• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
تقارير

حربٌ اقتصاديّة سعوديّة على لبنان.. الأبعاد والنتائج؟


بعد أن كانت عثرة في طريق تشكيل الحكومة اللبنانيّة برئاسة نجيب ميقاتي عقب مرحلة من التقلبات والعوائق لمختلف الجهات الداخلية والخارجيّة، تعود السعودية إلى أسلوبها العدائيّ مع لبنان بذريعة تصريحات قديمة لوزير الإعلام اللبنانيّ جورج قرداحي في مقابلته الصحفيّة حول اليمن مع إحدى منصات قناة الجزيرة التابعة لآل ثاني في قطر، بيّن رئيس اتحاد الغرف السعودية، عجلان العجلان،  أنّ جميع الشركات السعوديّة أوقفت كل تعاملاتها مع الشركات اللبنانيّة، رداً على ما أسماه "التبرير والمباركة من الحكومة اللبنانيّة للأعمال الإرهابيّة التي تستهدف المملكة ومقدراتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة"، ما أعاد ملف لبنان وحكومته ومعهما الأزمات المتفاقمة في البلاد إلى المربع الأول، ما يعني مزيداً من التداعيات البالغة السلبيّة على مختلف المستويات وبالأخص الاقتصاديّة كما تقول الوقائع، وسط تنبؤات تشاؤميّة وشكوك متعاظمة حيال أيّ احتمالات إيجابيّة من شأنها إعادة إحياء الآمل في قضيّة تحريك الملفات العالقة من قبل الحكومة اللبنانيّة الجديدة، نتيجة العداء السعوديّ للبنان.

حرب ضروس

في ظل الحرب الضروس التي شنّتها المملكة ضد لبنان وشعبها، تؤكّد الرياض على لسان مسؤوليها أنّ جميع الشركات السعودية لن تتعامل مع أي شركة لبنانية أو أي قطاع اقتصاديّ لبنانيّ، وكأنّ السعوديون يريدون توجيه رسالة صريحة للبنان مفادها بأنّ "لا مساعدة سعوديّة لكم في أزماتكم بل العكس"، بمعنى آخر لا يوجد أيّ رغبة من القيادة في السعوديّة في إنقاذ لبنان أو تقديم يد العون له، بما يتماشى مع المخططات الهدامة لنظام آل سعود.

والمثير في الأمر، أن السعوديّة التي قتلت الآلاف من السوريين واللبنانيين والعراقيين واليمنيين، بررت حربها على لبنان بما أسمته "تأييد الهجمات الإرهابية بالطائرات المفخخة على السعودية وشعبها ومكتسباتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة"، بيد أنّها أعادت خلص أوراق اللعبة من جديد لتحقيق مبتغاها داخل الحكومة اللبنانيّة التي مرت بولادة عسيرة نتيجة الخلاف السياسيّ الكبير الذي يعيشه لبنان منذ عودة رئيس الوزراء اللبنانيّ الأسبق، سعد الحريري، من الاختطاف في السعودية، حيث فشلت الأطراف السياسيّة في إنجاز أيّ ملف من ذلك الحين.

وفي الوقت الذي عدّ فيه المسؤولون السعوديون تصريحات قرداحي "أمراً غير مقبول" من الحكومة اللبنانيّة، زعمت أنّ التصعيد الأخير من قبل رجال الأعمال والشركات السعودية بأمر من ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، وفقاً لمحللين، جاء للوقوف بجانب حكومة بلادهم، ما يعني أنّ السعوديّة المتخمة بالنفط فضّلت مصالحها السياسيّة الخبيثة على مساعدة لبنان للخروج من أزماته المتفاقمة وبالأخص الاقتصاديّة، مع غياب شبه كامل للحلول وفقدان الأمل في الشارع اللبنانيّ نتيجة ارتفاع نسب الفقر والعنف والهجرة.

وبالتزامن مع العداوات التي تتربص بهذا البلد وبالأخص المقاومة ومحاربته من خلال عملاء الداخل، لمحاولة تغيير قرار المقاومة في لبنان والمنطقة، وتغليب لغة المساومة، شمل التصعيد والحرب الاقتصاديّة السعوديّة وقف التعاون في جميع المستويات الاقتصاديّة والتجاريّة وكذلك الاستثماريّة، لأنه ومن وجهة نظر الرياض من غير المنطقي أن يستمر هذا التعاطي من قبل الحكومة اللبنانية مما تسميه "تشجيع للأعمال الإرهابيّة، وإغراق السوق السعودية بالمخدرات".

