• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقارير

بريطانيا.. خسائر البريكست تفوق مكاسب الصفقات التجارية الموقعة بعده


وفقا لتحليل الأرقام الحكومية، تبين أن قيمة جميع الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها المملكة المتحدة منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي لا تتجاوز 50 بنسا للفرد سنويا.

وفي تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، قال الكاتب جون ستون إن جميع اتفاقيات بوريس جونسون التجارية الجديدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستحقق مجتمعة فائدة اقتصادية تتراوح بين 3 و7 جنيهات إسترلينية فقط للفرد على مدار الأعوام الـ15 القادمة، وذلك وفقا لأرقام الحكومة الرسمية.

وأشار الكاتب إلى أن هذه الدفعة الاقتصادية الضئيلة التي ساهمت في نمو الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 0.01% إلى 0.02% فقط، لا تضاهي الضربة الاقتصادية الناتجة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتي تقدرها الحكومة بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة نفسها.

ووفقا لتحليل أجرته صحيفة "الإندبندنت" بالتعاون مع كبار الأكاديميين في مرصد سياسة التجارة بجامعة ساسكس في المملكة المتحدة، فإن اتفاقيات التجارة الحرة المشهورة "بالكاد تساعد المملكة المتحدة في مواجهة تحدي تعويض النقص في الناتج المحلي الإجمالي في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي".

وذكر الكاتب أن رئيس الوزراء البريطاني تفاخر بالصفقات التي ستخلق على حد تعبيره "فجرا جديدا" وتمثل "بريطانيا العالمية في أفضل حالاتها"، ولكن من بين عشرات الصفقات التي أُعلن عنها منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن تُحدث اثنتان فقط تأثيرا اقتصاديا ملموسا في المطلق.

خسائر البريكست

وتشير التقديرات الرسمية من مكتب مسؤولية الميزانية إلى أن خسارة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تزيد على 1250 جنيها إسترلينيا للفرد على امتداد السنوات القادمة، أي أنها تفوق مكاسب البلاد من الصفقات التجارية بأكثر من 178 مرة.

وحسب ما يظهره التحليل، فإن الغالبية العظمى من اتفاقيات التجارة الحرة التي أعلنت عنها الحكومة، مثل الاتفاقية التي أبرمتها مع كوريا الجنوبية وسنغافورة وفيتنام، ليست سوى محاولات لاستبدال المعاهدات التي أبرمتها تلك الدول مع الاتحاد الأوروبي، والتي كانت بريطانيا تتمتع بها سابقًا باعتبارها عضوًا في الاتحاد.

ونقل الكاتب عن الخبير الاقتصادي التجاري البارز البروفيسور إل ألان وينترز، الذي أجرى التحليل بالتعاون مع مسؤول الأبحاث في المركز غييرمو لارباليستير، أن هذه الصفقات لا تضيف

أي مكاسب تجارية للمملكة المتحدة، ونظرا لأنها ليست بدائل مثالية فإنها في الواقع تضر بالمملكة بشكل طفيف.

استغل حزب العمال هذه النتائج ليعلن خسارة الحكومة رهانها على ازدهار بريطانيا، ودعت المعارضة إلى تحسين صفقة البريكست التجارية التي أبرمها جونسون مع الاتحاد الأوروبي بشكل "يمكّن المملكة المتحدة من وقف نزيفها التجاري مع أوروبا".

وحسب تصريحات مصدر في وزارة التجارة الدولية، فإن التحليل استند إلى بيانات "قديمة وثابتة"، وذلك رغم أن معظم البيانات صدرت في الصيف الماضي كجزء من جهود الحكومة الإستراتيجية لإبرام الاتفاقيات.

وتعليقا على النتائج، قال متحدث باسم وزارة التجارة الدولية إن آفاق التجارة العالمية التي نُشرت في سبتمبر/أيلول تظهر أن مركز الثقل في التجارة العالمية يتحرك بعيدا عن أوروبا باتجاه الأسواق سريعة النمو في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وأضاف "تكمن إستراتيجيتنا في لحاق الاقتصاد البريطاني بالأسواق الواعدة، واغتنام الفرص الاقتصادية الهائلة كدولة تجارية مرنة ومستقلة".

