في الوقت الذي فرض حزب الله نفسه بقوّة على الساحتين السياسيّة والعسكريّة، وبالأخص في الفترة الأخيرة التي بات فيها المقاومة اللبنانيّة "حجر عثرة" في طريق المشاريع الهدامة، صنّفت أستراليا مؤخراً "حزب الله" بشكل كامل "منظمة إرهابيّة"، لتوسع بذلك نطاق العقوبات التي كانت تشمل سابقاً الجناح العسكريّ للحزب، وجاءت الخطوة الاستراليّة بناءً على طلب من رئيس وزراء العدو الصهيونيّ، نفتالي بينيت، من نظيره الأسترالي، سكوت موريسون، تصنيف "حزب الله" اللبنانيّ بشقيه السياسي والعسكري "منظمة إرهابية" بشكل رسميّ على هامش قمة غلاسكو للمناخ، بالمملكة المتحدة، بعد أنّ أصبحت المقاومة اللبنانيّة المتمثلة بـ "حزب الله" كابوساً حقيقيّاً يؤرق الكيان الصهيونيّ الغاصب.
"مواصلة التهديد بشنّ هجمات إرهابية وتقديم الدعم للتنظيمات الإرهابيّة"، هي المزاعم التي استندت إليها استراليا، لتصفيف حزب الله "منظمة إرهابيّة"، لكن الحقيقة تكمن في أنّ الحزب استطاع بالفعل فرض معادلة ردع فريدة على العصابات الصهيونيّ العنصريّة، الشيء الذي جعله حاضراً بقوّة على المستويين الداخليّ والخارجيّ ولا يمكن تجاهله أبداً، ورغم كل العداوات التي تتربص بهذا الحزب المقاوم ومحاربته من خلال عملاء الداخل، لمحاولة تغيير قرار المقاومة في لبنان والمنطقة، وتغليب لغة المساومة.
وباعتبار أنّ حزب الله يحمي الشعب اللبنانيّ ويسانده مهما كان الوضع وأياً تكن الظروف الداخليّة التي كان منقذاً فيها رغم كل المخاطر، وتحدى الثالوث العربيّ العبريّ الغربيّ وأفشل كل الضغوط التي تمارس على اللبنانيين لتعزيز الانقسام الداخليّ حول المقاومة، ناهيك عن أنّ حزب الله ممثّل في مجلس النواب ويلعب دوراً محوريّاً في السياسة اللبنانيّة، ويمتلك قوة عسكريّة ضخمة، بينها صواريخ دقيقة لحماية لبنان من العصابات الصهيونيّة، رحب رئيس وزراء العدو بالقرار وشكر "صديقه" رئيس الوزراء الاسترالي على هذه الخطوة.
"كان منتظراً منذ فترة طويلة"، هكذا وصف المسؤول السابق في الخزانة الأميركية والخبير في شؤون الشرق الأوسط ، ماثيو ليفيت، هذا القرار الاستراليّ – الصهيونيّ ضد الحزب الذي يملك شعبيّة وسمعة هامة في العالم العربيّ والحر، وبالأخص في دول "محور المقاومة" التي يمثل حزب الله جزءاً هاماً من محورها، حيث إنّ الولايات المتحدة والكيان الغاصب يصنّفان حزب الله بجناحيه "منظمة إرهابية" خلافاً لما هو عليه وضعه في دول كثيرة تعتبره عنواناً عريضاً للمقاومة والانعتاق من الاحتلال.
ومن الجدير بالذكر أنّ ليفيت قال في إفادة أمام البرلمان الاستراليّ في شهر حزيران/يونيو، أنّ التنصيف السابق لحزب الله كان "غير كاف" مضيفا أن "حزب الله منظم ويعمل كمنظمة فرديّة"، وزعم أنّه في السنوات الماضية، شمل لائحة لمخططات وصفها بـ "الإرهابية" وأنشطة ماليّة غير مشروعة لحزب الله، تجاه مواطنين استراليين وأنشطة على الأراضي الاسترالية، ولم تتحدث وزارة الداخلية الأسترالية بصراحة عن الأسباب التي دفعتها لاتّخاذ هذا القرار الذي يأتي في وقت يغرق فيه لبنان في أزمة اقتصادية وسياسية عميقة، حيث يعيش نحو 80% من سكان لبنان تحت خط الفقر في ظلّ معدّلات تضخّم مرتفعة وشحّ في الأدوية والمحروقات وتقنين حادّ للتغذية بالتيار الكهربائي، في حين ترفع الحكومة تدريجياً الدعم عن الأدوية والوقود.
بالمقابل، يأتي القرار الاستراليّ بعد ضغط اسرائيليّ كبير، في ظل ترحيب من السفارة الصهيونيّة في العاصمة الأستراليّة كانبيرا، بإعلان وزيرة الداخلية الأسترالية، مكررة مزاعم الصهاينة بشأن الاتهامات الفارغة للحزب اللبنانيّ المقاوم، خاصة أنّ رئيس الوزراء الاستراليّ نفسه، في كانون الأول/ديسمبر 2018، ادعى بأنّ القدس الغربيّة الفلسطينيّة هي عاصمة لدولة الاحتلال المزعومة.
يُذكر أنّ المقاومة اللبنانيّة أدانت قرار السلطات الأسترالية، معبراً ذلك انصياعاً ذليلاً للإملاءات الاميركيّة والصهيونيّة وانخراطاً أعمى في خدمة المصالح الصهيونيّة وسياستها القائمة على الإرهاب والقتل والمجازر، مؤكّداً أنّ هذا القرار وما سبقه من قرارات مشابهة والتي أقدمت عليها بعض الدول الغربيّة المنحازة ضد شعوب هذه المنطقة وقضاياها العادلة وحقها بالتحرر والاستقلال، لن يؤثر على معنويات الأوفياء في لبنان ولا على معنويات الأحرار والشرفاء في العالم بأسره ولا على موقف حزب الله وحقه الطبيعيّ بالمقاومة والدفاع عن بلده وشعبه ودعم حركات المقاومة ضد الاحتلال والعدوان الصهيوني الغاشم.
نتيجة لكل ذلك، ومع تأكيد حزب الله بشكل دائم أنّ "فلسطين تمثل القضية العربية الأولى والجامعة"، يتعرض الحزب لحرب صهيونيّة همجيّة، خاصة أنّ القضيّة الفلسطينيّة تواجه أًصعب الظروف في تاريخها، والمتمثلة بـ "صفقة القرن" الرامية إلى تصفيّة القضيّة، والتطبيع الذي شكل طعنة في ظهر هذا البلد، ناهيك عن مخططات الاستيطان والضم التي لا تتوقف عن قضم ونهب أراضي الفلسطينيين، بالإضافة إلى الحصار والإجرام الإسرائيليّ الممنهج بحق أصحاب الأرض والمقدسات.
وفي خضم هذه الأحداث المتشابكة يظهر حزب الله كقوة هامة تُخيف الصهاينة بشدّة، فيما يظهر العدو الصهيونيّ بمواقفه عاجزاً عن إدراك وتفسير حجم تنامي وثبات المقاومة في لبنان وغيره، مقدماً للداخل الإسرائيلي على وجه الخصوص، انتصارات مخجلة ومكشوفة للتغطية على فشله الحقيقيّ وارتباكه وضعفه، فيما تسجل المقاومة في أكثر من دولة حضوراً هاماً يبرهن على قوتها وثباتها في مواجهة هذا العدو القذر.