في مواجهة عمليات القوة الصاروخية والطيران المسير اليمنية تعتمد السياسة الإعلامية لتحالف العدوان الخليجي على إنكار الهجمات من أساسها، لكن في حالة تسرب مقاطع فيديو تؤكد حدوثها العملية، يتم الاعتراف جزئيًا بما يكفي لتبرير المقاطع المصورة وإسقاط دلالاتها مع التهوين من الهجمات وادعاء إفشالها ببطاريات الدفاع الجوي.
وبالطبع يتم التكتم على نتائج القصف بشكل تام وبالذات ما يخص المنشآت العسكرية، لا سيما أنها عمليات نظيفة يصعب توظيفها للتباكي بمصطلح "استهداف الأعيان المدنية".
هذا ما فعلته الإمارات في عمليات الاستهداف التي طالت منشآتها سابقًا. وفيما يلي مجموعة ملاحظات حول الخطاب الإعلامي للتحالف إزاء عملية إعصار اليمن الثانية.
الملاحظة الأولى:
من الطبيعي أن السلطات الإماراتية قد اتخذت إجراءاتها مسبقًا لضمان عدم تسرب نتائج الضربات اليمنية، خصوصا تلك التي أصابت المنشآت الاستراتيجية. لهذا فقد اكتفى إعلامها بالحديث عن "الصاروخين الاثنين" الذين ظهرا في مقاطع الفيديو المسربة على وسائط التواصل الاجتماعي مع الادعاء بنجاح الدفاعات الجوية في إسقاطهما!!
أما بقية الصواريخ والطائرات المسيرة فقد جرى التعتيم عليها، إذ -وللأسف- ليس هناك مناطق سكنية بالقرب من أهدافها بحيث يسهل على الفضوليين تصوير الانفجارات وتسريب اللقطات. لكن، وعلى أية حال، يمكن استنتاج جزء من مدى فعالية الضربات اليمنية بالنظر إلى تأثير العملية على مؤشرات البورصة وأسعار النفط…
بيقين تام يمكن الجزم بأن الضربات اليمنية كانت دقيقة ومؤثرة بنفس الدرجة التي حدثت سابقًا في المنشآت النفطية السعودية "أبقيق، الدوادمي وعفيف، حقل الشيبة"… هذا إن لم تكن ذات فعالية أعلى نتيجة التطوير والتحديثات التي أجرتها دائرة التصنيع العسكري خلال السنة الأخيرة.
الملاحظة الثانية:
من مخازي تحالف صهاينة العرب إرسال طائراته لتدمير معدات شركة مقاولات في محافظة الجوف، ثم تحويل هذه الجريمة إلى إنجاز وهمي بالادعاء أن الهدف المقصوف هو منصة لإطلاق الصواريخ البالستية؛ محاولًا بذلك الإيهام بنجاحه في إنهاء مصدر التهديد.
هذه الحادثة وقعت صباح نفس اليوم، وتفاصيلها كما يلي:
بعد اضطرار الإعلام الإماراتي للإقرار بوصول صاروخين إلى سماء أبوظبي مع ادعاء إسقاطهما بواسطة الدفاعات الجوية. فقد سعى لتعويض ذلك باصطناع إنجازات وهمية، حيث أعلن التحالف نجاحه في تحديد موقع المنصة التي انطلقت منها الصواريخ، وأنه أرسل طائراته لتدمير المنصة بعد إطلاقها للصاروخين. مرفقا هذا الادعاء بلقطة تظهر تدمير هدف أرضي في محافظة الجوف اليمنية.
الحقيقة كشفها تقرير مصور بثته قـناة "المـسيرة" من داخل الموقع المستهدف، ليظهر أن المنصة المزعومة ليست سوى معدات خلط وتذويب القار المستخدم في سفلتة الطرق، وأن الضحايا هم عمال يتبعون شركة مقاولات يمنية اختارهم التحالف كي يرسم بدمائهم رواية مفبركة لتمجيد إنجازاته الزائفة.
ختاماً، وبعيداً عن تزييف الإعلام النفطي وتوابعه؛ يجدر الإشارة إلى أهم ما تضمنته عملية إعصار اليمن الثانية باستهدافها العدو الحقيقي للأمة العربية والإسلامية، حيث أن الصواريخ اليمنية استهدفت قاعدة الظفرة الجوية التي هي أكبر قاعدة أمريكية في الإمارات، وتتبع القيادة المركزية US-CENTCOM في تطور يؤكد مدى جرأة القيادة العسكرية اليمنية ومصداقية شعاراتها وصوابية خياراتها وعقيدتها القتالية. كما يفتح الباب أمام عمليات مشابهة مستقبلًا لاستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج.
هذا التطور ليس نوعًا من الاستعراض أو الطيش الناتج عن نوازع عاطفية، بل هو تعبير عن إدراك حقيقة الصراع وأطرافه وأهداف العدو التي تطال مستقبل الأمة العربية بكاملها.
بغض النظر عن مخاوف البعض الذين لا يدركون أو يتعمدون تجاهل حقيقة ما يجري، فإن القيمة العملية لهذا الاستهداف هو أنه يدفع مسار الصراع نحو مراحله الأخيرة التي كانت مؤجلة رغم حتمية خوضها لتحقيق الخلاص، فاستكمال دحر وكلاء وأدوات الهيمنة لن تنهي الصراع معها، بل ستجبر العدو الأصلي على خوض المعركة بنفسه في النهاية، وهو ما بدأ الجيش الأمريكي بفعله تدريجيا في الفترة الأخيرة رغم استمراره في سياسة التمويه والأقنعة… لذا فلا بأس من توجيه الصفعات لوجهه تحت القناع، اختصار للوقت على الأقل.
ضمن نفس السياق، فلنتوقع قريبا؛ ضربات يمنية مماثلة تستهدف معسكرات الكيان الصهيوني.
وهنا تبرز الحقيقة الأساسية التي عمل إعلام الخليج على طمسها منذ بداية القرن الحالي، وهي أن حروب وأزمات العالم العربي ليست مجرد نزاعات ثنائية بين دول المنطقة كما يصورها الإعلام الغربي وتوابعه النفطية، بل هي تجليات صراع أوسع تجتمع فيه قوى التحرر العربية والإسلامية في مواجهة المشروع الصهيوني بأدواته ووكلائه وأتباعه.