• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
تقارير

أحلام الإمبراطورية.. هل أعاد البريسكت بريطانيا "العظمى" أم زادها عزلة؟


تحلّ الذكرى الأولى للخروج الرسمي للمملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، مع نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، في أجواء متوترة بين الطرفين، خصوصا بين باريس ولندن، ومفاوضات عسيرة حول مستقبل الجزيرة الأيرلندية بشقيها الجمهوري والجزء التابع للتاج البريطاني.

ورغم مرور سنة، ما زال البريطانيون يبحثون عن ثمار الشعارات التي رفعها أنصار البريكست قبل سنوات، ولعل أشهرها "بريطانيا العالمية"، الذي وضعته حكومة بوريس جونسون، كدلالة على الرغبة في العودة وبقوة للساحة الدولية والتأثير في القرار العالمي.

حلم الإمبراطورية

كثيرة هي الانتقادات الموجهة لأنصار البريكست، لكون ما يحرّكهم هو الحنين للماضي الامبراطوري للمملكة المتحدة، فهؤلاء لحد الآن ما زالوا يرفعون شعار "بريطانيا تحكم الأمواج"، أي أن بلادهم هي سيدة البحار في الماضي وعليها أن تعود لوضعها السابق.

ولعل هذا الشعار يبرر أن ميزانية الدفاع -التي أقرتها الحكومة بقيمة 18 مليار دولار- سيذهب جزء مهم منها للقوات البحرية من أجل العودة بقوة إلى البحار، بالتزامن مع تحريك القطع العسكرية البحرية نحو البحر الأسود، في عملية هي الأولى من نوعها منذ العدوان الثلاثي على مصر قبل أكثر من نصف قرن.

أميركا أولا

"وظيفة أي رئيس وزراء في بريطانيا أن يحافظ على علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة"، كان هذا تصريح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال أول لقاء له مع الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض.

إلا أن البريكست لم يزد في تقريب الحليفين الاستراتيجيين، بقدر ما تحول لحجر عثرة بينهما، وهذا راجع لـ3 عوامل:

الأول: حرص جو بايدن على علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي، وإعطائه لأولوية للتكتل الأوروبي.

والثاني: موقف جو بايدن المتشدد من أي ضرر قد يطال "اتفاق الجمعة العظيم" الذي أقر السلام في الجزيرة الأيرلندية برعاية أميركية.

أما العامل الثالث فيتعلق بالتأخر غير المبرر في توقيع اتفاق التبادل الحر بين البلدين، والذي سيكون الأكبر في التاريخ. وكان الاتفاق على وشك التوقيع عليه بعهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قبل أن يأتي بايدن ويضعه على رف الانتظار.

معارك مع فرنسا

أسهم البريكست في تأزيم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بصفة عامة، ولا أدل على ذلك ما حدث بين الطرفين فيما عرف بحرب اللقاحات، ومحاولة الاتحاد منع وصول اللقاحات إلى بريطانيا.

لكن تبقى الصورة الأوضح على تدهور العلاقات بين الاتحاد والمملكة من خلال الأزمات التي لا تنتهي مع فرنسا التي تكاد تتحول لشبه حرب، بسبب الخلافات حول الصيد البحري والمهاجرين والصراع على جذب الاستثمارات الخارجية وسحب صفقة الغواصات الأسترالية من فرنسا لصالح بريطانيا وأميركا.

ووصلت الأزمة بين الطرفين إلى رفض باريس استقبال وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل لمناقشة أزمة المهاجرين.

التهديد الروسي

في الوثيقة الإستراتيجية التي أعلنتها الحكومة البريطانية عقب الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والتي تقدم فيها تفاصيل سياستها الخارجية الجديدة، تعتبر لندن أن موسكو من أكبر الأخطار التي على المملكة مواجهتها.

وتعكس تصريحات القادة العسكريين والأمنيين في بريطانيا حالة الاستنفار العالية تجاه روسيا، فرغم استبعاد المواجهة العسكرية المباشرة؛ فإن التقديرات الأمنية بأن حربا بالمعنى غير التقليدي باتت وشيكة بين الطرفين.

التوجّس من الصين

تمدّ بريطانيا يدها للاستثمارات الصينية ولكن بحذر، وباليد الأخرى تلوح بالورقة الحقوقية، خصوصا في ملف مسلمي الإيغور.

وبعثت بريطانيا رسائل كثيرة مفادها أنها تفتح أبوابها للاستثمارات الصينية، لكن بعيدا عن القطاعات الإستراتيجية، خشية إثار الغضب الأميركي.

في المقابل تعتبر بريطانيا من أكثر الدول الغربية انتقادا لأوضاع مسلمي الإيغور، وكذلك فهي ساحة للكثير من التحركات القانونية لإنصاف هذه الأقلية.

الصديق التركي

استفادت العلاقات التركية البريطانية من مرحلة ما بعد البريكست، أولا بتوقيع اتفاق التبادل التجاري الحر، وأيضا بتقوية العلاقات الثنائية، وهو ما يبدو جليا في اللقاءات والمراسلات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.

وفي وقت ما زالت العلاقات الأوروبية التركية تمر بحالة برود، فإن العلاقات مع بريطانيا في أفضل أحوالها، بحيث تغيب لندن عن أي بيان أوروبي ينتقد تركيا.

الاستثمارات الخليجية

تولي بريطانيا أهمية قصوى لدول مجلس التعاون الخليجي، ولهذا كانت أول زيارة تقوم بها رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي للخارج بعد البريكست نحو دول الخليج، حرصا على الاستثمارات الخليجية في بلادها، وهي الوجهة الأولى لها في أوروبا.

وتشتغل بريطانيا حاليا على توقيع اتفاقيات تعاون إستراتيجي مع دول المجلس، والتي من المتوقع أن يعلن عنها قريبا.

وتسابق بريطانيا الزمن، وهي تشاهد المزاحمة الفرنسية لجلب الاستثمارات نحو باريس، بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى دول الخليج وعاد منها بصفقات مهمة.

لا مزيد من المساعدات

تعتبر المساعدات الدولية المقدمة من الدول الغنية ورقة من أوراق التأثير العالمي التي تسعى الدول لتعزيزها، إلا أن ما قامت به بريطانيا بعد البريكست هو العكس تماما، بتقليص المساعدات الإنسانية لأكثر من 4 مليارات دولار، وإلغاء وزارة التنمية الدولية وإلحاقها بوزارة الخارجية.

وكانت الدول العربية التي تعرف الكثير من المآسي الإنسانية الأكثر تضررا من هذا القرار، خصوصا سوريا واليمن، ومخيمات اللاجئين في لبنان.