• اخر تحديث : 2024-07-03 14:23

تعمل روسيا والصين في السنوات الأخيرة، خاصة منذ عام 2014، على تعميق التعاون الاستراتيجي والأمني ​​والاقتصادي، وكان هناك خلال العام الماضي تحسن اضافي في منظومة العلاقات الثنائية بينهما. على الرغم من العداء التاريخي والمنافسة بين الدولتين على مراكز النفوذ في آسيا الوسطى، يبدو أن التنافس مع الولايات المتحدة، والرغبة في تشكيل نظام عالمي جديد وتحييد وشل ما يرون أنه تدخل واشنطن المتزايد في "الفناء الخلفي" لهما، يكمن وراء التغيرات في العلاقات بين موسكو وبكين، إلى جانب الرغبة الروسية التي تزايدت منذ أن فرضت عقوبات اقتصادية عليها عقب احتلال شبه جزيرة القرم، في تطوير أسواق جديدة لتقليل الاعتماد على الغرب.

في الواقع، بينما لا زالت الولايات المتحدة تتمسك بسياسات محور الارتكاز الآسيوي (PIVOT TO ASIA) منذ عقد من الزمان، تعمل روسيا على تحقيق سياسات "محور الارتكاز الصيني" (PIVOT TO CHINA) كأحد الركائز الأساسية لاستراتيجيتها في سياساتها الخارجية. عبر الرئيس بوتين عن هذه العقيدة بقوله، "انه لا توجد قيود في العلاقات بين الدولتين ولا مناطق ممنوعة في كل مجالات التعاون"، على خلفية الأزمة الأوكرانية، يبدو أن تعزيز نظام العلاقات بين الدولتين له أهمية كبيرة في تعزيز ثقة روسيا بنفسها واستعدادها لتحدي الولايات المتحدة. كان التأييد الصيني للعمليات الروسية في قمع أعمال الشغب في كازاخستان في وقت سابق من هذا العام إشارة واضحة لمدى الدعم الذي تمنحه الصين لروسيا.

كانت زيارة الرئيس بوتين للصين بمناسبة افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، خاصة في ظل المقاطعة الدبلوماسية لزعماء الغرب، دليلاً واضحاً على الأهمية التي يوليها البلدان للعلاقات الثنائية. والأهم من ذلك، أن البيان المشترك للزعيمين عكس تطابقاً في المصالح بين البلدين، ويمكن اعتباره بمثابة إعلان نوايا لإنشاء محور روسي صيني يعمل على تغيير النظام العالمي القائم. وهكذا، أعرب البلدان عن معارضتهما "الاستمرار في توسيع الناتو" ودعوا الحلف إلى "التخلي عن وجهة النظر الأيديولوجية التي كان يعتقدها إبان الحرب الباردة"؛ وأشاروا إلى معارضتهم "لمحاولات القوى الخارجية لزعزعة الاستقرار" في المناطق القريبة من أراضيهم؛ وتعهدت الدولتين بتعميق التعاون لإحباط "الثورات الملونة". أعربت الصين عن دعمها لمطلب موسكو بالحصول على ضمانات أمنية في أوروبا، سارية المفعول من ناحية قانونية وملزمة، في حين عادت روسيا وأيدت وجهة النظر الصينية بان تايوان جزء لا يتجزأ من الصين. كما أدان الطرفين بشدة انشاء التحالف الدفاعي بين الولايات المتحدة، بريطانيا واستراليا (AUKUS). وشدد البيان كذلك على قدرة الدول على السيطرة على حيز الإنترنت في أراضيها، على عكس الموقف الأمريكي الداعي إلى حرية واسعة النطاق في هذا المجال - وهي قضية جوهرية بالنسبة لموسكو وبكين في مساعيهما للقضاء وإسكات الجهات المعارضة في الداخل - الأمر الذي يشكل نقطة خلاف جوهرية مع واشنطن.

وتجدر الإشارة إلى أنه في يونيو 2021، اتفق الرئيسان بوتين وشاي على تمديد اتفاقية "الجوار الجيد والتعاون الودي" التاريخية الموقعة في يوليو 2001. ويهدف التمديد إلى توضيح الأهمية التي يوليها الطرفان لتعزيز العلاقات الثنائية بينهما، وتصورهم إلى الحاجة إلى إحداث تغيير في البنية العالمية والانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب. علاوة على ذلك، فإن زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان المرتقبة إلى روسيا، والتي ستكون أول زيارة لرئيس وزراء باكستاني منذ 23 عامًا، قد تكون دليلا آخر على تعزيز العلاقات بين روسيا والصين، التي تعتبر حليف الباكستان الاستراتيجي.

مناورات عسكرية وبيع أسلحة متطورة

تعد الصين ثاني أكبر مستورد للأسلحة الروسية، وقد حدث اختراق في التعاون الأمني ​​والعسكري في عام 2015، بعد حوالي عام فقط من استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم وبعد حوالي عقد شهد خلاله تراجع العلاقات الأمنية بين البلدين. في هذا الإطار، وقعت الدولتان على صفقة واسعة النطاق لشراء أنظمة الدفاع الجوي SA-400 وطائرات مقاتلة SU-35. وفقًا لبيانات معهد أبحاث SIPRI، في الأعوام ما بين (2016-2020)، كانت هناك زيادة بنسبة 49% في حجم مبيعات الأسلحة الروسية إلى الصين مقارنة بالسنوات (2011-2015). 18% من إجمالي الصادرات الروسية كانت إلى الصين، بينما 77% من حجم واردات الصين من الأسلحة أتت من روسيا.

