• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقارير

الكيان الاسرائيلي يستخدم مياه فلسطين كسلاح ضد أصحاب الأرض


لم تفوت الحركة الصهيونية فرصة واحدة إلا واستغلتها لوضع المقترحات والخطط الرامية إلى السيطرة على موارد فلسطين المائية، وقد استهلت هذه المخططات فور إعلان الإنتداب البريطاني على فلسطين عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918. حتى تحول الماء مؤخراً إلى سلاح يُستخدمه الكيان الصهيوني في حربه الغاشمة على الشعب الفلسطيني حيث أن الفارق في استخدام المياه يومياً يتراوح ما بين 60 لتر للفلسطيني و400 لتر للإسرائيلي و800 لتر للمستوطن اليهودي. 

على الرغم من أن الفلسطينيين لهم حقوق في مياه نهر الأردن وبمياه الحوض الغربي والشرقي والجنوبي إلا أن "الكيان الاسرائيلي يمنعهم من الوصول إليها" وقد تسبب الحصار الإسرائيلي طويل المدى في تدهور خطير بجودة المياه بغزة، ما جعل 97% من المياه ملوثة وفقًا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في جنيف (منظمة غير حكومية)، يتعقد الموقف نتيجة أزمة الكهرباء الحادة التي تعيق محطات تشغيل آبار المياه ومعالجة الصرف الصحي، ما يتسبب في صرف 80% من مياه الصرف الصحي في غزة غير المعالجة في البحر، بينما تتسرب الـ20% الباقية إلى المياه الجوفية. أضافت المنظمة أن البيانات الحديثة تبين أن ربع الأمراض المنتشرة في غزة سببها تلوث المياه، و12% من حالات وفاة الأطفال والرضع مرتبطة بأمراض معوية لها علاقة بالمياه الملوثة. ازدادت أزمة المياه سوءًا منذ بداية الحصار الإسرائيلي ووصلت ذروتها عام 2020، ففي عام 2020 قدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" أن 10% فقط من سكان القطاع المحاصر يستطيعون الحصول بشكل مباشر على مياه شرب نظيفة وآمنة، بينما يفتقر أكثر من مليون مواطن - نحو نصف السكان - إلى المياه والصرف الصحي.

ومن ناحية أخرى مكنت حكومات الكيان الاسرائيلي المتعاقبة المستوطنين من إنشاء البنى التحتية اللازمة لاستخراج المياه بالإضافة لمنحهم التراخيص اللازمة لحفر أبار على مستوى مساوٍ للأبار الفلسطينية الموجودة في الأصل وهو ما أدى للحد من تدفق المياه الجوفية المستحرجة من قبل الفلسطينيين و زيادة ملوحتها.

أثر جدار الفصل العنصري على واقع المياه

جعل الكيان الاسرائيلي العشرات من الآبار الارتوازية الفلسطينية خلف الجدار ولم تسمح بمد شبكات مياه جديدة لتزويد قرى وبلدات قريبة من الآبار بالإضافة إلى اجتزاز أراضي شاسعة يقع عليها الحوض الغربي (لغور الأردن) وبات من غير الممكن حفر آبار مياه على الحوضز أهم أهداف إنشاء جدار الفصل العنصري يتمثل بكونه استراتيجية لتعزيز أشكال السيطرة المائية الإسرائيلية على مصادر المياه وإبعاد الفلسطينيين بالقوة عن مواردهم المائية وإلحاق الأضرار الجسيمة بآبارهم المستخدمة حاليا وكانت هذه هي بداية خطة إسرائيلية جديدة لنهب قطاع المياه الفلسطيني والذي ما انفكت حكومات الاحتلال الإسرائيلي من نهبه وسرقته . في حين تعتمد الضفة الغربية في مجال الشرب والزراعة , إلي حد كبير جداً علي الآبار الارتوازية وتتراوح طاقة الجريان السطحي والعيون المائية في الضفة الغربية.

