في الوقت الذي بدا فيه أن إطلاق عملية عسكرية روسية خاصة ضد أوكرانيا يمهد الطريق لذوبان الجليد في علاقات تركيا مع حلف شمال الأطلسي والغرب، فإن مطالبة تركيا الجديدة بإعادة شراء نظام الدفاع الصاروخي من موسكو قد بدد كل التوقعات. في الآونة الأخيرة، وفي محادثة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طلب أنقرة شراء وجبة ثانية من أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية S-400. قبل أيام، أعلن إسماعيل دمير، رئيس هيئة الصناعات الدفاعية، أن تركيا تخطط لشراء سلسلة ثانية من نظام الدفاع الصاروخي هذا، كان اعتماد مثل هذا النهج بمثابة ضربة لكل الآمال في تقارب تركيا مع الغرب، وأظهر أن أنقرة، على الرغم من كل تعاونها الأخير مع الجبهة المعادية لروسيا في الأزمة الأوكرانية، ستواصل استراتيجيتها الخاصة. مع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو لماذا طلب أردوغان، في هذه المرحلة، على الرغم من كل الحساسيات القائمة، السلسلة الثانية من نظام الدفاع الصاروخي S-400؟
الأزمة في أوكرانيا ودروسها لأنقرة
أصبحت الأزمة في أوكرانيا وأنواع التفاعلات التي خاضتها الدول الغربية معها مرآة كاملة للمسؤولين الأتراك لتحليل الوضع المستقبلي لتحالفهم مع الغرب. لقد رأت حكومة أنقرة بوضوح كيف أدار الأمريكيون والأوروبيون ظهورهم لأوكرانيا في مواجهة العملية العسكرية الروسية الخاصة. ولاحظت تركيا أيضًا عدم فعالية أنظمة الدفاع الصاروخي الأوكرانية ضد الهجمات الروسية، معتقدة أنه في حال وجود تهديد أمني ضد البلاد، فإن الغربيين سيردون بشكل سلبي أكثر بكثير مما سيكونون عليه في دعم أوكرانيا. من وجهة نظر أردوغان، فإنهم سيعاملون تركيا المسلمة بشكل أكثر كارثية إذا عامل الغربيون أوكرانيا المسيحية بهذه الطريقة. في مثل هذه الحالة، يبدو أن أردوغان، المحبط من الغرب والدرس الاوكراني، يسعى إلى تعزيز قدرته الدفاعية الصاروخية من خلال شراء السلسلة الثانية من نظام الدفاع الصاروخي S400. حتى بعد الأزمة الأوكرانية، أصبحت مسألة تحديث الأسطول الجوي التركي قضية أخرى احبطت أنقرة من الغرب، وزادت مخاوفها بشأن الحفاظ على توازن القوى مع جيرانها. في السنوات الأخيرة، أعرب الأمريكيون والأوروبيون عن قلق تركيا بشأن الإخلال بتوازن القوى من خلال بيع أساطيل طائرات F-16 المكونة من 70 و80 مجموعة وطائرات رافال المقاتلة وصواريخ ميتيور إلى اليونان. لهذا السبب طلب المسؤولون السياسيون في أنقرة من واشنطن 40 طائرة مقاتلة من طراز F-16 ومجموعة 70 و80 Block، والتي قوبلت برد سلبي من الولايات المتحدة، ما أدى إلى جهود تركية لإيجاد بديل، بما في ذلك شراء سوخوي 57 من روسيا. بشكل عام، تنامت حالة انعدام الثقة بين تركيا والغرب، لذلك تسعى تركيا إلى تحديث قدراتها العسكرية بشكل مستقل.
خشية أردوغان من انتقام موسكو ومحاولات لاسترضاء بوتين
في الاتجاه المعاكس لتفاعلات أنقرة مع الناتو والغرب، هناك سبب آخر لدخول أردوغان في عملية شراء السلسلة الثانية من نظام الدفاع الصاروخي S-400 من روسيا، يتعلق بالتطورات الأخيرة في العلاقات بين روسيا وتركيا. في الأيام الأولى للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، دعا قادة الدول الغربية والزعماء السياسيون في كييف الحكومة التركية إلى الحد من وصول البحرية الروسية إلى البحر الأسود، الأمر الذي لقي ردًا إيجابيًا من أنقرة بعد أيام قليلة، حيث "أعلنت الحكومة التركية أنها منعت السفن الحربية الروسية من الوصول إلى البحر الأسود عبر مضيق البوسفور والدردنيل". على الرغم من أن القرار قوبل بالتشكيك، حيث وصفه العديد من المراقبين بأنه انتهاك لاتفاقية مونترو، التي تحكم مضيق البوسفور والدردنيل، إلا أن هذه الخطوة أثارت غضبًا واسعاً من فلاديمير بوتين تجاه أردوغان. على الرغم من أن أردوغان استمر في محاولة تحقيق توازن تجاه روسيا وأوكرانيا في سياق الحرب من خلال اجتماع ثلاثي في اسطنبول، فإن جميع الأدلة تشير إلى أن المبادرة لم تكن كافية لكبح غضب موسكو.
في الواقع، أدت تصرفات تركيا المناهضة لروسيا في خضم الأزمة الأوكرانية إلى زيادة كبيرة في احتمالية أن تشن موسكو هجومًا انتقاميًا على أنقرة في المستقبل القريب، بعد تخفيف الضغط على حدودها الشرقية. بناءً على ذلك، يبدو أن أردوغان، بإدراك نسبي لهذه القضية، سار بسرعة إلى طريق الحوار والاسترضاء لموسكو وبوتين. أجرى مؤخرًا مكالمتين هاتفيتين مع نظيره الروسي. أولاً، في 26 أبريل، حيث تحدث عن رغبته الجادة في حل الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، وثانيًا، في 29 أبريل، عندما تمت مناقشة شراء وجبة S400 الثانية، وعبر أردوغان أيضاً عن استعداد تركيا لأخذ زمام المبادرة لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتوسط من أجل السلام بين البلدين.
بشكل عام، يمكن القول إن أردوغان وقادة آخرين من حزب العدالة والتنمية قلقون للغاية من أنه مع انحسار الأزمة الأوكرانية، ستسعى موسكو للانتقام منهم في الأزمة في سورية وغيرها من القضايا الإقليمية.