• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
تقارير

دور الولايات المتحدة وأوروبا في قتل المدنيين وإلحاق الدمار والخراب باليمن


يرتكز هذا التقرير على بحث ميداني وتوثيق مستفيض أجرته منظمة مواطنة لحقوق الإنسان منذ بداية الحملة العسكرية للتحالف، الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن، في مارس/ آذار 2015.

كان على اليمنيين، الذين دمرت الحرب موطنهم، تحمل شقاء استثنائي على مدى السنوات الأربع الماضية. ففي بلد يُعدُّ واحداً من أفقر بلدان المنطقة وأكثرها هشاشة، أصبح أربعة عشر مليون نسمة مهددين بالمجاعة، وأكثرهم يعيشون على الكفاف، في انتظار المعونات الإنسانية. وفي ظل شحّة الإحصائيات الدقيقة، يقدر أن نحواً من خمسين ألف شخص قد قُتلوا، وخمسة وثمانين ألف طفل قد يكونون ماتوا بسبب الحرب، جوعاً أو بأمراض فتاكة كان يمكن تداركها.

وفي حين أن الحرب في اليمن غالباً ما وصفت بأنها "الحربُ المنسية"، إلا أنها يمكن كذلك أن توسم بأنها "الحربُ التي أُهمِلت"، الحرب التي يرتكب فيها حلفاء الغرب أبشع الفظائع الوحشية بما تزودهم به دول الغرب من أسلحة فتاكة وعتاد. وبينما حَظرت بعض الدول السلاح أو امتنعت عن تصديره بسبب الحرب في اليمن، إلا أن كبار موردي الأسلحة – ولاسيّما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا – استمروا في انتهاج سياسة "العمل كالمعتاد" حتى الآن. بل أنهم تمادوا إلى ما هو أبعد من ذلك، في واقع الأمر، فضاعفوا من مبيعاتهم من الأسلحة في سبيل الحرب.

لدى الدول التي تزود بالسلاح كلاً من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وغيرهما من الأطراف المتورطة في الحرب، الكثير من اللوائح المنظمة لتجارة الأسلحة. بل إنهم يزعمون أنهم يطبقون في ذلك أعلى المعايير. بيد أن سياسة هذه البلدان تتسم بالتَعَنّت الشديد في مواصلة إمداد السلاح لعدد قليل من الدول الغنية بالنفط، ودعمِها، من أجل الحفاظ على الوضع المربح والمهيمن والمريح الذي يتمتع به مصنعو الأسلحة الغربيين. لقد اختارت الدول الغربية أن تدعم، بشكل صريح، الأنظمة الاستبدادية في حرب حرمت الشعب اليمني من أبسط حقوقه الأساسية وأكثرها إنسانية.

وليس أمامنا سوى أن نأمل في أن يشكل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مؤخراً في السويد نقطة تحول في الصراع، وأن يؤدي إلى سلام حقيقي ودائم في اليمن. وإننا إذ نشاطر الكثير من الناس في اليمن الاعتقاد في أن السلام ممكن، نجزم أنه لكي تتوطد عملية السلام، لا بد من أن تتوقف عمليات نقل الأسلحة، ويجب تحقيق العدالة من أجل إنصاف ضحايا الحرب. ولهذا نرى أن العمل الذي تنهض به منظمة "مواطنة" في اليمن، في ظل أقسى الظروف صعوبة ومخاطرة، يشكل جزءًا حاسماً وضرورياً من المطلوب لتحقيق العدالة وإسماع أصوات الضحايا والمتضررين الذين قاسوا كثيراً من ويلات الحرب. ويكتسب هذا التقرير وأمثاله قيمة جليلة في هذا المضمار.