يضم جدار الفصل العنصري حوالي حوالي 95 % من المياه التي تتواجد في الحوض المائي الغربي ومقدارها 362 مليون م 3 إلى دولة الاحتلال الاسرائيلي . تقع المنطقة المعزولة خلف الجدار الغربي فوق الحوضين الجوفيين الغربي والشمال الشرقي بطاقة تصريفية تقدر بـ 507 مليون متراً مكعباً سنويا، بينما المنطقة المعزولة الشرقية تقع بكاملها فوق الحوض الشرقي بطاقة تصريف 172تقدر بـ مليون متراً مكعباً سنويا. ويتم استخراج المياه العذبة من هذه الأحواض عن طريق الضخ من الآبار الجوفية أو عن طريق التصريف الطبيعي للينابيع. ويقدر عدد الآبار الجوفية في هاتين المنطقتين ب 165 بئر بطاقة ضخ تقدر ب 33 مليون متر مكعب بالسنة، أما بالنسبة لعدد الينابيع فيقدر ب 53 ينبوع بطاقة تصريفية 22 مليون متر مكعب سنويا. و تستخدم المياه المستخرجة من الآبار والينابيع، الواقعة في المنطقة المعزولة والمصادرة، لأغراض الاستهلاك البشري والزراعي والصناعي والسياحي، وهي لا تخدم التجمعات السكانية داخل المنطقة المعزولة وحسب، بل تنقل وتستخدم في المناطق والتجمعات الموجودة خلف الجدار، ما يعني قيام إسرائيل بنهب وسرقة نسبة هائلة من الموارد المائية التي تم حرمان الفلسطينيين منها

واستنادا إلى تقرير لسلطة المياه الفلسطينية فان الجدار أدى إلى فقدان أكثر من 36 بئر منها 23 بئراً تقع مباشرة على السياج ، و13 أخرى بالقرب منه كانت تستغل لأغراض الزراعة والشرب ، حيث أصبحت هذه الآبار المقامة قبل عام 1967م واقعة بين الجدار والخط الأخضر، وكانت هذه الآبار تضخ سنوياً بمقدار 55 مليون متر مكعب من المياه.

ويعتبر إقامة هذا الجدارضمان لسيطرة الكيان الاسرائيلي التامة علي حوض المياه الغربي الذي يتيح إنتاج 430 مليون متر مكعب من المياه سنويا و الذي يعد المخزون الجوفي الوحيد الذي يضمن أي تطور عمراني وسكاني للشعب الفلسطيني.

انقطاع الكهرباء يزيد من تفاقم الأزمة

تعتمد إمدادات الكهرباء في غزة على الوضع السياسي، ففي أثناء التوترات بين الإسرائيليين والمقاومة الفلسطينية، تقوم سلطات الاحتلال عادة بتعليق شحنات الوقود وإغلاق معبر كرم سالم بين غزة و"إسرائيل"، ما يجبر محطة توليد الكهرباء الوحيدة على الإغلاق. بسبب نقص الوقود، فإن محطات المعالجة التي تعالج مياه الصرف الصحي تعمل بطاقة أقل مما يضطر سلطة المياه إلى التخلص من مياه الصرف الصحي الملوثة والمعالجة جزئيًا في البحر. كشف تقرير ميداني للظروف الصحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة نشرته منظمة الصحة العالمية في 2016، أن أكثر من ربع الأمراض في غزة مرتبطة بتلوث المياه، وهي السبب الرئيسي أيضًا في أمراض الأطفال.

تاريخ استغلال الكيان الاسرائيلي للمياه الفلسطينية

لقد أدرك الصهاينة دوما ومنذ بداية سعيهم المحموم لإنشاء دولتهم في ( أرض الميعاد ) أهمية توافر المياه لتحقيق أطماعهم الرامية إلى جلب ملايين اليهود من أرجاء المعمورة وتوطينهم فلسطين ، ففي أبريل 1920 وجه بن غوريون رسالة إلى حزب العمال البريطاني قال فيها : من الضروري أن لا تكون مصادر المياه التي يعتمد عليها مستقبل البلاد خارج حدود الوطن القومي اليهودي في المستقبل.

