• اخر تحديث : 2024-07-03 03:33

على الرغم من توقيع اتفاقات أبراهام وتنامي بروز التعاون بين "إسرائيل" ودول الخليج العربي، بما يخص المسائل الأمنية، فإن الطريق إلى تشكيل قوة قتالية مشتركة بمشاركة "إسرائيل" لا يزال طويلاً ومليئاً بالعقبات، علاوة على ذلك، من الصعب رؤية احتمال أي استعداد خليجي للموافقة على مثل هذا التحالف العسكري دون تدخل أو دون قيادة أميركية، لذلك إذا كانت "إسرائيل" تسعى إلى تعزيز ترتيب عسكري إقليمي – حتى كمشارك مهم ومؤثر، إذا لم تكن عضواً كامل العضوية – فعليها أولاً إشراك الولايات المتحدة في هذه الخطوة، والتصرف بقدر أقل من الأهمية، والحرص على وضع أساس مستقر لأي اتحاد عريض، والذي سيضم عنصراً عسكرياً بالإضافة إلى العديد من المكونات المدنية، يُفترض أن التقليل من أهمية الجانب العسكري مع التأكيد على التعاون المدني والمشاركة الأمريكية النشطة يمكن أن يزيد من احتمالية تشكيل تحالف عسكري.

في نوفمبر 2018 نشر المعهد عن "تأسيس الناتو العربي": الرؤية مقابل الواقع، لدراسة جدوى إنشاء حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط بمشاركة "إسرائيل"، كُتب المقال خلال رئاسة دونالد ترامب، الذي كان يضغط من أجل تشكيل مثل هذه القوة، وقبل توقيع اتفاقات أبراهام، استعرض المقال القيود والعقبات التي تواجه أي تحالف عسكري إقليمي، وقيّم أنه في ظل الظروف السائدة، لا توجد احتمالية جدية لتشكيله، كانت الأسباب الرئيسية هي الغياب المحتمل للولايات المتحدة عن التحالف، وصعوبة انضمام قادة الدول العربية المعنية إلى تحالف يشمل “إسرائيل”، لا سيما بالنظر إلى مخاوفهم بشأن النقد الداخلي وعدم وجود اتفاق بين الدول العربية نفسها على أهداف وقيادة أي قوة مشتركة يمكن تشكيلها.

في السنوات الفاصلة، كان هناك عدد من التطورات التي تدعو إلى إعادة تقييم إمكانية تحالف عسكري إقليمي يضم “إسرائيل”، والأهم من ذلك هو توقيع اتفاقيات أبراهام، والالتزام المعلن للإمارات العربية المتحدة والبحرين بالعلاقات مع "إسرائيل"، في هذا السياق كانت زيارة "رئيس الوزراء نفتالي بينيت" للبحرين في فبراير 2022 جديرة بالملاحظة بشكل خاص، بصرف النظر عن التكريم والهيبة التي أُميت به، كانت هناك تقارير مستفيضة حول تعزيز العلاقات الأمنية بين "إسرائيل" والبحرين والإمارات، وتنضم هذه الانتقادات إلى الانتقادات التي أعربت عنها شخصيات بحرينية بارزة لإيران ووكلائها.

تطور مهم آخر

وهو الشعور المتزايد بالتهديد بين دول الخليج، وقد زاد هذا الشعور في عدد من المناسبات، كان آخرها خلال زيارة "الرئيس هرتسوغ" إلى الإمارات في أواخر يناير 2022، عندما أرسل الحوثيون وكلاء إيران في اليمن، وابلاً من الصواريخ والطائرات الانتحارية باتجاه أهداف في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ورافقت عمليات الإطلاق تهديدات وخطابات عدائية، يصبح الشعور بالتهديد أكثر حدة، بينما في مواجهة الوقاحة الإيرانية من خلال وكلائها، تنأى الولايات المتحدة بنفسها عن الشرق الأوسط وتفقد نفوذها ومصداقيتها في أعين القادة المحليين.

يبدو أن دول الخليج قد عبرت بالفعل نهر روبيكون من حيث إظهار علاقاتها العميقة مع “إسرائيل”، تم التوقيع على الاتفاقيات الاقتصادية وغيرها من الاتفاقيات، والزيارات الرسمية التي تمت تغطيتها على نطاق واسع، والحركة الجوية النشطة، والتحقق من التطبيع بمعناه الأوسع، من خلال الدعاية فيما يتعلق بالروابط الأمنية الواسعة، بصرف النظر عن التنسيق السياسي والاستخباراتي، كانت هناك تقارير رسمية عن صفقات أسلحة والمشاركة في تدريبات مشتركة.

