي ضمان تمريره، وكان لها ما أرادته، بحكم حاجة الديمقراطيين إلى أصواتها. على الفور، سارع اللوبي الإسرائيلي وأذرعه في الكونغرس إلى القيام بعملية استنفار أدّت إلى طرح مشروع قانون مستقل بالمبلغ، جرى التصويت عليه في أقل من 24 ساعة، بأكثرية 420 ضد 9. حجم التأييد الكاسح كان متوقعاً. الجديد في الموضوع، كان أن يصوّت 9 نواب، ومن بينهم واحد جمهوري، ضد تمويل عسكري لإسرائيل. في الواقع هم 10، لكن النائبة الأخرى ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، المحسوبة على الكتلة، اضطرت كما قالت لاتخاذ موقف محايد، سرعان ما أعربت عن ندمها عليه، واعتذارها عن عدم تصويتها ضد المشروع.
بلغة العدد، الاعتراض على المشروع نسبته هزيلة. حوالي 2 بالمائة من مجلس النواب. ومن المتوقع أن تكون أضعف في مجلس الشيوخ. لكن في الدلالة، كانت المسألة أبعد من الرقم. الكتلة أو "الزمرة اليسارية" كما يسمونها، تكونت في مجلس النواب مع انتخابات 2018، وأطلقت منذ ذلك الحين عملية مطاردة لسياسات إسرائيل، وانحياز الكونغرس الأعمى لها. جرت محاولات لعزلها وإزاحتها، لكن "رموزها" تمكنوا من الاحتفاظ بمقاعدهم في انتخابات 2020. في صفوفها الأمامية نائبتان من أصل عربي فلسطيني وصومالي، وعدد من الأقليات والملونين. التوقيت كان ملائماً، حيث تزامن خطابها الناقد والكاشف لإسرائيل، مع تنامي النفور نسبياً في الساحة الأميركية من تطاول رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو (أيام الرئيس السابق باراك أوباما) وتجاوزاته وتقويضه لحلّ الدولتين. تجلّى ذلك في انتشار حملة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية المصنّعة في المستوطنات، برغم محاربتها في عدة ولايات. تمددت أكثر في الجامعات الهامة، منها يال وبراون، اللتان تشكلت فيهما مجالس طلابية مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، ورافضة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
بنتيجة ذلك، حصل هبوط ملحوظ في تأييد إسرائيل في صفوف الجيل الجديد من الديمقراطيين. واكب ذلك في السنوات الأخيرة دخول بند الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني على أجندات بعض مرشحي الرئاسة، وعلى رأسهم السناتور "الاشتراكي" بيرني ساندرز. كما تبلورت حالة من التعاطف، ولو الخجول، في صفوف الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، مع خطاب "زمرة اليسار".
ولا يقل أهمية، بل ربما كان الأهم، أن يترافق ذلك مع تزايد اعتراضات بعض النخب الأميركية واليهودية - الأميركية، على واقع العلاقات الأميركية اللامحدودة في تغاضيها عن إسرائيل وفي تجاهلها للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال. على سبيل المثال، صدرت كتابات من نوع "آن الأوان لوقف العلاقة الخاصة مع إسرائيل" - مايو/أيار 2020. وأخرى تدعو إلى تصنيف "معاداة الفلسطينيين" في خانة "التعصب العنصري الأعمى" - الكاتب اليهودي المعروف بيتر باينرت – يوليو/تموز 2021. وحتى الإدارة اضطرت أخيراً بعد المراوغة، للاعتراف الصريح بأن الضفة الغربية "أرض محتلة"، بتعبير الناطق الرسمي في الخارجية نيد برايس.
وسط هذه الأجواء، انتعشت "الزمرة اليسارية" في الكونغرس، رغم التحديات الكاسرة التي تواجهها؛ ومع أنها غير قادرة على تشكيل خصم جدّي قادر على تغيير موازين القوة في المدى المنظور، لكنها خضّت الماكينة الإسرائيلية في واشنطن، التي صار عليها التعامل مع كتلة قد تتطور إلى كتل في الكونغرس، غير راضية عن الاحتضان الأميركي المفتوح لإسرائيل.
