أعد الأستاذ في قسم العلوم السياسية في الجامعة الأردنية والجامعة الهاشمية د. خالد شنيكات دراسة بعنوان: "الأزمة بين روسيا وأوكرانيا: قراءة في الأسباب وسياقات التطور المستقبلية"، ونشرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، هذا نص الدراسة:
مقدمة
تتسارع وتيرة الأحداث بين أوكرانيا وروسيا، والتي أساسها صراع حول المصالح والسياسات، فبينما تراقب روسيا بحذر وقلق ما يقوم به القادة الأوكرانيون فيما يتعلق بتوجهاتهم الحالية والمستقبلية تجاه العلاقة مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك مسألة انضمام أوكرانيا إلى الناتو، تنظر أوكرانيا بقلق شديد حول ضم شبه جزيرة القرم لروسيا وفقاً لاستفتاء مارس 2014، التي كانت جزءاً من أراضيها قبل ذلك، كذلك الصراع الدائر في دونباس، ولوهانسك، وهما منطقتان من أراضيها أعلنتا انفصالهما عنها، وقد تم إعلان تشكيل جمهورية دونباس واستقلالها، وتتهم أوكرانيا روسيا بدعم المتمردين فيهما.
والجديد في هذه الأزمة، هي الحشود الروسية على الحدود مع أوكرانيا، التي طرحت تساؤلات ملحة، منها احتمالية انفجار الوضع وتحوله إلى حرب كبرى.
ولفهم المزيد عن هذه الأزمة سنعالجها من خلال البُعد التاريخي، واتفاقات مينسك والخلاف على تطبيقها، والأطراف الفاعلة، ومصالح الأطراف كافة في الأزمة، وما تثيره من مسائل تتعلق بصراع الهويات والتوجهات الاستراتيجية لكل من روسيا وأوكرانيا حتى للدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وحول احتماليات تطور هذه الأزمة إلى صراعٍ أو حرب كبرى.
سنتناول تلك السيناريوهات، معتمدين على قراءة مواقف الأطراف الفاعلة ومصالحها في ذلك، وعلى البُعد الاستراتيجي، ودور الجغرافية السياسية في تقرير مسار الأزمة.
أولاً: الخلفية التاريخية الحديثة للأزمة
تعود بداية الأزمة الحالية إلى 21 تشرين الثاني 2013 عندما أوقف الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا في ذلك الوقت فيكتور يانوكوفيتش الاستعدادات لتنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتبع هذا الإيقاف تظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق، وصدامات بين التنظيمات الانفصالية والقوات الحكومية الأوكرانية، في العاصمة الأوكرانية، وتفاقم الوضع أكثر في المناطق الشرقية والجنوبية المحاذية لروسيا، وما يميّز هذه المناطق، أن الغالبية من سكانها تتحدث اللغة الروسية، وداعمة للرئيس يانوكوفيتش.
ومع اشتداد الاحتجاجات من قِبل معارضي قرار الرئيس، وتحولها إلى ثورة كبيرة أدت إلى عزل الرئيس في 22 شباط 2014 من قِبل البرلمان، وفراره، وتم تعيين رئيس برلمان أوكرانيا ألكساندر تورتشينوف بدلاً منه، ونتيجة لذلك سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 في واحدة من أكبر عمليات ضم الأراضي التي عاشتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وهي من المناطق التي كانت تتمتع بحكم ذاتي، وفرضت كنتيجة للوضع اتفاقات لوقف إطلاق النار، اعتبرتها أوكرانيا غير مناسِبة لها، كما نشبت حرب في أوبلاست دونيتسك ولوهانسك أوبلاست بين الانفصاليين الموالين لروسيا والحكومة الأوكرانية.
وقد ردت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على روسيا نتيجة غزوها القرم، لكن العقوبات لم تترك أثراً فعلياً على الاقتصاد الروسي، فالاقتصاد الروسي بقي مستقراً، وقد أسهمت أسعار النفط الروسي في إبقاء الاقتصاد الروسي على ذلك، والأهم أن روسيا تعمل على امتلاك أداة ضغط قوية في السيطرة على سوق النفط وذلك من خلال سيطرتها على خط أنابيب "نورد ستريم 2" الذي يجعل ألمانيا تعتمد على الغاز الروسي؛ خاصة أن إجراءات بناء الخط تسير على قدم وساق رغم بعض الصعوبات.
