• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقارير

هل ستمهد أوكرانيا الطريق أمام حرب كبرى بين الناتو وموسكو؟


أثار الوجود العسكري الروسي الأخير في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا تكهنات بشأن غزو موسكو المحتمل لأوروبا الشرقية.

الحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا دفع أعضاء الناتو بقيادة الولايات المتحدة إلى التعامل مع هجوم محتمل بمخاوف تتجاوز منظمة حلف شمال الأطلسي.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين والقادة الأوروبيين قد صرحوا حتى الآن بأن روسيا لن تدخل الحرب العسكرية ضد أوكرانيا، إلا أن ذلك إذا حدث فسنواجه دون شك واحدةً من أكبر الأزمات السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية على مستوى النظام الدولي، حتى أن هناك إمكانية المواجهة العسكرية بين الناتو وروسيا کأحد الاحتمالات الممكنة.

سعي الغرب لتضخيم التهديد الروسي على أوكرانيا

على مدار الشهر الماضي، تناقلت وسائل الإعلام والسياسيون الغربيون على نطاق واسع أن هجوم روسيا على أوكرانيا مؤكد.

وفي هذا الصدد، نرى أنه وفقًا لصحيفة میلیتاري تایمز، تزعم وكالة استخبارات الدفاع الأوكرانية، في إشارة إلى وجود أكثر من 92 ألف جندي روسي على الحدود الشرقية للبلاد وشبه جزيرة القرم، أن الجيش الروسي سيبدأ على الأرجح غزو هذا البلد في أواخر يناير 2022.

ونتيجةً للتقييمات التي قدمتها الدول الغربية، نرى أن شبكة CNN الإخبارية ذكرت، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أصدر تعليماته لمسؤولي الأمن القومي باستخدام جميع الوسائل المتاحة لكبح الغزو الروسي الوشيك لأوكرانيا.

ووفقًا للتقرير، يخشى بايدن تكرار سيناريو عام 2014، حيث فاجأت عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقال مسؤول حكومي أمريكي كبير لشبكة CNN: "ما نقوم به محسوب بدقة، لكن لدينا فرصة لمدة أربعة أسابيع فقط لمنع هذا الغزو". وبحسب المسؤولين الأمريكيين، فإن الخيارات الحالية المعروضة ستكون کثيرةً وفوريةً، وستكون لها تكاليف كبيرة على الاقتصاد الروسي والنظام المالي.

وعلى الرغم من كل هذه المزاعم، رد مسؤولو موسكو مرارًا وتكرارًا على زيف الدعاية الغربية بشأن تهديداتهم ضد أوكرانيا، لكنهم لم يتراجعوا أمام التهديدات الأمريكية أو الأوروبية.

تصاعد الخلافات بين الناتو وموسكو

بعد الجو الإعلامي والسياسي الثقيل للدول الغربية بشأن احتمال غزو روسي لأوكرانيا، قدمت موسكو الأسبوع الماضي حزمةً أمنيةً مقترحةً للولايات المتحدة تشمل الحد من وجود قوات الناتو وسفنه وطائراته الحربية حول حدود روسيا، وعدم مد هذا التحالف العسكري الغربي إلى حدود روسيا.

وتشمل مقترحات موسكو الأخرى عدم نشر صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى بالقرب من الحدود الأمريكية الروسية.

الحزمة التي أصدرتها وزارة الخارجية الروسية في 17 ديسمبر 2021، حددت مسودتين لاتفاقية شاملة بشأن الضمانات الأمنية بين روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وتقترح التزامًا مشتركًا بالتسوية السلمية لجميع الخلافات بين موسكو والكتلة الغربية، وإعادة تأكيد كلا الجانبين "على أنهما لا يعتبران بعضهما البعض أعداء".

وعقب التغطية الإعلامية للحادث، قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكو، الإثنين، إن "واشنطن لم تستجب لعرض روسيا حول الالتزامات الأمنية، وإن روسيا لا تزال تنتظر الرد. حتى الآن، لم نشهد سوى عددًا من البيانات العامة، معظمها لم يكن من ممثلي الولايات المتحدة. وهذه التصريحات قيّمة بالنسبة لنا، لكن المهم هو ما تخبرنا به واشنطن".

وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي حذر فيه المتحدث باسم الحكومة الروسية دميتري بيسكوف يوم الاثنين، من أن نشر أسلحة الناتو بالقرب من حدود البلاد سيقابل برد مماثل.

وبحسب سبوتنيك، قال بيسكوف للصحفيين: "ليس سراً أن نشر أنواع مختلفة من الأسلحة بالقرب من حدودنا، مما قد يشكل تهديداً لنا، سيتطلب خطوات مناسبة لموازنة الوضع. وفي هذه الحالة، هناك العديد من الخيارات المختلفة."

كما قال رئيس الوفد الروسي في محادثات الحد من التسلح في فيينا، كونستانتين جافريلوف، يوم الاثنين، إنه يتعين على الناتو اتخاذ إجراءات سياسية لتهدئة التوترات من أجل منع نشوب حرب محتملة.

وأضاف جافريلوف: "الجميع في الناتو يعلمون أنه على الرغم من قوتهم، من الضروري اتخاذ خطوات سياسية قوية. وإلا فسيكون البديل رداً عسكرياً وفنياً عسكرياً من روسيا".

