يوجّه حزبيون أردنيون انتقادات لقانون الأحزاب السياسية الجديد في البلاد، والذي يأتي في إطار الإصلاحات التي أوصت بها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، معتبرين أن هذا القانون يضع العراقيل والصعوبات أمام تشكيل الأحزاب في الأردن، ويسعى إلى إقصاء الأحزاب العقائدية القائمة. ويُجمع هؤلاء على أنه حتى مع التعديلات التي أجراها مجلس النواب، فإن القانون خطوة لإقصاء الأحزاب الناشطة حالياً وصناعة أحزاب جديدة تتواءم مع رؤى السلطة والطبقة السياسية المسيطرة على مقاليد صناعة القرار.
وأعاد مجلس الأعيان الأردني، في 15 مارس/آذار الحالي، مشروع قانون الأحزاب السياسية لسنة 2021 إلى مجلس النواب بعد مخالفته في عدد من مواد القانون، مطالباً برفع نسبة الشباب (18 إلى 35 سنة)، والمرأة من عدد مؤسسي الحزب إلى 20 في المائة لكل منهما، وفقاً للمشروع الحكومي الأصلي. ويخالف ذلك قرار النواب الصادر في 8 مارس الحالي بتخفيض نسبة المؤسسين من الشباب والمرأة إلى 10 في المائة.
كما رفض الأعيان تخفيض مجلس النواب لعدد حضور المؤتمر التأسيسي إلى ثلث الأعضاء المؤسسين، مشترطاً حضور الأغلبية كما ورد في المشروع الحكومي. كما خالف الأعيان تمديد مهلة توفيق أوضاع الأحزاب القائمة حالياً، بمنحها مهلة سنة فقط، وفقاً لما جاء في المشروع الحكومي الأصلي، بعدما كان مجلس النواب قد رفعها إلى سنة ونصف.
ويتم حل الحزب وفق القانون الجديد بقرار من المحكمة، تبعاً لقرار الإدانة بارتكاب أي من جرائم "التحريض على قيام تظاهرات ذات طابع مسلح، وتشكيل تنظيمات أو مجموعات تهدف إلى تقويض نظام الحكم أو المساس بالدستور، والمساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم التنظيمات والجماعات التكفيرية أو الإرهابية أو الترويج لها"، فيما يعاقب كل من يروج بشكل مباشر أو غير مباشر لحزب محظور، بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف دينار (1400 دولار) ولا تزيد عن خمسة آلاف دينار (7 آلاف دولار)".
ومنع القانون التعرض لأي أردني بشكل مباشر أو غير مباشر بسبب الانتماء الحزبي، بما في ذلك المساس بحقوقه الدستورية أو القانونية أو مساءلته أو محاسبته.
وبمخالفات الأعيان للنواب حول قانون الأحزاب، فإن القانون سيعاد مرة أخرى إلى النواب للنظر في قرارات الأعيان فقط، وليس أمام مجلس النواب غير قبولها أو التمسك برأيه وبموقفه، ليعاد القانون إلى الأعيان، فإما قبول قرار النواب أو التمسك بموقفه، وعندها يحتاج القانون إلى جلسة مشتركة بين النواب والأعيان لإقراره.
وقال الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني فرج الطميزي في حديث مع "العربي الجديد" إن الأحزاب كانت تعوّل على القانون الجديد ليكون خطوة إلى الأمام في طريق الإصلاح السياسي، لكن القانون في جوهره حمل جملة من العراقيل والصعوبات ووضعها أمام الأحزاب في ظلّ ظروف سياسية غير مريحة تتعلق بالتضييق على الحريات.
وبحسب الطميزي، فإن القانون الجديد يتنكّر لعشرات الأحزاب التي أخذت شرعيتها من الدستور الأردني ومطلوب منها اليوم تصويب أوضاعها كما الأحزاب الجديدة. وبرأيه، فإن هذا التصويب محاولة لعرقلة عمل هذه الأحزاب، خصوصاً ما هو متعلق بأعداد المؤسسين ونسبة الشباب والمرأة، معتبراً أن هذه الاشتراطات صعبة في ظلّ الظروف السياسية غير السليمة في البلاد.
وشرح الطميزي أن المواطنين والشباب يخافون من الانضمام إلى الأحزاب، على الرغم من الحديث عن عدم التضييق على الحزبيين، لكن الكثير من الممارسات تحول دون التشجيع على الالتحاق بالأحزاب، فالجامعات تحد من العمل السياسي. واعتبر أنه كان من الأفضل تهيئة الظروف المناسبة لانخراط الشباب والنساء في الحياة الحزبية، وذلك في مجتمع ذكوري ترعبه القبضة الأمنية قبل وضع الاشتراطات.