في الماضي، كان اللوبي الإسرائيلي يسارع إلى محاربة النواب وأعضاء مجلس الشيوخ المتمردين، عن طريق شن حملات انتخابية ضدهم تؤدي إلى منعهم من تجديد انتخابهم، كما حصل مع النائب بول فندلي، الذي تصدى بقوة لنفوذ إسرائيل في الكونغرس. الآن توسعت الدائرة، وثمة خميرة تساعد على الترويج ضد هذا النفوذ. مرة قال السناتور الجمهوري الليبرالي راند بول، إنه "لا يجوز أن نقترض لنعطي مساعدات لدولة غنية" مثل إسرائيل. كلامه، ولو أنه مرّ بصورة عابرة، يعبّر عن أصوات مكبوتة كثيرة في مجلسي الكونغرس. "الكتلة" تأتي كتعبير عن هذه الأصوات، من دون أن يكون هناك وهم بقدرتها على الدفع نحو التغيير في عضوية العلاقات الأميركية الإسرائيلية، لكنها نغمة أو بداية مختلفة، وهذا بحدّ ذاته يثير خشية مؤيدي إسرائيل في أميركا، الذين "يرفضون نعتهم بمعاداة الفلسطينيين، بينما لا يجوز للفلسطينيين - الأميركيين أن يعربوا عن نصرتهم للقضية الفلسطينية دون أن يوصموا بمعاداة السامية". معاداة السامية صارت الرديف للاعتراض على سياسات إسرائيل، لكنها ورقة صارت مكشوفة، وإن لم تفقد فعاليتها بعد في الساحة الأميركية.
عرقلة دعم صواريخ "القبة الحديدية" تفجر جدلا في إسرائيل حول مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة
وتحت عنوان: عرقلة دعم صواريخ "القبة الحديدية" تفجر جدلا في إسرائيل حول مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة!" كتب خلدون البرغوثي على موقع المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار": عادت العلاقة المتوترة بين إسرائيل والحزب الديمقراطي الأميركي، التي ورثتها حكومة نفتالي بينيت عن حكومة بنيامين نتنياهو، إلى واجهة الأحداث الأسبوع الماضي. فعرقلة عدد من الأعضاء الديمقراطيين التقدميين في مجلس النواب الأميركي، مشروع قانون الموازنة العامة في الولايات المتحدة بسبب تضمنها بندا ينص على دعم إسرائيل بمليار دولار لتعزيز ترسانتها من صواريخ وبطاريات القبة الحديدية، شكلت ضربة غير متوقعة لإسرائيل.
وأثارت القضية الجدل من جديد على مستويين: الأول العلاقة المشار إليها، والثاني تبادل الاتهامات في إسرائيل بين الحكومة الحالية وبين نتنياهو ومناصريه حول من يتحمل مسؤولية الوضع الحالي.
ورغم إقرار الكونغرس مشروع الدعم المقدم لإسرائيل بعد فصله عن الموازنة، إلا أن إرث العلاقة الاستراتيجية التي رسخها ليكود نتنياهو مع إدارة دونالد ترامب الجمهوري والتوتر السابق مع إدارة باراك أوباما، لا يزالان يلقيان بظلالهما على الحكومة الحالية.
وكان بينيت أشار في سياق خطابه أمام الكنيست خلال جلسة الحصول على الثقة لحكومته، إلى العلاقات الإسرائيلية- الأميركية وأهميتها، وقال إن حكومته ستبذل جهدها لترميم علاقاتها الخارجية، ولتعميق وتطوير العلاقات مع أصدقاء إسرائيل في الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، وإن حدثت خلافات فسيتم التعامل معها من منطلق الثقة والاحترام المتبادل. ووجه بينيت الشكر إلى الرئيس الأميركي جو بايدن لوقوفه إلى جانب إسرائيل خلال حربها على قطاع غزة الشهر الماضي، ولدعمه إسرائيل لسنوات طويلة.
