• اخر تحديث : 2024-12-28 19:19
news-details
تقارير

بعد اتساع رقعة الاغتيالات بحقّ الشبّان والنشطاء الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية، وتصاعد الحديث عن الجهود التي تبذلها وحدات الاغتيالات الخاصة، بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي وجهاز "الشاباك" والشرطة وحرس الحدود، لمحاصرة ظاهرة العمل العسكري المسلّح للنشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتحديداً في شمالها، تصاعد الحديث والنقاش، في الإعلام الإسرائيلي على الأقل، عن مدى نجاعة وحدات الاغتيالات الإسرائيلية الخاصة في السنوات الأخيرة، وفي مقدّمتها وحدة "اليمام"، التي نفّذت عمليات اغتيال وتصفية عدّة بحقّ الشبان والنشطاء الفلسطينيين خلال السنوات الأخيرة، بالذات بعد أن تم اعتبارها، بشكل رسمي، "الوحدة الوطنية لمكافحة الإرهاب"، كما تم الإعلان عن مشاركة قائدها (تتم الإشارة إليه برمز "ح") في حفل إضاءة "شعلة الاستقلال" في "يوم الاستقلال" ممثلاً عن الشرطة وحرس الحدود.

في هذه المساهمة، سنحاول الوقوف على أهم التفاصيل، المُتاحة، حول هذه الوحدة؛ تأسيسها ومراحل تطورها؛ نهجها ومنطق عملها، وصولاً إلى أهم إخفاقات و"نجاحات" هذه الوحدة على مدار الأعوام الماضية.

نشأة الوحدة وتطوّرها

بداية كلمة "يمام" بالعبرية هي اختصار الأحرف الثلاثة الأولى للكلمات العبرية "وحدة مركزية خاصة"، تأسست على خلفية "الأحداث الأمنية" الخطيرة التي صنّفتها إسرائيل كتهديد حقيقي على حياة الإسرائيليين، داخل إسرائيل وخارجها، خلال سبعينيات القرن الماضي، بدءاً من عملية ميونيخ التي نفّذتها مجموعة أيلول الأسود الفلسطينية (التابعة لحركة فتح) والتي أسفرت عن مقتل 11 إسرائيلياً (البعثة الرياضية الإسرائيلية لأولمبياد ميونيخ في أيلول 1972)، إلى جانب عملية "معلوت" التي أسفرت أيضاً عن مقتل 24 إسرائيلياً في أيار 1974 (نفذتها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)، بعد أن رفضت إسرائيل، في العمليتين، التفاوض مع الفلسطينيين الذين طالبوا حينها بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق الرهائن. في أعقاب هذه الأحداث، تشكّلت لجنة أمنية- عسكرية خاصة سُمّيت بـ"لجنة حوريِف"، لتقوم بفحص الطرق والوسائل الأنجع لمواجهة مثل هذه العمليات و"الأنشطة الإرهابية المعادية"- كما تُصنّفها إسرائيل. كما طُلب من اللجنة تحديد مسؤوليات الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة، وتقسيم المهام بين الجيش والشرطة (من ناحيتين جغرافية وعملياتية) لمواجهة هذه العمليات مستقبلاً والحدّ منها بالتعاون مع الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية (الشاباك والموساد وشعبة أمان).

أصدرت "لجنة حورِيف" توصياتها، والتي جاء من ضمنها أن تتولّى الشرطة مهمّة مواجهة "الأنشطة الإرهابية المعادية" داخل الخط الأخضر، وأوكلت في الوقت نفسه مهمّة تشكيل وحدة شُرطية خاصة للقيام بذلك لقائد حرس الحدود في حينه داني حاييم. وبالفعل تأسست الوحدة في 17 شباط 1975 بقيادة يعقوب رؤوفين نمرود، وكانت في البداية وحدة خاصة تابعة لجهاز حرس الحدود، تُقيم في ثكنتين عسكريتين في مطار اللد- "بن غوريون"- للتعامل مع "الحوادث الأمنية"، وقد تم تغيير اسمها بعد فترة قصيرة لتحمل الاسم الحالي "يمام". وبعد استلام أساف حيفتس منصب قائد الوحدة الثالث العام 1976، مرت الوحدة بتغييرات هيكلية جوهرية عدّة، كان أبرزها إدخال النمط الأوروبي في التجنيد ومدّته والتدريب، لتتحول في النهاية إلى وحدة من المُقاتلين المحترفين المتفرّغين للعمل في الوحدة (عدم الاستمرار في الخدمة العسكرية النظامية، أو الاحتياطية في الجيش). في أعقاب مشاركة الوحدة في عملية "باص الدماء"- عملية الساحل في 11 آذار 1978، حظيت الوحدة بثقة المستويات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، لتتحول بذلك إلى شريك كامل للجيش في تنفيذ المهام "الأمنية الخطيرة" داخل الخط الأخضر، أو حتى في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصبح مقرّها الرئيس في "مشمار أيالون".

