يبدو أن مرشحة اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية مارين لوبان، بدأت تغير من برنامجها الانتخابي تجاه أصوات المسلمين، عبر تراجع لهجتها الحادة تجاه ارتداء الحجاب، الذي كانت ترفضه بشكل تام. حیث لم يعد حظر الحجاب في الأماكن العامة الذي تطالب به مرشحة اليمين المتطرف "مارين لوبن" على رأس أولوياتها في الوقوف ضد التشدد الإسلامي، وفق ما كشف معاونون لها قبل أسبوع من الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية. وأمس السبت أقرت "لوبان"، التي ستتواجه مع الرئيس المنتهية ولايته "إيمانويل ماكرون"، في الجولة الثانية المنتظرة يوم الأحد المقبل، بأن الحجاب مشكلة معقدة، مؤكدة أنها ليست محدودة التفكير وأن مشروع الحظر المثير للجدل هذا سيطرح للنقاش في الجمعية الوطنية.
ودعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي "مارين لوبان" إلى حظر الأزياء الإسلاموية في الفضاء العام الجمعة وذلك من خلال كشفها عن مقترح قانون حول منع الإيديولوجيات الإسلاموية. ويأتي ذلك في وقت تنظر فيه الجمعية العامة الفرنسية في مشروع قانون حول "الانعزالية" يستهدف خاصة الإسلام المتشدد. وقبل 15 شهرا من الانتخابات الرئاسية التي تبرز فيها كأبرز منافس للرئيس إيمانويل ماكرون، كشفت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي "مارين لوبان" الجمعة الماضي مقترح قانون حول منع الإيديولوجيات الإسلاموية. ويهدف حزب "التجمع الوطني" الذي تتزعمه "لوبان" إلى حظر "الأزياء الإسلاموية" في الفضاء العام، وأبرزها حجاب الرأس. ويمنع حاليا في فرنسا ارتداء الحجاب، وكل الرموز الدينية الظاهرة، في المدارس كما يجب على موظفي الدولة التزام مبدأ الحياد إزاء الأديان.
وردا على سؤال حول هذا التبدل في الموقف أوضح "سيباستيان شونو" الناطق باسم "لوبن"، يوم الأحد الماضي، أن "حظر الحجاب في الأماكن العامة يأتي في سياق الجهود الرامية إلى التصدي للتعصب الإسلامي، بعد احتواء النزعة السلفية والتمويلات الموجهة إليها".
أضاف إنه "في حال انتخاب لوبن لتولي الرئاسة، الأحد المقبل، ستكلف البرلمان بتحديد تفاصيل هذه المسألة"، مشيرا إلى أن "البرلمان سيتولى هذه القضية ويقدم الحلول كي لا تتأثر، مثلا، سيدة في السبعين من العمر تضع الحجاب منذ سنوات بهذا التدبير؛ فهي ليست الجهة المستهدفة. ونحن نستهدف المتشددين الإسلاميين".
بدوره، أوضح "جوردان بارديلا"، نائب رئيسة “التجمع الوطني” الذي تتزعمه "لوبان"، أن "الحجاب سيحظر في المباني والإدارات العامة كافة، وسنتيح أيضا بطبيعة الحال لمديري الشركات حظر المظاهر السياسية الدينية".
وشدد "بارديلا" على أن حظر الحجاب هو "الهدف على المدى الطويل"، مع التمييز بين "حجاب الفرنسيات المتأتيات من موجات الهجرة في الستينيات والسبعينيات… والحجاب الذي بات اليوم ورقة ضغط بين أيدي المتشددين الإسلاميين وانتقاصا للمساواة بين الرجل والمرأة".