كما تعهد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد بتحسين العلاقات بين إسرائيل وواشنطن، في اتهام مباشر إلى نتنياهو بالمسؤولية عن تدهور هذه العلاقة عبر التحالف الوثيق الذي جمع الليكود بإدارة ترامب والحزب الجمهوري. وقال لبيد إنه "سيعمل على ترميم علاقات إسرائيل مع يهود الولايات المتحدة من الديمقراطيين، بعد أن مزقتها رهانات نتنياهو وإدارة ظهره لهم"، في إشارة إلى تركيز نتنياهو على العلاقة مع الحزب الجمهوري فقط.
وكان قادة الحزب الديمقراطي يتوقعون أن يتم تمرير مشروع قانون الموازنة الأميركية بدون معيقات، لكن تضمنها بند دعم إسرائيل بمليار دولار لتعويض ترسانتها من صواريخ "تامير" المستخدمة في القبة الحديدية، دفع ثمانية نواب من الحزب الديمقراطي التقدميين، الرافضين أصلا لتقديم دعم عسكري ومالي لإسرائيل، إلى التهديد بالتصويت ضد مشروع الموازنة، وأبرز هؤلاء أليكساندريا أوكاسيو- كورتيز، ورشيدة طليب، وإلهان عمر، وإيانا بريسلي. ودفع تهديد هؤلاء النواب بالتصويت ضد الموازنة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى سحب مشروع الموازنة مؤقتا، لعدم توفر الغالبية المطلوبة في ظل تهديد كافة نواب الحزب الجمهوري بالتصويت ضد مشروع الموازنة ككل، وطرح مشروع دعم إسرائيل بشكل منفصل. ولاحقا تم التصويت على مشروع الدعم لإسرائيل خارج إطار الموازنة وحصل على تأييد غالبية ساحقة، فصوت معه 420 نائبا وعارضه تسعة نواب، ثمانية ديمقراطيون، والجمهوري توماس ماسي، الذي كتب في تغريدة على حسابه على "تويتر" إنه يرفض من ناحية مبدئية تقديم الولايات المتحدة دعما أجنبيا بغض النظر عن متلقيه، وهي في الوقت ذاته تواجه خطر الإفلاس؛ أي أنه لم يصوت ضد دعم إسرائيل تحديدا، لكن ضد أي دعم مالي خارجي.
ويهدف الدعم الأميركي العاجل لإسرائيل إلى تعويضها عن مئات الصواريخ التي أطلقت خلال التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد قطاع غزة في شهر أيار الماضي، وكذلك لزيادة عدد بطاريات القبة الحديدية نفسها. ويرتبط الدعم الأميركي للقبة الحديدية بكونها مشروعا مشتركا، إسرائيليا بالتطوير وأميركيا بالتمويل.
اتهامات متبادلة بين الليكود وحكومة بينيت- لبيد
في رد فعل سريع اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد حكومة نتنياهو وسياساتها تجاه الحزب الديمقراطي، وكتب تغريدة قال فيها: "بعد سنوات أهملت فيها الحكومة السابقة الحزب الديمقراطي والكونغرس، وتسببت بضرر كبير لعلاقات إسرائيل والولايات المتحدة، نحن اليوم نبني من جديد الثقة مع الكونغرس. وأنا أشكر الإدارة والكونغرس على التزامهما الراسخ بأمن إسرائيل".
الوزير السابق موشيه يعلون هاجم نتنياهو أيضا وكتب في "تويتر": "معارضة مجموعة من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين لإقرار مشروع الدعم للقبة الحديدية، هو ثمار لسلوك حكومة نتنياهو التي تدخلت في السياسة الأميركية من خلال دعم الجمهوريين... من الجيد أن حكومة التغيير شرعت في إصلاح الوضع".
