• اخر تحديث : 2024-07-03 03:33
news-details
تقارير

لعنة "العقد الثامن" وبوادر أفول شمس "إسرائيل"


حذر رئيس وزراء ووزير جيش العدو السابق ايهود بارك مما حذر منه من قبله نفتالي بينت من أفول شمس كيان العدو قبل بلوغه نهاية العقد الثامن كمقارنة بالحالة اليهودية على أرض فلسطين والتي تكررت مرتين قبل ألف عام في مملكة داود "مملكة إسرائيل الموحدة منذ سنة 1050 قبل الميلاد وحتى سنة 930 قبل الميلاد تقريباً، ودولة الحشمونيين والتي أقيمتا بالضفة الغربية في فلسطين حسب المزاعم التلمودية وبينهما 220 سنة".

معطيات غير دقيقة

باراك الذي نشر مقالا من جزأين في ملحق صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية يومي 4 مايو و8 مايو 2022 سعى إلى تفكيك رهبة العقد الثامن والتي تحدث عنها رئيس حكومة العدو الحالي نفتالي بينت في أكثر من موقف، كان آخرها في احتفالات الكيان في الذكرى الـ 74 لإقامته، والذي قوبل فيها بهجوم أهالي قتلى جنود جيش العدو عليه واتهامه بالفاشل والخائن.

وتناول في مقاليه مجموعة من الدول والتي تعرضت أيضاً للعنة العقد الثامن وانهارت حسب وصفه، إلا أنه تغافل عن مقارنة الظروف الذاتية والموضوعية والجغرافيا والسكان قبل إطلاقه حكم تكرار تجربة الصهاينة واليهود من قبله بانهيار دولتيهم قبل بلوغها العقد الثامن.

معتبراً بأن الحرب الأهلية الأمريكية وانهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية قد جاءت بسبب هذه اللعنة وبسبب ظروفها الداخلية الذاتية، غاضاً طرفه تماماً عن دور اللوبي اليهودي والصهيوني في انهيار هذه الدول، وجرها مع غيرها من الدول في أتون حروب عالمية قتل فيها عشرات الملايين ولا يزال العالم يدفع أثمانها بالدم للآن.

جرح نازف

ولكن باراك وقبله بينت وضعا أيديهما على نقطة الضعف والجرح النازف الحقيقي في خاصرة كيان العدو منذ قيامه قبل أكثر من سبعة عقود، وهو عدم تجانس مكوناته من المستوطنين والذين قدموا من كثير من بقاع العالم ومع اختلافاتها الاجتماعية والعرقية والثقافية، إضافة إلى دوافعهم للهجرة إلى فلسطين وطرد أهلها منها بالدم والنار تحت مزاعم وخرافات تلمودية.

فالجوع والاضطهاد دفع في التسعينيات أكثر من مليون ونصف المليون شخص من دول الاتحاد السوفيتي جزء منهم ليس بالقليل، أصلاً ليسوا يهوداً ولا تنطبق عليهم شروط "قانون العودة" والذي يجيز فقط لليهودي أو من أحد والديه يهودي بالحصول على "الجنسية الإسرائيلية" وحقوق المواطنة في كيان العدو وهذا الذي صرح به كبير حاخامات الكيان إسحاق بن يوسف في شريط فيديو نشره موقع "يديعوت أحرنوت" في يناير 2020.

فقال حينها: "جاء مئات الآلاف أو عشرات الآلاف من الوثنيين (غير اليهود) إلى إسرائيل بموجب قانون العودة، يوجد العديد من غير اليهود هنا، بعضهم شيوعيون، معادون للدين كارهون له، إنهم ليسوا يهوداً على الإطلاق، ثم يصوتون للأحزاب التي تحرض على الأحزاب اليهودية المتزمتة الحريدية وضد الدين".

ومن يراجع موجات الهجرات التي تم تنفيذها بدعم وتشجيع الحركة الصهيونية منذ عام 1881 إلى فلسطين سيكتشف العجب العجاب ليعرف لماذا تلك الشراذم البشرية جاءت إلى فلسطين وتفرض بقوة الدم والنار كيانها وبمعاونة دول غربية وتواطؤ وعمالة من قبل زعامات عربية.