مقدمة

منذ 26 مارس/ آذار 2015، قادت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (الإمارات) تحالفًا من دول في حملة عسكرية ضد أنصار الله (الحوثيين) في اليمن. ووفقاً لما تم توثيقه من قبل العديد من منظمات حقوق الإنسان فضلاً عن الأمم المتحدة، قام التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، وبشكل متواصل ومستمر، بمهاجمة المدنيين والبنية التحتية المدنية الضرورية – بما في ذلك المستشفيات، والمدارس، وأطفال المدارس، وحفلات الزفاف، والمزارع، وآبار المياه – في انتهاك لقوانين الحرب. كما فرض التحالف حصارًا بحريًا على الموانئ الرئيسية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مما أعاق وصول الإمدادات والمساعدات من المواد الغذائية والطبية الحيوية إلى البلد الذي دمرته الحرب. وفي المناطق الخاضعة لسيطرتها في اليمن، تورطت قوات التحالف في ارتكاب انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي، وعلى نطاق واسع.

 بعد مرور أربع سنوات على الصراع، قُتل أو أُصيب حوالي 20 ألف مدني يمني، وأضحى نصف عدد السكان – 14 مليون نسمة – مُهددون بشبح المجاعة، وفقًا للأمم المتحدة. غير أن ثمة تقديرات أخرى أعلى من ذلك بكثير: فقد سجل "مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها" (ACLED) أكثر من 50 ألف حالة وفاة، تم الإبلاغ عنها، كنتيجة مباشرة للقتال. ووفقًا لمنظمة رعاية الأطفال (Save the Children)، مات 85 ألف طفل جوعاً وبأمراض كان يمكن تداركها.

على الرغم من نشوب الحرب في اليمن على بعد آلاف الأميال من شواطئ الولايات المتحدة ومئات الأميال من أوروبا، إلا أنها أقرب إلى تلك البلدان مما يبدو. فقد عمدت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى الدعم الحثيث لقوات التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات للقيام بعمليات القصف غير القانوني للمدنيين اليمنيين. لقد زودت الولايات المتحدة السعودية والإمارات على مدى عقود بالأسلحة والتدريب العسكري. وعلى الرغم من التقارير المؤكدة والمتواترة عبر سنوات حول انتهاكات التحالف في اليمن تواصل الولايات المتحدة بيع الأسلحة للسعودية والإمارات لاستخدامها في اليمن، في انتهاك صارخ للقانون الأمريكي وللقانون الدولي لتجارة الأسلحة، كما يبين هذا التقرير. كما زود الجيش الأمريكي التحالف بالمعلومات الاستخبارية والدعم اللوجيستي والمساعدة في اختيار الأهداف وتحديدها، وفي التدريب. واستمرت هذه المساعدات لسنوات دون تفويض من الكونغرس، وهو التفويض الذي يتطلبه القانون الأمريكي. كما تواصل المملكة المتحدة بدورها بيع أسلحة لدول التحالف لاستخدامها في اليمن في انتهاك مباشر لالتزاماتها بموجب معاهدة تجارة الأسلحة والموقف الأوروبي المشترك بشأن الصادرات العسكرية.

في 9 أغسطس/ آب 2018، قصف التحالف بقيادة السعودية والإمارات حافلة مدرسية، مما أسفر عن مقتل العشرات من الأطفال. وقد حددت قناة "سي إن إن" نوع السلاح المستخدم في العملية بأنه قنبلة "ام كيه 82” من صنع شركة "لوكهيد مارتن". أدى الهجوم على الحافلة المدرسية والغضب الذي تلاه على نطاق واسع في الولايات المتحدة إلى دفع الكثيرين من أعضاء الكونغرس إلى التحرك، وهم محقون في ذلك. ويبين هذا التقرير نمطًا من هجمات التحالف الفتاكة باستخدام الأسلحة الأمريكية منذ بداية الصراع – وهو نمط يستدعي اتخاذ إجراء سريع وحازم من قبل الكونغرس.

من بين سبعة وعشرين هجومًا للتحالف بقيادة السعودية والإمارات يوثقها هذا التقرير، تم العثور على مخلفات الأسلحة التي تشير إلى ترجيح التورط في استخدام سلاح أمريكي في خمس وعشرين حالة. كما وُجِدت في خمس حالات بقايا أسلحة تشير إلى احتمال التورط في استخدام سلاح بريطاني الصنع. أما عروات تعليق القنابل الأمريكية الصنع في إحدى الهجمات فقد تم إنتاجها في إيطاليا.

