على الرغم من التوقعات بارتفاع أسعار النفط والغاز في النصف الثاني من عام 2021، واستمرار صعود الأسعار في النصف الأول من عام 2022، فإن وتيرة الأسعار في السوق الدولية للغاز المسال، كانت عالية، مصحوبة بعوامل عدة تتعلق بزيادة التعافي في الاقتصاد العالمي من التداعيات السلبية لـ"كوفيد-19".
كما كانت الظروف المناخية لشتاء قارس في أوروبا وآسيا، عاملا مهما في زيادة الطلب على الغاز، مما أدى إلى زيادة الأسعار بصورة غير مسبوقة منذ عقود، ولم تغب كذلك الأسباب السياسية من توترات بين روسيا وأوكرانيا.
وتدلل الأحداث التي تمر بها سوق الطاقة عالميًا، على أن الوقود الأحفوري لا يزال عصب الحضارة الحالية، ولم تُسهم بعد الطاقة البديلة بحصة يمكن الاعتماد عليها في الاستغناء عن الوقود الأحفوري (النفط، الغاز، الفحم).
وعلى الرغم من كون الغاز أحد مصادر الوقود الأحفوري، فإنه أقل تلك المصادر من حيث تلوث البيئة وانبعاث ثاني أكسيد الكربون، مما يؤدي إلى تفضيل العديد من الدول لاستخدامه عن باقي المواد من النفط أو الفحم.
أكبر منتجي الغاز في العالم
تتمتع الدول العربية بحضور ملموس في مجال الغاز الطبيعي من حيث الإنتاج ورصيد الاحتياطيات. وتفيد الإحصاءات الخاصة بالتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2021، بأن الإنتاج العالمي بلغ في عام 2020 كمية 3.8 تريليونات متر مكعب، وأن نصيب الدول العربية من إنتاج الغاز في العام نفسه بلغ 584 مليار متر مكعب، وأن إنتاج منظمة أوبك الإجمالي بلغ 324.5 مليار متر مكعب، وكان نصيب أعضاء أوبك من غير الدول العربية 337 مليار متر مكعب.
أما من حيث نصيب الدول الكبرى في إنتاج الغاز الطبيعي على مستوى العالم ووفق البيانات السابقة، فإن:
أميركا تتربع على صدارة قائمة الدول المنتجة، بنحو 914 مليار متر مكعب.
روسيا ثانية بحصة 638 مليار متر مكعب.
الصين ثالثة بـ194 مليار متر مكعب.
قطر رابعة بـ171 مليار متر مكعب.
ثم كندا بـ165 مليار متر مكعب.
السعودية بـ112 مليار متر مكعب.
النرويج بـ111.5 مليار متر مكعب.
وعلى صعيد الدول العربية، بعد قطر تأتي مصر بحجم إنتاج 58.5 مليار متر مكعب، ثم الإمارات بـ55 مليار متر مكعب.
أكبر مالكي الاحتياطات من الغاز في العالم
أما بالنسبة للاحتياطيات، فيبلغ الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي 205 تريليونات متر، نصيب الدول العربية من تلك الاحتياطيات 54.4 تريليون متر مكعب، أما أوبك فلديها احتياطيات من الغاز تقدر بـ73.1 تريليون متر، أما نصيب أوبك من دون الدول العربية من احتياطيات الغاز فتبلغ 46.2 تريليون متر.
ومن أبرز دول أوبك صاحبة الاحتياطيات الكبرى نجد إيران ولديها احتياطيات تبلغ 34 تريليون متر مكعب.
وعلى مستوى العالم من حيث الدول صاحبة الاحتياطيات الكبرى من الغاز الطبيعي، فتحل روسيا في المقدمة بحصة 47.2 تريليون متر مكعب، ثم قطر 23.8 تريليون متر مكعب، وأميركا بـ12.8 تريليون متر مكعب، ثم الصين بـ6.5 تريليونات متر مكعب.
أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم
وفق أرقام حديثة صادرة عن منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، عبر تقرير يرصد تطورات الغاز الطبيعي في السوق العالمية، خلال الربع الأخير لعام 2021، وعام 2021 إجمالًا تبين أن صادرات الغاز الطبيعي على مستوى العالم في عام 2021 بلغت معدلًا لم تبلغه عبر تاريخ صناعة الغاز على مدار 5 عقود.
فقد بلغت كميات الغاز المسال المصدرة، نحو 380 مليون طن، مقارنة بـ355.1 مليون طن في عام 2020، محققة نسبة نمو بلغت 7%، وهو ما يعني أن صناعة الغاز المسال أصبح لها دور متزايد في سوق الطاقة العالمية.
