يخيم على الكيان المؤقت كابوس مظلم لا يبدو أنه سينتهي في الوقت القريب، وهو كابوس العمليات الفدائية التي فضحت فشل منظومته الأمنية في المنع والتصدي لهذه العمليات. وذلك بعد ان أصبح فقدان الأمن في أعلى مستوياته منذ معركة سيف القدس. فتم رفع حالة التأهب إلى أعلى درجة أواخر شهر آذار/مارس الماضي، بعد ثلاث عمليات متتالية ضربت العمق الصهيوني أسفرت عن مقتل 15 مستوطن وجرح آخرين. ثم كانت عملية رابعة قد أعادت نشر الذعر في قلوب المستوطنين وشلت "تل أبيب" لبضع ساعات.
ولطالما أعار الكيان أولوية كبرى لتكثيف الجهد المنهجي المبذول من قبل عناصر مختلفة، كالحكومة ومراكز البحث، في تطوير نظرية ناجحة للدفاع عن الجبهة الداخلية كجزء من العناصر المكونة لنظرية الأمن الصهيوني تجاه التهديدات الآنية التي تواصل ارهاق الكيان أمنيا ومعنويا. وأتت هذه العمليات لتؤكد أن هذه الجهود المبذولة على مر السنين قد ذهبت هباءً منثوراً بسبب تحولات الديناميكيات الأمنية التي تواصل المقاومة الفلسطينية فرضها على أرض الواقع.
في ظل هذه التغيرات، يطمح هذا التقرير للإجابة عن جملة من تساؤلات، وهي: ما انعكاسات هذه العمليات على المجتمع الإسرائيلي والدوائر اليهودية الداخلية؟ وما علاقتها بعامل الهجرة العكسية التي لطالما اعتبره الكيان تهديدا لاستمراريته وشرعيته المزعومة؟ والى أي مدى تؤثر هذه التداعيات على ديمومة الكيان؟ فبالإضافة الى التأثير الظاهري لهذه العمليات على انعدام الأمن في مجتمع الكيان الغاصب، تحتوي العمليات الفدائية على رمزية خاصة يحرص منفذيها من خلال هذه الدلالات على توجيه رسائل قاسية للعدو، مضمونها أنه لا أمل من مساعي التطبيع وتذكير بأن لا مجال للمساومة على الأرض كل الأرض.
فمثلا، نُفذت كل من العمليات الثلاث الأولى في مناطق لطالما اعتُبرت انها "آمنة" من منظور المجتمع الصهيوني، ولم تكن قد شهدت هذه المناطق أي أخطار أو تهديدات أمنية في السابق. ما يجعل الدقة في اختيار المكان لهدف ترسيخ فكرة التفلّت الأمني وانعدام الأمان فيه. يُضاف أن عملية "بني براك" قد شكلت صدمة كبيرة للعدو، خصوصا كونها مدينة الـ"حريديم" (المتدينين اليهود) والتي هي أحد أذرع "تل أبيب" الكبرى. وبهذا يكون للعملية استهداف مباشر لأحد الرموز الرئيسية لأساس وجود الكيان لأهمية العامل الديني في تشكيل الهوية "الإسرائيلية". فشكلت هذه العمليات نموذجاً جديداً لم يعتد الكيان على رؤيته من قبل، من حيث التوقيت والدقة في التخطيط والتنفيذ. وهذا النموذج تجسد بمهارة عالية في استخدام السلاح، الاقتحام المباشر، واستهداف الشرطة ورجال الأمن عن سابق إصرار وتصميم. ما يؤكد على نشوء جبهة جديدة داخلية ووجه جديد للصراع الوجودي لدولة "إسرائيل". بشكل مماثل، كان لرابع عملية أيضا رمزية كبرى من حيث المكان، فبالإضافة الى انها حصلت في عاصمة الكيان، فخر النموذج الصهيوني، يُعتبر شارع "ديزينغوف" من أكبر شوارع مدينة "تل أبيب" وأكثرها حيوية من حيث الحركة الاستيطانية والنشاط الاقتصادي، وهذا أيضا له دلالاته على شمولية التهديد الفلسطيني، الذي أصبح متعدد الأوجه، على الأمن والاقتصاد والمجتمع " الإسرائيليين".