تشمل هذه الغارات الجوية السبع والعشرون للتحالف ستة عشر هجومًا على تجمعات المدنية، ومنازل مدنية، وقارب مدني؛ وخمس هجمات على مرافق تعليمية وصحية؛ وخمس هجمات على منشآت تجارية مدنية؛ وهجوم على مركز ثقافي حكومي. أسفرت الهجمات السبع والعشرون عن مقتل 203 شخصاً، وإصابة 749 شخصًا، على الأقل. وكان من بين القتلى والجرحى 122 طفلاً، و56 امرأة على الأقل. يبدو أن العديد من الهجمات وقعت بعيدًا عن أي هدف عسكري محتمل. وتسببت أخرى في إلحاق أضرار بالمدنيين تفوق إلى حد كبير أي جدوى عسكرية متوخاة. وفي كل الأحوال، لم يبدُ أن قوات التحالف اتخذت الاحتياطات الكافية لتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين، كما يقتضي القانون الإنساني الدولي.

غالبًا ما يُشَبِّه الضحايا والناجون من هجمات التحالف الدمار الناتج عن تلك الضربات الجوية بأنه مثل "يوم القيامة". في الهجوم الذي شنته قوات التحالف في أبريل/ نيسان 2018 في محافظة حجة، سرعان ما تحول حفل زفاف بهيج إلى غَائِلَة مريعة عندما انفجرت قنبلة أمريكية الصنع، وقتلت ما لا يقل عن واحد وعشرين وجرحت ما لا يقل عن تسعة وسبعين طبال وراقص وضيف من المشاركين في حفل الزفاف، بما في ذلك ما يقرب من ستين طفلاً. وفي هجوم ديسمبر/ كانون الأول 2016 على منزل مدني، في محافظة حجة أيضًا، تسببت قنبلة عنقودية أمريكية الصنع في مقتل ما لا يقل عن خمسة عشر مدنياً -تسعة منهم أطفال- وجرح سبعة على الأقل.

أحمد منصور، البالغ من العمر 10 سنوات، (والمذكور أعلاه) فقد والدته وإخوته في الهجوم، بالإضافة إلى إصابته بجروح شظايا واسعة النطاق. إن هذه الهجمات التي شنها التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات تكشف بوضوح عن الطريقة التي أدار بها التحالف حملته في اليمن، بمساعدة الأسلحة الأمريكية في كثير من الأحيان.

الذخائر الأمريكية المرجح استخدامها في الخمسة والعشرين هجومًا الموثقة في هذا التقرير تشمل القنابل العنقودية المحظورة بموجب معاهدة دولية بسبب الأضرار والإصابات العشوائية التي تحدثها، والقنابل ذات الأغراض العامة من سلسلة "مارك 8″، والقنابل الموجهة بدقة من سلسلة بيفواي الرابعة، والقنابل ذات نظام التوجيه (JDAM). كل هذه الأسلحة المتفجرة لها آثار واسعة النطاق وتؤدي إلى أضرار مدنية متوقعة عند استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان.

الذخائر المصنوعة في المملكة المتحدة والمرجح استخدمها في خمس هجمات موثقة في هذا التقرير – بما في ذلك القنابل الموجهة بدقة من نوع بيفواي الرابعة ونوع "حكيم" – أَتلفت أو دَمرت العديد من المنشآت التجارية المدنية فضلاً عن منشأة تعليمية.

في الأسابيع والأشهر الأخيرة، مع ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين في اليمن، وبعد ما حذرت الأمم المتحدة من "أسوأ مجاعة في العالم منذ 100 عام"، اتخذت عدد من الحكومات الأوروبية – بما في ذلك ألمانيا والدنمارك وهولندا وفنلندا والنمسا وبلجيكا وسويسرا والنرويج- تدابير لمنع تصدير الأسلحة التي تستخدم في اليمن.

إن النتائج التي توصلنا إليها تعزز الأدلة السابقة التي تثبت أن التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات أخفق في الوفاء بالتزاماته بموجب قوانين الحرب واستخدم الأسلحة الأمريكية بشكل متكرر في هجمات بدت غير متكافئة وعشوائية أسفرت عن وقوع إصابات واسعة النطاق في صفوف المدنيين وأضرار مدنية أخرى في اليمن.

