منحه منبرًا عبر الكنيست ليخاطب أعضاء الكنيست ومن فوقهم، ليخاطب الإسرائيليين مباشرة، في مسعىً منه للتأثير على الإسرائيليين لإحراج الحكومة والضغط عليها لتقديم المزيد من المساعدات، ولا سيما العسكرية، وفرض عقوبات اقتصادية.
زيلينسكي، الذي يقود مقاومة بلاده ضد الحملة العسكرية الروسية، بات يشعر بأنه يحمل عاليًا موجة من التعاطف الشعبي والرسمي لأسباب مختلفة؛ الأمر الذي منحه شعورًا عاليًا بالثقة بالنفس تجعله قادرًا على مخاطبة البرلمانات ومحاسبتها وانتقادها علنًا دون أن يُضطر لانتقاء مفرداته أو لمراعاة حساسية الموقف بالنسبة لمن يخاطبهم، ورغم ذلك يحظى بالتصفيق، يُهاجم، ينتقد، يُطالب بالكثير ويحظى بالتصفيق رغمًا عنهم! وبرغم كل الدعم غير المسبوق والتجنّد العالمي الكبير بكل المعايير، لا ينفك يدّعي بأن العالم ترك الأوكرانيين وحدهم في مواجهة أقوى جيوش العالم، ولا يرمش لهُ جفن وهو يشحن خطاباته الغوغائية بالكثير من الأكاذيب، معتمدًا أن أحدًا لن يجرؤ على انتقادها.
هكذا فعل أمام البرلمانات الكثيرة التي خاطبها، من مجلس النواب الأمريكي إلى البوندستاغ الألماني وما بينهما، وهكذا أيضًا فعل في خطابة أمام الكنيست الذي بُث عبر الزوم؛ لكنه أمام الكنيست - وهو اليهودي - لم يراعِ الخطوط الحمر بالنسبة للمقدسات الصهيونية "الكارثة وإبادة الشعب"، التي يعتبرها الصهاينة حكرًا لليهود، مطوبًا على اسمهم، فلا كارثة تناظرها أو تقارن بها، ليس هذا فحسب؛ بل إن مجرد تشبيه أيّ كارثة لشعب بكارثة اليهود يعتبر إنكارًا للكارثة، وهي جريمة لا تغتفر وتعتبر عملًا لاساميًا.
زيلينسكي في خطابه أمام الكنيست، حاول تهييج المشاعر وتجييشها ضد روسيا، فقارن بين ولادة أوكرانيا وولادة إسرائيل والتاريخ المشترك والمتشابه، واعتبر ما يقوم بهِ الروس الآن يُشبه ما قام بهِ النازيون في أربعينيات القرن الماضي، وما يتعرض له الشعب الأوكراني من إبادة وقتل يُشبه ما تعرض له اليهود، وحاول أن يوجد رابطًا رمزيًا بين تاريخ الرابع والعشرين من فبراير 1922 (تاريخ تأسيس الحزب النازي الألماني) وبين الرابع والعشرين من فبراير 2022 (تاريخ بدء الحملة العسكرية الروسية)، وأعاد كذبة أن الروس قصفوا "بابي ياري" وهو النصب التذكاري لضحايا اليهود إبان الحقبة النازية، وأن القصف دمّر مقبرة يهودية كبيرة؛ وهو أمر كذبه الصحفي الإسرائيلي رون بن يشاي الذي زار النصب والمقبرة وأكد أنهما سالميْن، كما اعتبر زيلينسكي أن ما يقوم بهِ الروس هو ترجمة لسياسات الحل النهائي للمشكلة الأوكرانية المنتشرة - بحسب زعمه - في الأوساط الإعلامية الروسية، مذكرًا إياهم بالحل النهائي النازي للمشكلة اليهودية، ومذكرًا اليهود بما قدمه الأوكران لليهود إبان النازية من حماية ومساعدة، وقال "الأوكران يطالبون اليوم بالمثل".
وبصيغة التهديد، طالبهم بأن يتموضعوا في المكان الصحيح في التاريخ، وأنهم سيكونون في المستقبل مطالبون بالإجابة عن مواقفهم التي يتخذونها اليوم، والتي يقصد بها عدم دعمهم لأوكرانيا بالسلاح ومنظومات القبة الحديدية، وعدم فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ومخاطبًا بينت توجّه إليه قائلًا بأن الوساطات من الجيد أن تحدث بين الدول، لكن ليس بين الخير والشر.
في إسرائيل قدروا بأن خطاب زيلينسكي سيكون مشحونًا بالعواطف والانتقاد للموقف الإسرائيلي، لكنهم - وبحسب معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية - فوجئوا من حدة الهجوم، وأغضبهم كثيرًا استخدام الكارثة اليهودية، ومعظم المتحدثين الإسرائيليين انتقدوا استخفاف زيلينسكي بالكارثة اليهودية، واعتبروا أن ما يحدث في أوكرانيا، برغم كل المآسي المرتبطة بالحرب؛ لكنه ليس إبادة شعب، ولا يشبه - لا من قريب ولا من بعيد - ما حدث لليهود، لكنهم وفي ذات السياق حاولوا أن يتفهموا دوافع زيلينسكي، وأنه يتحدث من بطنه، وأنه لا يُمكن محاكمة الشخص على ما يصدر منه أثناء مأساته، أما المُحللين فاعتبروا أن زيلينسكي أهدر الفرصة ولم يحقق شيئًا، بل العكس؛ فقد أطلق النار على قدميه ومنح الحكومة وأحزابها فرصة لمهاجمته وتحوّل هو إلى موقع الدفاع، وهو ما اضطره بعد ساعات أن يشكر (عبر تصريح مسجل) إسرائيل، مقدرًا جهود الوساطة التي يقوم بها بينت، معتبرًا أن القدس هي المكان الأنسب للتوصل إلى سلام؛ الأمر الذي يُعتبر تراجعًا من زيلينسكي واعتذارًا غير مباشر عمّا جاء في خطابه.
الرأي العام في إسرائيل تذكر أن يسخر من مطالبة زيلينسكي للإسرائيليين بأن يتذكروا ما قدم الأوكران لليهود، قائلين "لو قصد ذلك حقًا، فهو يطالبنا بأن نقدم المساعدة للروس"، مذكرين زيلينسكي بموقف الأوكران الذين ساعدوا الألمان بتسليم اليهود والوشاية بهم والمشاركة في إبادتهم.
د. تروش (محللة خطابات) تقول إن زيلينسكي جاء بملابس رثة، غير حليق الذقن، وربما غير مغتسل، محاولًا التشبه بـ "تشي جيفارا"، وألقى خطابًا عاطفيًا غير مدروس، وشبّهته بزعيم مظاهرات، يقود مظاهرة للانتصار على الجيش الروسي.
بينت، في مؤتمر "يديعوت احرونوت"، انتقد تشبيه زيلينسكي لما يحدث في أوكرانيا بالكارثة اليهودية، وأعاد التأكيد على أن الموقف الإسرائيلي سيظل يتمسك بتقديم كل الدعم الإنساني والصحي للشعب الأوكراني، وفي ذات الوقت العمل السياسي عبر الوساطة للتوصل إلى حل سياسي، مؤكدًا على اتخاذ سياسة تراعي المصالح الإسرائيلية في ظل التعقيد وتشابك المصالح.