بالمقابل سارع قادة حزب الليكود إلى مهاجمة لبيد، ونشرت سلسلة تغريدات على حساب الحزب على "تويتر" جاء فيها "اتهامات لبيد التي لا أساس لها لرئيس الحكومة السابق نتنياهو والحزب الديمقراطي تكشف من جديد جهل لبيد. فرئيس الحكومة نتنياهو هو الذي اتفق مع أوباما على خطة الدعم الأمني الأميركية لإسرائيل بقيمة 38 مليار دولار". وجاء أيضاً: "في تاريخ العلاقات الأميركية- الإسرائيلية فإن نتنياهو هو أكثر رؤساء الحكومات في إسرائيل الذين أجروا لقاءات مع سيناتورات ونواب أميركيين، من أجل تجنيدهم لصالح دعم أمن إسرائيل ومصالحها القومية الأخرى. وخلال حكم نتنياهو، لم يصوّت الكونغرس ضد أي قضية تتعلق بإسرائيل، بما في ذلك في ظل فترة الإدارات الديمقراطية. وفشل بينيت ولبيد هو الأكثر وضوحا، في ظل كون الرئيس الأميركي جو بايدن صديقا مواليا لإسرائيل. ولو كان لدى بينيت أو لبيد ما لدى نتنياهو من فهم للولايات المتحدة ومن قدرة لتقديم مصالح إسرائيل، لما كانت هذه المشكلة لتحصل أصلا. ولكي يحْرفا الانتباه عن فشلهما، يلوم بينيت ولبيد الآخرين، رغم أنه لا يوجد من يجب لومه إلا هما".
كما انعكس التوتر في وسائل الإعلام العبرية، وكتب الدبلوماسي الإسرائيلي السابق والمستشار السياسي في بعض الحكومات الإسرائيلية ألون بنكاس في صحيفة "هآرتس" أن حكومة نتنياهو هي التي سعت لخلق حالة تقاطب بين الحزبين في الولايات المتحدة، والآن هذا يرتد على إسرائيل. فـ"أزمة عرقلة التمويل الأميركي لمنظومة القبة الحديدية تشير إلى نهاية العهد الذي كان فيه الموقف من إسرائيل أمرا لا خلاف عليه بين الحزبين، والسبب في ذلك هو سلوك إسرائيل في السنوات الأخيرة".
وأضاف بنكاس أن "قوة المعارضين في الحزب الديمقراطي صغيرة نسبيا، وتتصاعد في أوقات الأزمات - مثل النقاش حول الموازنة- رغم أن هذا الوقت الذي يتوجب على الديمقراطيين فيه الإجماع على التصويت. وهذه هي فرصة التقدميين لتحقيق إنجازات عبر استعراض عضلاتهم في قضايا أخرى. قوتهم صغيرة لكن لا يجب غض الطرف عن تصاعد تأثيرهم على الجدل السياسي داخل الحزب الديمقراطي، وعلى توسع قاعدتهم في صفوف الناخبين الديمقراطيين. كما أن التغيير في الأجيال في الولايات المتحدة حوّل العلاقة بين أميركا وإسرائيل إلى قضية من المقبول انتقادها، وهذا ليس جيدا، لكنه بات واقعا".
أوباما تحمّل كثيرا.. وجاءت لحظة انتقامه
في صحيفة "معاريف" قال بن كسبيت: "خلال فترة حكمه، قام نتنياهو بكل شيء من أجل إهانة الرئيس الأميركي. وأوباما بلع غضبه وضبط أعصابه، لكن الآن وبعد أن ترك الاثنان منصبيهما، جاء الانتقام، وهو انتقام فعال". ويضيف كسبيت أن مسؤولين أميركيين من الحزب الديمقراطي حذروا نتنياهو مما يقوم به، لكنه رفض الاستماع لهم، وحاييم سبان قال لنتنياهو "إنك تعمل على تخريب الدعم من كل من الحزبين. أنت تعمل ضد رئيس وهو في الحكم في ساحته الخلفية، وهم لن ينسوا لك ذلك". لكن نتنياهو تجاهل هذه التحذيرات - يقول كسبيت- وقرر إلقاء خطاب في الكونغرس العام 2015، ولو كان هذا الخطاب سيمنع التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، لكان من الممكن قبول الإقدام عليه، لكن، ورغم تحذير نانسي بيلوسي لنتنياهو من أنه من المستحيل عبر خطابه تجنيد ثلثي أعضاء الكونغرس للتصويت ضد الاتفاق، إلا أنه أصر على قبول دعوة الحزب الجمهوري وإلقاء هذا الخطاب.
