• اخر تحديث : 2024-12-27 22:39
news-details
تقارير

منظمّة "هشومير هحداش": الميليشيا الاستيطانية الأكبر في إسرائيل ومقاول "الصندوق القومي" في النقب!


في خِضم الأحداث الأخيرة، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية، ورئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية وغلاف غزة سابقاً، رئيس حزب "يمينا"، نفتالي بينيت، عن نية إسرائيل تشكيل "قوة مسلّحة"- باسم "الحرس الوطني الجديد"- تستند إلى "مدنيين متطوعين"، وجزء من البنية التحتية لمنظّمة الحراسة الاستيطانية المعروفة باسم "هشومير هحداش" بالعبرية- منظّمة "الحارس الجديد" بالعربية- حيث ستعمل هذه القوة في كل الأوقات وليس في الأوقات التي تصنّفها إسرائيل بـ "الطوارئ" و"عدم الاستقرار".

وعلى الرغم من أن هذا التصريح جاء في أعقاب الأحداث الأخيرة؛ فإن بينيت نفسه قال إن هذه النية جاءت أساساً في ضوء أحداث هبّة أيار العام الماضي وما شهدته البلدات والمدن الساحلية من مواجهات واشتباكات بين اليهود والفلسطينيين.

تحدّثنا في مساهمة سابقة عن الميليشيات المسلّحة التي اعتدت على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في المدن الساحلية، وتحديداً في مدينتي اللّد والرملة، خلال هبّة أيار بعنوان "عن ميليشيات المستوطنين المسلّحة في مستوطنات الضفة الغربية واللّد والرملة خلال هبّة أيار وما بعدها".* في هذه المساهمة سنحاول تسليط الضوء على الميليشيا العسكرية الأكبر في إسرائيل، والتي ينتظم أعضاؤها تحت مسمّى مُنظّمة "هشومير هحداش"، تأسيسها؛ أهدافها؛ الدور الذي تلعبه، ومكانتها بالنسبة للقانون الإسرائيلي، مع أهمية الإشارة إلى أن بعض الأفكار التي سنوردها أدناه مُستقاة من المواد المُتاحة عن هذه المنظّمة وأعضائها.

تأسست منظّمة "الحارس الجديد" العام 2007 من قِبَل مجموعة من المستوطنين اليهود وفي مقدّمتهم يوئيل زيلبرمان، يُقدّمون أنفسهم على أنهم مجموعة من المتطوعين "الذين يُحبّون الوطن من أجل الحفاظ على أراضي إسرائيل" إلى جانب "مساعدة وتمكين المزارعين وأجهزة إنفاذ القانون"، وللمساهمة في تعميق "ارتباط الإسرائيليين والشباب اليهود بالأرض والهوية اليهودية والروح الصهيونية"، من خلال تنفيذ أنشطة التطوع الزراعي كالحراسة وغيرها، "جنباً إلى جنب مع الأنشطة التعليمية والتثقيفية التي ترتكز إلى قيم العمل الصهيونية، والشجاعة المدنية، وحبّ أرض إسرائيل". وترى المنظّمة في نفسها أنها تيار متطور في "الصهيونية العملية"، تعمل بروحها وبقيمها "المُخلِّصة" لإبقاء منظّمة "هشومير هتسعير" التي نشطت في مطلع القرن الماضي، مع بداية تشكّل المشروع الصهيوني، حيّة وسائدة؛ إذ تعمل المنظّمة على نشر قيم الصهيونية وتعليمها ونقاشها مع عشرات الآلاف من "المتطوعين" الذين انخرطوا في صفوفها، سعياً لتعميق الارتباط بـ"أرض إسرائيل" وحمايتها من "الأعداء من خلال "التواجد" فيها بشكل دائم ومستمرّ، بالحدّ الأدنى.

من خلال تفحُّص الموقع الرسمي للمنظّمة؛ يتضّح أنه وعلى الرغم من أنها لا تمتلك أي سلطات "شُرطية" وفق القانون الإسرائيلي؛ فقد بلغت مساحة الأراضي التي تُسيطر عليها وتُشرف على حراستها و"حمايتها" ومعاونة سلطات الدولة في "استغلالها" قرابة 775.428 دونم، من خلال 1610 حراس، و3920 شخصا منخرطين في البرامج التربوية والتثقيفية التي تُطلقها في هذه المساحات، و400 موظّف دائم، و4 مدارس زراعية، علماً أن المنظومة تُشير إلى أن هناك قرابة 50.000 متطوّع انخرطوا في برامجها وفي الحراسة منذ تشكّلها العام 2007،   وهذا يفتح الباب للتساؤل عن الجهات التي تدعم وتمول هذه المنظّمة وأنشطتها المختلفة.

