• اخر تحديث : 2024-05-02 20:55
news-details
تقارير

بعد عودة المظاهرات الاحتجاجية ..ما السيناريوهات المحتملة في تونس؟


لا يخفى على أحد أن تونس في الفترة الاخيرة تعيش حالة من التوتر السياسي والخلاف الحاد، وهذا ما عبر عنه المراقبون للشأن التونسي بشكل دقيق والمهتمون به، حيث إنه في شباط/فبراير، حلّ الرئيس التونسي قيس سعيّد المجلس الأعلى للقضاء والذي حلت مكانه هيئة مؤقتة اختار أعضاءها، هذه الخطوة التي أقدم عليها الرئيس التونسي وصفها منتقدوه بأنها خطوة استبدادية جديدة وطرحت تساؤلات عديدة وأثارت مخاوف بشأن استقلال القضاء في تونس.

منذ ذلك الوقت والأحداث السياسية ليست مستقرة فمع تعزيز الرئيس التونسي صلاحياته التنفيذية والتشريعية بتجميده عمل البرلمان وإقالة حكومة هشام مشيشي قبل أن يقرر حل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بآخر موقت. جاءت هذه التطورات في خضم "خريطة طريق" قدمها رئيس تونس للخروج من مرحلة "الاستثناء" وتتضمن إجراء استفتاء وانتخابات تشريعية جديدة.

ردود افعال الشارع التونسي بعد قرارات الرئيس التونسي

لقيت الخطوة التي قام بها الرئيس التونسي ردة فعل من قبل الشارع التونسيي، حيث دعا آنذاك متظاهرون في العاصمة التونسية إلى إعادة العمل بدستور البلاد وتفعيل المؤسسات الدستورية وعلى رأسها البرلمان الذي تم تعليقه بعد التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو-تموز الماضي.

الدعوات التي أطلقها نشطاء وجدت استجابة من قبل المتظاهرين حيث خرج أبناء الشعب التونسي في مظاهرات، وخلال المظاهرات رفع المحتجون شعارات تطالب بالحفاظ على مكتسبات الثورة التونسية ولاسيما الحريات التي قالوا إنها باتت مهددة في ظل الملاحقات الأمنية والقضائية العسكرية لعدد من معارضي الرئيس التونسي.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن النشطاء التونسيين اعتبروا ما قام به رئيس تونس انقلاباً على المؤسسات الشرعية وعلى دستور البلاد، اضافة الى ذلك حذر اتحاد الشغل التونسي من حدوث انفجارات اجتماعية في البلاد آنذاك فالمسيرات الاحتجاجية التي انطلقت من أمام مجلس النواب وسط العاصمة التونسية كانت مطالبة بالعودة للمسار الديمقراطي.

عودة المظاهرات الاحتجاجية من جديد في تونس

عادت المظاهرات الاحتجاجية من جديد الى الشارع التونسي، حيث تجمع هذا الاسبوع في وسط العاصمة التونسية آلاف التونسيين للاحتجاج ضد إجراءات قيس سعيد رئيس الجمهورية، والتي اعتبروها “تمهيدا لحكم الرجل الواحد”، بعد قرار حل البرلمان، وانضم أعضاء من مجلس النواب إلى الاحتجاجات، وسط حضور كثيف لشرطة مكافحة الشغب، في مظاهرات هتفت ضد “الانقلاب”، وطالبت بتصحيح مسار الديمقراطية، وتلقى راشد الغنوشي وعدد من النواب استدعاءات لاستجوابهم، بعد عقد جلسة عبر الانترنيت، تداولت وصادقت على إلغاء كل قرارات الرئيس منذ يوليوز 2021.

ومن الجدير بالذكر أن تونس تشهد توترا سياسياً كبيراً، على خلفية القرارات المتتالية لقيس سعيد، والتي منحته عددا من الصلاحيات المكفولة للمؤسسات المنتخبة، وعطل عمل البرلمان والحكومة، كما حاول تحريض القضاء لمحاكمة معارضيه، وشن حملة اعتقالات واسعة.

وزار وفد من البرلمان الأوروبي تونس، يوم الإثنين الماضي، للمطالبة بعودة الديمقراطية التي جاءت بها ثورة 2011، وسط استمرار قيس في رفض الاتهامات الموجهة له، واستعداده لإعادة كتابة الدستور وطرحه للاستفتاء، وإجراء انتخابات برلمانية في نهاية العام الجاري.

ما الذي ستشهده تونس في الفترة المقبلة

في ظل عودة المظاهرات الاحتجاجية إلى الشارع التونسي كيف ستتطور الأحداث فى تونس فى الفترة المقبلة؟، وأي سيناريو ستشهده الساحة التونسية؟  هل ستتمكن المظاهرات الواسعة التي نظمها الشارع التونسي من إحداث تغير؟ في الواقع إن حالة الغموض والترقب التي تسود في الشارع التونسي في أعقاب المظاهرات التي شهدتها تونس خلال هذا الاسبوع تنبأ بحدوث خطوات قادمة، فحسب مراقبين فإن الحراك الشعبي والدبلوماسي سيكون له نتائج يمكن أن تؤثر على قرارات الرئيس التونسي.