هذا البروز مثير للإعجاب عند مقارنته بطبيعة العلاقات مع مصر والأردن، ويمكن أن يُعزى هذا التطور المهم إلى ثلاثة أسباب رئيسية:

أولاً: الشعور المتزايد بالتهديد من إيران ووكلائها، لا سيما في ضوء التقييم بأن أي اتفاق نووي جديد سيزيد من حرية إيران في التصرف بقوة.

ثانياً: الانسحاب المستمر للولايات المتحدة من الشرق الأوسط والشعور السائد بين العديد من حلفائها الإقليميين بأنه لم يعد من الممكن الاعتماد على واشنطن.

ثالثاً: الإدراك المفاهيمي والاستراتيجي بين قادة الخليج للمساهمة المحتملة للعلاقات مع "إسرائيل" في تعزيز مصالحهم الاستراتيجية والوطنية.

وبمجرد أن تصبح القضية الفلسطينية عبئاً استراتيجياً على أكتاف هذه الدول وقادتها، حيث يتقلص التزامهم تجاه الفلسطينيين بالكلمات ويزداد مجال المناورة لديهم.

إن التطور الآخر الذي غير التوازن ويمكن أن يساعد في إنشاء تحالف إقليمي هو ارتباط "إسرائيل" بالقيادة المركزية للولايات المتحدة (CENTCOM)، والذي في حد ذاته يسهل تعاوناً تشغيلياً أكبر، بما في ذلك مع الرعاية الأمريكية، بين “إسرائيل” ودول الخليج ومصر والأردن، كما توصلت دول الخليج في يناير 2021 إلى اتفاق مصالحة مع قطر بعد مقاطعة استمرت أكثر من ثلاث سنوات، مما أتاح تعاوناً عربياً أوثق، على الورق على الأقل، بالنسبة للولايات المتحدة فإن التحالف العربي الإقليمي سيمكنها من تقييد القوات الأمريكية على الأرض مع اتخاذ خطوات في نفس الوقت للحفاظ على المصالح الأمريكية الحيوية في المنطقة.

ومع ذلك لا تزال هناك عقبات أمام مبادرة تحالف عسكري إقليمي، تُظهر التجارب السابقة فشل العديد من المحاولات في إقامة تعاون عسكري بين الدول العربية، في عام 2015 قررت جامعة الدول العربية تشكيل قوة عسكرية مشتركة قوامها 40 ألف جندي، كان من المفترض أن توفر مصر القوة القتالية الرئيسية، بينما ستمول دول الخليج المشروع، وفي عام 2016 أعلنت المملكة العربية السعودية عن إنشاء تحالف عسكري يتألف من 34 دولة إسلامية، لمحاربة المنظمات الفرعية مثل الدولة الإسلامية.

لم يتم حتى الآن تحقيق أي من هذه الخطط الطموحة، بصرف النظر عن الإمارات العربية المتحدة، وجدت المملكة العربية السعودية أيضاً صعوبة في تجنيد شركاء ملتزمين على المدى الطويل للتحالف الذي أنشأته للقتال في اليمن.

هناك صعوبة أخرى تتمثل في الاختلاف بين كيفية إدراك الدول المختلفة للتهديد، فبالنسبة لدول الخليج، إيران هي التهديد المركزي، وإن الدول الإسلامية المهمة مثل باكستان ودول المغرب العربي ومصر، لا تضع التهديد الإيراني في المركز، وذلك لتجنب توتر علاقاتها مع طهران، ومن المشكوك فيه أن الدول العربية ستكون مستعدة للالتزام بنوع المساعدة المتبادلة الذي يشكل أساس أي تحالف عسكري مهم، مثل المادة 5 من معاهدة الناتو.

هناك صعوبة أخرى مرتبطة بالخلافات العربية البينية، في بعض الأحيان حتى العدو المشترك ليس أساساً متيناً بما فيه الكفاية للتحالف، كان من الصعب دائماً تحقيق الوحدة بين الدول العربية، فإن الخصومات القبلية والعائلية والشخصية والنزاعات الإقليمية والمصالح المتنافسة والمواقف المتباينة تجاه إيران والإخوان المسلمين قد شوهت العلاقات، ويطور كل بلد استجاباته الخاصة لتهديد معين وإدراك مدى خطورته، ومن المتوقع أن يتسبب هذا الوضع في نشوء خلافات، في قيادة أي قوة مستقبلية، ومن المحتمل أن تكون هناك خلافات بين المملكة العربية السعودية ومصر، اللتين تمتلكان أكبر جيوش من جميع الشركاء المحتملين، أو حتى بين الإمارات العربية المتحدة التي تمتلك الجيش العربي الأكثر تقدماً وتدريباً على أعلى مستوى، وتظهر طموحات للقيادة والتأثير في العالم العربي.