إن الزمن جوهر المسألة. فملايين اليمنيين يرزحون على شفا مجاعة ومعرضون لخطرها. والهجمات غير المشروعة تستمر، مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في الصراع. وقد تكون عملية السلام التي رعتها الأمم المتحدة على وشك الانهيار. يجب على مجلس الشيوخ الأمريكي ألا يتأخر في المطالبة بإنهاء فوري لمشاركة الولايات المتحدة في حملة وحشية جلبت الموت والدمار والكارثة الإنسانية إلى أفقر بلد في المنطقة. إنها ضرورة أخلاقية وقانونية تقع على الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتبقية، التي مازالت تزود السعودية والإمارات ودول التحالف الأخرى بأسلحة لاستخدامها في اليمن، أنْ توقف عمليات النقل هذه على الفور. إن إنقاذ الكثير من الأرواح يعتمد على التحرك السريع من جانب الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية.

منهجية التقرير

يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على دور الدول الغربية -وخاصة دور الأسلحة الأمريكية والأوروبية- في الحرب. وبالتالي، يُركز التقرير على هجمات التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، لأن التحالف اعتمد اعتمادًا كبيرًا على الأسلحة التي قدمتها الدول الغربية في حملة القصف الجوي. لتوثيق الحوادث التي يصفها التقرير، أجرت منظمة مواطنة بحثًا ميدانيًا مكثفًا في تسع محافظات يمنية (حجة، الحديدة، الجوف، صنعاء، إب، تعز، أمانة العاصمة، عدن، البيضاء) خلال الفترة من أبريل/ نيسان 2015 حتى أبريل/ نيسان 2018.

زار الباحثون الميدانيون مواقع غارات التحالف الجوية وأجروا مقابلات مع عشرات من شهود العيان والناجين، والأشخاص الذين عانوا من الإصابات، وأفراد أسر الضحايا، والمسعفين الطبيين، والأطباء، وغيرهم من العاملين في مجال التطبيب. كما التقط الباحثون صوراً لمشاهد الهجمات، ولأي مخلفات أسلحة تم استردادها، ولغيرها من الأدلة. وكلفت منظمة "مواطنة" خبير أسلحة لتحليل صور بقايا الأسلحة التي تم العثور عليها في مواقع هجمات التحالف. وقام خبير الأسلحة بتزويد المنظمة بنتائج التحليل، بما فيها (كلما أمكن ذلك) تحديد نوع السلاح والشركة المصنعة وبلد المنشأ ومعلومات عن الأبعاد والوزن والتكوين والآثار المحتملة للسلاح على أرض الواقع.  استعرض الفريق المتواجد في الولايات المتحدة والمشكل من (الشبكة الجامعية لحقوق الإنسان وبرنامج ستانفورد الدولي لحقوق الإنسان) الوثائق الخاصة بكل حالة من الحالات السبع والعشرين وطبق عليها المعايير القانونية الدولية والمحلية في تحليل الحوادث.

استُبعدت من هذا التقرير هجمات التحالف التي لم يمكن التعرف فيها على مخلفات الأسلحة، على الإطلاق، أو تعذر تحديدها بقدر كاف من الدقة. بالإضافة إلى ذلك، حرصت منظمة "مواطنة" على استبعاد أي حادث وصل فيه الحوثيون إلى موقع مخلفات الأسلحة المستعملة في الهجوم. تم إخفاء هويات بعض الشهود، الذين وثقت أقوالهم وشهاداتهم المذكورة في هذا التقرير، بناءً على طلبهم أو من أجل سلامتهم.

نقل الأسلحة الأمريكية إلى السعودية والإمارات والتعاون العسكري معهما.

