• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
مقالات عربية

إلغاء "اسرائيل" اتفاقية النفط مع الامارات...الدوافع والأسباب


لا يمكن الاستهانة بقرار وزارة حماية البيئة الإسرائيليّة عدم منح ترخيص لمشروع مشترك مع الجانب الإماراتي يقضي بضخ النفط من الخليج إلى أوروبا مباشرة عبر ميناء إيلات الإسرائيلي على البحر الأحمر، فالقرار له دلالات عديدة، إذ يشكل ضربة قوية لأحد أهم الاتفاقات الاقتصادية بين الإمارات واسرائيل والتي جاءت على خلفية اتفاق السلام أو ما يسمى "اتفاق ابراهام".

صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أكدت في وقت سابق أن مديرة الوزارة، غاليت كوهين، أبلغت رئيس "شركة خط أنابيب أوروبا-آسيا" الحكومية (EAPC) التي تشغل المشروع من الجانب الإسرائيلي، في رسالة بأنه "ليس هناك فرصة للسماح بزيادة تدفق النفط عبر إيلات".

هذا القرار، الذي أُعلِن عنه يوم الأربعاء 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، يفسد عقداً مدته 10 سنوات كان قد وُقِّعَ في ديسمبر/كانون الأول 2020 بين مسؤولين إسرائيليين وإماراتيين، وكان العقد من شأنه أن يزيد بشكلٍ كبير من كمية النفط التي تُضَخُّ عبر محطاتٍ في إيلات وعسقلان.

الوزارة عللت السبب بكونه يسبب مخاطر بيئية، فيما يتعلَّق بمينائها على البحر الأحمر قبالة ساحل إيلات، وإن اتفاقية شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية مع الإمارات "ستزيد بشكلٍ كبير من المخاطر البيئية".

وتعرضت هذه الاتفاقات لانتقادات شديدة اللهجة من قبل الجهات المدافعة عن البيئة في إسرائيل، وقررت وزارة حماية البيئة تجميدها مؤقتا في يونيو الماضي.

ووجهت إلى "شركة خط أنابيب أوروبا-آسيا" في وقت سابق من الأسبوع الجاري اتهامات بالتورط في تسرب نفطي الخطير أضر بمحمية طبيعية عند سواحل إيلات عام 2014.

وكانت EAPC قد حذرت من أن إلغاء المشروع سيؤثر سلبا على علاقات إسرائيل مع الإمارات، غير أن مسؤولا في الحكومة الإماراتية قال لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن سلطات بلده ترى في هذا المشروع اتفاقية تجارية خاصة لا علاقة لها بها.

يشار إلى أن لائحة اتهام- قُدِّمَت قبل أيام- ضد شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية بشأن تورُّطها في تسرُّبٍ نفطي وقع عام 2014 دمَّر محمية إيفرونا الطبيعية المجاورة لإيلات. وأصرَّت الشركة الحكومية على أن التسرُّب كان حادثاً عارضاً، حسب قولها.

بلُغ طول خط الأنابيب المذكور حواليّ 254 كيلومترًا، ويُمكن أن ينقل 600 ألف برميل يوميًّا من النفط الإماراتي إلى الأسواق الأوروبيّة، الامر الذي سيَدُر عوائد ماليّة كبيرة على خزانة الدّولة العبريّة تتجاوز المِليار دولار سنويًّا كرسوم وعوائد مُرور، إضافةً إلى تنشيط الحركة التجاريّة في ميناء عسقلان (المصب) المُحتَل.

في ظاهر الأمر بدى وكأن الامارات تريد من خلال اتفاقية النفط توثيق العُلاقات التطبيعيّة مع اسرائيل، أمّا غير المُعلَنة فهي تجنّب كُل من مضيق هرمز ، وقناة السويس التي ليست مُؤهّلة لمُرور ناقلات النّفط العملاقة، ممّا يعني تقليص العوائد الماليّة لمِصر في هذا الظّرف الحَرِجْ.