ولفت الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني إلى أن القانون يطلب من الأحزاب تصويب أوضاعها خلال 12 شهراً، فيما خطة تحديث المنظومة السياسية أعطت الحكومات والسلطة 12 عاماً للوصول إلى الحكومة البرلمانية.
ورأى الطميزي أن القانون جاء لضرب الأحزاب العقائدية القديمة، وصناعة أحزاب جديدة تتوافق مع رؤى القيادة السياسية، وسيظهر ذلك بعد انتهاء مهلة تصويب الأوضاع. وشدّد على أن الأحزاب لا تنشأ بقرارات، بل من خلال توفير البيئة السياسية المناسبة، في ظلّ حرية الرأي والكلمة، وحرية العمل السياسي، كما أن دمج الأحزاب والائتلافات في الحياة السياسية لا يأتي بقرارات، بل هو نتيجة لقناعات.
بدوره، رأى الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي" الأردني، مراد العضايلة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قانون الأحزاب يجب ألا يتضمن اشتراطات أو عقوبات. ورأى أن القانون الذي أقر من قبل مجلس النواب تضمّن بعض التعديلات لصالح الأحزاب، لكن برأيه فإن الأهم في تنمية الحياة الحزبية ليس قانون الأحزاب، الذي ينظم عملية التسجيل وقوننتها، بل إن المشكلة الأساسية ترتبط بعوامل أهمها المناخ السياسي، فالتدخل الأمني في الحياة المدنية يجعل قانون الأحزاب بلا وزن أو تأثير، على حدّ قوله.
ولفت العضايلة إلى أن تطور الحياة الحزبية يرتبط بالبيئة التشريعية والمناخ السياسي، فالبيئة التشريعية ترتكز على قانون الانتخاب ونظام تمويل الأحزاب، والأمر الآخر متربط ببيئة العمل السياسي وعدم التدخل الأمني، مشدداً على أن المناخ السياسي الخالي من التضييق على الحريات يؤدي إلى قيام حياة حزبية تنافسية برامجية صحيحة.
أما في حال التدخل الأمني في الحياة السياسية، فرأى العضايلة أن القوانين تصبح بلا قيمة، مهما كانت ايجابية، إذ أن التدخلات تفسد الممارسات الديمقراطية، معتبراً أن تراجع المشاركة في الانتخابات مؤشر على عدم ثقة الناس في الإصلاح السياسي. وتساءل في هذا الإطار أنه "إذا كان هناك تدخل من السلطات في انتخابات النقابات المهنية، فماذا سيحصل في الانتخابات البرلمانية أو المحلية؟".
وحول مستقبل الحياة الحزبية بعد تطبيق القانون الجيد، رأى الأمين العام لـ"جبهة العمل الإسلامي"، أن هناك بعض الأحزاب التي ستعاني في ظل الاشتراطات الجديدة، ولا تستطيع تطبيق الشروط الكثيرة، ما يعني أنها قد تختفي، إلا إذا اندمجت او استطاعت تلبية الشروط، متوقعاً أيضاً بروز أحزاب جديدة في الفترة المقبلة. وقال: اليوم هناك اندماجات، ومحاولات للبقاء والتأثير، لكن الاشتراطات غير مقبولة، ففي العالم الغربي، أي عدد من المواطنين يمكنهم تشكيل حزب، وصناديق الاقتراع وثقة الناس هي من تقرر بقاء الحزب حيّاً أو تلاشيه.
من جهته، قال الأمين العام لحزب "الحياة" عبد الفتاح الكيلاني لـ "العربي الجديد"، إن هناك موادّ إشكالية في القانون الجديد، وهي التي تتعلق بالاشتراطات وعدد المؤسسين ونسبة الشباب والسيدات. وأضاف: "نتمنى أن تكون نسبة الشباب 70 في المائة في الأحزاب، لكن كيف ذلك والتضييق مستمر على الحزبيين، وقبل أسابيع قليلة اعتقل شباب أرادوا الاعتصام قرب دوار الداخلية للتعبير عن معارضتهم للتطبيع؟".
وتساءل الكيلاني: كيف يمكن زيادة انتماء المواطنين للأحزاب، وحتى فترة قريبة يحرم الحزبيون وأقاربهم من الوظائف بسبب الارتباط الحزبي؟ ورأى أن تجارب الكثير من الأردنيين المتعلقة بالتضييق على الحزبين ماثلة في الأذهان، حتى أصبحوا ينفرون منها خوفاً من الملاحقة الأمنية، مشيراً إلى أن الاشتراطات الجديدة معيقة للعمل الحزبي، ومخالفة للدستور، وتكشف عن عدم وجود نية حقيقية للإصلاح.
