قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن الحكومة والشعب الأوكرانيين سيقدمون تنازلات مؤلمة وإنهم يدركون ذلك من أجل اتفاقية لوقف إطلاق النار مع روسيا، ومع ذلك ليس هناك ما يضمن تحقيق ما يريدون.
وأوضحت كاتبة العمود في تقرير لها بالمجلة والمراسلة التلفزيونية المستقلة أنشال فوهرا، أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطا في الأيام الأخيرة خطوات نحو السلام بإعلانه انفتاحه على تقديم تنازلات عدة للمطالب الروسية من بينها الالتزام بالحياد الأوكراني في ما يتعلق بالتحالفات العسكرية، ورفض أي ترسانة نووية، وقبول السيطرة الروسية على المناطق الشرقية للبلاد، حتى إنه أشار إلى استعداد لتغيير السياسات اللغوية التي أضرّت بالناطقين باللغة الروسية.
وأضافت الكاتبة أن هذه التصريحات أعطت المحادثات المباشرة التي عقدت هذا الأسبوع في إسطنبول بعض الأمل في وقف إطلاق النار.
إقرار وخيبة أمل
وأشارت إلى أنه رغم أن الأوكرانيين يعدّون هذه التنازلات حتمية، فإنهم يشعرون بخيبة أمل إزاء فشل الغرب في تقديم الدعم المادي لهم، على الرغم من الدعوات المتكررة من قبل زيلينسكي، وعدم فرض الغرب منطقة حظر طيران أو إرسال قوات برية.
وعلقت فوهرا بأنه في خضم الحرب التي هددت وجود أوكرانيا بصفتها دولة، يبدو أن زيلينسكي والأوكرانيين أدركوا أخيرا أنه سيتعين عليهم التخلي عن طموحهم في الانضمام إلى تحالف الدفاع الغربي وربما محو هذا الطموح من دستورهم، مضيفة أن الروس من جهتهم بدؤوا بعد مفاوضات الثلاثاء الماضي يعتقدون أن نظراءهم الأوكرانيين لم يعودوا مهتمين بأن يكونوا جزءا من الناتو، ووصفوا محادثات إسطنبول بأنها "ذات مغزى"، وقالوا إن روسيا "ستقلص نشاطها العسكري في أوكرانيا"، وإنهم تشجعوا لعقد لقاء بين زيلينسكي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في وقت أقرب مما كان متوقعا في البداية.
وقال فلاديمير ميدينسكي مساعد الرئيس الروسي "لقد تلقينا مقترحات مكتوبة من أوكرانيا تؤكد سعيها نحو وضع محايد وخال من الأسلحة النووية، مع رفض إنتاج ونشر جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل".
ضمانات أمنية
ومع ذلك، تشير الكاتبة إلى أن زيلينسكي يصرّ على أن تعهد أوكرانيا بالبقاء محايدة وغير نووية يعتمد على الضمانات الأمنية من دول الناتو (أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا)، قائلة إن هذا الإصرار على الضمانات الأمنية ينبع من خبرة طويلة في "أكاذيب روسيا وخداعها".
وأضافت أن هذا الخيار يجب أن يكون قابلا للتطبيق، لكن يبدو من غير المحتمل أن يقدم الغرب أي وعود ترقى إلى المشاركة المباشرة في أي صراع مستقبلي.
والقضية الرئيسة الأخرى بين البلدين هي وضع المناطق الشرقية، لكن في محادثة مع الصحفيين الروس قبل محادثات يوم الثلاثاء، ألمح زيلينسكي إلى حل وسط، قائلا "أتفهم أن من المستحيل إجبار روسيا على الخروج الكامل من الأراضي الأوكرانية، مضيفا أن "من شأن ذلك أن يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة"، وعلقت الكاتبة بأن أوكرانيا تدرك مدى عدم شعبية التنازل عن أي إقليم وقررت عدم الكشف عن تفاصيل ما قد تبدو عليه التسوية المحتملة.
ضرورة البراعة الدبلوماسية
واستمرت فوهرا تقول إن هذه من بين أصعب القضايا، وحتى التوصل إلى تفاهم ضمني بشأنها سوف يتطلب براعة دبلوماسية بين أوكرانيا وروسيا. ونقلت عن نيك رينولدز زميل أبحاث الحرب البرية في المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة قوله إن تصريح زيلينسكي قد يُعدّ اعترافا بواقع أنه "حتى إذا تم إحباط الأهداف الأوسع نطاقا لروسيا، ستظل روسيا قادرة على التمسك ببعض الأراضي الأوكرانية في المستقبل، وأنه لا يريد أن تمنع هذه الحقيقة حدوث المفاوضات".
وفي إسطنبول، تجرأت القيادة الأوكرانية على اتخاذ وجهة نظر واقعية واقترحت خطة لتسوية قضية شبه جزيرة القرم على مدار الـ15 عاما القادمة -وذلك يعني أنها لن تحاول أخذها بالقوة- واقترحت مناقشة مستقبل دونيتسك ولوغانسك عندما يلتقي الرئيسان.
وختمت فوهرا تقريرها بقولها إن أوكرانيا عرضت حل معظم مخاوف روسيا على أمل أن تنهي الحرب، لكن لا يزال هناك سؤالان كبيران: هل قادة أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا على استعداد للالتزام بضمانات أمنية موثوقة يعتمد عليها مستقبل المفاوضات؟ وهل يريد الرئيس الروسي السلام الدائم؟