أما الدول صاحبة الحصة الأكبر في سوق صادرات الغاز المسال، فقد حلت قطر في المرتبة الثانية على مستوى العالم بحصة قدرت بـ77.4 مليون طن، بعد أن ظلت لعدة سنوات تحتل المرتبة الأولى لصادرات الغاز المسال على مستوى العالم.
ويشار إلى أنه في يناير/كانون الثاني الماضي، قال التقرير العالمي السنوي للغاز الطبيعي المسال الصادر عن الاتحاد الدولي للغاز إن قطر ستتصدر قائمة منتجي الغاز المسال عالميا بحلول عام 2026 إنتاجا وتصديرا.
ووفقا للاتحاد الدولي، فإن إنتاج مشروع حقل غاز الشمال القطري سيبدأ في زيادة الصادرات السنوية من الغاز الطبيعي المسال تدريجيا من 77 مليون طن متري حاليا إلى 110 ملايين بحلول 2025، ثم الوصول إلى 126 مليونا بنهاية عام 2027.
وتقدمت أستراليا لتحتل المرتبة الأولى عالميا، بكميات وصلت إلى 80 مليون طن، وأتت أميركا في المرتبة الثالثة بكميات بلغت 71 مليون طن، ثم روسيا في المرتبة الرابعة بكمية صادرات بلغت 29.3 مليون طن.
أما بالنسبة للدول العربية المصدرة للغاز الطبيعي، فقد حصلت على حصة تقدر بنسبة 29.4% من إجمالي صادرات الغاز العالمية، إذ بلغت الصادرات العربية من الغاز المسار 111.7 مليون طن.
وتتصدر قطر الدول العربية المصدرة للغاز المسال، وتأتي بعدها الجزائر بحصة صادرات قدرها 11.5 مليون طن، ثم سلطنة عمان بكمية قدرها 10.3 ملايين طن، ثم مصر بكمية صادرات قدرها 6.5 ملايين طن، ثم الإمارات بكمية صادرات قدرها 5.9 ملايين طن.
أكبر مستوردي الغاز المسال
تعد أسواق آسيا وأوروبا، من أكبر مناطق العالم طلبًا للغاز المسار. فحسب أرقام 2021:
أتت الصين في مقدمة الدول المستوردة للغاز الطبيعي، حيث استوردت كميات قدرت بـ78.5 مليون طن.
ويعد هذا العام هو الأول الذي تحل فيه اليابان في المرتبة الثانية بين الدول المستوردة للغاز المسال على مستوى العالم، منذ بداية هذه الصناعة في ستينيات القرن الـ20، حيث استوردت اليابان 74.4 مليون طن.
وفي المرتبة الثالثة حلت كوريا الجنوبية باستيراد كمية بلغت 45.4 مليون طن من الغاز المسال.
ويعد الجزء الأكبر في سوق استيراد الغاز المسال مع السوق الآسيوية، السوق الأوروبية، حيث بلغت واردات أوروبا من الغاز المسال العام الماضي 77.7 مليون طن، بتراجع نسبته 5% مقارنة بواردات عام 2020 التي بلغت 81.9 مليون طن.
ودبرت أوروبا احتياجاتها من الغاز المسال خلال عام 2021 من 5 دول رئيسية، هي أميركا 31%، وقطر 21%، وروسيا 18%، والجزائر 13%، ونيجيريا 11%.
الأسعار بأسواق الغاز في العالم
هناك سوقان لأسعار النفط والغاز، السوق طويلة الأجل وهي عادة ما تتمتع بأسعار أقل وتضمن استمرار التدفقات بشكل آمن، بينما السوق الثانية، وهي سوق الصفقات العاجلة، وعادة ما يتم اللجوء لسوق الصفقات العاجلة لتغطية الاحتياجات الطارئة، بسبب المشكلات التي تعتري الصفقات طويلة الأجل، سواء لأسباب أمنية أو عدم استقرار سياسي، أو وجود احتياجات أدت للزيادة في الطلب لم تكن في الحسبان، كما حدث في أوروبا من انخفاض درجات الحرارة، ومعايشة المجتمعات الأوروبية لشتاء قارس.
وقد شهد عام 2021 ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار الغاز الطبيعي، لم تشهده العقود الماضية، وقد أدت إلى هذا الارتفاع مجموعة من العوامل مجتمعة، منها السباق الآسيوي الأوروبي للحصول على الصفقات العاجلة، وكذلك عودة النشاط الاقتصادي في ظل تعافي بعض الاقتصاديات من التأثيرات السلبية لـ"كوفيد-19″، مما أدى لزيادة الطلب على الغاز، وأيضًا تراجع الإمدادات من بعض الدول المصدرة مثل النرويج وأستراليا، بسبب أعمال الصيانة الدورية والعاجلة.