المواجهة الحقيقية

باراك الذي يعتبر أن كيان العدو مر بمراحل من المجد والنمو والسيطرة عبر مجموعة هزائم تعرضت لها جيوش عربية والسيطرة على كل فلسطين التاريخية، إضافة إلى سيناء وهضبة الجولان جاء بسبب تميز هذه العصابات وامتلاكها توليفة بن غريون "بوتقة الأنصار"، ولكن لم يذكر حالة التواطؤ والضعف والعمالة والتي كانت تعيشها الدول التي هزمتها عصابات العدو بدءًا من 1948 وحتى 1967، ولكن كانت 1973 فاصلة في تغيير الظروف، ويعيش الكيان أسوأ كوابيسه في حرب يوم الغفران، ولم يعش لحظات اختبارات حقيقية في مواجهات عسكرية تكشف ضعفه إلا في مواقف قليلة خصوصاً مع أصحاب الأرض الأصليين "الفلسطينيين" في معركة الكرامة وغزو لبنان احتلال جنوب لبنان وهروبه شخصياً على رأس جيشه من لبنان في عام 2000.

وجاءت الانتفاضات الشعبية الفلسطينية التي تظهر ضعفه وهشاشة بنيته الاجتماعية، وروح جنوده القتالية المتردية التي عاشت على أكاذيب دعاية الجيش الذي لا يقهر، ليتم تمريغ انفها في الوحل مرة تلو الأخرى، وما الحروب التي تم شنها من قبل العدو ضد غزة ببعيدة وكان أخرها معركة سيف القدس في مايو 2021.

أساس الكيان خَرِب وفاسد

باراك اعتبر أن لحظة التحول الدراماتيكية في البنية الاجتماعية والسياسية في كيان العدو بدأت قبل 26 سنة لحظة اغتيال رابين، ولكن نسي أنه منذ اللحظة الأولى كانت هذه العصابات في تناحر كامل ودموي، فالمواجهة بين "بن غوريون" من جهة و"بيغن" قائد عصابات "اتسل" والتي كان من ضمنها قصف "سفينة التلينا" المحملة بالأسلحة التي جلبتها عصابة أتسل في 20 حزيران 1948 مرورا بالعنف والجرائم التي ارتبكت مع أطفال اليمن وغيرها من جرائم العنصرية والإقصاء وصولاً إلى مقتل الشاب "سلومون تيكا" من يهود الفلاشا قبل ثلاثة أعوام من قبل شرطي أبيض.

كما أن التغيير بسيطرة اليمين اعتبرها باراك أساسا في تعزيز ونشر الأفكار المتطرفة والتي بدأت قبل ثلاثة عقود من الآن، ولكن باراك نسي بأن الفكر اليساري والعمالي الصهيوني، هو الذي حكم وأقام كيان العدو على مدار 5 عقود، وبدأ وجوده وأفكاره بالتراجع والانزواء منذ انتخابات 1996 بعد مقتل رابين، فالذي زرعه كلٌ من اليسار واليمين في كيان العدو على مدار سبعة عقود ونصف يحصدون نتائجه بشكل واضح وجلي.

هزيمة أمام الوعي

كما أن العلو الذي يزعم باراك وصول الكيان إليه عبر اتفاقيات التطبيع مع مصر والدول العربية في العامين الماضيين وحتى اتفاقية أوسلو وتنصيب وكيل للاحتلال أمني وسياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة في حينه، معتبراً أن التفوق التكنولوجي والعسكري والاقتصادي لكيان العدو هي أهم نقاط قوته في عبور رهبة العقد الثامن، ولكن عند الاختبار الحقيقي أمام المساس بالأقصى وفي معركة وعي واحدة فقط، أجبرت هذه الدول أمام غضب شعوبها إلى الاستنكار والشجب وإطلاق التصريحات وحتى استدعاء السفراء والذي وصفه كثير من المحللين بالصدع الذي نجحت فيه المقاومة وصمود أهل القدس في إنجازه في العلاقات الاستراتيجية بين الكيان والمطبعيين.

باراك الذي اعتبر أن التحريض الذي بدأه اليمين مع توليفة الصهيونية الدينية والتي تم تقديمها ودعمها وتحويلها لذراع تنفيذية استيطانية لحكومات العدو المتعاقبة، هو أحد الصدوع في بنية الكيان الهشة ولكن السحر حسب باراك قد انقلب على الساحر وتحولت الصهيونية الدنية وغلمانها مثل "بن غفير" وبينت إلى اللعنة الحقيقة في سرعة أفول شمس الكيان بسبب اندفاعهم نحول تنفيذ أفكارهم الخلاصية وإقامة هيكلهم المزعوم وهدم الأقصى وذبح قرابينهم عبر وضع أيديهم ورؤوسهم في عش الدبابير عبر تهييج الرأي العام الداخلي والفلسطيني والعربي باتجاه أخطر ملف وهو الأقصى.