ويفسر بن كسبيت موقف نتنياهو هذا بالقول إنه "لم يسافر إلى واشنطن من أجل إحباط الاتفاق مع إيران، بل ذهب في حركة استعراضية انتخابية لمنع فوز إسحاق هيرتسوغ عليه في انتخابات 2015 التي كانت مقررة بعد أسبوعين من الخطاب". وكان هيرتسوغ يقود تحالفا ضد الليكود حينئذ.
بالمقابل، وفي صحيفة "يسرائيل هيوم"، انبرى أريئيل كهانا، المراسل السياسي للصحيفة، للدفاع عن سياسات نتنياهو في وجه الانتقادات. وادعى في مقالته أن الحديث عن أن نتنياهو والسفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر أدارا ظهريهما للحزب الديمقراطي، هو حديث لا أساس له. ويشير كهانا إلى ما كتبه لبيد أعلاه بالقول إن نتنياهو لم يقطع علاقته بأعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي، واستمرت لقاءاته بهم طوال فترة حكم أوباما بما فيها فترة التوتر حول الملف النووي، وكذلك خلال فترة حكم دونالد ترامب، وما شهدته من تقارب شديد بين حكومة نتنياهو وإدارته، وتوتر شديد مع الحزب الديمقراطي.
ويستعرض كهانا سلسلة اللقاءات التي جمعت نتنياهو بأعضاء كونغرس ديمقراطيين في الفترتين المذكورتين، في سعيه للتأكيد أن نتنياهو حافظ على خط تواصل مع الحزبين. مع ذلك يقر كهانا بالخلاف بين نتنياهو وإدارة أوباما حول الاتفاق النووي الدولي بين إيران ومجموعة (5 + 1)، ويشير إلى أن نتنياهو قام بما يتوجب عليه أن يقوم لمصلحة إسرائيل.
الواضح أن كهانا تعمد إبراز استمرار الاتصالات بين مسؤولي إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، لكنه أهمل تماما التوتر الشديد بين هذه الحكومة والديمقراطيين في ظل الإدارة الجمهورية برئاسة ترامب. فهو كان انتقائيا في حصر نقد لبيد وغيره في فترة حكم أوباما الأخيرة وتجاهل الحلف الوثيق الذي بناه نتنياهو مع ترامب والحزب الجمهوري على حساب علاقته بالحزب الديمقراطي.
وفي صحيفة "مكور ريشون" قال أوفير فاربر، وهو مستشار استراتيجي وتسويقي للشركات، إن أزمة الدعم الأميركي على قصر عمرها، لا يمكن الإشارة لها دون ربطها بالإرث الذي خلفه نتنياهو.
ويثني فاربر على فترة حكم نتنياهو بالقول:
"بعد 12 عاما قامت خلالها إسرائيل بما يتوجب عليها من منطلق قوة لا ضعف، ورغم النجاحات الكبيرة، تعود إسرائيل (الآن) إلى الغلطة ذاتها، فهي بقيادة بينيت ولبيد تعود إلى اتهام نفسها، بدلا من أن تمسك بزمام المبادرة. وهي بذلك ترسل إشارات ضعف نابعة من الخوف وفقدان الثقة وغياب نهج سياسي منظم وحقيقي، وهذا سيجعلنا جميعا ندفع ثمنا باهظا. فعرقلة المساعدات الأميركية هي أصغر المشاكل التي نواجهها حاليا، والتحدي الأكبر هو في معرفة من هم اللاعبون الذين نواجههم، وما هي قيمهم، مع التذكير بأن العلاج الناجع لمواجهة معاداة السامية الجديدة، هو العمل ضدها بعزم وإيمان، وهذا بعكس ما تقوم به الحكومة الحالية".