جبهة صراع جديدة" وتلاشي أسطورة "الأمن" في الكيان المؤقت"
على ضوء هذه التطورات، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية أن الجيش الإسرائيلي يتعامل مع المواطنين العرب (فلسطينيي 48) كجبهة جديدة في الحرب المقبلة، ويضعها بالمقام نفسه للتهديدات الحربية على الجبهة الشمالية، أي جبهة مواجهة كل من إيران و"حزب الله". وهذا ما يجعل العمليات الفردية وجهة صراع جديدة تعجز الحكومة والأجهزة الأمنية عن تحديد آلية فعالة للتعامل معها. يمكن القول ان هذه العمليات قد جعلت الحكومة الإسرائيلية على شفا الانهيار، خصوصا بعد التوترات السياسية الدائرة والتي جعلت الحكومة هشة وغير قادرة على تحمل مثل هذه الأحداث الأمنية الخطيرة. بالنسبة لعامل الدقة في التوقيت، كانت العملية الرابعة بمثابة الضربة الكبرى. قد نُفذت في وقت تم الإعلان فيه ان جميع الإجراءات الأمنية قد اتُّخذت، وأن انتشار عناصر وأدوات الحماية بات في اعلى مستوياته، خصوصا بعد دعوة رئيس الوزراء نفتالي بينيت للمستوطنين بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، ولكن رغم كل هذا الاستنفار نجح المنفذ من الدخول الى "تل أبيب"، وتنفيذ العملية بنجاح، واشغال القوات الأمنية جميعها بالبحث عنه لساعات طويلة، بالرغم من تكريس جميع القوى الأمنية والنخبوية والاستخباراتية لذلك. وهذا ما يطرح تساؤلات كبيرة حول حقيقة نظرية الأمن في كيان العدو، وأكثر من أي وقت مضى، يبين أن الأمن الإسرائيلي ليس سوى كذبة تنكشف لمستوطنيها والعالم شيئا فشيئا مع كل عملية فردية تهز كيان الدولة الصهيونية. فبالنسبة للمنظومة السياسية ومفهومها العقائدي، "الأمن" لا يعني في الحقيقة انقاذ الأرواح أو حماية شعبها من الأذى، بل يتعلق بالحفاظ على دوام الاحتلال، وهذا ما بات يدركه الكثير من اليهود الإسرائيليين. فالحفاظ على النظام الاجتماعي والسياسي وضبطه يخدم مصلحة استمرار الكيان حتى ولو كان ذلك على حسابهم كمستوطنين. ولكن حتى هذه المساعي باتت الدولة غير قادرة على تحقيقها، وهذا ما يؤكد أنه بات كيانا مؤقتا رغم المحاولات الفاشلة لتمديد عمره.
الإخلال بمفهوم الأمن القومي
الجدير بالذكر أن كل هذه التطورات على صعيد الداخل الفلسطيني، من تزايد في قدرات المقاومة وإرادة الأفراد على الإقدام على عمليات استشهادية بهذه الشجاعة، يمكن القول أن مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي بات حبراً على ورق مع عجز الدولة عن تطبيقه على أرض الواقع، خصوصا بعد الواقع الجديد الذي بات يرسم معالمه الفلسطينيون. وذلك لأن هناك في الأساس استراتيجية الأمن القومي المحدثة والمتبناة حاليا من قبل الكيان التي تركز على التعامل مع ما يسمونه 'الإرهاب ‘الفلسطيني المنظم، أي التشكيلات والفصائل المختلفة للمقاومة، ولم يكن هناك التفاتة لعامل العمليات الفدائية كتهديد رئيسي يجب على الكيان إيجاد آلية محددة لمواجهته، وربما ذلك ما شكل صدمة كبيرة بشكل متساوي على مؤسسات الكيان وأيضا على الرأي العام. فكما يذكر في الوثائق الرسمية للكيان، ان من أهدافه القومية " ضمان وجود الدولة، حماية سلامة ووحدة أراضيها وأمن مواطنيها وسكانها"، و "ضمان المناعة الاجتماعية والاقتصادية". وأن عنصرا استراتيجيا مهما في مفهوم الأمن القومي هو السعي للسلام الشامل. ولكن بخلاف الأحداث على أرض الواقع، أصبح الكيان عاجزاً عن حماية مستوطنيه وعن ضمان سلامة الأراضي المحتلة، وأن خيار السلام كان ولا يزال مستحيلا. وبذلك يكون قد تم ضرب مفهوم الأمن القومي "لإسرائيل" بشكل كبير، باعتبار انه لم يبق في الكيان مكان آمن مهما بلغ مستوى التعزيزات الأمنية فيه. على مر السنوات، تزايدت اعداد الإسرائيليين الذين فقدوا الثقة التامة بديمومة الكيان وباتوا مرغمين على تقبل حقيقة أن لا مكان لهم على الأراضي الفلسطينية. فبخلاف الدعاية التي عمل عليها الكيان لإظهار "إسرائيل" على أنها دولة الأمن والاستقرار في منطقة مليئة بالنزاعات والصراعات الإقليمية والدولية، الواقع أن هذه الصورة بدأت تتلاشى تدريجيا في السنوات الأخيرة، وذلك يعود بشكل رئيسي على مراهنة الكيان على خضوع واستسلام الفلسطينيين وسوء تقدير لقدراتهم في مواجهة همجية الاحتلال.
