تشكو بعض الشخصيات اللبنانية التي شاركت مؤخراً في حفلات السفير السعودي وليد البخاري، الذي عاد إلى بيروت قبل أيام، من موقف الرياض الغامض من الانتخابات النيابية اللبنانية. وأعرب البعض عن إحباطهم من سلوك السفير السعودي في بيروت، قائلين إن عودة الدبلوماسي السعودي لم تضمن بعد الدعم السعودي لحلفائها في لبنان.
لكن مصادر لبنانية مطلعة تؤكد أن تأخر وليد البخاري في إعلان موقف السعودية الواضح من الانتخابات اللبنانية لا يعني أن الرياض تتغافل عن الانتخابات النيابية اللبنانية. وبدلاً من ذلك، غيرت المملكة العربية السعودية استراتيجيتها السياسية والمالية للتدخل في هذه الانتخابات.
وأوضحت المصادر أن للرياض حاليًا حليفًا رئيسيًا في لبنان اسمه "سمير جعجع" زعيم حزب القوات اللبنانية. أما المكون السني، فيبدو أن السعودية لا تعتبر أياً من قادتها مقبولاً في لبنان، وأن تعاون الرياض مع قادة السنة اللبنانيين في الانتخابات النيابية اللبنانية هو لمجرد انسجامه مع توجه عام ضد حزب الله وفريق الرئاسة اللبنانية. على وجه الخصوص، يبدو أن السعودية توصلت إلى استنتاج مفاده أنه لم يعد بإمكانها اعتبار الانتخابات اللبنانية نقطة محورية في تغيير الوضع الراهن. وقالت المصادر إن بعض المقربين من رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة، الذي شن حملة ضد حزب الله وحلفائه في الانتخابات اللبنانية، قالوا إن الدعم السعودي للسنيورة اقتصر على الدعم اللفظي. لكن الأموال التي ينفقها السنيورة وفريقه على الحملة الانتخابية تثير تساؤلات حول مصادر تلك الأموال؛ خاصة وأن السعودية وعدت مؤخرا بمساعدة فؤاد السنيورة في الانتخابات اللبنانية.
تظهر الأدلة أن المملكة العربية السعودية لديها خطة محددة لإنفاق مبالغ كبيرة على الحملات الانتخابية ضد حزب الله، لكنها لا توزع الأموال بشكل مباشر؛ إذ يبدو أن الأموال السعودية التي ستنفق على الحملات الانتخابية ضد المقاومة وحلفائها ستذهب إلى بعض المنظمات غير الحكومية. وتعززت هذه الفرضية عندما صرح السفير السعودي في لقاء أخير مع الرئيس اللبناني ميشال عون أن بلاده ملتزمة بمساعدة الشعب اللبناني من خلال الصندوق الفرنسي السعودي الذي اتفق على تأسيسه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وإيمانويل ماكرون رئيس فرنسا؛ وبالطبع الأموال التي ستُعطى لهذا الصندوق لن يتم تحويلها عن طريق المؤسسات الحكومية.
وعليه، يمكن تقدير أن مساعدة السفير السعودي للشعب اللبناني تعني نفس الأموال التي تنفق على الحملات الانتخابية في البلاد من أجل تنفيذ رغبات الرياض. حتى الآن، لا توجد معلومات كافية عن الأحزاب والجمعيات والجماعات التي تتلقى هذه الأموال السعودية، لكن من المؤكد أن الحلفاء المقربين للسعودية، بما في ذلك حزب القوات اللبنانية، سيحصلون على التمويل الأكبر من الرياض.
وبحسب المعلومات، يتم إنفاق جزء كبير من هذه الأموال في مناطق لبنانية يبدو أنها تعطي أكبر عدد من الأصوات لحزب الله وحلفائه، من أجل التأثير على آراء أهالي هذه المناطق. من جهة أخرى، أكد سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق ورئيس تيار المستقبل، خلال لقاءاته الافتراضية مع مسؤولي هذا التيار، أنه لا علاقة له بالتحركات السعودية في لبنان، وأي شخص يقوم بأنشطة انتخابية من تيار المستقبل سوف يُطرد منه.
وتشير المعلومات إلى أن وليد البخاري سيعقد اجتماعات في الأيام المقبلة للم شمل حلفاء السعودية الذين مزقهم الصراع الداخلي في لبنان، وإعادة حشدهم ضد فريق الرئيس وحزب الله. وتحقيقا لهذه الغاية، فتح مسؤولون سعوديون حسابا كبيرا للأموال التي جلبها السفير السعودي في بيروت. لكن وفقًا لمعلومات موثوقة، فإن السعودية بدأت برنامجها للانتخابات اللبنانية بمبلغ 10 ملايين دولار قبل عودة البخاري إلى بيروت. حيث تدخل هذه الأموال إلى لبنان في شكل مساعدات إنسانية من خلال جمعيات ومنظمات غير حكومية وتنفق على حملات مناهضة للمقاومة.