والحقيقة، أن نجاح روسيا على أرض المعركة لم يماثله نجاح دبلوماسي منذ ذلك الوقت، حيث تبين لاحقاً أن بروتوكول مينسك خاسر لكل من أوكرانيا وروسيا؛ فقد تراجع نفوذ روسيا بشكل مستمر منذ عام 2015 – مع احتفاظها بالأراضي التي سيطرت عليها – ووقّعت أوكرانيا اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي عام 2014، وهذا يعني دخولها ضمن الإطار الأوروبي، وهو هدف أساسي لها، ثم سعت بشكل حثيث للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ورغم أنها لم تنضم إليه بعد، فإن علاقاتهم في تطور مستمر.
أما فيما يتعلق بأوكرانيا؛ فإنها لم تستعِد أراضيها، وفشلت العقوبات الأمريكية والأوروبية في دفع روسيا للانسحاب، وبقي الصراع صامتاً مستقراً ولم يتطور إلى مواجهة كبرى حتى اللحظة.
وعلى الجانب العسكري، فإنه منذ سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، تطوَّر أداء الجيشين الأوكراني والروسي كثيراً، مع تفوق نوعي وكمي لصالح روسيا.
لكن النزاع الذي بقي مستقراً أو من النوع المحدود، بعد انحسار القتال في شرق أوكرانيا عام 2016، عاد ليصبح قابلاً للانفجار مع إعادة تموضع القوات العسكرية الروسية على الحدود المتاخمة لأوكرانيا والتي تتجاوز دورتها التدريبية المعتادة، وهو ما فسّره مراقبون كثيرون بأنه غزو عسكري وشيك، حيث تحركت القطاعات العسكرية الروسية لآلاف الكيلو مترات وبأعداد تصل إلى عشرات الآلاف إلى الحدود الأوكرانية وشبه جزيرة القرم.
على أي حال، فإن المعارك المستمرة منذ نشوء الصراع أدت إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وهو عدد كبير، لكنه سيكون ضئيلاً لو تحول الصراع إلى صراع شامل بين روسيا وأوكرانيا بشكل مباشر؛ ولأن الأزمة الحالية أساسها الخلافات على اتفاقات مينسك وحول كيفية تطبيقها، فإننا سنعرضها في الجزء الثاني.
ثانياً: اتفاقات مينسك
اتفاق مينسك الأول
تم توقيع الاتفاق بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين برعاية روسية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في سبتمبر 2014 في مينسك عاصمة بيلاروسيا، وأهم بنود الاتفاق:
ترسيخ وقف إطلاق النار، وتأسيس منطقة عازلة بين قوات الحكومة والانفصاليين الموالين لروسيا بمسافة 30 كيلومتراً.
سحب "المجموعات المسلحة جميعها وكذلك التجهيزات العسكرية والمقاتلين والمرتزقة" إلى الحدود الخارجية للمنطقة العازلة.
وقف استخدام أنواع الأسلحة كافة سواء الأسلحة الثقيلة أو الخفيفة ومنع استخدام الطائرات من دون طيار.
لكن هذا الاتفاق فشل لأنه غير كافٍ ولم يكن واضحاً، فتم الذهاب إلى اتفاق مينسك الثاني.
اتفاق مينسك الثاني
شمل الاتفاق النقاط الإضافية الآتية:
زيادة المنطقة العازلة إلى ما بين 50-140 كيلومتراً، وسحب الأسلحة الثقيلة.
انسحاب الجيش الأوكراني إلى جهة الغرب بعد سيطرة الانفصاليين على أراضٍ جديدة، أما الأراضي التي تم الاستيلاء عليها فتكون ضمن المنطقة العازلة الموسعة.
إطلاق سراح الأسرى والرهائن المعتقلين منذ عام 2014 وانسحاب المجموعات المسلحة والمرتزقة بمراقبة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في أوروبا، وإصدار عفو عن المقاتلين.
تنظيم انتخابات وفقاً للقوانين المحلية الأوكرانية ولتحديد الوضع المستقبلي لمنطقتي دونيتسك ولوهانسك.
وضع دستور جديد بحلول نهاية عام 2015، يتيح اللامركزية في منطقتي دونيتسك ولوهانسك بالاتفاق مع ممثلي المنطقتين.
لكن كلا الاتفاقين دار عليهما جدل من قِبل أوكرانيا والانفصاليين، وفعلياً لم يتم التنفيذ، إذ إن الانفصاليين يتطلعون إلى تحقيق مكاسب أكبر وكذلك الحكومة الأوكرانية، وأوكرانيا تتهم روسيا بأنها تسعى إلى تنفيذ الاتفاق برؤية وأهداف روسية.