التأثير على الرأي العام "الإسرائيلي"
أهم نتيجة للعمليات الفدائية التي تضرب كيان العدو تكمن في انعكاساتها الأمنية عليه، لما تسببه من اضطرابات للروتين اليومي "الإسرائيلي" "ّالعادي"، وعدم الاستقرار الذي يستمر لأيام وحتى أسابيع عقب كل عملية يقوم بها الفدائيون. حتى باتت هذه الحالة من عدم الاستقرار هي الروتين نفسه. فالمؤكد أن هذه العمليات لا تمر مرور الكرام في الوعي "الإسرائيلي". وقد ترجم ذلك رئيس تحرير موقع "972 ماغ" الإخباري إيدو كونراد، في مقال يبين الحالة للمعنوية للمستوطنين عقب هذه العمليات. حيث قال:" إن مشاهدة المشاهد الفوضوية في تلك الليلة [عملية "تل أبيب"] - بما في ذلك مشهد الآلاف من ضباط الشرطة والجنود يجوبون الشوارع بحثًا عن القاتلّ...أثارت هذه المشاهد مشاعر الحزن واليأس والإحباط الشديدين. كان من الممكن أن يكون الموتى أصدقائي أو أفراد عائلتي في تلك الحانة. كان من الممكن أن يكونوا أنا." فبات الخوف الدائم يسيطر على الوعي الإسرائيلي بشكل كبير. وأصبح المستوطن مجبرا على مواجهة التناقض بين حقيقة الواقع الذي يفرضه الفلسطيني، وبين ما يقال له من ادعاءات بقدرة قياداته على توفير الأمن، ومن ثمّ اعترافاتهم بالعجز عن ذلك. وهذا ما سيفرض على المستوطنين إعادة التفكير بأصل وجودهم وبقاءهم في الأراضي المحتلة كجزء مكون لهذا الكيان. وبناءً عليه، من المتوقع أن هذه التغيرات ستعقّد وتوسع دوائر الخلاف داخل الكتل السياسية، والذي سينعكس سلبا على تعامل الدولة مع المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تهم الإسرائيليين، ما سيزيد الشرخ بين القيادة ومستوطنين ويديم استمرار الفوضى، والرغبة المتزايدة بالهجرة العكسية من الكيان.
في ظل هذا التخبط المعنوي الذي يعاني منه المستوطنون، ترتفع نداءات مؤيدة للهجرة العكسية من أوساط مؤثرة في المجتمع، منها السياسي والإعلامي والأكاديمي. وبذلك، ليس بالضرورة أن تكون عمليات الأسود المنفردة هي السبب الرئيسي وراء الهجرة العكسية في الفترة الحالية، ولكن بدون شك، إنها سبب رئيسي للتدهور الأمني، الذي بدوره ينعكس على مجالات أخرى، كالصراع السياسي والفشل الاقتصادي المتمثل بغلاء المعيشة وانعدام الخدمات. بالنسبة للمستوطنين، فإن الأمن أصبح غطاء لإيديولوجية أعمق للاستيطان ونزع الملكية. إنه وعد عنيف لا تستطيع السلطات الوفاء به، حتى مع اقتناع الغالبية العظمى من الإسرائيليين بفرضيته. إنه في جوهره كذبة كبيرة.
