بالتزامن مع الإجرام المتصاعد لـ "إسرائيل" التي لا تكف عن ارتكاب أشنع الجنايات بحق الفلسطينيين، عبّر وزير الخارجية الاسرائيلي يائير لابيد، عن مخاوف تل أبيب من إمكانية وصف دولتهم المزعومة بـ "العنصرية" من قبل محكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة، محذراً من نجاح الجهود الفلسطينية في عزل الكيان الغاصب وحرمانه من المشاركة في الفعاليات الدولية كنوع من العقاب على جرائمه تجاه الفلسطينيين، خاصة في ظل الاتهامات الدولية والحقوقيّة الكثيرة له بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، وأنّ تلك السياسات ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة، في أعقاب المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو بحق أصحاب الأرض، والأخبار التي تأتي بشكل دائم من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة خيرُ دليل على ذلك.
قلق صهيوني
ينبع القلق الصهيوني من هذا الأمر، لأنّه يضعه في دائرة ممارسة الفصل العنصريّ والاضطهاد، ما يعني شهادة إجماع دولية قويّة ومحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة، وتحمل المجتمع الدوليّ لمسؤولياته الإنسانيّة أولاً تجاه فلسطين، ومساءلة تل أبيب على جرائمها المتعددة بحق الشعب الفلسطينيّ، وتذكيراً مهما ومؤثراً للدول بالتزاماتها القانونيّة والأخلاقيّة بموجب القانون الدوليّ، للجم خروقات الكيان المُعتدي.
وإنّ اقتراب حدوث هذا النصر للفلسطينيين هو ما يجعل العدو في هذا الارتباك، باعتبار أنّ المواقف الدوليّة ستدعو بالتأكيد إلى إجراءات عقابيّة واضحة وعمليّة، وستفضح الممارسات العدوانيّة للكيان عقب سنوات طويلة من التستر عليها بدعم أمريكيّ لامحدود، وبالتالي مقاطعة الكيان الغاصب وحرمانه من التنفس الذي يضمن استمرار سرطانه في الجسد الفلسطينيّ والعربيّ والإسلاميّ، والدليل ما ذكره لابيد، خلال مؤتمر صحفي مؤخراً، أشار فيه إلى أنّ "إسرائيل" ستواجه اتهامات بالفصل العنصري في عام 2022، وأنّ الجهود الفلسطينية لفضح الاحتلال ستؤدي على الأرجح لإخراج العدو القاتل من المسابقات والأحداث الدوليّة.
وإنّ صرخة الهلع الصهيونيّة تأتي للضغط على تلك المنظمات لإطالة مدّة إخفاء الجنايات الصهيونيّة، خاصة جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، وهذا يُعتبر بالفعل "تهديد مباشراً" لتل أبيب الدمويّة، والتي لن يألو مسؤولوها جهداً في محاولة عرقلة أو إلغاء أيّ تحقيق أو وصف بخصوص جرائم الحرب الموثقة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وبالأخص في قضايا الاستيطان، والأسرى، والعدوان على الشعب الأعزل.
"دون عملية سياسية مع الفلسطينيين، ستزداد الأمور سوءاً"، جملة على لسان المسؤول الإسرائيليّ التي تتهرب حكومته من أي حل يفتح المجال أمام حل في فلسطين، معتبراً أنّ كيان احتلاله سيُتهم من قبل منظمة الأمم المتحدة بممارسة سياسة الفصل العنصري تجاه الفلسطينيين الذي يعقدون آمالهم على قرار محكمة الجنايات الدولية والمنظمات الدولية التي خذلتهم لسنوات طويلة، بملاحقة الكيان المجرم ووضع حد لتماديه بارتكاب الجرائم بحق صاحب الأرض، ويتمنون أخذ العبرة وعدم تكرار سيناريوهات الغدر بدماء الضحايا والأطفال.
تأثيرات خطيرة
إن تأثير مثل هذه الحقائق سيكون ملموساً في الأحداث الرياضية والثقافية الدولية تجاه العدو الإسرائيلي، ومن المرجح وفقا لوجهة النظر الصهيونية بأن تؤدي جهود الفلسطينيين لإخراج "إسرائيل" كلياً من أي منافسة دولية، في ظل تسارع المخططات الاستيطانيّة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال واغتيال أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967 من جهة أخرى، إضافة إلى القيود الصهيونيّة على حركة الفلسطينيين والاستيلاء على أراض مملوكة لهم لإقامة مستوطنات يهوديّة في مناطق احتلتها في حرب عام 1967 باعتبارها أمثلة على جرائم تفرقة عنصريّة واضطهاد، بسبب تمادي قوات المحتل بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، إضافة إلى ارتفاع حدّة الاستيطان الصهيونيّ والتهويد وسرقة الأرض الفلسطينيّة لمصلحة المستوطنين في القدس والضفة الغربيّة، والتي قارب تعداد مستوطنيها 800 ألف مستوطن.
وفي الوقت الذي لا يكف فيه جنود الاحتلال عن استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، يعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن الفلسطينيين سيزيدون من ضغطهم على المحكمة الجنائية الدولية في "لاهاي" لإحراز تقدم في التحقيقات التي ترصد سلوك العدو في المناطق الفلسطينية، ما يعني ملاحقات دولية قد تطال المسؤولين الصهاينة وخاصة العسكريين منهم.