فمثلاً، تصر روسيا على تنفيذٍ كاملٍ لـ "اتفاق مينسك" لعام 2015، الذي يتضمن إضفاء الشرعية الأوكرانية على الأراضي التي مزقتها الحرب في إطار النظام السياسي لأوكرانيا، وذلك بعد وقف إطلاق النار بين الطرفين، وسحب الأسلحة الثقيلة، وإصدار عفو متبادل، وعودة المراقبة الحدودية إلى سلطات أوكرانيا، وهذا يعني من وجهة نظر أوكرانيا فقدان التوازن داخل أوكرانيا، لأن الأراضي التي تسيطر عليها روسيا ستفرض تأثيراً قوياً ومانعاً على السياسة الداخلية للبلاد، ولذلك تسعى أوكرانيا إلى تعديله.
ثالثاً: المصالح الروسية
يبدو أن القراءة الروسية تذهب إلى اتجاه أن مصالح روسيا في خطر فيما يتعلق بالسياسات والسلوكيات التي تنتهجها أوكرانيا، وتتجسد المصالح والأهداف الروسية فيما يلي:
تسعى روسيا لإثبات نفسها بوصفها لاعباً جيوسياسياً وجيواستراتيجياً في منطقة لطالما اعتبرت ضمن المصالح الحيوية لروسيا أي أوكرانيا، وبالتالي إذا ما تم تهديد هذه المصالح بشكل فعلي؛ فإن روسيا قد تستخدم القوة لإجهاض هكذا محاولات، بما فيها غزو أوكرانيا رغم أن هذا لايزال عليه الكثير من القيود التي سنناقشها لاحقاً.
غيّرت روسيا من رؤيتها لمصالحها في أوكرانيا، وبالتالي خطوطها الحمراء، التي أصبحت ترى أن هذه الخطوط لم تعد تتناول عضوية أوكرانيا في الناتو فقط، بل رفض التعاون الدفاعي المتزايد بين أوكرانيا والغرب بشكل كلي أيضاً.
تسعى روسيا إلى مراجعة الاتفاقات والتسويات التي تمت ما بعد الحرب الباردة، ومن ضمنها استعادة المنظومة الإقليمية ليكون لها دور في الأمن الأوروبي، وبالتالي تريد روسيا ضمانات غير مشروطة لأمنها اليوم ومستقبلاً، ولن تقبل بتمدد الناتو شرقاً ليشمل أوكرانيا كما قال بوتين.
تعتنق روسيا مبدأ أو عقيدة أن العالم اليوم عالم متعدد الأقطاب، وأن عصر الأحادية القطبية قد انتهى، وبالتالي فإن التدخل أو الإدانة الأمريكية لضم روسيا لشبه جزيرة القرم والمعارك في شرق أوكرانيا وغيرها من السياسات الأمريكية هو تدخل في الشؤون الروسية الداخلية، حتى العقوبات الأمريكية فهي بالنسبة إلى روسيا غير شرعية.
التهديد المباشر الذي تخشاه روسيا هو توجه أوكرانيا نحو المؤسسات الأوروبية، ومطلبها الرئيسي هو منع انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة في القارة، أو حلف شمال الأطلسي، أو حتى امتلاك بنية تحتية للناتو على أراضيها، حيث إن ذلك يعني أن أوكرانيا عضو في اتفاقية الدفاع المشترك الأوروبي، وبالتالي وجود قوات الحلف وقوات أوروبية على الحدود الروسية.
أما الإطار الأبعد للمصالح الروسية فهو يتمثل في إعادة ربط الدول التي كانت تشكل في السابق الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، لمنافسة الاتحاد الأوروبي بل والولايات المتحدة والصين أيضاً، ويعد ذلك أمناً استراتيجياً للجانب الروسي وخاصة للرئيس فلاديمير بوتين الذي يهدف إلى إبقاء أوكرانيا في الدائرة الاستراتيجية الروسية، ويعزز ذلك أن لدى روسيا روابط اجتماعية وثقافية واقتصادية قوية مع أوكرانيا.
رابعاً: المصالح الأوكرانية
ترتبط أوكرانيا بحدود مع دول في الاتحاد الأوروبي، وروسيا، وهذا الموقع الجغرافي إما أن يجعل منها أداة وصل بين روسيا وأوروبا وإما أداة عزل، وتاريخياً تمتعت أوكرانيا بعلاقات اجتماعية وثقافية كبيرة مع روسيا كما سبقت الإشارة إليها، إذ إن أوكرانيا كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، ولذلك اللغة الروسية تعد لغة التحدث على نطاق واسع، لكنها منذ استقلالها بعد الحرب الباردة أصبحت ترنو إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
على الرغم من أن البرنامج الانتخابي للرئيس الأوكراني زيلنسكي كان التعهد بالحوار والتفاوض مع روسيا، وحاول السير في النهج الدبلوماسي وتنفيذ اتفاقات مينسك الخاصة بمنطقة دونباس في جنوب شرق أوكرانيا، فإنه غيّر نهجه عام 2020 تحت ضغط الفوضى الداخلية، وزيادة النزعة القومية.