للولايات المتحدة تاريخ طويل من التعاون العسكري مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. يعود تاريخ التعاون العسكري بين السعودية والولايات المتحدة إلى خمسينات القرن الماضي، حين أنشأت الولايات المتحدة أول قاعدة عسكرية لها في البلاد. ودشنت الاتفاقيات الثنائية في الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي، إنشاء بعثة للولايات المتحدة للتدريب العسكري في المملكة وبرنامج تحديث الحرس الوطني السعودي للإشراف على التعاون الدفاعي بين البلدين. أبرمت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية صفقات أسلحة ضخمة في السبعينيات. تعاونت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في عملية عاصفة الصحراء ضد العراق في أوائل التسعينيات وسلسلة من العمليات العسكرية الأخرى في المنطقة وما بعدها. استخدمت الولايات المتحدة قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات العربية المتحدة لإطلاق عمليات خاصة إلى أفغانستان والعراق وسوريا وكمحطة لتزويد الطائرات بالوقود.

المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما عضوا التحالف اللذان يقودان الحملة العسكرية في اليمن والمسؤولان على الأرجح عن معظم الضربات الجوية التي نُفِّذت. الأسلحة التي تبيعها الولايات المتحدة أو التي تشمل مكونات بيعت من قبل الولايات المتحدة استخدمت مرارًا وتكرارًا في جميع الضربات الجوية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات، باستثناء اثنتين منها تم توثيقها في هذا التقرير. بعض الأسلحة الأمريكية الصنع المستخدمة في اليمن بيعت قبل فترة طويلة من بدء الصراع وبقيت محفوظة في مخازن دول التحالف. غير أن بعض الأسلحة الأمريكية المستخدمة في بعض الضربات، يبدو أنها صُنعت – وبالتالي نُقلت- بعد اندلاع الصراع. كما زود الجيش الأمريكي التحالف بالمعلومات الاستخباراتية، والدعم اللوجستي، والمساعدة في الاستهداف، والتدريب. كما قدمت الولايات المتحدة خدمة التزويد بالوقود في الجو لطائرات التحالف منذ مارس/ آذار 2015، على الرغم من أن الولايات المتحدة والتحالف أعلنا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 أن المساعدة في التزود بالوقود ستتوقف.

كانت السعودية والإمارات من كبار مستوردي الأسلحة الأمريكية بين عامي 2013 و2017. في خلال هذه الفترة اشترت السعودية 18٪ من صادرات الأسلحة الأمريكية، وبلغت مشتريات الإمارات منها 7.4٪. في عام 2017، أخطرت الإدارة الأمريكية الكونغرس بعقد صفقة بمبلغ 17.9 مليار دولار من مبيعات الأسلحة المقترحة وغيرها من الدعم العسكري للسعودية و2.8 مليار دولار للإمارات. في عام 2016، طُرح اقتراح بصفقة من المبيعات بحوالي 5 مليار دولارا لكل من الدولتين.

كما قدمت الولايات المتحدة تدريبات عسكرية ضخمة للدولتين.  ودرب الجيش الأمريكي أكثر من 5,000 من قوات الإمارات بين عامي 2009 و2016. وتتلقى المملكة العربية السعودية ما قيمته حوالي 10,000 دولار في العام من مساعدات التعليم والتدريب العسكري الدولي من الولايات المتحدة تحت قانون المساعدة الخارجية، مما يجعل البلاد مؤهلة للحصول على خصم من قيمة التدريب العسكري الأمريكي الذي يتم شراءه من خلال برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية. أضحت المساعدات العسكرية للسعودية مثيرة للجدل منذ أوائل القرن الراهن بسبب المخاوف بشأن سجل حقوق الإنسان في المملكة والالتزام بمكافحة الإرهاب. بين عامي 2004 و2009، أصدر الكونغرس تشريعاً كان من شأنه أن يحظر المساعدات المقدمة إلى المملكة في غياب إعفاءات من إدارتي بوش وأوباما. وكما يبين الجزء الثالث من هذا التقرير، فقد اعترض عدد متزايد من أعضاء الكونغرس منذ بداية الصراع في اليمن على تقديم الأسلحة وغيرها من المساعدات العسكرية الأمريكية للسعودية والإمارات ووضعوا تشريعا لإيقافها.