كل هذه التداعيات تطرح نقاشاً كبيراً حول الى أي مدى يمكن أن يستمر هذا الكيان، خصوصا مع انعدام ثقة مستوطنيه به. يُمكن القول إن نسبة غير قليلة من يهود الاحتلال قد فقدوا الشعور بانتمائهم الى الكيان الغاصب، ما دفعهم الى توجيه الدفة نحو دول أخرى علّهم يعثرون من جديد على هوية بلد حقيقي يشعرهم بالانتماء إليه. فتغيرات كثيرة دفعت الاسرائيليين من الشبان الى فقدان الشعور بهويتهم المزيفة، الأمر الذي ظهر جليّا في الاستطلاع (2017) الذي أجراه معهد "ميدغام" للاستطلاعات، كاشفا بأن 27% من السكان اليهود في الكيان الإسرائيلي، يرغبون بالهجرة من البلاد لو تمكنوا من ذلك. وقد أظهر هذا الاستطلاع حجم التخبطات التي يعيشها الكيان الاسرائيلي في الداخل، فبحسب ما ذكره أن 36% من اليهود العلمانيين في الكيان يرغبون في الهجرة منه، كما أن 7% من اليهود المتدينين يرغبون بالهجرة أيضا. ما يدل على أن الكثير من مواطني إسرائيل أصبحوا لا يشعرون بالانتماء للدولة. وقد انعكست كل هذه الصراعات على طبيعة المجتمع الإسرائيلي بصورة عامة، وعلى تركيبته بصورة خاصة. فيعاني المستوطنون الإسرائيليون صراعاً طبقياً بين الأشكناز اليهود الغربيين، والسفارديم، يهود الشرق، ناهيك بحالة التمييز العنصري والاضطهاد لليهود الإثيوبيين من جهة أخرى. وهذا ما أكده رئيس جهاز "الشاباك" الإسرائيلي الأسبق، يوفال ديسكين، الذي قال إن "التفكك الداخلي الإسرائيلي يتزايد، وإسرائيل لن تبقى حتى الجيل المقبل، نتيجة أسباب ومؤثرات داخلية. والانقسام بين الإسرائيليين يزداد عمقاً، كما أن انعدام الثقة بأنظمة الحكم آخذ في الازدياد، والفساد ينتشر، والتضامن الاجتماعي ضعيف".
الهجرة العكسية من الكيان
إن الدولة الصهيونية هي دولة هجرة واستيطان/ احتلال استعماريين. فالهجرة اليها كانت أساس مخطط الحركة الصهيونية لتقوية حجة "الدولة اليهودية". وبالتالي، فإن تراجع أعداد للمهاجرين اليهود الى الأراضي المحتلة، أو ارتفاع أعداد المهاجرين عكسيا منها، هو إشكالية وجودية قد واجهها هذا الكيان على مر السنوات. ان ظاهرة الهجرة العكسية نابعة من عدة عوامل. يقول مؤمن مقداد، وهو اعلامي مختص في الشؤون الإسرائيلية، ان خلال القرن الماضي، قد كان العامل الاقتصادي السبب الرئيسي للهجرة. اما خلال العقدين الآخرين، أصبح فقدان الشعور بالأمان هو الدافع الرئيسي لها. بشكل عام، تتصاعد المخاوف من الهجرة العكسية بعد كل عملية عسكرية أو فشل أمني. في سياق سلسلة العمليات الفدائية، والتي لا يبدو أنها ستتوقف قريبا، بات خيار الهجرة العكسية يمثل الخيار الأكثر واقعية لو اعتبر المستوطنون انهم غير آمنين وإن كانوا في بيوتهم. فتصاعد هذه العمليات واستمرارها بهذه الوتيرة، وفي ظل ما تسببه من تخبط سياسي وتعقيد للمشهد الأمني بشكل متزايد، سيجعل المستوطنون يفكرون في أصل وجودهم في هذا الكيان، خصوصا بعدما عجزت الحكومة والأجهزة الأمنية من تنفيذ وعودها بتوفير الحماية لهم، كونهم مكون رئيسي من بنية هذا الكيان الذي أصبح هشا على جميع المقاييس. فحقيقة أن الكيان لا يزال عاجزا عن التعامل بشكل استباقي مع هذه العمليات، وذلك لصعوبة طبيعتها لكونها فردية، قد مس بشكل أساسي بقوة الردع التي لطالما تغنى بها جيش الاحتلال. وبمعزل عن التحولات الإقليمية وتداعيات عملية "سيف القدس" على مستويات الردع الإسرائيلية، تشكل العمليات الفدائية تحد أكبر من المواجهة المباشرة مع فصائل المقاومة، لأنه ببساطة لا يمكن مواجهتها بعمليات عسكرية. عقب موجة العمليات الفردية، بات يدرك الإسرائيليون ان حتى أزقتهم الضيقة ’ المحصنة ‘بالتدابير الأمنية باتت غير آمنة، وأنهم يمكن أن يكونوا فريسة لأي فدائي متسلل في المستقبل. حيث لم يعد هناك بقعة جغرافية آمنة داخل حدود فلسطين المحتلة، لا من صواريخ المقاومة الفلسطينية ولا من فدائييها.
