تشير التطورات الأخيرة في لبنان إلى وجود خطة معدة مسبقاً لتغيير الواقع السياسي في هذا البلد.
عندما تشكلت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي بعد فترة من التقلبات والعوائق لمختلف الجهات الداخلية والخارجية، أمل الشعب اللبناني في الخروج من الأزمة الكبيرة التي تعصف بالبلد على مختلف المستويات.
إنجازات حزب الله في لبنان والأمل في الخروج من الأزمة
مبادرة حزب الله لاستيراد الوقود من جمهورية إيران الإسلامية، في وقت كانت فيه أدوات أميركية مثل "رياض سلامة" تغذي الأزمة اللبنانية بإعلان إلغاء دعم الوقود، كانت خطوةً كبيرةً في اتجاه إفشال المؤامرة الداخلية والخارجية المشتركة ضد لبنان والمقاومة، ومع هزيمة حصار واشنطن على هذا البلد، سهلت أيضًا عملية استيراد الطاقة من دول أخرى إلى لبنان.
ومن الإنجازات الأخرى التي حققها حزب الله، کانت فتح علاقات لبنان مع سوريا، حيث أنه لأول مرة منذ الأزمة السورية، سافر وفد رفيع المستوى من بيروت إلى دمشق. وتشير الدلائل إلى أنه تم أيضًا توفير الأرضية لدخول لبنان في قضية إعادة إعمار سوريا، الأمر الذي سيحقق الكثير من النتائج الإيجابية للبنانيين.
کان من الممکن أن يكون هذا الوضع في لبنان واعداً بدخول مرحلة جديدة بعيداً عن التدخل الأجنبي وبداية الإصلاحات، لكن يبدو أن الجهات الأجنبية المنتفعة من أزمات لبنان، لا تزال تأمل في تنفيذ مشاريعها المناهضة للبنان.
السعودية تدخل على خط الفتنة في بيروت
من أكبر التحديات التي تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة، والتي ورد ذكرها أيضًا في البيان الوزاري، انفجار مرفأ بيروت، والذي وعد مسؤولو حكومة ميقاتي بمعالجته.
لكن خلافًا لهذه الوعود، لم يتصرف القضاء اللبناني بشكل صحيح في هذا الصدد، والقاضي طارق البيطار، القاضي في ملف انفجار مرفأ بيروت، قاد القضية علانيةً إلى التسييس. ودعم الولايات المتحدة للقاضي البيطار يؤكد تعمده في تسييس قضية انفجار مرفأ بيروت.
وبينما حذرت القوى الوطنية اللبنانية، بما في ذلك حزب الله وحركة أمل، مرارًا وتكرارًا من التدخل الأمريكي في هذه القضية ودعت إلى وضع حد لتسييس الملف، لكن لم يتخذ المسؤولون اللبنانيون أي إجراء عملي في هذا الصدد، وأخيراً بعد تجمع مواطنين لبنانيين أمام قصر العدل في بيروت لتغيير القاضي في ملف انفجار مرفأ بيروت، توفرت الأرضية لجريمة الأدوات الأمريكية والأداة الرئيسية للسعودية في لبنان، أي سمير جعجع وأنصاره.
كسائر الحوادث المشبوهة في لبنان التي استهدفت المقاومة مباشرةً، فإن الجريمة التي وقعت قبل أسابيع على يد عناصر سمير جعجع في منطقة الطيونة ببيروت، وخلفت سبعة قتلى وعشرات الجرحى، کانت تهدف إلی ضرب حزب الله بجره إلى حرب أهلية وخلق ذريعة لنزع سلاح المقاومة.
واللافت أن هذا الإجراء حدث عشية الانتخابات النيابية اللبنانية، التي تكتسي أهميةً كبيرةً لدول مثل الولايات المتحدة والسعودية. لكن هذه الخطة أيضًا فشلت تماماً، والمقاومة أحبطت هذه المؤامرة بتجنب الوقوع في شرك العدو.
وبعد أيام قليلة فقط من جريمة الطيونة، عادت الأزمة اللبنانية إلى الواجهة الإعلامية بنشر مقابلة مع وزير لبناني وآرائه حول الحرب في اليمن.
المطلعون على الوضع في لبنان وموقف الدول العربية منه، يدركون جيداً أن نشر مقابلة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول الدفاع عن الشعب اليمني ضد عدوان التحالف السعودي الأمريكي، لا يمكن أن يكون مصادفةً، خاصةً في الفترة الحالية وبعد أيام قليلة من أحداث الطيونة، وبينما يستعد جميع أصحاب المصلحة المحليين والأجانب للتأثير على نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية.