ومن جانبه، أوضح "لوي أليو" رئيس بلدية بربينيان في جنوب فرنسا، الذي ينتمي بدوره إلى التجمع الوطني، أن "جوهر القانون يقتضي حماية اللواتي يخضعن لضغوطات عائلية أو اجتماعية أو طائفية". وعادت مسألة حظر الحجاب إلى الواجهة خلال الحملة الانتخابية، والمتنافسان في السباق الرئاسي هما على طرفي نقيض من هذه القضية؛ ففي حين تدعو "لوبان" إلى حظر الحجاب في الأماكن العامة، يتمسك ماكرون بضرورة الدفاع عن الحريات الدينية.
ويقول محللون إن أحد أسباب تقدم لوبان هو نجاحها في رسم صورة أكثر اعتدالا لها، وتقديم نفسها على أنها المرشحة الأكثر قدرة على التعامل مع مشاكل من بينها ارتفاع الأسعار. لكن المرشحة اليمينية المعادية للهجرة تتمسك بتشددها حيال الحجاب، وتقول إنه في حال انتخابها فإنها ستفرض غرامة على النساء اللواتي يرتدينه في الأماكن العامة.
وفي غضون ذلك سعى "ماكرون" لاستغلال إصرار لوبن على هذه الفكرة للقول بأن سياساتها لا تختلف عن سياسات الجبهة الوطنية المتشددة التي أسسها والدها جان "ماري لوبان". ولقد استخدم البعض في فرنسا قضية الحجاب كذريعة للتعبير عن مشاعر معادية للمهاجرين والمسلمين.
ويظهر أن بعض هذه الحجج تستند إلى الافتراض بأن جميع المسلمين يريدون اضطهاد النساء، أو إن النساء والفتيات اللاتي يخترن ارتداء الحجاب لا يفهمن حقوق المرأة. لقد تناول الحوار العام في هذا الموضوع قضايا اجتماعية أخرى مهمة، مثل: الأصولية الدينية والاستخدامات السياسية للرموز الدينية؛ واضطهاد البنات والنساء؛ ومستويات الهجرة؛ والتمييز ونقص الفرص الاقتصادية لمجتمعات المهاجرين؛ والتعددية والتكامل الوطني.
الحجاب جدل لا ينتهي في فرنسا. وقد برز جلياً منذ مرحلة احتلال الأخيرة للجزائر، وما تلاها. والتصريحات الفرنسية الرسمية ضد المسلمين وثقافاتهم تمثل جزءاً من خطابات المرشحين للانتخابات الرئاسية. وهو حديث يتداوله السياسيون مع كل ما يحمل من خلفيات ودلالات إقصائية. وتحتضن فرنسا أكبر جالية إسلامية في أوروبا. ومع ذلك تعتقد بوجود جهود من طرف خفي يسعى لتغيير النظم الاجتماعية الغربية عبر فرض الآراء الدينية الإسلامية على فرنسا وأوروبا. وتعتقد فرنسا بوجود قوى ظلامية وناشطين سياسيين دينيين وتيارات سياسية متطرفة، تهدف إلى تدمير الديمقراطية الغربية وأسلوب حياتها المبني على الحرية والمساواة.
الجدير بالذكر أنه خلال السنوات الماضية، شنت "مارين لوبان" هجوماً كبيراً على الجالية الإسلامية في فرنسا دفاعاً عن علمانية الدولة. وهي تحاول تحقيق حلم أسرة "لوبان" برئاسة فرنسا منذ عقود. الأسرة التي توارثت العنصرية جيلاً بعد جيل، وفق تقارير فرنسية. ويملك "آل لوبان" حزباً ذا خط أيديولوجي يتخذ من كراهية الأجانب الملونين، من مسلمين وغيرهم، رأس ماله الثابت، بدءاً بالجد الكبير جون ماري لوبان المعروف بآرائه العنصرية والفاشية، وصولاً إلى "لوبان". وتنوي "لوبان" جعل الحجاب عقوبة تعاقب صاحبته بغرامة مالية مثلها مثل مخالفة تجاوز إشارة مرور، بينما يخاف "ماكرون" من ارتداء الحجاب في الصروح التعليمية الفرنسية، خوفاً على تربية الأبناء.