ولفت الكيلاني إلى أن العاهل الأردني عبدالله الثاني يحض على الإصلاح والتحديث السياسي في الأوراق النقاشية والكثير من اللجان التي جرى تشكيلها، لكن البطانة (الحاشية) والحكومات المتعاقبة تعيق الإصلاح، من أجل الاستمرار في وراثة المناصب"، بحسب رأيه. وقال: "نحن نعلم أن نظام الحكم المتعلق بالملك وراثي، لكن ليس المناصب الحكومية".
ووفق الكيلاني، فإن "القانون يسعى إلى إنهاء الأحزاب الحالية والتي يهاجمونها منذ عقود، ويحاولون صناعة أحزاب جديدة تتوافق مع مصالحهم عندما أصبح هناك توجه لاستلام الأحزاب السلطة لتوافق مقولة: أسيادكم في الجاهلية أسيادكم في الإسلام، ومن دون أن يحسن إسلامهم".
أما بالنسبة إلى موقف حزبه من القانون الجديد، فقال الكيلاني: "نحن نعارضه، لكن عندما يقر سنلتزم، ونحن قادرون على الالتزام بالشروط، ولن نعدم الوسائل لتحقيقها، ولكن العمل الحزبي قناعات ويجب ألا تكون مشروطة"، لافتاً أيضاً إلى أن "عتبة الوصول إلى مجلس النواب ستكون في قانون الانتخاب حوالي 2.5 في المائة من الأصوات، وهذا يجعل الاندماج والائتلافات الحزبية فرض عين على الكثير من الأحزاب".
وأوضح "أننا كحزب الحياة نريد التواصل مع الأحزاب بعضها للاندماج، في ظل وجود قواسم مشتركة، وبعضها للائتلاف لوجود توافق في وجهات النظر تجاه العديد من القضايا، ونكون وفّقنا الأوضاع خلال العام المقبل، كما أننا سنحاول العمل مع طلاب الجامعات لاكتشاف مدى التغيير وأثره عليهم وعلى العمل السياسي في الجامعات".
أما الأمينة العامة لحزب الشعب الديمقراطي الأردني (حشد)، العضو السابقة في مجلس النواب، عبلة أبو علبة، فأكدت، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن البرلمان لم يأخذ بالملاحظات الجوهرية السياسية والقانونية التي قدمتها الأحزاب السياسية، ولعلّ أهمها ما يتعلق بشرط تأسيس الأحزاب وسريان هذه الشروط على الأحزاب القائمة.
وأوضحت أبو علبة أن المشكلة بالمادة 40، فقرة (أ) التي تقول: "تعتبر الأحزاب المؤسسة قبل نفاذ أحكام هذا القانون وكأنها مؤسسة بمقتضاه"، فيما تنص الفقرة (ب) على أنه "على الأحزاب المؤسسة قبل نفاذ أحكام هذا القانون توفيق أوضاعها وفقاً لأحكام الفقرة (أ) من المادة (10) منه خلال سنة واحدة من تاريخ نفاذه، وذلك بعقد مؤتمر عام تتوافر فيه شروط المؤتمر التأسيسي الواردة فيها، وبخلاف ذلك يتم حل الحزب وفقاً لأحكام هذا القانون"، معتبرة ذلك أمراً غير قانوني ودستوري.
وحول التوجهات لإيجاد أحزاب برامجية جديدة، قالت الأمينة العامة لـ "الشعب الديمقراطي"، إنه من حق أي مجموعة مواطنين تشكيل حزب جديد، لكن استهداف الأحزاب القائمة يعني أن هناك محاولات للفك والتركيب. وشدّدت في هذا السياق على أن "التعددية الحزبية مهمة، لكن لا يجب أن يكون الهدف إيجاد أحزاب فقط تتوافق مع وجهة النظر الرسمية"، معتبرة أن "هذه التوجهات ليست لها علاقة بالتعددية، بل من الممكن أن تخل بمبدأ الاصلاح نفسه والمبادئ الدستورية، وبما لا يخالفها". وحذّرت من أن "محاولة إحلال أحزاب مكان أخرى يثير الشبهات والتساؤلات".
واعتبرت أبو علبة أخيراً أن شروط قانون الأحزاب الجديد، تذهب باتجاه وضع قيود على الأحزاب، وهي محاولة لإقصاء الأحزاب العقائدية القائمة، وإحلال أحزاب أخرى مكانها، وأن الهدف إعادة ترتيب البيت الحزبي بصورة تلغي وتقصي المعارضة. وتابعت: لا سند قانونيا للإصرار على شمول الأحزاب القائمة بالشروط الجديدة، ولا مبرر لها سوى الاستمرار في التدخل غير المشروع في الآليات الداخلية لعمل الأحزاب.