"الفِرقة" التي تهدد إسرائيل في الحزب الديمقراطي
في صحيفة "غلوبس" حذر داني زاكين من أن أعضاء الحزب الديمقراطي من التقدميين باتوا أكثر قوة من أي وقت مضى، وعرقلتهم للمساعدات لإسرائيل هي مجرد بداية. وأضاف: "ما حدث هو مؤشر على القوة التي تتمتع بها مجموعة صغيرة في الكونغرس، وإسرائيل تخشى الآن من أن تعاظم قوة هؤلاء سيلحق ضررا بالدعم الأميركي لإسرائيل".
ويستعرض زاكين مجموعة يطلق عليها الإعلام العبري الكلمة الإنكليزية SQUAD (الفِرقة) في وصف كل من أليكساندريا أوكاسيو- كورتيز ورشيدة طليب، وإلهان عمر، ويقول إن التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي تصاعد بسرعة في السنوات العشر الأخيرة، وباتت هذه "الفِرقة" تشكل مجموعة موازية للمجموعة شديدة الدعم لإسرائيل في الحزب الجمهوري المسماة "حزب الشاي". وتتبنى هذه "الفِرقة" إلى جانب القضايا الاقتصادية، وضع الأقليات وعنصرية الشرطة ضدها، وكذلك الجدل حول إسرائيل.
ويشير إلى أن رشيدة طليب هي فلسطينية لوالدين هاجرا إلى ميتشيغان، فيما تعود أصول إلهان عمر إلى الصومال. وهي أول سيدة مسلمة تنتخب لعضوية مجلس النواب. أما أوكاسيو- كورتيز فتعود أصول أجدادها إلى اليهود الذين فروا من محاكم التفتيش في إسبانيا، لكن ذلك لم يمنعها من أن تكون مناصرة بقوة لحركة مقاطعة إسرائيل BDS.
ويقول زاكين إن السيدات الثلاث لا يشكلن قوة كبيرة حاليا، لكن حاجة الحزب الديمقراطي لكل صوت في الكونغرس تمنح "الفِرقة" تأثيرا أكبر من حجمها. وينقل زاكين عن مسؤول كبير في الحزب الديمقراطي قوله إن "قوة التقدميين تتركز في الجيل الشاب في الحزب، خاصة أبناء الأقليات من الأميركيين من أصول أفريقية وإسبانية... وهذه المجموعة تشكل خطرا ليس فقط على إسرائيل، فهي تقوض بعض أسس الأمة الأميركية، وتسعى لدفع الحزب إلى اليسار".
أما لاهاف هاركوف فأشارت في صحيفة "جيروزاليم بوست" إلى أن أزمة الدعم الأميركي لإسرائيل انتهت، بإخراج بند الدعم عن الموازنة والتصويت لصالحه بأغلبية ساحقة، لكن المشاكل التي ستخلقها "الفِرقة" لإسرائيل ستتواصل. فقادة الحزب التقليديون أمثال نانسي بيلوسي وستيني هوير وتشارلز شومر يتقدمون في السن، ويقتربون من التقاعد، أما كورتيز وطليب وعمر فلا يزلن في بداية حياتهن السياسية. وتكمن مشكلة إسرائيل أمام هذه "الفِرقة" الصغيرة، ليس في قوة صوتها فقط، بل في ضعف قادة الحزب الديمقراطي أمامها. والحل حسب هاركوف يكمن في "تعزيز العمل مع إدارة بايدن ومع الديمقراطيين والجمهوريين المعتدلين في الكونغرس من أجل محاصرة التقدميين، كما حدث هذه المرة. أما تقزيم الأزمة والتعامل معها بأنها مشكلة تقنية خالصة، ولوم نتنياهو عليها، فلن يساعد إسرائيل في شيء"!