لدى أوكرانيا هواجس متعددة من روسيا، ومنها خشيتها من احتلالها بشكل كامل، ولذلك تثير مخاوف الغرب من توسع روسيا، وتطالبه بفرض العقوبات على روسيا، وأن هذه العقوبات ستسهم في إضعاف روسيا وبالتالي مواجهتها لصراعات قومية واجتماعية داخلية وانشغالها بها، وقد يسهل لها ذلك ربما استرجاع القرم ودونباس.
لدى أوكرانيا مطالب تتعلق بحرية الملاحة، بعد واقعة احتجاز روسيا ثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية وطواقمها، بحجة دخولها المياه الإقليمية الروسية بشكل غير قانوني، وبالتالي تستهدف روسيا السفن الأوكرانية في بحر آزوف وتفرض شروطاً على دخول السفن، وهذا يجعلها تسيطر عملياً على منطقة بحر آزوف وبالتالي قدرتها على محاصرة مدينة ماريوبول، لكن لروسيا وجهة نظر مختلفة وهي أن السفن تشكل استفزازاً لها ومرورها غير قانوني.
تهدف أوكرانيا إلى عضوية منظمة حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، وترى أن مستقبلها مع الأوروبيين، فانضمامها للاتحاد سيوفر لها الكثير من المزايا الاقتصادية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي، أما الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي فيوفر لها المظلة الأمنية وحماية وجودها، وحتى التفاوض مع روسيا بخصوص نزاع دونباس وغيره – وربما هذه نقطة الخلاف الأهم مع روسيا التي ترى بأن ذلك تهديد استراتيجي لأمنها القومي – ويضعفها جيواستراتيجياً وويضعفها أيضاً من حيث محددات الجغرافيا السياسية، أي إن الناتو سيكون على أبواب روسيا.
خامساً: الدور الأمريكي في الأزمة
تبدو العلاقات الروسية – الأمريكية تسير على خيط مشدود، فمن جهة تسعى الولايات المتحدة وروسيا لإيجاد شكل من أشكال الاستقرار الاستراتيجي بينهما، فقد اجتمع الرئيسان بوتين وبايدن أكثر من مرة، ضمن جهود مستمرة لإقامة علاقة مستقرة، ومن جهة أخرى هناك الكثير من الملفات الخلافية، ومنها على وجه الخصوص أزمة أوكرانيا، وأزمة الهجرة على حدود بيلاروسيا التي اندلعت في نهاية العام الماضي، والاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان، بل إنه، مؤخراً، تم طرد 10 دبلوماسيين روس كعقوبات ضد روسيا بسبب تدخلها في الانتخابات الأمريكية وبسبب هجمات إلكترونية شنتها روسيا.
ويمكن إجمال الدور الأمريكي ومتغيراته بما يلي:
عززت الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية دول الناتو شراكاتها مع أوكرانيا، وزودت الولايات المتحدة الجيش الأوكراني بأسلحة أمريكية.
يُعَدُّ الصراع في أوكرانيا من أبرز مظاهر الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة، ولذلك يعد البحث عن حلول أولوية ضرورة لإيجاد تسوية، بدلاً من خروج الأمر عن السيطرة، وهذا يطرح وجوب إبقاء باب المفاوضات مفتوحاً مع موسكو.
هناك تراجع في قدرة الردع الأمريكي بسبب الحروب التي خاضتها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم وهذا يفرض عليها رؤية محسوبة للوضع في أوكرانيا، فقد أظهرت الحرب السورية أن الولايات المتحدة تراجعت عن أهدافها المعلنة والمتمثلة في رحيل الأسد، ولم تبدِ أي مقاومة فعلياً للوجود الروسي في سوريا، بل إن الفرصة كانت متاحة أمام روسيا للتوسع في الشرق الاوسط وتعزيز نفوذها هناك، كذلك الأمر تكرر في الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان، ثم الزوبعة التي أوجدها اتفاق الغواصات (أوكوس) بين الولايات المتحدة وأستراليا، والمتمثلة بالغضب الفرنسي بسبب إقصائها من الصفقة، وهذا يؤشر على مشكلة في التنسيق بين أطراف التحالف الأطلسي.