من الواضح أن المجتمع الإسرائيلي يرى عجز حكومته عن التعامل مع التهديدات الأمنية في مختلف المناطق "الإسرائيلية". ويرى ان الفلسطينين أصبح لديهم القدرة على فرض استراتيجيات جديدة للمواجهة بالشكل والتوقيت والمكان الذي يروه الفلسطينيون مناسبا. مع ازدياد قوة الفلسطيني على التأثير في العمق لإسرائيلي، ازداد أيضا مستوى التهديد الوجودي على الاسرائيليين، ما يدفعهم للهجرة بحثا عن الأمن. ففي العام الماضي، كتب المحلل السياسي الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس" جدعون ليفي، أنه من الأفضل على الإسرائيليين ان يهاجروا الى أوروبا ويصبحوا لاجئين على أن "يُؤكلوا أحياءً من قبل العرب". اما الرئيس الأسبق لجهاز الموساد شبتاي شافيت، كان قد أعلن أن يوما ما، قد يجد نفسه يحزم أمتعته ويغادر "إسرائيل". روني دانيئيل، محلل عسكري مقرب من قيادة جيش الاحتلال، أعرب عن قلقه تجاه مستقبل أولاده وبقائهم داخل الكيان. وتأتي هذه المخاوف على ضوء أرقام كانت قد نشرتها "الوكالة اليهودية"، تشير الى ان 720 ألف مستوطن قد غادروا "إسرائيل" في العقدين الأخيرين. لذلك، ومع تصاعد التهديدات الأمنية التي تسببها العمليات الفدائية في الوقت الراهن، هناك خشية حقيقية من ان يشهد الكيان موجة هجرة عكسية تزداد احتمالية حدوثها يوما بعد يوم، نظرا لحجم الفشل الأمني الذي يعاني منه الكيان.
خلاصة
يصح القول في سلسلة العمليات الفدائية، أن العمليات يكملن في الحقيقة بعضهن البعض. وكل عملية تشكل ارتقاء عن العملية التي سبقتها، وهذا ما يظهر ازديادا في تنظيم العمل الفدائي الفلسطيني ليصبح أكثر دقة وبالتالي تعميق الضربات الموجعة على الكيان. فكل عملية تُنفذ تزيد الشرخ في المجتمع الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية وحتى السياسية، خصوصا أن هذه العمليات نفذت بمبادرات فردية وأن منفذيها لم ينطلقوا من خلفية تنظيمية او فصائلية مباشرة، وهو ما يعقد الموضوع الاستخباري والعملاني على قوات الاحتلال ويعيق قوات الأمن من تتبعها وتوقيفها. وفي ظل هذا التعقد الأمني الذي لم يواجه الكيان مثله من قبل، تنعكس تداعيات هذه العمليات بشكل كبير على وجود المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فتدني مستويات الأمن قد سبب صدمة لدى المستوطنين بعد ان اعتادوا على الصورة النمطية التي تظهر الكيان كقوى عسكرية عظمى لا تُمس ولا تُقهر. وقد بدأت هذه الصورة تتغير شيئاً فشيئاً، وذلك بعد تكرار الضربات الأمنية التي تلقاها العدو في عمقه. وقد باتت تفضح هشاشة الكيان وعدم قدرته على فرض سيطرته بالقوة. فقد أصبح يخيم عليه اليأس بعد أن تم نسف هيبته بالكامل، ما قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي نيفتالي بينيت الى الاعتراف عقب عملية "تل أبيب"، بأن العمليات الفردية أصبحت بمثابة "كسر للروح" الإسرائيلية.
بدأت قناعات جديدة تتشكّل لدى كل المستويات الإسرائيلية أمام معادلات ومتغيرات فرضها محور المقاومة، في مختلف جبهاته، وبات واضحا أن حالة الهجرة المعاكسة هي المقدمة لمرحلة زوال "دولة إسرائيل". وما قاله المفكر اليهودي البريطاني، جون روز، وهو صهيوني سابق منشقّ، وصاحب الكتابين المشهورين "أساطير الصهيونية"، و"إسرائيل الدولة الخاطفة.. كلب حراسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط": "هناك تراجع ملحوظ في الهجرة إلى إسرائيل، يوجد الآن إسرائيليون كثر يغادرون إسرائيل، فلقد سئموا من السياسة والفشل في ضمان الحماية لأنفسهم. عاجلاً أو آجلاً، هذا الوضع داخل هذه الدولة سينهار، ولا أرى مستقبلاً لإسرائيل في المدى الطويل. ولذلك، يرجح أن تتصاعد ارقام المهاجرين خارج الكيان إذا استمرت هذه العمليات او أي عمليات نوعية أخرى بضرب المنظومة الأمنية للكيان الصهيوني