هل يمكن إدراج "إسرائيل" في التحالف؟

لـ "إسرائيل" مصلحة، في إنشاء تحالف عربي يرى "إسرائيل" كشريك موثوق به، ومنخرط ومؤثر، وربما لاحقاً حتى شريكاً كاملاً، سيركز على النضال ضد تدخل إيران في دول الشرق الأوسط ونفوذها المتزايد في المنطقة، إذا أصبح مثل هذا التحالف حقيقة، فإنه سيؤكد أن التهديد من إيران لا يتعلق فقط بجهودها للحصول على أسلحة نووية، ولكن أيضاً صراعها العنيف الذي لا نهاية له، بما في ذلك استخدام الوكلاء للهيمنة الإقليمية.

على الرغم من اتفاقات أبراهام والأهمية المتزايدة التي أُعطيت للتعاون، بما في ذلك في المسائل الأمنية، بين “إسرائيل” ودول الخليج، فإن الطريق إلى إنشاء قوة قتالية مشتركة تضم "إسرائيل" لا يزال طويلاً ومليئاً بالعقبات، على الرغم من أن دول الخليج يمكن أن تستفيد من العديد من المزايا من التحالف العسكري مع "إسرائيل"، بما في ذلك مساهمة استخباراتية وعسكرية كبيرة، إلا أنها قد تجد نفسها عرضة لتهديدات إيرانية أكثر إلحاحاً، أي تقارب آخر مع "إسرائيل" يمكن أن يضر بهم، ومن الصعب أيضاً رؤية احتمال وجود أي استعداد خليجي لمثل هذا التحالف العسكري دون مشاركة أو قيادة أمريكية كبيرة، مما يعني الانضمام إلى مبادرة أمريكية كائتلاف تقوده الولايات المتحدة.

من جانبها، لا مصلحة لـ "إسرائيل" في تقييد نفسها من خلال الالتزامات الناشئة عن التحالف العسكري بالمعنى الكلاسيكي، أي الالتزام بالمشاركة في صراعات لا تعنيها، كما سيؤثر إنشاء تحالف عسكري على العلاقة الحميمة اللازمة للتعاون من هذا النوع، ومن المرجح أن يؤدي إلى رد إيراني ترغب "إسرائيل" ودول الخليج في تجنبه.

لذلك إذا كانت "إسرائيل" ترغب في تعزيز تحالف عسكري إقليمي – حتى بدون مشاركتها الكاملة، ولكن من خلال تعاونها الهادف والمؤثر – فعليها أولاً تجنيد الولايات المتحدة، والتصرف بقدر أقل من الأهمية، والحرص على وضع أساس ثابت لأي تحالف واسع، وتشكيل اتحاد يضم عنصراً عسكرياً إلى جانب العديد من المكونات المدنية، يجب أن تركز التحركات الأولى في هذا السياق على إقامة تعاون تحت الرادار، من خلال إحباط تهريب الأسلحة الإيرانية أو إنشاء صورة جوية متكاملة للتعامل مع التهديدات المشتركة، مثل بناء وتشغيل صاروخ أرض – أرض إيراني وتطوير قدرات الطائرات بدون طيار، سواء من قبل إيران نفسها أو من قبل وكلائها.

إلى جانب هذه الجهود، يجب مواصلة المشاركة في المناورات الإقليمية، وتعزيز التعاون التكنولوجي، والجهود المبذولة لتكملة المكونات العسكرية بمكونات مدنية – التعاون في الشؤون الاقتصادية والبنية التحتية والثقافة، والمسائل البيئية، نظراً لأن العديد من هذه المكونات مدرجة بالفعل على أجندة العلاقات بين الدول، وهي وسيلة لإنشاء البنية التحتية للتعاون الإقليمي، فسيكون من الأسهل على القيادة الخليجية إنشاء تحالف إقليمي مدني يمكن أن يتطور إلى تعاون عسكري، وإن التقليل من أهمية الجانب العسكري مع التأكيد على التعاون المدني والمشاركة الأمريكية النشطة من شأنه أن يزيد من احتمالية تشكيل تحالف عسكري بين "إسرائيل" والدول العربية.