والحقيقة فإن الأدوار المتوقعة من الموقف الأمريكي تدور في النقاط الآتية:
في بعض الأحيان ترغب الولايات المتحدة أن يكون موقفها من أوكرانيا حاسماً، وقد تستعد لاحتمالية الحرب، ومن ضمن خياراتها التنسيق الاحترازي مع حلفائها الأوروبيين، وإرسال رسائل حاسمة لروسيا فيما يتعلق بالعواقب التي قد تترتب على روسيا، ومن ضمنها رفع الكلف الاقتصادية والسياسية والعسكرية على روسيا، بهدف تقليص خيار الحرب وليست رغبة في الحرب، ولدى الولايات المتحدة تجربة فاشلة وإخفاق في تشكيل رد فعل منظم بعد خسارة أوكرانيا القرم عام 2014، ولم تتحرك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فعلياً بفرض العقوبات إلا بعد إسقاط الانفصاليين الأوكرانيين طائرة مدنية في تموز عام 2014.
تملك الولايات المتحدة الأمريكية خيارات أخرى غير معلنة، وبعيدة عن الإعلام وربما هذه الخيارات قد تؤدي إلى تسوية سياسية ما للأزمة مثل وقف نشر صواريخ الناتو الهجومية مقابل احترام وحدة أوكرانيا وسيادتها أو تكثيف الدعم العسكري للجيش الأوكراني بتزويده بأسلحة نوعية، وهذه أساسها موقف أمريكي داعم لسيادة أوكرانيا على أراضيها، ووضع خطوط حمراء فيما يتعلق بأي غزو وشيك.
قد تقوم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي برفع مستويات التأهب لقواتهما المسلحة كجزء من الضغط على روسيا لمنعها من الهجوم على أوكرانيا، وفعلياً؛ فقد تم نشر قوات الناتو على طول الحدود مع بيلاروسيا أيضاً.
على الأرجح ستزيد المساعدات العسكرية الأمريكية والأوروبية، بدلاً من الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع روسيا، وبذلك سيتلقى الجيش الأوكراني دعماً حقيقياً من الغرب، وقد تكون روسيا غير قادرة على وقف هذه الإمدادات، فقد أعلنت الإدارة الأمريكية رغبتها في تطوير البحرية الأوكرانية وزيادة تسليح أوكرانيا وتدريب قواتها العسكرية، وفعلياً أرسلت الولايات المتحدة صواريخ “جافلين” الأمريكية المضادة للدبابات إلى أوكرانيا وسلّمت البحرية زورقي خفر سواحل أمريكيين، وليست الولايات المتحدة الداعم لها فقط، بل شرعت بريطانيا في بناء قاعدتين بحريتين لأوكرانيا كذلك.
من المؤكد أن الولايات المتحدة ستلجأ إلى عقوبات قوية في حال الهجوم الروسي على أوكرانيا، وستكون ضمن جهد دولي سواء عبر مجموعة السبع (تضم المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، فرنسا، إيطاليا، وألمانيا، اليابان، وكندا) أو غيرها من الهياكل الدولية الأخرى.
الخيار الذي تفضله الولايات المتحدة هو العمل الدبلوماسي، وإنهاء النزاع في دونباس وفقاً لاتفاقات مينسك بدعم صيغة النورماندي، وقد طرحت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2019 إرسال قوات عسكرية أممية إلى دونباس، لكن روسيا رفضت الاقتراح بحجة أنها قد تعوق تطبيق اتفاقات مينسك، وأن روسيا تخشى من تحويل الولايات المتحدة وأوكرانيا البعثة الأممية إلى سلطة عسكرية سياسية تسيطر على أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك المنفصلتين والمعلنتين من طرف واحد دولتين مستقلتين، وتقرر من سيتم انتخابه[12]، وفي ضوء ما تطرحه الولايات المتحدة؛ فإن إرسال قوات عسكرية أمريكية لمواجهة روسيا هو خيار مستبعد، لكن قد تدفع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بالمزيد من القوات إلى دول الجناح الشرقي بالحلف لتعزيز دفاعاتها وقدراتها العسكرية.
تدرك الولايات المتحدة أن مطالب روسيا مطالب أمنية تريد التفاوض بشأنها مثل التزام الناتو بالتخلي عن أي نشاط عسكري في شرق أوروبا وأوكرانيا، ووقف نشر الناتو صواريخ هجومية قادرة على الوصول إلى مراكز القيادة والعمليات الروسية، ووقف تسليح أوكرانيا وغيرها [13]، الأكثر من ذلك أن روسيا تطالب بمنحها حق استخدام “الفيتو” على توسيع الناتو شرقاً، ومن غير المحتمل أن توافق الولايات المتحدة على ذلك.