في نوفمبر 2021، اتفقت روسيا والصين على خارطة طريق أخرى (تم الاتفاق على السابقة في 2017) للتعاون العسكري للأعوام (2021-2025). أكثر من ذلك وسع البلدين نطاق التدريبات العسكرية المشتركة. على سبيل المثال، في أغسطس آب 2021، أجرى الجيشان تدريبات واسعة النطاق في الصين؛ في سبتمبر / أيلول، أجروا تدريباً على مكافحة الإرهاب؛ في أكتوبر، تم إجراء المناورة السنوية (التي تجري منذ عام 2012)، والتي أطلق عليها اسم "البحر المشترك"؛ وفي يناير كانون الثاني 2022، أجرى البلدات مناورة بحرية مشتركة مع إيران.

علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن روسيا نقلت العديد من القوات العسكرية المتمركزة في الشرق الأقصى في الأشهر الأخيرة لصالح تعزيز قواتها في المنطقة الحدودية مع أوكرانيا وإجراء التمرين المشترك مع بيلاروسيا، تشير إلى توطيد العلاقات بين البلدين وشعور القيادة الروسية بالثقة بأنها تستطيع تقليص حجم قواتها في الشرق دون خوف من الاستفزازات الصينية.

توسيع التعاون الاقتصادي

البعد الآخر الذي ميز توسع العلاقات بين روسيا والصين خلال عام 2021 هو المجال الاقتصادي وحجم التجارة. وبذلك ارتفع حجم التجارة خلال عام 2021 بنسبة 35.8% مقارنة بعام 2020، وبلغ 146.88 مليار دولار. وزادت الصادرات الروسية إلى الصين بنسبة 37.5% لتصل إلى 79.32 مليار دولار، بينما زادت الصادرات الصينية بنسبة 33.8% لتصل إلى 67.56 مليار دولار. وبحسب الرئيس بوتين، يمكن أن تصل التجارة بين البلدين إلى 200 مليار دولار في غضون ثلاث سنوات.

يعد مجال الطاقة أحد الركائز الأساسية للتعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث وقع البلدان مؤخرًا اتفاقية أخرى لتوريد الغاز الطبيعي، ستزود روسيا بموجبها الصين بـ 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا. لمدة 30 عامًا، بحيث ستكون 48 مليار متر مكعب، واتفق الطرفان على أن يتم الدفع مقابل إمدادات الغاز باليورو وليس بالدولار، في محاولة على ما يبدو لتقليل تأثير العقوبات الأمريكية.

أثر ذلك على إسرائيل

إن تعميق التحالف بين روسيا والصين له حتماً آثار بعيدة المدى على البنية الدولية كما تشكلت في العقود الثلاثة الماضية منذ تفكك الاتحاد السوفيتي. من المرجح، أن تعمل الولايات المتحدة على إنشاء محور مضاد في مواجهة المحور الصيني الروسي وتوسيع التحالف ضدهما، بالإضافة إلى الناشئ مع بريطانيا وأستراليا مما سيزيد حدة المنافسة العالمية بين الكتلتين، بالنسبة لإسرائيل تخلق هذه التطورات مخاطر وفرص على المستوى الاستراتيجي، فمن ناحية، مع ارتفاع وتيرة الصراع بين القوتين، سيكون على إسرائيل أن تكون أكثر حساسية وحذرًا في تعاملها مع روسيا والصين من الماضي، حتى لا تثير الاستياء الأمريكي. أكثر من ذلك إلحاق الضرر بصورة الولايات المتحدة كقوة كبرى في العالم والشرق الأوسط سينعكس مباشرة مكانة إسرائيل في المنطقة. قد تنعكس الجهود لزيادة النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط أيضًا في تعزيز التعاون الأمني ​​والعسكري مع دول المنطقة، مع التركيز على إيران (التي يُنظر إليها على أنها شريك طبيعي ضد الولايات المتحدة وحلفائها)، مع الاستعداد لبيع وسائل قتالية وتكنولوجيا متطورة. من المرجح أن يؤدي تحقق هذا السيناريو إلى تسريع سباق التسلح الإقليمي (بشكل رئيسي من جانب دول الخليج ومصر، التي ستسعى في المقام الأول إلى شراء الأسلحة الغربية)، الأمر الذي قد يشكل تحديا للتفوق العسكري النوعي لإسرائيل.

من ناحية أخرى، فإن إمكانية تعميق التدخل الروسي الصيني في الشرق الأوسط والموارد التي سيتعين على الولايات المتحدة رصدها (بدون خيار) لتوجيهها إلى المنطقة، قد تساعد إسرائيل على تعزيز تحالفها الاستراتيجي وعلاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة، وتوضيح أهميتها كحليف وشريك حيوي في مجموعة واسعة من المجالات في صراع القوى الكبرى. وفي الوقت نفسه، قد تُفتح الفرص لإسرائيل لتعزيز التعاون الأمني ​​مع الدول السنية ردًا على التحدي المتزايد من جانب إيران واحتمال تعميق العلاقات بينها وبين روسيا. والصين. في كل الأحوال، يجب على إسرائيل الحفاظ على الية التعاون الأمني مع روسيا، وهو الأمر الضروري لتأمين حرية العمل في سوريا.