يوم الثلاثاء الماضي تحدث مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر عن "تقدّم ملحوظ" في ملفّ الوساطة حول ترسيم الحدود بين لبنان و"اسرائيل"، ونفى بتصريح في اليوم التالي وجود أيّ اتفاق مع لبنان حول آليّة الترسيم، ومن ثم تحدّث عن "نقطة عالقة سخيفة"، وكل هذه التصريحات تشكّل، بحسب مصادر لبنانيّة متابعة للملف، تهرّبا أميركيا من قول الحقيقة.
في العام 2008، اقترحت الولايات المتحدة الأميركية خطّة لترسيم الحدود البحرية، أفقدت لبنان يومها بعد "تواطؤ" أحد المسؤولين، 860 كيلومترا من منطقته البحرية، وبدأت وقتها رحلة الخلاف والتفاوض، أما بالنسبة الى الحدود البرية، فيرجع أصل الخلاف الى العام 2000، تاريخ رسم الخطّ الأزرق الذي خلق 13 نقطة برّية متنازعا عليها، واليوم يصر المفاوض اللبناني رئيس المجلس النيابي نبيه بري على تلازم المسار في البر والبحر، كشرط أساسي من شروط التفاوض.
في الخامس من آب الجاري، أعلن بري أن المفاوضات حول ترسيم الحدود أصبحت في خواتيمها، ولكن هذا التصريح لم يأخذ مداه بسبب كارثة إنفجار مرفأ بيروت، إنما ما كان بري يريد قوله هو أن الإتفاق أُنجز ولم يتبقّ سوى الإعلان عنه من قبل الإدارة الاميركية.
في بيان حركة أمل بعد العقوبات المفروضة على وزير المال السابق علي حسن خليل، إعلان عن تاريخ اتفاق السير بترسيم الحدود البحريّة في الجنوب اللبناني، وهو 9 تموز الماضي، وهذا الإعلان بحسب المصادر جاء ليحرج الاميركي الذي يبدو وكأنه يتراجع عن هذا الإتفاق. لماذا؟
تؤكد المصادر أنّ الإتفاق سيكون حول الآلية التقنيّة لترسيم الحدود، وهو اتفاق يشكّل نصرا للموقف اللبناني، ويحفظ الحقوق اللبنانيّة كما تعهّد بري حتى آخر سنتمتر من الحدود، ولكن بعد مرور تموز دون الإعلان عنه، شعر رئيس المجلس النيابي بمكان ما أن الإسرائيلي يحاول بمساعدة أميركية، التنصّل من الإتفاق، لذلك حذّر في خطابه بذكرى تغييب الإمام موسى الصدر من أيّ محاولة اسرائيليّة لإرباك الساحة اللبنانيّة، وأكد أن الحركة ستتصدى لأيّ عدوان، وبالنسبة اليه فالعدوان لا يكون عسكريا فحسب.
وتضيف المصادر: "ما لمسه بري في تموز أكّده آب، فبعد انفجار المرفأ، أعادت الولايات المتحدة الأميركية خلط أوراق المفاوضات، بما يؤكد أن الأميركي والإسرائيلي يريدان استثمار الأزمة السياسية والإقتصادية المستجدّة في لبنان بعد الإنفجار، لتحقيق إتفاق جديد بشروط أفضل، وهم يعوّلون بذلك على ضعف الموقف اللبناني، وحاجته الى التسهيلات الغربيّة والدوليّة لانتشاله من مأزقه"، مشددة على أن سلاح العقوبات رُفع في هذا التوقيت بالذات لسببين، الاول هو اللقاء الأخير الذي جمع شينكر بالمستشار الإعلامي لبري، علي حمدان، وفيه تبلّغ المسؤول الأميركي مجددا موقف لبنان الصلب والمتمسك بالإتفاق الذي حصل، والثاني هو اقتراب تشكيل الحكومة، وبالتالي محاولة الإستفادة من الضغوط التي تسبق ولادتها.
إذا، هناك اتفاق حصل، واليوم يريد الفريق الأميركي والإسرائيلي التنصل منه لمحاولة تحقيق مكتسبات إضافية، وهذا الأمر ردّت عليه حركة أمل بشكل واضح عندما قالت بأن "أحرف الجرّ" لن تسيّرها، وبالتالي فمن المتوقع أن تشتد عملية شدّ الحبال في الأيام القليلة المقبلة. فهل تتنصّل أميركا من الإتفاق بشكل نهائي، مما يؤدي لفقدان الثقة بها كوسيط في هذا الملف؟