سادساً: الموقف الأوروبي من الأزمة
يتأرجح الموقف الأوروبي بين الدعوة للحل الدبلوماسي والتهديد بعقوبات، والتحذير من مغبة الغزو وعواقبه، وفي حالات أخرى تسود العلاقات بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي ظواهر طرد الدبلوماسيين، كما لاحظنا ما جرى بين ألمانيا وروسيا إثر مقتل معارض شيشاني، ويستند الموقف الأوروبي إلى خفض التوتر واحترام استقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها، والتخوف من التمدد الروسي وزيادة نفوذ روسيا، في ضوء قيامها بمناورات كبيرة في منطقة بحر البلطيق خلال الأعوام القليلة الماضية.
ويمكن التنبؤ بالموقف الأوروبي وتوقعه في ضوء التصريحات الأوروبية؛ وعلى النحو الآتي:
قد يقوم الأوروبيون بتقليل الاعتماد الاستراتيجي على الغاز الروسي.
من المؤكد أن الدول الأوروبية بالتعاون مع الولايات المتحدة ستلجأ إلى العقوبات في مواجهة أي هجوم روسي على أوكرانيا.
يفضل الأوروبيون الحل الدبلوماسي على المواجهة وبما يضمن وحدة أوكرانيا، عبر محادثات رباعية جديدة مع روسيا لتهدئة التوتر مع أوكرانيا وعلى أرضية عمل مشترك بين أوكرانيا وروسيا، ولهذا على مدار نشوء الأزمة طرح الاتحاد الأوروبي نفسه بوصفه وسيطاً بين روسيا وأوكرانيا، وقادت فرنسا وألمانيا محاولات توسط، والإشراف على وقف إطلاق النار، حيث تشكلت ما عرف برباعية النورماندي عام 2014 في إقليم النورماندي شمال غرب فرنسا، وتضم صيغة النورماندي كلاً من روسيا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا.
سيشارك الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات صارمة ضد روسيا في حال قيامها بهجوم ضد أوكرانيا، ومن هذه الإجراءات، قد يكون، فصل النظام المصرفي الروسي عن نظام الدفع السريع الدولي، ومنع افتتاح خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الروسي في ألمانيا، وكذلك قيود على صندوق الثروة السيادية الروسي وغيرها.
يدرك الأوروبيون أن روسيا قطب في العالم – إذا اعتبرنا أن النظام الدولي الحالي متعدد الأقطاب – ومن الجهة الشرقية للقارة الأوروبية، ولذلك يتم طرح فكرة الجيش الأوروبي حتى تتم موازنة القوى مع روسيا.
سابعاً: سيناريوهات الأزمة
سيناريو الحرب والعوامل المساعدة
تدور فكرة هذا السيناريو إلى أن القادة الروس قد يصلون إلى قناعة بأن استخدام القوة اليوم سيكون أقل كلفة من الغد إذا ما أصبحت أوكرانيا عضواً في حلف الناتو، ويعني ذلك أن الناتو سيكون على أبواب روسيا، ومن ثم فإن خياراتهم محدودة في الحفاظ على مصالحهم، رغم أن استخدام القوة لن يكون سهلاً، ويضاف إلى ذلك فشل مجموعة الاتصال الثلاثية ورباعية نورماندي في تحقيق تقدم في المفاوضات بخصوص الوصول إلى اتفاق للنزاع في أوكرانيا، ويعزز هذا السيناريو العوامل الآتية:
إن روسيا تعزز وجود قواتها على الحدود الأوكرانية، ويبدو أن هذا الحشد العسكري قد يستخدم في حالة انسداد الأفق السياسي وعدم توصل روسيا للتسوية المطلوبة.
إن هناك تراجعاً مستمراً في نفوذ روسيا السياسي في أوكرانيا ومن عام إلى عام، حيث يقل تأييد روسيا في الرأي العام الأوكراني، فالحكومة الأوكرانية لم تمتثل للمطالب الروسية، وتظهر الدول الأوروبية كداعمة للمواقف الأوكرانية، بل إن أوكرانيا طورت من تعاونها الأمني مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهذا قد يحمل رسالة إلى روسيا مفادها أن الإسراع في الغزو أفضل من تأخيره لما يترتب على ذلك من فقدان الدعم الشعبي لجزء من شعب أوكرانيا للإجراءات الروسية.