من جهة اخرى يتوقع مراقبون أن يقوم الرئيس التونسي بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة تطول بعض السياسيين (نواب البرلمان) والإداريين ورجال الأعمال وإعلاميين، وفرض الإقامة الجبرية على أبرز الوجوه التي يرى فيها تهديداً لمشروعه، وفرض حظر تجول في كامل تراب الجمهورية، وفرض طوق على الإعلام، بتعيينات جديدة على رأس المؤسسات العمومية، ومحاصرة الإعلام الأجنبي، والذي كان قد بدأ فعلياً بإغلاق مكتب "الجزيرة"، ومنع الصحفيين من دخول المقر وقطع البثّ عن فريق "تلفزيون العربي" من أمام البرلمان.

الموقف الإقليمي والدولي تجاه ما يحدث في تونس

لا يزال الموقـف الدولي ربما في حالة ترقب لما ستؤول إليه الأوضاع قبل اتخاذ موقـف علني واضح، ويحرص الموقف الدولي على الدعوة إلى ضبط النفس والامتناع عن العنف، والعودة إلى العمل الدستوري، ويبدو أن الموقف الدولي يحرص في الظاهر على مسك العصا من الوسـط والظهـور بشـكل ضبابي.

ولكن ماذا بعد عودة المظاهرات من جديد للشارع التونسي هل يدرك المجتمع الدولي وتزايد المخاطر التي تهدد تونس، فتعرض عدد من النشطاء والحقوقيين المعارضين لسعيد إلى حملات ممنهجة واستهدفتهم بالتشويه والشيطنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارهم مسجلين بـ "القائمة السوداء" لقيس سعيد، وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب رغم أنه منخرط في حملات الدفاع عن حقوق الإنسان يشكل خطراً احمر يهدد الحريات في تونس.

يقول النشطاء السياسيون في تونس أنهم لا يعولون على المجتمع الدولي وحسب تصريحاتهم فإن الحكومات الغربية قد لا تجازف بمصالحها وعلاقاتها من أجل عيون المعارضة التونسية، على الرغم من أن ضغوطها الدبلوماسية لا يستهان بها، وخصوصاً في ظلّ الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها تونس. لهذا السبب فقد دعا سابقاً القيادي المستقيل من "النهضة"، عبد اللطيف المكي، أطراف المعارضة إلى "ضرورة إيجاد حلول داخلية"، ونهى عن "انتظار الحلول من الخارج"، وهذه مسألة على غاية من الأهمية ستواجهها الأحزاب المخاصمة للرئيس التونسي الذي يحاول الآن حشرها، في زاوية، وخصوصاً حركة "النهضة"، باتهامها بكونها "عدوة لوطنها وشعبها". لكن العامل الخارجي سيبقى محدداً للصراع الداخلي، وخصوصاً أن الأوراق التي في يد سعيّد تكاد تنفد، وسيقول الاقتصاد قوله. فهل ستقف بعض دول الخليج إلى جانب سعيّد كما سبق لها أن فعلت؟ ويبقى التساؤل هل سيضطر الفرقاء لإيجاد صيغة للتفاهم، أم إن المجتمع الدولي، وعلى راسهم فرنسا وأدواتها صندوق النقد الدولي والشركات الأجنبية والعائلات المالية المحلية، ستعمل على ترميم المشهد والواجهة إذا كانت لا تزال قابلة للترميم، كما حدث أكثر من مرة.

في الختام، لا يتوقع كثير من المحللين السياسيين نهاية وشيكة للأزمة التونسية، لأن لهذه الأزمة تراكمات كثيرة ومعقدة أفرزت حالة من التشنج بين الشركاء السياسيين في تونس. فكل يحمل الآخر مسؤولية الوضع الاجتماعي المتردي في تونس، فالخيارات في تونس في هذه المرحلة قليلة فإما أن يحدث الشارع التونسي من خلال المظاهرات تغيراً نوعياً واما أن يستمر الرئيس التونسي في عناده ومواجه الشعب؟

في الحقيقة يبدو أن الرئيس قيس سعيد ليس بمقدوره الاستمرار في خوض هذه المغامرة حسـب ما يطمح إليه، وذلـك لعـدم وضـوح ملامحها المسـتقبلية حتـى للمؤيديـن لها ولهذا رفضت أكثر القـوى السياسية التونسية هـذه الخطـوة، ولـم تستطع المؤسسة العسكرية إعـلان موقفهــا بوضوح تجاه ما يحدث، كما جاءت الدعوات الإقليمية والدولية باتجـاه التوصل إلى صيغة توافقية، وربما لن يسـمح المجتمع الدولي بتعقيد الأزمة أكثر، في حال لم تتضح ملامحها المسـتقبلية، ولهـذا فـإنه مـن المرجح أن يتم تنظيم حوار داخلي للخروج بصيغة توافقية، بغض النظر عن طبيعتها وصلاحيتها.