تُركّز المنظّمة في تعريفها لنفسها على أنها تقوم بعملية "حماية" للأراضي من الجرائم الزراعية- على حدّ تعبيرها- وأنها ليست تابعة، أو لها أي ارتباطات بتيار سياسي مُحدّد، وعلى الرغم من أنها أشارت في تأسيسها إلى أنها "تعمل بروح الصهيونية المبائية في الماضي"، فإن ارتباطها باليمين الإسرائيلي وأحزابه واضح، سواءً من خلال الأشخاص الذين شغلوا عضويتها، أو حتى من خلال التمويل الذي تحصل عليه؛ فقد كان من أبرز الشخصيات التي حضرت المؤتمر التأسيسي للمنظّمة، والذي انعقد في العام 2008 بالتزامن مع ذكرى إحياء يوم الأرض للفلسطينيين (30 آذار)، عضو الكنيست اليميني إيفي ايتام من حزب "الاتحاد القومي" اليميني المتطرّف، والمتطرّف مئير هارتسيون الذي حصل على تكريم من اليمين بسبب أعماله الانتقامية بحقّ الفلسطينيين في خمسينيات القرن الماضي، وكان أحدها قتل خمسة من الفلسطينيين البدو. إلى جانب ذلك، كان نفتالي بينيت نفسه عضواً في هذه المنظّمة حتى العام 2010، في الوقت الذي كان يشغل فيه مدير عام مجلس المستوطنات في الضفة الغربية وغلاف غزة، حتى أن بعض المصادر أشارت إلى أن المشرفين على المنظّمة التقوا به مرات عدّة منذ نهاية شهر نيسان الماضي، وقدّموا له رؤية وتصورا في ما يتعلّق بنيته تشكيل "الحرس الوطني" الإسرائيلي، علماً أن بينيت أشار إلى أنه أوعز للجهات الأمنية المختصّة بتقديم خطّة لتشكيل هذه القوة في غضون شهر (منذ بداية الشهر الحالي). إضافة إلى ذلك، عبّرت أييلت شاكيد، وهي شريكة بينيت في حزب "يمينا" الحاكم، عن "فخرها" بالعلاقة الوطيدة التي تربطها بالمنظّمة وأعضائها في خطاب ألقته في مؤتمر لحزبها حينما كان يحمل اسم "اليمين الجديد" في السابق. تجدر الإشارة إلى أن أعضاء المنظمة يؤكّدون أنهم متأثرون جداً بكتابات المفكرين الصهاينة الأوائل من أمثال إسحاق بن تسفي، وكاتسنلسون، وغوردون، ونورداو وغيرهم التي تناولت قضية الارتباط الروحي بـ"أرض إسرائيل" وأهمية معرفة الوظيفة والدور المطلوب من اليهودي تجاه "أرض إسرائيل".