تتزايد ثقة روسيا بنفسها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بعد نجاحات حققتها في سوريا، وجورجيا قبل ذلك في عام 2008 (التي انتزعت روسيا منها أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عام 2008، حيث أصبحتا دولتين مستقلتين، وبعدما كانتا في حكم انتقالي ذاتي) حتى بضمها لشبه جزيرة القرم، أما اقتصادياً فلديها احتياطي نقدي أجنبي يصل إلى 620 مليار دولار، ويعزز ارتفاع أسعار الغاز، أما سياسياً فلديها علاقاتها القوية مع الصين وكثير من دول العالم، وفي الوقت ذاته تدرك روسيا أن الولايات المتحدة منشغلة بشكل كبير بتعاظم القوة الصينية، وكيفية مواجهتها، وبالتالي فإن أوكرانيا لا تمثل أولوية ملحة للولايات المتحدة، وهنا تقيّم روسيا موقف الولايات المتحدة إذا كان دعمها لأوكرانيا جدياً، وقابلاً للتنفيذ، وعليه يتوقف ذهاب روسيا لاستخدام القوة، لكن ليس من السهل غزو بلد كامل كأوكرانيا بسبب حجم مساحته، وعدد سكان يصل إلى 40 مليون نسمة، وبالتالي ربما يتم اجتياح جزء منها لاستخدامه كورقة ضغط في المفاوضات أو فرض تسوية توقف ذهاب أوكرانيا إلى المعسكر اليورو- أطلسي.
يصرح قادة روسيا باستمرار بأن الدبلوماسية لم تحقق النتائج المرجوة، فأوكرانيا تتجه للغرب سواء إلى الاتحاد الأوروبي أو الانخراط بمفاوضات مع الناتو، وهو أمر لا تتقبله روسيا، وتعتبره خطاً أحمر، وبالتالي تسعى روسيا إلى إعادة ضبط الموازين بواسطة القوة في حال الفشل في التوصل إلى تسوية مرضية بين أوكرانيا والولايات المتحدة.
رغم إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمر زيلينسكي(Volodymyr Zelensky) التزامه إبان حملته الانتخابية بالحوار مع روسيا، فإنه بعد عام من انتخابه، تغيرت الاستراتيجية الأوكرانية بالاتجاه غرباً، حتى المحادثات التي تمت بحضور ألمانيا وفرنسا فشلت، وقد بقيت العقوبات الغربية على روسيا، وهذا قد يدفع روسيا إلى محاولة الانفكاك من هذا المسار عبر استخدام القوة لتعديل التوجهات الأوكرانية وحتى محاولة رفع العقوبات الغربية، خاصة أنها استخدمت القوة وقد حققت ما سعت إليه.
ومن غير المحتمل أن يقتنع قادة روسيا بإمكانية تحقيق تسوية عبر العمل الدبلوماسي، أما العمل العسكري الروسي، فيُمكِنه أن يشكل رادعاً للدول الأوروبية الكبرى بما يكفي لكي تقبل اتفاقاً جديداً مع روسيا.
رغم العمليات العسكرية الروسية المتعددة سواء في جورجيا عام 2008، أو أوكرانيا عام 2014 بعد ضم شبه جزيرة القرم لها، أو سوريا، فإن التبعات السياسية الدولية لم تكن خطرة على روسيا، فالولايات المتحدة والأوروبيون لم يتدخلوا بهذه الصراعات بشكل مباشر، حتى المساعدات العسكرية لم تغير ميزان القوى كما في حالة أوكرانيا.
سيناريو الحل السلمي والعوامل المساعدة
تدور فكرة هذا السيناريو على إيجاد تسوية ما للأزمة
يعزز هذا السيناريو العوامل الآتية:
قد ينظر إلى الحشد العسكري الروسي على أنه ضغط على أوكرانيا عبر التلويح باستخدام القوة كجزء من الضغط لتحقيق نتائج على المستوى الدبلوماسي، حيث إن الرئيس الروسي اعتاد التلويح باستخدام القوة، وبالتالي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن الحرب قد تندلع.
هناك تواصل واتصالات دائمة بين القيادتين الأمريكية والروسية على مختلف المستويات، ففي شهر كانون الأول 2021 أجريت اتصالات متعددة بين القيادتين، بما فيها المفاوضات التي جرت بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، الذي عقد في استوكهولم، وزيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والآسيوية كارين دونفريد لروسيا وأوكرانيا، ولقاء القمة عبر تقنية الفيديو بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي جو بايدن، وكان هناك قمة جنيف بينهما في يونيو/حزيران الماضي، وجميع هذه اللقاءات بهدف خفض التصعيد والبحث عن حلول، بالإضافة إلى إبقاء المجال أمام العمل الدبلوماسي.
إذا شنت روسيا الحرب على أوكرانيا، فمن غير السهل أن تنهيها، وربما لن تصل إلى السلام الدائم، لأن الحرب قد تتطور إلى مواجهة طويلة الأمد، خاصة إذا بقيت ما يعرف جغرافياً بأوكرانيا الغربية وبإمدادات من الغرب، أي قد تتحول إلى حرب استنزاف، إذا ما تم تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات الغربية المتطورة، وحتى الإمدادات الأخرى.