التهديد الوجودي

كما أن باراك الغارق حتى أذنيه بالدم الفلسطيني والعرب من مصريين ولبنانين وسوريين وأردنيين وسودانيين وعراقيين وتونسيين وجزائريين وغيرهم يتحدث واعظاً عن أنه لا وجود أي تهديد وجودي حقيقي على كيان العدو لا من الفلسطينيين أنفسهم أصحاب الحق ولا قدراتهم الصاروخية والقتالية التي تتطور وتتراكم في أيدي مقاومتهم يوما بعد يوم ولا من إيران وملفها النووي ولا من المحيط العربي والإسلامي والإقليمي، بل إن التهديد الوجودي الحقيق لكيان العدو هو جبهته الداخلية المتصدعة والمليئة بالتناقضات والتحريض والاستقطاب الجنوني في ظل صراع على الهوية الدينية اليهودية، خصوصاً المتطرفين الخلاصيين من الصهيونية الدينية، وبحسب باراك والذين يهدفون إلى تحويل الصراع بين "إسرائيل" والفلسطينيين إلى حرب دينية بين "إسرائيل" والإسلام، وهذا اتجاه سيئ للغاية "لإسرائيل"، معتبراً بأنه من يظن أن معاهدات التطبيع مع مصر والأردن يمكن أن تكون طوق النجاة للكيان من حرب دينية كهذه فرهانه فاشل.

نمر من ورق

إن انعزالية المجتمع الصهيوني والجيتو المستمر الذي يعشيه اليهود حتى من قبل قيام كيانهم في 1948 مع الدعاية الكبيرة صنعت منهم نمراً من ورق، ولكن منذ انطلاق الثورة الرقمية الحديثة وانكشاف المجتمع الصهيوني الداخلي بكل تناقضاته على منصات التواصل الاجتماعي يؤكد بأن الصدوع الحديثة في بينة الكيان ليست وليدة عقدين ونصف من التحريض والكراهية المتبادلة والتعصب، بل هي في أصل وتركيبة وبنية كيان العدو السكانية والفكرية، ولم تطفُ عنصريتهم الداخلية ومشاكلهم الاجتماعية وتحكم العنصر الأبيض من الصهيونية الغربية والأوربية والأمريكية في مفاصل الكيان والطبقية المفرطة، والتي تدفع بهم إلى توطين المهاجرين من الدول العربية والشرقية والأفريقية في بؤر استيطانية عند خطوط المواجهة، فيما ينعم أصحاب رؤوس المال والهاربين من العقوبات والأحكام ورؤساء العصابات الدولية والمافيات بأفخر المباني والقصور على شواطئ نتانيا وشمال تل أبيب، ومستويات الفقر غير المسبوقة والهروب من التجنيد والصدع الأخطر من يحمل البندقية ويدافع ويموت يدفع بدمه عن حياة متزمت يجلس في المدرسة الدينية ليتعلم التوراة ولا يعمل ومجبرة الحكومات بدفع المستحقات والأموال والمساعدات وإقامة مدينة دينة له مثل إلعاد والتي انفجر قادتها وحاخاماتها الحريدين في وجه قادة الصهيونية الدينية و"بن غفير" بأنهم سبب جلب الموت وإراقة الدم في مستوطنتهم بسبب إصرارهم على اقتحام الأقصى.

ربما لعنة العقد الثامن هي قاب قوسين أو أدنى ليس على مستوى البنية الداخلية للمجتمع الصهيوني الداخلي بل هي أصل في فكره وتركيبته وسبب وجوده، رغم حكم الجيل الثالث من أبناء الصهاينة المهاجرين إلى فلسطين في الوقت الحالي، وهذا الذي ظهر جلياً في التغول والمجازر التي يرتكبونها ضد الفلسطينيين منذ أكثر من سبعة عقود، وأيضاً من قتلهم وسحقهم وسحلهم أي مظاهر احتاج إلى جهة حتى لو كانت تحمل "الهوية الإسرائيلية" ويزعمون أنها تتمتع بالحقوق  والواجبات نفسها، والتمثيل في الكنيست مثل الفلاشا وفلسطينيي 1948 وغيرهم من الطوائف والملل والنحل في كيان العدو.

وحتى لا نركن إلى المسلمات التاريخية والنبوءات الخيالية، فلعنة العقد الثامن تحتاج إلى عامل فاعل مقاوم ونشط في الواقع لتعجيل نهاية هذا الكيان وإزالة وجوده السرطاني من فلسطين التاريخية ومقدساتها.