• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
تقدير موقف

المقاومة والاحتلال على مسار صدامي


مع قرار حكومة الاحتلال بالسماح لأعدادٍ كبيرة من قطعان غلاة المستوطنين باقتحام باحات المسجد الأقصى صباح اليوم، فإن احتمالات اشتعال حرب واسعة أصبحت كبيرة، وكبيرة جدًا؛ فبعد أن التزمت فصائل المقاومة في قطاع غزة بالدفاع عن المسجد الأقصى ومنع تدنيسه واقتحامه من قِبل المستوطنين وقوات الأمن (هذه الصورة لن تتكرر) من جهة، والتزام حكومة بينت الضعيفة والمترنحة باستعراض سيادتها على القدس والأقصى من جهة أخرى؛ فقد سارت كل من المقاومة و حكومة الاحتلال على مسار تصادمي من الصعب تجنبه، وهو صدام اضطراري لم يكن أي من الطرفين يرغب بهِ أو يسعى إليه قبل أسابيع، فالعكس كان هو الصحيح، وقد سعى الطرفان عبر الوساطات المختلفة لاحتواء احتمالات التدهور والصدام، وكان يُمكن لهذا الأمر (الاحتواء) أن يستمر وأن نتجنب الصدام لو ان حكومة الاحتلال لم تسمح بعودة الاقتحامات الاستفزازية للأقصى.

لكن المشهد السياسي الإسرائيلي تغير كثيرًا في الأسابيع الأخيرة، بعد فقدان الائتلاف الحكومي لأغلبيته البرلمانية، وشعور مكونات الائتلاف الحزبية بأن الانتخابات وانفراط عقد الائتلاف بات مسألة وقت، ممّا دفع أولًا حزب القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس لتجميد عضويته، وتزايد الحديث عن احتمالات خروجه في ظل أيّ تصعيد أمني كبير على خلفية اقتحامات الأقصى، هذا فضلًا عن أن حكومة بينت - لبيد الاستيطانية المتطرفة لم تدخل من قبل أي اختبار أمني كبير، ويُعتبر اختبار اليوم هو التحدي الكبير الأول الذي تواجهه، في ظل استثناء العمليات الفردية قبل رمضان.

إذا ما حدث الصدام فعلًا اليوم، فإنها ستكون حربًا سياسية اضطرارية بامتياز، حرب على خلفية الصراعات السياسية الإسرائيلية الداخلية، ووظيفتها الأولى ستكون تعزيز فرص الأحزاب اليمينة المكونة للائتلاف في الانتخابات القادمة، وهذا ما سيجعلها دموية وعنيفة أكثر من سابقاتها، فهي الحرب الأولى - منذ ثلاثة عشر عامًا - التي لا يقودها نتنياهو.

بينت ولبيد وساعر وليبرمان، كثيرًا ما انتقدوا إدارة نتنياهو للحرب، واتهموه بالضعف أمام المقاومة، رغم أن جميعهم كانوا وزراء في حكومات نتنياهو السابقة التي شنت حروبًا على القطاع، وبينت وليبرمان وغانتس كانوا وزراء حرب أثناء تلك الحروب، لكنهم هاجموا أداء حومة نتنياهو في الحرب الأخيرة العام الماضي (سيف القدس) ورفعوا شعار ما كان في عهد نتنياهو لن يكون، وبرغم رفضهم لتحويل شنط الأموال القطرية؛ إلا أنهم وجدوا طريقة التفافية لإيصال الأموال.

في حقيقة الأمر، يُدرك هؤلاء وقادة منظوماتهم الأمنية ألا حل عسكري لما يسمونه التحدي الأمني الذي تمثله فصائل المقاومة في القطاع، لكن رئيس حكومتهم تحديدًا يعرف أن مستقبله السياسي بات على المحك، وأن حزبه - بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة - لا يتجاوز الـ 6 مقاعد في أفضل الأحوال، وإذا ما قاد حربًا فاشلة بالمعايير الإسرائيلية فإن حزبه سيتحطم ولن يتجاوز نسبة الحسم؛ لذلك فإن حربًا قوية وناجحة بالنسبة له هي خياره الوحيد لبقائه في المشهد السياسي وتعزيز فرصه، عبر إرضاء قاعدته اليمينية الصهيونية الدينية، وهذا الأمر ينطبق بدرجة أقل على باقي مكونات الائتلاف، وربما يطمح الائتلاف لأن تخلق الحرب وتطوراتها ديناميكية سياسية داخلية بانضمام حزب "يهودوت هتوراه" إلى الائتلاف أو منح الائتلاف شبكة أمان حتى نهاية الحرب؛ وهذا تطور من شأنه أن يُغيّر صورة الوضع.

اقتحام الاقصى من قِبل المستوطنين هو الصاعق المُفّجر، وكان كذلك في العقود الماضية، وقد أدركت حكومات احتلالية سابقة خطورة الأمر وحساسيته، فمنع رابين الاقتحامات وحافظ على ما يسمى بالوضع القائم، لكن باراك - الذي كانت حكومته تنهار عشية انتخابات عام 2000 - سمح لشارون باقتحام الأقصى، رغم توصيات "الشاباك" المحذرة؛ وهو ما تسبب باشتعال انتفاضة الأقصى، كما ان نتنياهو استخدم كثيرًا توصيات الشرطة والأمن المُحذرة من الاقتحام ومنع بعض الاقتحامات أو قيّدها، لكن عصابات ما تسمي بإعادة بناء الهيكل، التي كانت سابقًا ثانوية جدًا في المشهد السياسي وبلا أيّ وزن، باتت اليوم تتمتع بتأييد كبير وواسع، يُمكنها أن تملي إرادتها، ليس هذا فحسب؛ بل إن فكرة التقاسم الزماني والمكاني كمقدمة لإعادة بناء الهيكل أصبحت تشكل أيديولوجيا واسعة الانتشار، ولها ممثلين في الكنيست ووزراء داخل الحكومة الحالية وفي الحكومات السابقة، وتكتسب تأييدًا متزايدًا على مستوى الفتاوى الدينية في أوساط حاخامات الصهيونية الدينية وفي أوساط حاخامات الأصولية الحريدية الذين كانوا يحرمونه سابقًا، ويعتبرونه تدنيسًا للمكان المقدس قبل ان تكتمل الشروط الدينية للصعود إليه.