السعودية تعود إلى الساحة السياسية اللبنانية بالعصا العربي
أجرى جورج قرداحي مقابلته حول اليمن، والتي اشتهرت کثيراً هذه الأيام، قبل أكثر من شهرين مع إحدی منصات قناة الجزيرة القطرية؛ أي عندما لم يكن قد دخل بعد في الحكومة اللبنانية وكان يُعرف في ذلك الوقت کناشط إعلامي.
وعقب المصالحة بين السعودية وقطر في وقت سابق من العام الجاري، والتنسيق بين الجانبين، يعتقد بعض المراقبين أن هناك احتماليةً للتواطؤ لنشر هذه المقابلة في الوقت الحالي، بهدف دفع خطة السعودية للانتخابات النيابية في لبنان.
بالإضافة إلى ذلك، دانت وزارة الخارجية القطرية، التي كانت قد "دعت في السابق إلى إنهاء الحرب العبثية في اليمن"، في بيان تصريحات وزير الإعلام اللبناني بشأن الحرب في اليمن.
بعد الإجراءات الدبلوماسية للإمارات والبحرين والدول الخليجية الأخرى ضد لبنان، يظهر دعم قطر للسعودية أيضًا أن حربًا عربيةً واسعة النطاق قد شنت ضد لبنان.
من الواضح تماماً أنه في وقت يدين فيه العالم كله حرب اليمن، وحتى وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين والأمين العام للأمم المتحدة أنطوني غوتيريش، وصفا ولو ظاهريًا الحرب اليمنية بالعبثية ودعيا إلى إنهائها، فإن رد الفعل المبالغ فيه للسعودية وحلفائها على التصريحات المنطقية والبسيطة لمسؤول لبناني، لا يمكن أن يكون بلا هدف.
من ناحية أخرى، إذا كان السعوديون يريدون حقًا الدفاع عن أنفسهم ضد الإهانات، ألم يشعروا بالإهانة عندما وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب السعودية بأنها بقرة حلوب لا تستطيع حماية نفسها دون المال، وأهان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان علانيةً؟!
علاوة على ذلك، اقتصرت العلاقات السعودية اللبنانية في السنوات الأخيرة على تدخل الرياض في الشؤون الداخلية للبنان بين حين وآخر، والإجراءات السعودية المناهضة للدبلوماسية ضد لبنان؛ مثل احتجاز رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري كرهينة، ومحاولة الحفاظ على الفراغ السياسي في هذا البلد.
حتى عندما طلب نجيب ميقاتي علنًا من السعودية المساعدة عدة مرات، لم يلق أي اهتمام من هذا البلد، وهذا بحد ذاته يدل على أن السعوديين ليس لديهم أي نية لمساعدة لبنان، على عكس مزاعمهم، وأنهم يسعون فقط لتحقيق مصالحهم الخاصة.
خطة السعودية طويلة الأمد ضد حزب الله في الانتخابات النيابية اللبنانية
لم يتبق سوى خمسة أشهر على الانتخابات النيابية اللبنانية، وتخطط الحكومة اللبنانية لإجراء الانتخابات.
تدرك السعودية جيداً أن خلق الأزمات في الوضع الحالي يمكن أن يعطل العملية الانتخابية اللبنانية ونتائجها؛ خاصةً أنه مع التطورات الأخيرة في هذا البلد، فإن فرص المرشحين المنتمين للمقاومة في الانتخابات أعلى بكثير من فرص أدوات السعودية والولايات المتحدة.
وتعززت هذه الفرضية عندما اعترف وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود في مقابلة هاتفية مع رويترز يوم أمس، بأن المحور الأساسي للأزمة من وجهة نظر الرياض هو حضور حزب الله القوي في الهيكل السياسي اللبناني.
إبن فرحان الذي کان يتحدث بعد أن قطعت السعودية وعدة دول في مجلس التعاون العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع لبنان، أکد أنه يعتقد أن "الموضوع أوسع من الوضع الحالي(موضوع تصريحات جورج قرداحي)؛ فمن المهم جداً أن تتخذ الحكومة اللبنانية نهجاً يخرج البلاد من هيكلها السياسي الحالي، الذي يتولى فيه حزب الله السلطة".
في الواقع، اعترف هذا المسؤول السعودي الكبير في تصريحاته، بأن تصريحات جورج قرداحي حول اليمن كانت مجرد ذريعة لاستكمال حملة الرياض العدائية ضد حزب الله، في الفترة التي تسبق الانتخابات النيابية اللبنانية.
على أي حال، أثبتت السعودية مرارًا أنها لا تکن الود للبنان، وإذا أرادت السلطات اللبنانية إرضاء السعوديين بالتضحية بأشخاص مثل جورج قرداحي، فعليهم أن يعلموا أن الرياض تريد في المرحلة التالية حل الحكومة اللبنانية، وتكرار سيناريو الأزمة السياسية وما يترتب عليها من تعطيل الانتخابات النيابية.