إلغاء وزارة البيئة الإسرائيليّة للمشروع جاء لأسبابٍ بيئيّة، والخوف من حُدوث تسرّب نفطي في مِياه خليج العقبة أو الأراضي المُحتلّة التي سيَمُرّ عبرها هذا الأنبوب، ولكن ربّما هُناك أسباب مخفيّة ذات طابع أمني، أبرزها احتِمالات تعرّض هذا الخط لهجماتٍ تُنفّذها الفصائل الفِلسطينيّة المُسلّحة، على غِرار ما حصل لخط الغاز المِصري إلى دولة الاحتِلال، عبر صحراء سيناء، واضطرّت الحُكومتان في نهاية المطاف إلى إغلاقه.

مِصر كانت المُتضرّر الأكبر من هذا المشروع الإماراتي الإسرائيلي، ليس بسبب تجاوزه لقناة السويس، وإنّما أيضًا لخط أنابيب "سوميد" المِصري الذي ينقل الحُمولات الزّائدة من نفط السّفن العملاقة المارّة بالقناة إلى ميناء الإسكندريّة حيث يتم تصديره من هُناك إلى الأسواق الأوروبيّة، ومن المُفارقة أنّ الإمارات تملك 50 بالمِئة من أسهمه.

هذا التغوّل من حُكومة الإمارات في التّطبيع الاقتصادي، إلى جانب التّطبيع الأمني والعسكري مع الكيان الصهيوني أثار غضب السلطات المِصريّة، ووتر العُلاقات بين مِصر وأبو ظبي ولكن جرى التكتّم عليه مِصريًّا، حِرصًا على شعرة معاوية، وتقليصًا للخسائر الاقتصاديّة، وحاجة مِصر إلى المزيد من الودائع والاستِثمارات الإماراتيّة، والأهم من كُل ذلك مُحاولة كبْح جِماح التّعاون الاقتِصادي الإماراتي الإثيوبي في المجالات كافّة.

دولة الإمارات ترتكب خطيئةً كبرى بتحدّيها للثّوابت الوطنيّة العربيّة بالانخِراط في عمليّات التّطبيع مع الكيان الصهيوني، مِثله مِثل كُل اتّفاقات التّطبيع الأُخرى قديمها وجديدها، إن لم يكن أخطر.

الإمارات دولة غنيّة تملك ثرواتٍ نفطيّةٍ ضخمة، وتحتل المرتبة الثّالثة كأكبر دولة مُصدّرة للنّفط في العالم، وتملك صندوقًا ماليًّا سِياديا قيمته حوالي 800 مِليار دولار، ولا يزيد عدد مُواطنيها عن المِليون ونصف المِليون مُواطن في الإمارات السّبع التي تُشَكِّل اتّحادها، فلماذا هذا الانفِتاح على دولةٍ عُنصريّةٍ تحتلّ أراضي ومُقدّسات عربيّة وإسلاميّة، وتُمارس كُل أنواع جرائم البطش والقتل في حقّ شعبٍ عربيٍّ شقيق؟.

"اسرائيل" التي عجزت عن حماية نفسها أثناء معركة "سيف القدس" الأخيرة، وعزلتها صواريخ المُقاومة عن العالم 11 يومًا، بسبب إغلاق مطاريها الوحيدين، وأنزلت ستّة ملايين من مُستوطنيها إلى الملاجئ لن تستطيع حِمايتها، أيّ الإمارات، وخسرت جميع حُروبها مُنذ عام 1967، وباتت تُواجه هجرةً عكسيّةً بسبب شُعور نسبة كبيرة من مُستوطنيها بعدم الأمان.

ما لا تُدركه قِيادة الإمارات أنّ الزّمن يتغيّر بسُرعةٍ، وأنّ "إسرائيل" لم تَعُد بالقُوّة التي كانت عليها طِوال السّبعين عامًا الماضية، وتمكّنها من حسم الحُروب مع الحكومات العربيّة في ساعاتٍ معدودة، مُضافًا إلى ذلك أنها تتواجد في منطقةٍ مُلتهبةٍ، وغابة من الصّواريخ الدقيقة والمُتطوّرة، ولعلّ تجربتها الأخيرة في حرب اليمن، والخسائر البشريّة والماديّة الضّخمة من جرّاء التورّط فيها هو أبرز الأمثلة في هذا المِضمار، والسّعيد من اتعظ بغيره.