كما أدى امتناع روسيا عن زيادة ضخ كميات إضافية من الغاز إلى رفع الأسعار في الأسواق الدولية، حيث تعللت روسيا بزيادة الطلب الداخلي لمواجهة موسم الشتاء، وكان للتوترات السياسية بين روسيا وأوكرانيا دورها كذلك في رفع أسعار الغاز.
وأخيرًا كان لتراجع مخزون أوروبا من الغاز لأقل مستوى خلال عقد كامل، دور في زيادة أسعار الغاز بالسوق الدولية.
وعلى مدار الفترة من أكتوبر/تشرين الأول إلى ديسمبر/كانون الأول 2021، كانت الأسعار في السوق الأوروبية تتراوح ما بين 24 دولارا إلى 37 دولارا للمليون وحدة حرارية من الغاز، أما في الأسواق الآسيوية فكانت الأسعار خلال هذه الفترة تتراوح ما بين 33 دولارا إلى 38 دولارا للمليون وحدة حرارية من الغاز.
أما العقود طويلة الأجل فكانت عند 10.7 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية.
أنواع الغاز وطرق نقله
هناك أنواع مختلفة من الغاز الطبيعي، منها الغاز الحيوي، الذي يتم إنتاجه من المخلفات الطبيعية وفق طرق معينة، بعيدًا عن وجود الأكسجين، وهناك الغاز المستخرج من باطن الأرض، ويتم تصنيفه حسب العمق إلى غاز عميق يصعب استخراجه، وغاز يوجد على بعد بضعة آلاف من الأمتار، وهو النوع السائد.
وهناك تصنيفات للغاز أيضًا حسب كثافته، ومنه ما يستخدم في إنتاج البتروكيماويات، والنسبة الكبرى تستخدم في التدفئة بالمنازل أو توليد الكهرباء أو في استخدامات المصانع، كما يستخدم كذلك في إنتاج الأسمدة.
ويتم نقل الغاز بطريقتين معروفتين:
الأولى أن يتم تحويل الغاز من الحالة الغازية إلى حالة سائلة، ليتم نقله عبر السيارات أو السفن، وعبر ناقلات خاصة.
الطريقة الثانية، حيث يتم نقل الغاز عبر أنابيب تمتد من آبار الإنتاج إلى الدول المستهلِكة أو المستوردة، وفي هذه الحالة يتم كذلك تحويل الغاز من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة.
وهناك خطوط لنقل الغاز من آبار الاستخراج إلى أماكن الاستهلاك، سواء داخل الدول -وتعد أميركا أكبر دولة تمتلك شبكة لنقل الغاز الطبيعي بين ولاياتها المختلفة- أو بين الدول بعضها بعضًا، ومن أشهر هذه الخطوط الخط الممتد من سيبيريا في روسيا بطول 6400 كيلومتر لنقل الغاز لمجموعة من الدول الأوروبية.
وهناك خط السيل الشمالي 2، والذي يجري الانتهاء منه، وهو معنيّ كذلك بنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، وتبلغ تكلفته أكثر من 10 مليارات دولار.
وفي محيط المنطقة العربية، هناك خط لنقل الغاز بين مصر وإسرائيل. وثمة تفكير من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز المستخرج من منطقة شرق المتوسط، إلى أوروبا، لتستفيد من هذه الخدمة، دول قبرص واليونان، والاحتلال الإسرائيلي.
أهم بدائل الغاز الروسي لتأمين احتياجات أوروبا
لروسيا أهمية بالنسبة لأوروبا من حيث إمدادات الغاز الطبيعي، كونها تملك حصة كبرى من الاحتياطيات الخاصة بالغاز، بل هي الحصة الأكبر على مستوى العالم وفق بيانات عام 2020، كما أنها تمد أوروبا بالفعل من الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 18%.
وإذا كانت نسبة روسيا من حيث الإمداد الفعلي يمكن تعويضها من مصادر أخرى، مثل الدول العربية، والتي يأتي على رأسها قطر والجزائر، فإن القرب الجغرافي لروسيا، وكذلك إمكانية مد أنابيب الغاز لأوروبا من خلال روسيا، يؤمنان الإمدادات بنسبة كبيرة، ويقللان من تكاليف الشحن والنقل.
ولكن في ضوء الصراع السياسي بين روسيا وأوكرانيا ومعها الغرب، يمكن لأوروبا أن تتحمل تلك التكاليف الخاصة بالنقل والشحن، أو التفكير في نقل الغاز من قطر والجزائر، وكذلك من دول لأخرى مثل نيجيريا، عبر خطوط أنابيب جديدة، يمكن لأوروبا أن تستغني بها عن روسيا.