وقد ألمح وزير الخارجية في حكومة العدو إلى إمكانية توجيه الجهود الفلسطينية إلى كبير محققي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان الذي زعم أنّه "منحاز للفلسطينيين"، والذي تولى منصبه في أيار 2021، بالتزامن مع تقارير دوليّة كثيرة أكّدت أنّ قوات العدو في فلسطين تريد الهيمنة على الفلسطينيين بالسيطرة على الأرض والتركيبة السكانيّة لصالح الإسرائيليين اليهود، حتى الصهاينة أنفسهم لا ينكرون ذلك، لأنّهم أسّسوا كيانهم الإرهابيّ وفق منهج "القبضة الحديديّة" وهم يؤكّدون ذلك بكل فخر في أيّ مكان ومع كل مناسبة، فمنذ يوم 14 أيار عام 1948، عندما صُنع هذا الكيان وحصل على اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتيّ بعد دقائق من إعلانه، وحتى اليوم، لم تتغير سياسة قادته قيد أُنملة، بل زادت ظلماً وعدواناً حتى وصلت إلى قمة الإجرام والإرهاب، بعد أن فرضه المستعمرون على العالم وعلى المنطقة، والتاريخ أكبر شاهد على الوحشيّة الصهيونيّة في فلسطين والمنطقة.
كما تطرق إلى الحرب العسكريّة الأخيرة على قطاع غزة المحاصر منذ 15 عاماً والتي كشفت للقاصي والداني حقيقة هذا العدو، موضحاً أن مجرياتها تخضع في الوقت الراهن للتحقيق من قبل لجنة تابعة لمنظمة لأمم المتحدة تضم 19 موظفاً متخصصاً، وأنها مُنحت تفويضاً كاملاً بالتحقيق في كل ما جرى، وهو ما يزيد من قلق العدو العنصريّ الذي لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يتوقف عن إجرامه وقضمه لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وخيرُ دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة الذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من بلادهم، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
وفي الوقت الذي سيتم فيه نشر المسودة الأولى لنتائج اللجنة الدوليّة في حزيران المقبل، يتوقع الإسرائيليون أن تتضمن نتائجها من بين أمور أخرى توصيف الكيان الصهيونيّ بأنّه "دولة فصل عنصريّ"، حتى إنّ المراكز الحقوقيّة الإسرائيليّة نفسها لا تنكر ذلك، وأشارت مسبقاً إلى أنّ حقوق الفلسطينيين في الأراضي التي يحتلها العدو الصهيونيّ أقل من حقوق اليهود في المنطقة بأكملها بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وأنّهم يعيشون تحت أشكال مختلفة من السيطرة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة والقدس الشرقيّة وداخل الأراضي المحتلة نفسها، إضافة إلى أنّ هذه منطقة جيوسياسيّة واحدة تحكمها حكومة واحدة (جيوسياسيّة: السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه)، وليست ديمقراطية بجانب احتلال، بل "أبرتهايد" (نظام فصل عنصريّ) بين النهر والبحر.
سمٌ بالعسل
نتيجة لاقتراب التهديد الاستراتيجيّ الجديد لوجود العصابات الصهيونيّة غير الشرعيّ في فلسطين، دعا وزير الخارجية الصهيونيّ، حكومة الاحتلال إلى ضرورة التفاوض مع الفلسطينيين، وعدم تفويت الفرصة في هذا الإطار، وشدّد على أن تل أبيب قد ترتكب "خطأ فادحاً" في حال رفضت ذلك، قائلاً: "يعرف أعداؤنا كيف يؤذوننا وسيحاولون طردنا من الأحداث الرياضيّة الدوليّة، والتي يمكن أن تكون فعالة للغاية عبر الخطوط السياسيّة".
ومع تكشف حقيقة هذا الكيان المجرم الذي يتستر على جناياته من خلال وسائل الإعلام العالميّة التي يدير اليهود الكثير منها، والتزايد الكبير لحملات مقاطعة الدولة المزعومة، بيّن المسؤول الصهيونيّ أنّ الحكومة السابقة أهملت محاربة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وحملة منع إضفاء الشرعية على "إسرائيل"، وخاصة أمام حركة مقاطعة الكيان الصهيونيّBDS التي يعتبرها العدو تهديداً استراتيجيّاً لاحتلالهم الأراضي الفلسطينيّة، وقد أقرّ الاحتلال مراراً بفشل جهود وزارة الشؤون الاستراتيجيّة في حكومة العدو بالقضاء على حركة المقاطعة العالميّة المناهضة لكيانهم العنصريّ، والتي ستساهم بشكل كبير في فضح قذارة ودمويّة الكيان الصهيونيّ.
كذلك، تقوم الحركة الفلسطينيّة التي تأسست عام 2005، وامتدت لتصبح عالميّة بعد ذلك، بمقاومة الاحتلال الصهيونيّ وتوسعاته الاستيطانيّة، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير للشعب الفلسطينيّ داخل البلاد وخارجها، إضافة إلى سحب الاستثمارات من الكيان الصهيونيّ وفرض العقوبات عليه، وتتناول مطالب وحقوق وطموحات كافة مكونات الشعب الفلسطينيّ التاريخيّة.