علاوةً على ذلك، قال ألكسندر جروشكو في بث مباشر على موقع يوتيوب يوم السبت، إن "العلاقات بين روسيا والناتو وصلت إلى مستوى خطير، وهناك حاجة لاقتراحات موسكو بشأن الضمانات الأمنية للدخول في حوار."

وأضاف أن روسيا تعتقد أن الناتو لا يمكنه تجاهل مقترحات موسكو الأمنية في أوروبا. وقال "أمام الغرب خياران: أن يأخذ مقترحات روسيا على محمل الجد، أو البديل العسكري التقني"، وتابع: "إذا رُفضت المقترحات الخاصة بالضمانات الأمنية، فسندخل في نظام مكافحة التهديد".

ماذا تريد روسيا من خطة مهاجمة أوكرانيا؟

وتأتي إثارة سيناريو هجوم موسكو على كييف في الوقت الذي بادر فيه الجيش الروسي عام 2014 وعقب أحداث الحرب الأهلية الأوكرانية، بالإضافة إلى دعم مليشيات دونباس الانفصالية التي تسيطر على مدينة دونيتسك، إلی انتهاز الفرصة وأجری استفتاءً في منطقة شبه جزيرة القرم الاستراتيجية، وضم هذا الجزء من أوكرانيا إلى روسيا.

ورافق هذه الخطوة احتجاجات غربية قوية، وعقوبات اقتصادية واسعة النطاق ضد البلاد، وعدم الاعتراف بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. لكن على الرغم من العواقب الوخيمة والقاسية أحيانًا للعقوبات الاقتصادية ضد موسكو، لم ترفض السلطات الروسية التراجع من ضم شبه جزيرة القرم فحسب، بل لديها اليوم خطة جديدة لإنشاء حزام أمني من شمال شبه جزيرة القرم إلى نهر دنيبر، ومن مدينة دونيتسك إلى ميناء ماريوبول في جنوب أوكرانيا.

وفي هذا السياق، فيما يتعلق بأهداف روسيا المحتملة المتمثلة في حشد القوات على الحدود الشرقية لأوكرانيا، يمكن تقييم القضية الرئيسية بأنها متعلقة بحماية شبه جزيرة القرم. ويطرح معظم المراقبين السياسيين ثلاثة أهداف في هذا الصدد:

أولاً، قطع اتصال البر الرئيسي لأوكرانيا من شبه جزيرة القرم إلى نهر الدنيبر من أجل منع هجوم مفاجئ من قبل الجيش الأوكراني في السنوات المقبلة لاستعادة المنطقة.

والثاني هو الوصول إلى الموارد المائية لنهر دنيبر وحل مشكلة نقص مياه الشرب في شبه جزيرة القرم، التي تضم حاليًا أكثر من 500 ألف لاجئ أوكراني والقوات الروسية.

وثالثًا، توسيع المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون المسلحون في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا والسعي لاستعادة مدينة سلافيانسك وإبعاد دونيتسك، مركز القوات الانفصالية، من خط الصراع.

هل تستطيع موسكو غزو أوكرانيا؟

لا شك أن أهم إمكانات فلاديمير بوتين في مهاجمة أوكرانيا قد تكون اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، فضلاً عن جهود الولايات المتحدة لتركيز سياستها الخارجية على السيطرة على الصين.

كما أن حقيقة أن الولايات المتحدة وأوروبا تؤكدان صراحةً على عدم قدرتهما على التدخل عسكريًا في روسيا، هي فرصة جيدة لروسيا لمواصلة توسيع نفوذها في أوكرانيا بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم.

على سبيل المثال، قال جو بايدن للصحفيين يوم السبت 11 ديسمبر إن احتمال إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا في حال الغزو الروسي "لم يكن أبدًا خيارًا" في واشنطن.

في الواقع، ما يمكن أن يؤدي إلى ثقة وجدية بوتين والقادة الروس في تنفيذ الخطة، هو السلبية الشديدة للغرب وحلف شمال الأطلسي في السنوات الأخيرة بشأن القضايا الإقليمية وحاجة أوروبا الحيوية لموارد الغاز الروسية عشية فصل الشتاء؛ الأمر الذي ليس فقط لم يضع حلاً شاملاً لاستبدال خط أنابيب الغاز الروسي، بل بسبب الخلافات الداخلية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، حتى أن بعض الدول مثل ألمانيا شاركت في مشروع ثانوي مع روسيا، أي خط أنابيب الغاز نورد استریم.

على الرغم من كل القيود المفروضة على الغرب وحلف شمال الأطلسي لمواجهة غزو روسي محتمل لأوكرانيا، يمكن اعتبار أهم قيد على فلاديمير بوتين لتنفيذ هجومه هو العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية الواسعة ضد موسكو، والتي من المحتمل أن تكون لها عواقب سيئة للغاية على هذا البلد.

وفي هذا الصدد، نرى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن حذر مؤخرًا نظيره الروسي من أنه في حال غزو روسيا لأوكرانيا، فإنها ستدفع ثمناً باهظاً وستواجه البلاد عواقب اقتصادية مدمرة.

كما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين على هامش الاجتماع الوزاري لحلف الناتو في 30 نوفمبر 2021 في مؤتمر صحفي في مدينة "ريغا" عاصمة لاتفيا مع وزير الخارجية اللاتفي: إن "أي تصعيد للتوتر من جانب روسيا سيكون مصدر قلق للولايات المتحدة وكذلك لاتفيا، وأي احتلال جديد ستكون له عواقب وخيمة".