• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
مقالات عربية

مؤتمر التطبيع في كردستان وموقف إيران


توافق تاريخ مؤتمر الترويج لإسرائيل والتطبيع معها، والمنعقد في اربيل، مع تاريخ الاستفتاء لانفصال الاقليم عن العراق، والذي جرى في ٢٠١٧/٩/٢٥.

في كلا الحدثّين، كان دور ومصلحة لإسرائيل، بل الثاني، اي مؤتمر الترويج لإسرائيل والتطبيع معها، كُرّسَ خصيصاً لدعم اسرائيل. والتوقيت كان محسوباً بترابط الحدثيّن؛ فالانفصال يجسّد احلام الكرد ومدعوم من اسرائيل، لما فيه مصلحة لإسرائيل وليس للكرد، والتطبيع يجسّدُ هدف اسرائيل ولا ضيّر للإقليم من ان يكون له في التطبيع دوراً، وكردّاً للجميل وتعزيزاً للمصالح المتبادلة.

لا تنحسرُ تداعيات المؤتمر على المخالفات الدستورية والقانونية في انعقاده على ارض العراق، وانما ايضاً في غياب ايّة محاسبة (حسب علمنا) او اجراءات لمعاقبة مرتكبي هذه المخالفات. هي مخالفات وليست مخالفة: مخالفة في الترويج لإسرائيل والدعوة علناً الى الاعتراف بها والتطبيع معها، ومخالفة اخرى، وردت ضمناً، في النوايا وفي المناقشات، وهي السعي لتجزأة وتقسيم العراق او لفدرلته وفق الصيغة التي مضى عليها اقليم كردستان، والقريبة جداً الى الكيان الكونفدرالي.

انعقدَ المؤتمر في اربيل، في اقليم كردستان، ولكن الحاضرين والناشطين وأغلب المتحدثين هم من مدن العراق غير الكردية، وفي الامر، تمرير رسالة الى اسرائيل وامريكا والى الرأي العام المعني بأنَّ في العراق عملاء او مُغرّر بهم قادرين على الاجهار بأصواتهم علناً ودون تحفظ تأييداً لإسرائيل، وباسم العراق الاتحادي وليس باسم اقليم كردستان. لذا مسؤولية المحاسبة والعقاب تقع على عاتق السلطات الاتحادية.

على أثر مؤتمر اربيل للتطبيع، هل سيصبح اقليم كردستان مرتعاً لبعض النشاطات والفعاليات السياسية، والتي تخالف الدستور وتستفز الشعب العراقي وتستفز دول الجوار؟ ألمْ يستحق مثل هذا الامر، وقبل تكراره او الاتيان بآخر اسوء منه، ان يُصار الى نقاش جّدي مع السلطات في الاقليم للوقوف على التداعيات الاستراتيجية لمثل هذه الخروقات السياديّة وغيرها، والتي لا تصب، على المدى القريب لا في مصلحة الاقليم ولا في مصلحة العراق.

لم يتطرق المؤتمرون (حسبَ علمنا) الى ذكر إيران، رغمْ الحضور المتلوث (او الذي تلّوث) بالعمالة لإسرائيل، ورغمّ النفس التشريني (نسبة الى تظاهرات تشرين)، والذي هتفَ خلال التظاهرات بشعارات مناهضة لإيران، ورغم بعض الحضور من الاخوة السنة او البعثيّة المناهضين لإيران، علماً بأنَّ المؤتمر كان لدعم اسرائيل، ولا يمكن لمثل هذه الفعاليات والمؤتمرات الداعمة لإسرائيل ان تمّر دون فقرات او خطابات او كلمات تُناقش او تُلقى دون مهاجمة ايران.

بماذا يُفسّر غياب خطاب او كلمة او شعار يناهض إيران؟

بكل تأكيد كان على منظمي المؤتمر الالتزام ببعض التوجيهات الاساسية، ومنها واهمها، كما اعتقد، عدم التطرق بسوء للجارة إيران!

مِنْ غير المسموح به أطلاقاً استفزاز إيران مرتيّن؛ مرّة بانعقاد المؤتمر لدعم اسرائيل، ومرّة اخرى (وهذا افتراض) بمهاجمة إيران! الاقليم يخشى ردود فعل إيران أكثر من خشيته لردود فعل السلطات الاتحادية في العراق او الاحزاب السياسية!

يأتي انعقاد المؤتمر لدعم اسرائيل في اربيل، في ظرف تتهم ايران عملاء وموساد اسرائيل بالدخول الى ايران، عبر حدود الاقليم، والقيام بتنفيذ اعمال ارهابية واغتيالات، وقد هدّدت ايران، على لسان رئيس اركان الجيش الايراني، بالقيام بعمليات عسكرية في اراضي اقليم كردستان لملاحقة الارهابيين، كما وجهّت رسالة الى الحكومة الاتحادية في العراق بهذا الشأن، ورّدت وزارة الدفاع في جمهورية العراق بالاستغراب من البيان او التحذير الايراني، وفي نصّ الرّدْ وردَ قول "ان الدستور العراقي لا يسمح بممارسة ايّة نشاطات ارهابية على ارضه ضّدَ دول الجوار". كيف نستطيع أنْ نُقنعْ إيران او تركيا بأننا نلتزم بالدستور ونمنع نشاطات ارهابية، من ارض العراق، ضّدَ مصالحهم، ونحن عاجزون عن تطبيق الدستور في اقليم كردستان، وعاجزون عن منع نشاطات او فعاليات في كردستان، مخالفة للدستور وارادة الشعب، مثل مؤتمر اربيل للتطبيع؟

مؤتمر دعم اسرائيل في اربيل سيكون ذريعة وحجّة لإيران لمزيدا من الاتهامات لعمليات ونشاطات ارهابية موسادّية، منطلقة من اقليم كردستان، وتبرير إيران سيكون الحفاظ على أمنها القومي.

لن استبعد بأن تلجأ إيران الى تأسيس نقاط مراقبة وقاعدة او قواعد لها في الاقليم او في شمال العراق، على غرار ما قامت وتقوم به تركيا.

ذريعة إيران ستكون منع تسلل عملاء اسرائيل، وذريعة تركيا منع تسلل المقاتلين الكرد المناهضين لتركيا.

مشهد اليوم (مؤتمر تطبيع ودعم لإسرائيل في اربيل، سلطات اتحادية لا حول ولا قوة لها عمّا يجري في الاقليم، اتهامات وتهديد ايراني) يوحي لنا بتوقعّات وبنتائج لا تصّبُ في مصلحة الاقليم ولا تُليق بالعراق الدولة.

مشهد اليوم يكشفُ عن اخطاء استراتيجية، يرتكبها الاخوة في الاقليم؛ دورهم وسعيهم لإضعاف الحكومة الاتحادية وتسويف قراراتها، واتكالهم على الوعود الامريكية (وهي سراب)، ودعم اسرائيل والامارات، وهما في حالة وهنْ وضعفْ.

مستقبل الاقليم مِنْ مستقبل العراق، وقد دلّت التجارب والوقائع على ذلك، لم تسعفْ امريكا الاقليم في انفصاله، لا في الماضي، حين كانت لها القوة والهيمنة في المنطقة، ولن تسعف امريكا الاقليم في المستقبل وهي تتخلى عن المنطقة وترحلها.

*د. جواد الهنداوي - سفير سابق / رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات / بروكسل