"حفاظاً على مصالح الشعب اللبنانيّ" جملة يرددها كثيراً المسؤولون السعوديون، الذين عرقلوا بشكل كبير محاولات حكومة ميقاتي في إيجاد حلول فوريّة للخروج من الوضع الحاليّ عبر السعي لمعالجة هموم ومشاكل الشعب لمنع البلاد من الانهيار، فيما تتبع السعوديّة أسلوب بث النزاعات الداخليّة والضغط الاقتصاديّ لمنع إنقاذ هذا الشعب الغارق بالأزمات، ما يؤكّد أنّ استراتيجيّة ميقاتي في التعويل على وهم الدعم العربيّ وبالأخص الخليجيّ كانت مخطئة للغاية، لأنّ الحل أولاً وأخيراً ينبع من الداخل بالاستناد إلى القدرات الداخليّة وليس "الاستناد إلى حائط مائل" أيّ الصدقات والمساعدات التي تقدمها بعض الدول العربيّة لأغراض محددة ومعروفة.

خسارة كبيرة

بعيداً عن أنّ السعودية أثبتت بشكل قاطع أنّها لا تريد الخير للبنان لأنّه وباعترافها منزعجة للغاية من الحضور القويّ للمقاومة اللبنانيّة المتمثلة في "حزب الله"، ضمن الهيكل السياسي اللبناني، وترغب في تكرار سيناريو الأزمة السياسيّة السابقة تعطيل الانتخابات النيابية القادمة خوفاً من فرص المرشحين المنتمين للمقاومة في الانتخابات، سيخسر الاقتصاد اللبنانيّ وفقاً لتقارير إعلاميّة  قرابة 220 مليون دولار من إجمالي قيمة الصادرات لدول العالم التي لا تزيد على 3 مليارات دولار، إذ يسجل القطاع الزراعي اللبنانيّ أكبر الخاسرين بنحو 92 مليون دولار، والقطاع الصناعي بنحو 97 مليون دولار، في حين سيواجه المنتجون في لبنان مشكلة في إيجاد أسواق بديلة لتصدير الصناعات والزراعات اللبنانيّة، كون هذه المنتجات لا تستوفي بشكل كامل شروط الاتحاد الأوروبيّ.

ومع ظل الأزمات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي تعيشها البلاد وحجم الأعباء الملقاة على عاتق الحكومة الحاليّة، كان القطاع السياحيّ اللبنانيّ قد سجّل انهياراً حاداً في الفترة الأخيرة، وبما أنّه المحرك الأساس للاقتصاد اللبناني خاصة في العقد الأخير، فهو يعتمد بشكل كبير على السياح الخليجيين، ومع انخفاض تدفق السياح من دول الخليج منذ العام 2015 لأسباب أمنيّة، تصدر السياح السعوديون حجم الإنفاق في لبنان بنسبة 16%  من إنفاق السياح بشكل عام، ما يعني تضرر الاقتصاد اللبنانيّ بشكل أكبر مع الحصار السعوديّ الحاليّ.

ومع الانعدام الأخلاقيّ التام والتخلي السعوديّ الكامل عن المسؤوليّة في ضرورة إعادة الروح للدولة اللبنانيّة ووضع حدٍ للانهيار الاقتصادي الكارثيّ الذي عاشه اللبنانيون في السنوات الأخيرة، تُشير تقارير صحفيّة إلى أن الاستثمارات السعودية في لبنان بين عامي 2004 و2015 بلغت نحو 6 مليارات دولار، فضلاً عن أن الصادرات السعودية إلى لبنان عام 2014 بلغت 415.4 مليون دولار، فيما قدمت السعودية للبنان خلال الفترة الواقعة بين عامي 1990 و2015، مساعدات تجاوز 70 مليار دولار بشكل مباشر وغير مباشر، بين استثمارات ومساعدات ومنح وهبات، وقروض ميسرة وودائع في البنوك والمصارف، وفقاً لمواقع إخباريّة، فيما تتعرض الرياض لاتهامات كثيرة حول رغبتها في تدمير لبنان منعاً لتنامي القوة الشعبيّة والسياسيّة لحزب الله الذي بات حاضراً بقوّة على المستويين الداخليّ والخارجيّ.

خلاصة القول، السعودية كشفت عن وجهها الحقيقيّ عند الشدائد، فبدل أن تسارع في إنقاذ لبنان وشعبها المنهك، تباهى مسؤولوها في الحديث عن أنّ المملكة ومنذ عشرات السنوات، قدمت الدعم السخيّ للحكومة اللبنانية تحت مزاعم "النهوض بالاقتصاد والرقي بالشعب اللبنانيّ"، مدعين أنّ بلادهم لم تتغيب في أيّ موقف لدعم لبنان وشعبه والواقع يشهد على تلك المزاعم التي لا يصدقها عاقل.