وفي عام 1967 اتخذت إسرائيل عدد من القرارات للسيطرة على المياه في فلسطين ومنها القرار الصدر في 15/8/1967 منح كامل الصلاحية بالسيطرة على كافة المسائل المتعلقة بالمياه المعنية من قبل المحاكم الإسرائيلية، بالإضافة لقرار اخر صدر بتاريخ 7/6/1997 والذي ينص على أن كافة المياه الموجودة في الأراضي و التي تم احتلالها مجددا هي ملك لدولة إسرائيل وجاء قرار آخر.

فقد فرض الكيان الصهيوني هيمنته عبر المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة على المياه الفلسطينية، حيث وضع الكيان الإسرائيلي السيطرة على المياه الفلسطينية نصب عينيه منذ اليوم الأول لاحتلال الأراضي الفلسطينية، فأصدرت سلطات الاحتلال العديد من الأوامر العسكرية التي من شأنها العمل على إسراع الهيمنة على هذا المورد. فأصبحت تسيطر تماما على ٨٦.٥٪ من المياه الفلسطينية المتاحة، ولم تترك للفلسطينيين سوى ١٣.٥٪ من مياههم، الأمر الذي أصبحت فيه الأراضي الفلسطينية مهددة بالتصحر، والجفاف، بالإضافة إلى تهديد الإنسان الفلسطيني بالعطش.

وفى الوقت الذي منعت فيه سلطات الاحتلال المزارعين العرب من استغلال نهر الأردن في ري منطقة الأغوار , سمحت للمستوطنين الإسرائيليين , في شمال وادي الأردن , بضخ المياه من النهر لاستعمالها في ري بعض المحاصيل التي تحتمل تركيزا متوسطا من الأملاح مثل العنب , ويقدر بان إسرائيل تضخ حوالي 1 مليون متر مكعب في إطار هذا المشروع الذي يعرف باسم مياه جلجال.

وبإيعاز من السلطات الإسرائيلية، تحصل بعض المستوطنات والثكنات العسكرية علي كميات كبيرة نسبياً من المياه من عدد الآبار والينابيع العربية التي تشرف عليها دائرة المياه المركزية كما أن مضخات التابعة لشركة "مكروت" الممتدة علي طول خط حدود العام 1948 تضخ حوالي 95% من مياه الضفة , وهي تلبي في مجموعها حوالي 30% من حاجة إسرائيل من المياه .

أضف إلي ذلك أن الآبار في المناطق المحتلة, تتميز بأنها أعمق كثيراً وذات طاقة إنتاجية أضخم بكثير من الآبار العربية المجاورة , فهي تصل فى الغالب الي حوض يعرف باسم "السينومينيان" والواقع علي عمق نحو 500 متر , فى حين أن الآبار العربية تضخ من حوض " البلايستوسين " الواقع علي عمق 60 متر فقط , وتتميز الأحواض من النوع الأول بأنها الأغنى والأجود من المخزون المائي.

وفي هذا السياق لم يلتزم الكيان الإسرائيلي بما ورد في الاتفاقيات التي عقدها مع منظمة التحرير الفلسطينية حول المياه، إذ قدرت الاتفاقيات كمية المياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة بـ ٧٣٤ مليون م مكعب، كان نصيب الفلسطينيين منها ٢٣٥ مليون م مكعب، في حين يذهب الباقي (٤٩٩) إلى إسرائيل لتلبية احتياجاتها، من هذه الكمية ٦٠ مليون م مكعب تذهب للمستوطنات، وهي كمية كبيرة إذ ما قورنت بعدد سكان المستوطنات.

من خلال تسلسل الأحداث التاريخية نجد أنه لم ينصرف أصحاب القرار والمخططون في إسرائيل يوماً عن البحث في وضع مخططات ورسم السياسات لجهة السيطرة على أكبر حجم ممكن من المياه العربية سواء في فلسطين أو في الدول العربية.