ولكن وفقا للتحليل الذي أعده الخبراء لصحيفة "الإندبندنت"، فإن الاتفاقية الجديدة التي أبرمتها بريطانيا مع اليابان وقدمتها الحكومة باعتبارها إنجازا كبيرا يتجاوز ما تم الاتفاق عليه مع الاتحاد الأوروبي، صيغت في الواقع بشكل مماثل للغاية لاتفاقية الاتحاد الأوروبي واليابان، مع بعض الاختلافات الصغيرة.

في هذه الحالة، من المتوقع أن يطغى تغيير تقني في القواعد الجمركية على فوائد التمديد الطفيف في التجارة الرقمية، مما سيضع بعض المصدرين في المملكة المتحدة في موقف ضعيف مقارنة بنظرائهم في الاتحاد الأوروبي.

مقارنة باتفاقية الاتحاد الأوروبي مع اليابان، كتب الأكاديميون "بالنسبة إلى عدم وجود اتفاق، قدرت الحكومة أن اتفاقية اليابان سترفع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة بنحو 1.5 مليار جنيه إسترليني (0.07%، أو 22 جنيها إسترلينيا للفرد)، ولكن مقارنة بما كانت المملكة المتحدة لتحققه لو لم تخرج من الاتحاد الأوروبي، فإن المكاسب ستكون ضئيلة أو سلبية".

اتفاقات تجارية بائسة

وفيما يتعلق بالصفقات المبرمة مع أستراليا ونيوزيلندا، من غير المتوقع أن تحقق المملكة أي فائدة اقتصادية جديدة منها، لأن هذه الدول تشارك بنسبة ضئيلة في تجارة المملكة المتحدة، ويشير التحليل أيضا إلى أن الاتفاقات لم يتم التوقيع عليها أو المصادقة عليها حتى الآن، وهي تعتبر حاليًا مجرد "اتفاقيات من حيث المبدأ".

وأضاف مصدر وزارة التجارة العالمية أن الحكومة تسعى إلى إبرام مجموعة أخرى من الاتفاقيات التجارية الطموحة مع الاقتصادات الكبرى مثل الهند وكندا والمكسيك والخليج -مع أن هذه الاتفاقيات ليست ملموسة- وقد توقفت الحكومة في الأشهر الأخيرة عن الادعاء بأنها على وشك إبرام اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة بعد هزيمة دونالد ترامب التي بددت أي أمل في حدوث ذلك.

ولكن الأكاديميين في مرصد السياسة التجارية في المملكة المتحدة لا يعتقدون أن الاتفاقيات التجارية يمكن أن تعوض الضرر الاقتصادي الناجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويقول الأكاديميون "بما أن الشركاء غير الأوروبيين يستأثرون بحوالي نصف المبادلات التجارية للمملكة المتحدة، فإنه من أجل تعويض خسارة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي قدرها مكتب الميزانية بنسبة 4%، لابد من إبرام اتفاقيات مع كل طرف واحد منهم لإحداث تغييرات تجارية من شأنها أن تخلق زيادة بنسبة 4% في الناتج المحلي الإجمالي".

"ولكن المحزن في الأمر -على حد تعبيرهم- هو أن الحكومة سعيدة بقبول الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الخروج من الاتحاد الأوروبي مقابل مكاسب سياسية تتمثل بالأساس في تعزيز سيادتها، وإبرام الاتفاقيات التجارية مع دول أخرى هو مجرد وسيلة لتحقيق أقصى استفادة من خيار خاسر من منظور اقتصادي".

ووفقا لإميلي ثورنبيري، وزيرة التجارة الدولية في الظل، فإن الرهان الاقتصادي الكبير للحكومة يكمن في تعويض الخسائر التي نتجت عن اتفاقية البريكست من خلال تعزيز تجارتنا مع بقية العالم، ولكن هذا التحليل يُظهر أن هذا الرهان كان محكوما عليه بالفشل دائما، حتى وفقا لأرقام الحكومة نفسها".

وتضيف ثورنبيري "أنه لهذا السبب يكون الوقت قد حان لتغيير المسار، ولا يمكن للحكومة أن تستمر في اتباع سياسة غير فعالة، وبدلا من ذلك، نحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لوقف نزيف تجارتنا مع أوروبا، وإصلاح الثغرات في اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".