أبرز العمليات التي شاركت فيها الوحدة منذ تأسيسها وحتى الانتفاضة الفلسطينية الثانية

كان أول اختبار حقيقي للوحدة منذ تشكيلها هو السيطرة على الفدائيين الفلسطينيين في عملية الساحل 1978 (بقيادة دلال المغربي)، والتي تُسمّى إسرائيلياً بـ "باص الدماء"، لكنها فشلت في السيطرة على منفّذي العملية دون وقوع إصابات وقتلى في صفوف الإسرائيليين، وأُصيب فيها قائد الوحدة حيفتس بجروح خطيرة، ورغم ذلك، اعتبرت المستويات العسكرية والأمنية في إسرائيل أن الوحدة نجحت في القضاء على مساعي الفلسطينيين في تحرير أسرى من خلال مثل هذه العمليات. ثم انخرطت الوحدة بعد سنوات عدّة في حرب لبنان الأولى (1982)- "سلامة الجليل" بحسب التسمية الإسرائيلية- إلى جانب وحدة "سييرت متكال"، وهي الحرب التي كانت تسعى إسرائيل من خلالها للقضاء على قوات الثورة الفلسطينية المقاتلة وإخراجها من لبنان، ثم شاركت في الانتفاضة الفلسطينية الأولى العام 1987 (انتفاضة الحجارة)، كوحدة خاصة لتنفيذ عمليات تُصنّف إسرائيلياً بأنها عمليات "مركّزة ودقيقة"، وهي تنفيذ اغتيالات لشخصيات ونشطاء فلسطينيين، من خلال رفع مستوى التنسيق بين الوحدة وبين "جهاز الأمن العام- الشاباك" المسؤول، من ناحية أمنية- استخبارية، عن المناطق الفلسطينية المحتلّة منذ 1967. وفي آذار 1988، أوكلت إلى الوحدة، من ضمن وحدات أخرى للشرطة والجيش والقوات الخاصة الإسرائيلية، مهمّة القضاء على منفّذي عملية ديمونا، وتُسمّى إسرائيلياً بـ "حافة الأمهات"، حيث اختطف ثلاثة فدائيين فلسطينيين حافلة تقلّ عاملين في مفاعل ديمونا النووي (باحثي مجمّع الأبحاث النووية في المفاعل) وقطع الطريق عليهم ومنعهم من الوصول إلى المفاعل، وتخليص الإسرائيليين أيضاً، وهي العملية التي منحت الوحدة ثقة وثقلاً في أوساط القيادتين العسكرية والأمنية، خصوصاً في ظلّ تزايد قدرتها على التعامل مع مثل هذه الأحداث.

خلال التسعينيات انخرطت الوحدة، وبالتنسيق مع الجيش و"الشاباك"، في مواجهة موجة العمليات التي شهدتها المدن داخل الخط الأخضر، إلى جانب انخراطها في مواجهة العمليات الإجرامية (الجنائية)، إلى أن اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أيلول 2000 في أعقاب اقتحام شارون للمسجد الأقصى، ومنذ ذلك الحين، وبسبب الانتفاضة، مرّت الوحدة بسلسلة تغييرات هيكلية، لتعزيز قدرتها على مواجهة الأخطار المترتّبة على العمليات الفلسطينية المسلّحة، بما في ذلك اتساع التنسيق بينها وبين الجيش و"الشاباك"، حيث أصبح يُنظر إليها إسرائيلياً على أنها "رائدة" في مجال الاغتيالات والتصفية، والقيام بالعمليات "المركّزة والدقيقة"، ومن حيث قدرات أفرادها وكفاءتهم العملياتية على المدى الاستراتيجي، الأمر الذي زاد من استثمار المستويين الأمني والعسكري في هذه الوحدة لتعزيز قدرات أفرادها.

