على الرغم من أن العلاقات بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة تبدو جيدةً، إلا أن الجانبين قد أظهرا خلافاتهما علنًا منذ فترة، ويتخذان مواقف ضد بعضهما البعض.
على سبيل المثال، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين قبل بضعة أشهر، أن واشنطن ستعيد فتح قنصليتها في القدس الشرقية للتعامل مع الشؤون الفلسطينية. لكن المسؤولين والقادة في تل أبيب يعارضون قرار واشنطن.
وفي هذا الصدد، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير المالية ليبرمان ووزير الخارجية الإسرائيلي لابيد، إن موقفه هو عدم وجود مكان للقنصلية الأمريكية لخدمة الفلسطينيين في القدس.
وأضاف رئيس وزراء الكيان الصهيوني أن موقفه واضح وشفاف، ووصف القدس عاصمة الكيان الصهيوني، وادعى أنه ينوي إقامة مستوطنة "أفيتار" وفقًا للاتفاق مع ممثلي المستوطنين.
حتى هذا الاستيطان هو محل نزاع بين حكومة تل أبيب والبيت الأبيض، وقد دعا قادة واشنطن إلى وقف الاستيطان على الأراضي التي احتلت بعد عام 1967.
وفي الشهر الماضي، نقلت صحيفة عبرية عن بينيت قوله، إنه قال "لا" لبايدن خلال اجتماع معه في البيت الأبيض (في أغسطس) بشأن ثلاث قضايا، هي إيران وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس المحتلة ووقف الاستيطان في الضفة الغربية.
ما تم الكشف عنه الآن هو أن حكومة بينيت على خلاف مع شريكتها القديمة، الولايات المتحدة، بشأن هذه القضايا الثلاث، لدرجة أن بينيت يقول بصراحة "لا" لبايدن.
المحاولات الأمريكية للعب دور علی الساحة الفلسطينية
فقدت الولايات المتحدة مكانتها في خضم التطورات الفلسطينية على مدى السنوات القليلة الماضية، ولا سيما نتيجة سياسات إدارة ترامب. بحيث خلال هذه الفترة، تمكّن لاعبون دوليون آخرون، بما في ذلك روسيا، من ملء الفراغ الأمريكي في فلسطين.
على مدى السنوات الأربع الماضية، استضافت موسكو في المتوسط عدة اجتماعات ومؤتمرات حول فلسطين كل عام، وفي معظم هذه التطورات كان المقعد الأمريكي شاغرًا.
ولهذا السبب، تحاول واشنطن استعادة دورها السابق في القضية الفلسطينية، من خلال الإعلان عن خطة لفتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، لكن في نهاية المطاف ستنتظر واشنطن الضوء الأخضر من تل أبيب، والآن الكيان الإسرائيلي في خلاف مع الأمريكيين حول هذا الموضوع.
من ناحية أخرى، تحاول حكومة نفتالي بينيت الهشة، التي تشكلت في إطار ائتلافي بعد عدة انتخابات متتالية وفاشلة، تعزيز موقفها الداخلي بإعلان معارضتها لإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية.
تضم حكومة بينيت حاليًا مجموعات صهيونية متطرفة ويمينية، ولديها معارضة شديدة من قبل الجماعات الصهيونية اليمينية الأخرى، وأي اتفاق لمجلس الوزراء الحالي في تل أبيب مع افتتاح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، سيعني انهيار هذه الحكومة الضعيفة والهشة. ولذلك، من غير المرجح أن يوافق نفتالي بينيت على إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية.
إعادة المبادرة لمجموعات التسوية
في الوقت الحاضر، فإن المبادرة بشأن التطورات الجارية في فلسطين هي بيد جماعات وتوجهات تميل إلی المقاومة والجهاد، مثل حماس والجهاد الإسلامي. كما تشير استطلاعات الرأي إلى تضاعف شعبية فصائل المقاومة، وخاصةً منذ معركة سيف القدس الأخيرة.
وجماعات التسوية نفسها، بقيادة محمود عباس، تدرك ذلك، حيث توقع الخبراء أنه إذا أجريت انتخابات حرة في الأراضي الفلسطينية، فستتمكن المقاومة والجماعات الجهادية الفلسطينية بسهولة من الوصول إلى السلطة في الضفة الغربية. وبالتالي، حتى الآن تتهرب السلطة الفلسطينية من إجراء الانتخابات، على الرغم من الوعود بهذا الشأن.
في الوقت نفسه، لا شك أن أحد أسباب إضعاف موقف تيارات التسوية في فلسطين والجماعات الموالية للغرب، هو السياسات الأمريكية في عهد ترامب، وهزيمة تل أبيب الأخيرة في معركة سيف القدس أمام فصائل المقاومة.
يبدو أن واشنطن من خلال إعادة فتح قنصليتها في القدس الشرقية، تريد دعم السلطة الفلسطينية وإعادة المبادرة إليها مرةً أخرى، ليعود زمام الأمور بيد مجموعات التسوية الموالية للغرب في فلسطين، على الرغم من أن الإخفاقات المتتالية لتيارات التسوية في الممارسة العملية، لم تتح لهذه المجموعات فرصةً للعودة إلى موقعها السابق.