أعلنت المملكة العربية السعودية عن خطط لإنتاج جزء كبير من عتادها العسكري محليا خلال العقد القادم. قد يقلل هذا من اعتمادها على مبيعات الأسلحة الأمريكية على المدى الطويل. ولكن على المدى القصير، فإن كثيراً من استثمارات المملكة في تعزيز قدراتها العسكرية المحلية يذهب إلى التعاقد مع المقاولين الأميركيين. وعلى مدار عدة سنوات قادمة على الأقل، ستظل السعودية والإمارات تعتمدان على الأسلحة الأمريكية والأوروبية والدعم اللوجستي منهما للحرب في اليمن.

الذخائر الأمريكية الصنع التي استُخدمت في اليمن

أثبتت منظمات حقوق الإنسان  هوية مخلفات وبقايا الذخائر التالية المصنوعة في الولايات المتحدة في مواقع الضربات الجوية غير القانونية كما يبدو منذ بداية الحملة العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن: القنابل العنقودية، ذخائر صغيرة بما في ذلك الماركات CBU-58   مع  BLU-63، و  CBU-105 مع BLU-108 ، و  CBU-87  مع BLU-97، و M26مع DPICM M77؛ و سلسلة ماركة 80 من قنابل الأغراض العامة؛ وسلسلة بيفواي من  القنابل الموجهة بدقة ، بما في ذلك  بيفواي الثانية   GBU-12 ؛ وقنابل الهجوم المشترك المباشر   JDAM GBU31.

هذا التقرير يوثق ما يبدو أنها خمسة وعشرون غارة جوية إضافية غير قانونية استخدم فيها التحالف ذخائر مصنوعة في الولايات المتحدة. وتشمل هذه الذخائر: قنابل عنقودية، بما في ذلك قنابل  CBU-58 مع ذخيرة BLU-63، و CBU-52 مع ذخيرة BLU-61 ، و CBU-105 مع ذخيرة BLU-108 ؛ وسلسلة قنابل الأغراض العامة مارك 80، وسلسلة قنابل بيفواي الموجهة بدقة ، بما في ذلك بيفواي الثانية طراز  GBU-12  و طراز  GBU-16 و بيفواي الثالثة طراز  GBU-24 وبيفواي الرابعة؛ وقنابل الهجوم المشترك المباشر   JDAM GBU-3.

وتعتبر الشركات الأمريكية لوكهيد مارتن ورايثيون وبوينج من أكثر الشركات استفادة من مبيعات الأسلحة المستخدمة في اليمن. وينتج هؤلاء المتعهدون العسكريون العتاد والذخيرة التي استخدمها التحالف بقيادة السعودية والإمارات مرارًا وتكرارًا في غاراته الجوية. تقوم لوكهيد مارتن بتصنيع طائرات مقاتلة من طراز  F-16، وتصنع بوينج ذخيرة الهجوم المباشر المشترك (JDAMs)، و تنتج رايثيون و لوكهيد مارتن صواريخ من سلسلة بيفواي.[33]  تبلغ مبيعات لوكهيد مارتن المتوقعة للمملكة العربية السعودية لعامي 2019 و 2020 حوالي 900 مليون دولار، وفقا لمسؤول الشركة. كما قامت شركة تكساس سيستمز كوربوريشن بتصنيع الأسلحة المستخدمة في الضربات الجوية، بما في ذلك القنابل العنقودية مثل  CBU-105.

مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية والإمارات

تتألف عملية بيع الأسلحة الأمريكية من عدة خطوات مطلوبة قانونيًا. حيث تتقيد مبيعات الأسلحة من حكومة لحكومة بإجراءات المبيعات العسكرية الأجنبية. فعندما يتفاوض تاجر أسلحة أمريكي على عملية بيع تجارية مباشرة إلى بلد أجنبي، يتعين على تاجر الأسلحة التقدم بطلب للحصول على رخصة تصدير. وبموجب قانون مراقبة تصدير الأسلحة، يتلقى الكونغرس إخطارات بكلا النوعين من المبيعات المقترحة إذا كانت قيمتها تزيد عن 14 مليون دولار من معدات الدفاع الرئيسية أو أكثر من 50 مليون دولار من المواد أو الخدمات الدفاعية. بالنسبة للمبيعات العسكرية الأجنبية، تتّبع عملية تقديم العطاءات للمقاول هذه الإخطارات بشكل عام. وقد تم تجميع البيانات المتاحة حول عمليات نقل الأسلحة الأمريكية الأخيرة إلى السعودية والإمارات، كما هو مبين في ما يلي أدناه، مع مراعاة القيود التالية: يتم الحصول على الكثير من البيانات المتاحة من إخطارات الكونغرس، ولكن في نهاية المطاف لا يتم الاتفاق على كل الصفقات المحتملة التي يتم إخطار الكونغرس بها. علاوة على ذلك، حتى عندما يتم إبرام عقد ما، فإن التسليم الفعلي للأسلحة قد يتم تعيين موعده إلى تاريخ لاحق يتجاوز بكثير الموعد المضروب في إخطار الكونغرس الأصلي. وبالتالي، فإن البيانات الواردة أدناه -التي استُكملت بمعلومات جداول التسليم عند توفرها – ليست شاملة؛ ومع ذلك، فإنها مفيدة في إجلاء الصورة العامة التي تقدمها عن علاقات الأسلحة الأمريكية مع دولتي التحالف الرئيسية.

  المملكة العربية السعودية

أبرمت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة صفقات أسلحة لعقود من السنين، بما في ذلك سلسلة من المشتريات الكبيرة على مدى العقد الماضي، قبل وأثناء الصراع المستمر في اليمن. إخطارات الكونغرس بشأن تراخيص المبيعات العسكرية الأجنبية المقترحة ورخص التصدير تقتصر على تلك التي تحتوي على أنواع الأسلحة المستخدمة في الضربات الجوية التي يشنها التحالف في اليمن، بما في ذلك الضربات الجوية الموثقة في هذا التقرير.

تم بناء القوات الجوية السعودية، إلى حد كبير، في الولايات المتحدة. في عام 2010 أعلنت الولايات المتحدة خططاً لمساعدة سلاح الجو الملكي السعودي في توسيع ترسانته من الطائرات المقاتلة من خلال نقل F-15 الأمريكية المتقدمة. عرضت الولايات المتحدة حزمة أسلحة بقيمة 60 مليار دولار للسعودية في تلك السنة.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، وافقت وزارة الخارجية على صفقة مبيعات عسكرية ضخمة محتملة إلى المملكة العربية السعودية تتكون من ما قيمته 1.29 مليار دولار من الذخيرة جو- أرض، والمعدات المرتبطة بها، وقطع الغيار، والدعم اللوجستي. أوقفت إدارة أوباما هذه الصفقة مؤقتًا في نوفمبر 2016 بسبب مخاوف بشأن الخسائر المدنية في اليمن.

في مايو/ أيار 2017، أعلن الرئيس ترامب حزمة من مبيعات الدفاع المقترحة للسعودية بقيمة محتملة تبلغ 110 مليار دولار. وقد استشهد بهذا الرقم في كثير من الأحيان لدعم العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة والسعودية في مواجهة النقد الواسع لسجل حقوق الإنسان في السعودية. تضمنت هذه الحزمة خطابات عرض وقبول لمبيعات تم إخطار الكونغرس بها من قبل إدارة أوباما ومذكرات نوايا حول مبيعات جديدة محتملة. غطت هذه الخطابات والمذكرات المبيعات المقترحة لسفن ودبابات وصواريخ باتريوت ومروحيات وكذلك ترقيات للبنية التحتية العسكرية السعودية.  ومع ذلك، فقد جادل الخبراء في أن العقود الفعلية التي من المرجح أن يتم إبرامها ستكون قيمتها أقل بكثير من 110 مليار دولار.

الإخطارات الرسمية لعام 2017 إلى الكونغرس بشأن المبيعات المقترحة للأسلحة التي يُحتمل استخدامها في اليمن تضمنت ما قيمته 118 مليون دولار قيمة قنابل الهجوم المباشر المشترك JDAMs، و95 مليون دولار لأنظمة FMU-152A /B المشتركة القابلة للبرمجة لصواعق تفجير القنابل، و298 مليون دولار قيمة أنظمة الأسلحة بيفواي الثانية والثالثة، وبيفواي المحسنة الثانية والثالثة، وبيفواي الرابعة.