أما في ما يتعلّق بتمويل المنظّمة، فتُشير المصادر إلى أن المنظّمة تتلقّى دعماً حكومياً سخياً من موازنة وزارة الشؤون الدينية بهدف "تعزيز الهوية اليهودية"، حيث تبلغ ميزانية المنظمة قرابة 82 مليون شيكل سنوياً، وتتلقى دعماً حكومياً سخياً، وتحتلّ المرتبة الأولى في مستوى تمويل الدولة لمثل هذه المنظّمات، وهذا نابع من دعم وتعاطف السياسيين من جميع التيارات في إسرائيل. كما أنها تلقّت في سنواتها الأولى تمويلاً من رجل الأعمال اليهودي الأميركي المعروف أرفينج موسكوفيتش الذي يُخصّص جزءا كبيرا من تمويله لمنظّمات اليمين في إسرائيل، ولتمويل الاستيطان اليهودي في القدس الشرقية. كما تُشير المصادر إلى أن المنظّمة تحصل على دعم من الصندوق المركزي لإسرائيل (Central Fund of Israel) الذي يُقدّم دعماً سخياً يبلغ عشرات ملايين الدولارات بشكل سنوي للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مثل مستوطنات "إيتمار"؛ "بيت إيل"؛ "كريات أربع" و"غوش عتصيون". كما يقوم الصندوق بتمويل أنشطة منظمة "إم ترتسو- إن شئتم" اليمينية ويقدّم دعماً مالياً للاستيطان اليهودي في الخليل، ومن صناديق أخرى معروفة بتمويلها لمنظّمات وجماعات تتبنّى توجّهات المتطرّف كهانا وتدفع باتجاه إقامة "الهيكل الثالث". كما تُقيم المنظّمة العديد من الأنشطة في ذكرى النكبة التي يُحييها الفلسطينيون في كافة أماكن تواجدهم في يوم الخامس عشر من أيار من كل عام، بالقرب من القرى والبلدات المهجّرة، لتأكيد "السيادة اليهودية" على هذه المناطق، وغالباً ما يتم خلال ذلك ارتكاب اعتداءات على الفلسطينيين المتظاهرين في هذا اليوم.

برز دور المنظّمة خلال أحداث هبّة النقب الأخيرة، حيث ظهرت كمقاول لـ "الصندوق القومي اليهودي" في عملية الاستيلاء على أراضي النقب عبر التشجير، وقام أفرادها بهذه المهمّة، بحماية ودعم من الشرطة والأجهزة الأمنية، وقد رفعوا شعار "التخلّي عن فعل صهيوني كغرس الأشجار هو استسلام"، كما اعتبرت بأن "الاختبار الحقيقي لشعب إسرائيل سيكون في النقب" عبر شعارات ومُلصقات تم وضعها على السيارات التابعة للمنظّمة.

علاوةً على ذلك، تُشير المصادر إلى أن أعضاء هذه المنظّمة ينخرطون في مهمّات أخرى داخل المناطق المحتلّة 1967، حيث برز دور أعضائها في حراسة البؤر الاستيطانية المعزولة الممتدّة في أنحاء الضفة الغربية، ويتم إرسال طلاب المدارس الثانوية المنخرطين فيها للمستوطنات والبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، بمن في ذلك المحسوبون على اليسار الإسرائيلي، على الرغم من أنها لا تعمل في هذه المناطق "رسمياً" ولا تعترف بذلك صراحة، وهو ما يؤكّد حقيقة أن هذه المنظّمة تحظى بدعم من قِبَل كافة التيارات السياسية في إسرائيل.

يبقى القول إن هذه المنظّمة التي اعتبرتها الشرطة الإسرائيلية بمثابة "هيئة شبه سرية تعمل كميليشيا"، وعبّرت عن خشيتها من أن تقوم بـ "تنفيذ القانون" بعيداً عنها، عبر ارتكاب "أعمال عنيفة"، أو حتى محاولة "احتكار" العنف، نجدها اليوم تُشكّل بنية تحتية لمخطّطات اليمين الإسرائيلي، كما ورد على لسان بينيت، لإقامة "جيش من المدنيين الإسرائيليين" لحماية الدولة من الفلسطينيين. وعدا عن كون هذا التصريح يُعدّ بمثابة دعم رسمي، ومن أعلى المستويات السياسية في إسرائيل، لقتل الفلسطينيين والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم، إلى جانب كونه إقراراً رسمياً أيضاً بالهوية الحقيقية لمجتمع المستوطنين الإسبارطي، رغم المزاعم الإسرائيلية التي تسعى دائماً لـ "مدنَنْة" مجتمع المستوطنين في الإعلام باعتبارهم "مدنيين" و"أبرياء" يتعرّضون لهجمات من الفلسطينيين؛ فإنه أيضاً يُشير إلى أن "الدولة" التي تحتكر "العُنف" تتحول إلى "وحش" و"ميليشيا"، مع إطلاقها العنان للعصابات والميليشيات والأنوية المُسلّحة لمهاجمة الفلسطينيين بالتعاون والتنسيق الكامل مع أجهزتها المختلفة كالجيش والشرطة، كما كان واضحاً في أحداث هبّة أيار 2021 في المدن الساحلية، وتحديداً في مدينة اللد.