منذ اندلاع الانتفاضة الثانية، تركّز عمل الوحدة الرئيس في تنفيذ عمليات اغتيال وتصفية النشطاء والقيادات الميدانية العسكرية والتنظيمية للفصائل الفلسطينية في المحافظات الفلسطينية كافة، حيث نفّذت، بحسب موقع الوحدة، مئات العملية "المركّزة" و"الدقيقة" اغتالت فيها مئات الفلسطينيين الذين صنّفتهم أجهزة الأمن الإسرائيلية كـ "خطر حقيقي"، وصولاً إلى ملاحقة منفّذي العمليات الفردية خلال العقد المنصرم وتصفيتهم، تحديداً منذ العام 2014، ومرافقة وحدات الجيش في عمليات الاقتحام الليلية للمخيمات والقرى والمدن الفلسطينية، وقد برز هذا الأمر بشكل كبير خلال الاقتحامات الأخيرة لمناطق الضفة الغربية، والتي خلّفت عشرات الشهداء الذين تمّت تصفيتهم بشكل مباشر (الاغتيالات في مخيم جنين، واغتيال الشبّان الثلاثة في نابلس مؤخراً). كما شاركت الوحدة في عمليات البحث عن أسرى سجن جلبوع الستة العام الماضي تحت بند "الاعتقالات شديدة الخطورة" كأحد المهام الموكلة للوحدة. في المقابل؛ قُتل العشرات من أفراد الوحدة خلال العمليات التي نفّذتها الوحدة منذ تأسيسها (وضعت الوحدة 13 اسماً منهم على صفحتها الرسمية).

أبرز أقسام الوحدة ورؤسائها

كان من ضمن الأهداف الرئيسة للوحدة أيضاً امتلاك القدرة على "تحرير" الرهائن، ولذلك يخضع أفرادها لتدريبات مكثّفة ونوعية على مدار العام، وهم في غالبيتهم خرّيجو الوحدات القتالية الخاصة في الجيش (يبقى بعضهم في الوحدة حتى سن 45)، يخضعون لتدريبات مكثّفة في المناطق الجغرافية المختلفة (مرة واحدة كل شهرين)، للحفاظ على كفاءة أفرادها، وللتكيّف مع التضاريس المختلفة، بتنسيق وتعاون استخباري وعسكري وعملياتي مع وحدات الشرطة والجيش و"الشاباك" المختلفة، مثل وحدة الإنزال من المروحيات؛ وحدة التنقّل؛ القنّاصة؛ الاستطلاع؛ وحدة التخريب (المتفجّرات)؛ الوحدة الطبية؛ وحدة الكلاب، وحدة القرود (الإنزال واقتحام المباني من الأعلى والأسفل)، وحدة التكنولوجيا؛ وحدة مطاردة المركبات وإيقافها وغيرها.

شغلت عدّة شخصيات عسكرية وأمنية إسرائيلية منصب قائد هذه الوحدة، عُرف منها التالية أسماؤهم مع فترة تسلّمهم لهذا المنصب: رؤوفين يعقوب نمرود (1974-1975)، ماؤود هليفي (1975-1976)، أساف حيفتس (1976-1980)، شموئيل تسوكر (1980-1981)، غبرئيل كوهين (1981-1984)، نير تسفرير (1984-1987)، أليك رون (1987-1991)، ديفيد تسور (1992-1995)، ديفيد بن شيمول (1995-1999)، حجاي بيلغ (1999-2001)، زوهر دفير (2001-2007)، يورام هليفي (2007-2009)، بوعز هرشكوفيتس (2009-2012)،1 وأخيراً رئيسها الحالي الذي يتم الإشارة إليه بالرمز "ح"، كما ذكرنا أعلاه.