جمدت إدارة أوباما هذه المبيعات المقترحة في ديسمبر/ كانون الأول 2016، ولكن إدارة ترامب قررت المضي فيها قدمًا. فشل تشريع لرفض هذه المبيعات في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، مما سمح للمبيعات أن تمضي قدمًا.

في يونيو/ حزيران 2017، أبلغت الإدارة الأمريكية الكونغرس بالمبيعات المقترحة للسعودية وتشمل حزمة تدريب لسلاح الجو بمبلغ 750 مليون دولار وأنظمة رادار بمبلغ 662 مليون دولار. كما أخطرت الإدارة الكونغرس بخمس صفقات أسلحة جديدة مقترحة مع المملكة العربية السعودية في عام 2018، بلغ مجموع قيمتها حوالي 3 مليارات دولار.

تعرض استخدام التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات للذخيرة العنقودية لانتقادات واسعة النطاق من جماعات حقوق الإنسان. وكانت الولايات المتحدة قد باعت أعداداً كبيرة من الذخائر العنقودية إلى السعودية. ففي أغسطس/ آب 2013، أبرمت الدولتان عقدًا لـتوريد 1,300 من أسلحة الذخائر العنقودية CBU-105 المزودة بصواعق استشعار من تصنيع أنظمة تكسترون الدفاعية، ليتم تسليمها بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2015. وقد سبق أن أعلنت الدولتان، في عام 2011، عن صفقة لبيع 404 من قنابل الـ CBU-105 هذه. وأخطرت حكومة الولايات المتحدة الكونغرس بالعديد من عمليات نقل الذخائر العنقودية إلى المملكة العربية السعودية قبل عام 1995 ، بما في ذلك 1000 قنبلة طراز CBU-5، و350 قنبلة طراز CBU-71، و1200 قنبلة طرازCBU-87، و 600 قنبلة طراز CBU-87 من القنابل العنقودية. تقارير استخدام الذخائر العنقودية في النزاع المستمر في اليمن تشمل CBU-105  قنابل و CBU-58 و CBU-87، والقنابل الصاروخية  M26.  تم العثور على بقايا نوع إضافي من القنابل العنقودية الأمريكية الصنع – وهي قنابل الـ CBU-52  في موقع إحدى غارات التحالف الجوية الموثقة في هذا التقرير.

*كتب التقرير روهان ناجرا، المدير التنفيذي للشبكة الجامعية لحقوق الإنسان، وبرين أونيل، طالبة في السنة الثالثة في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد، وهي مشارك سابق في برنامج ستانفورد الدولي لحقوق الإنسان. وراجَعَ مُسَوَّدَات التقرير جيمس كافالارو، أستاذ القانون بجامعة ستانفورد ومدير برنامج ستانفورد الدولي لحقوق الإنسان ورئيس الشبكة الجامعية لحقوق الإنسان. وقد ساعد طلاب المرحلة الجامعية الراهنة والسابقة في جامعة ستانفورد، هانا سميث، وكاتي جونسون، وهاتي غواندي، وسارة مونغ في تنفيذ جوانب مختلفة من هذا المشروع عبر الشبكة الجامعية لحقوق الإنسان.

وقد تولى وين أديل ديزاين تصميم التقرير. وقدمت منظمة باكس الهولندية للسلام مزيدًا من الدعم لإتمام إخراج هذا التقرير.

منظمة "مواطنة لحقوق الإنسان" (mwatana.org) منظمة يمنية مستقلة تُناصر حقوق الإنسان من خلال توثيق الانتهاكات، وتقديم الدعم القانوني للضحايا، وممارسة الضغط والتأثير على أصحاب القرار، وتوعية الجماهير، وبناء القدرات. واعترافاً بجهودها ومبادراتها الجسورة في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والدفاع عن الضحايا والمتضررين، نالت المنظمة ميدالية روجر ن. بالدوين للحرية وحصلت على جائزة هرانت دينك في عام 2018. وقد تم الاستشهاد بعمل “مواطنة” في قضايا حقوق الإنسان في اليمن في أبرز البرامج التلفزيونية والإذاعية والمصادر المطبوعة وعلى الإنترنت حول العالم.