قد تواجه روسيا عزلة دبلوماسية حقيقية، خاصة إذا بدأت الحرب وتحولت إلى صدام كبير ومفتوح بين قوات الدولتين الروسية والأوكرانية، وسينظر إلى الأولى على أنها الطرف المعتدي.
سيناريو استمرار الوضع الراهن
إن روسيا مستفيدة من إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، ولذلك فإن استمرار الوضع الراهن يصب في مصلحتها.
أما مسألة الحشد الروسي الذي يصل إلى 70 ألف جندي وفقاً لأرقام أمريكية، فهو لا يعني الذهاب للحرب الشاملة أو الاجتياح الكامل لأوكرانيا، وإنما قد يكون للاستمرار في التصعيد الذي بدأ منذ عام 2014، وقد يكون تصعيداً محدوداً، أو حتى محاولة من الروس لتحريك قواتهم داخل أراضيهم فقط كما يصرح بذلك المسؤولون الروس أنفسهم، حتى إن الحشد يشكل محاولة لإجهاض أي هجوم أوكراني كما يشير بذلك الروس أيضاً.
أخيراً: الخاتمة
عالجت هذه الورقة جوهر الأزمة الحالية عبر قراءة في الخلفية التاريخية لها، وتسليط الضوء على طبيعة الأزمة ومصالح أطرافها، والأطراف الفاعلة فيها، وسيناريوهات تطورها ومساراتها، والعوامل المساعدة التي تعزز كل سيناريو.
إن الأزمة بين أوكرانيا وروسيا تشير إلى إشكاليات متعددة، فالبُعدان الأمني والقومي عاملان أساسيان من عوامل الأزمة، ومحددات الجغرافيا السياسية حاضرة بقوة أيضاً، ولذلك فإن الفهم الأعمق للأزمة يكون من خلال ما تطرحه النظرية الواقعية من مفاهيم المصلحة القومية واعتبارات القوة والتوسع والعلاقة الصراعية بين الدول وهو ما حاولت أن تعالجه الورقة، فالقوة هي المحرك للأزمة كما أن الأمن والأحلاف والتوسع عوامل أساسية في تفسير ما يحدث، فروسيا تخشى التحاق أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي والناتو، وما يمثل ذلك من مخاطر استراتيجية وأمنية على مصالحها، بل وتهديد لأمنها كما يتصوره القادة الروس، وكذلك مسألة نشر صواريخ الناتو في المنطقة وغيرها من القضايا التي ترتبط بما يسمى بالمصالح العليا للدول.
وعلى الجهة الأخرى، فإن الأوروبيين يخشون من روسيا وتمددها في المنطقة، وكذلك أمريكا، فاحتلال روسيا لأوكرانيا إن حدث، فهذا يعني تهديد بقاء دول أوروبية أخرى أيضاً، وهذه هواجس تشغل الأوروبيين، وبينما تسعى أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي بغية تعزيز قوتها، وحماية أمنها القومي، فإن ذلك يعني ضمناً أن تصبح حدود الاتحاد الأوروبي على أبواب روسيا.
لقد أشارت الورقة إلى أن المصالح الوطنية العليا والأمن والقوة نقاط تعد محركاً حقيقياً لكل طرف له علاقة بالأزمة، وهي المدخل لفهمها وتحليلها.
إن نجاح المساعي الدبلوماسية والحلول السلمية مرتبط بمدى تحقيق كل طرف لمصالحه وأهدافه، وبمعنى آخر، فإن لقاء القمة الذي جمع الرئيس بوتين وبايدن في 10 يناير 2022 وما تلاه من مفاوضات بين روسيا والناتو، وكذلك المحادثات بين روسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لا يعني بالضرورة الاتفاق على التفاوض. فمن الواضح أن روسيا تريد ضمانات أمنية لها، وبشكل رئيسي عدم انضمام أوكرانيا للناتو وهو ما صرح به سيرغي ريابكوف نائب وزير السياسة الخارجية الروسي، بل إن السفير الروسي أنطونوف لخّص الأمر على النحو الآتي: “إن استمرار الغرب في نهجه لخلق التهديدات العسكرية لروسيا، سيستدعي رد موسكو على هذه التهديدات، وخلقها نقاط ضعف للغرب”. بالمقابل يبدو أن الولايات المتحدة وشركاءها في الحلف غير مستعدين لإعطاء ضمانات من هذا القبيل لأنها سابقة وتعني خضوعاً لروسيا، ما يجعل الأزمة مفتوحة على الاحتمالات كلها.