• اخر تحديث : 2024-07-03 03:33
news-details
تقارير

مسيرة الأعلام.. بين حارس الأسوار وعربات النار


تتصاعد حالة التوتر في مدينة القدس بشكل مضطرد منذ ما قبل شهر رمضان، وذلك بالتزامن مع موسم الأعياد اليهودية التي يحييها المستوطنون عادةً باقتحام ساحات المسجد الأقصى وأداء طقوس وصلوات تلمودية استفزازية في البلدة القديمة وقرب أبواب المسجد الأقصى.

 وقد بلغت حالة التصعيد والاشتباك بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين مبلغها أيام عيد الفصح اليهودي الذي تزامن مع شهر رمضان، إذ توعّد قادة الأحزاب الدينية باقتحام الأقصى وذبح القرابين ورفع الأعلام الإسرائيلية، ما حدى بالفلسطينيين للاعتصام والاحتشاد بكثافة في ساحات المسجد الأقصى للتصدي للمخططات الإسرائيلية ومنع المستوطنين من تنفيذ أهدافهم.

 وتعود هذه الأيام من جديد إلى الواجهة معضلة ما يسمى بـ "مسيرة الأعلام"، والتي تسببت العام الماضي بنشوب حرب عنيفة شنتها إسرائيل على قطاع غزة، بعدما قصفت الفصائل الفلسطينية في غزة العمق الإسرائيلي بالصواريخ، تنفيذاً لتهديداتها وتحذيراتها بعدما رفضت إسرائيل وقف العدوان على المسجد الأقصى ومحاولات تهجير أهالي حي الشيخ جراح.

فما هي مسيرة الأعلام؟ وما هي أهدافها؟ وما هي أهم السيناريوهات المتوقعة لها هذا العام؟

 ذكرى احتلال القدس

قامت إسرائيل باحتلال مدينة القدس بشكل كامل في أعقاب حرب يونيو/ حزيران 1967، وأعلنت فرضها للسيادة الإسرائيلية على المدينة بعد دمج شطريها الشرقي والغربي، أو ما يسمى بـ "توحيد القدس" من وجهة النظر الإسرائيلية، حيث تمكن الجيش الإسرائيلي وبعد قتال عنيف مع الجنود الأردنيين من السيطرة على القدس الشرقية والبلدة القديمة، وفي 30 يوليو 1980 أضيفت الصفة الدستورية على دمج إسرائيل شطري القدس الغربي والشرقي بموجب "قانون القدس"، لذلك تحتفل إسرائيل كل عام بهذا اليوم كعيد وطني يطلق عليه "يوم القدس".

 ويحيي الإسرائيليون ونشطاء الاستيطان في الضفة الغربية هذا اليوم في كل عام بعدد من الفعاليات والأحداث، أبرزها وأهمها ما يُعرف بـ "مسيرة الأعلام" أو "رقصة الأعلام" التي يشارك فيها عشرات الآلاف من المستوطنين، معظمهم من صغار السن والمراهقين، والذين يتم حشدهم بالباصات من مختلف المناطق للوصول إلى مدينة القدس، من أجل المشاركة في هذا الحدث القومي، حيث ينفذ المستوطنون الرقصات الاستفزازية في البلدة القديمة والحي الإسلامي، ويرددون الشعارات العنصرية ضد العرب والمسلمين، رافعين الأعلام الإسرائيلية بكثافة.

 وقد بدأت هذه الاحتفالات عام 1974 لكنها توقفت خلال الفترة ما بين عامي 2010 و2016 بسبب المواجهات التي كانت تندلع بين المستوطنين المشاركين في المسيرة، وأهالي البلدة القديمة في القدس والفلسطينيين من مناطق الضفة الغربية ومناطق عام 1948، والذين يحتشدون عادةً في مثل هذه المناسبات للرباط في القدس والتصدي لاعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى، لذلك تعمد الشرطة الإسرائيلية

إلى منع المستوطنين من اقتحام البلدة القديمة من باب العامود وتجبر المستوطنين عادةً على تحويل مسار المسيرة وفقاً لما تفرضه الظروف الأمنية.

 بين القدس وغزة

لقد كانت الحرب الأخيرة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، واحدة من أهم إفرازات حالة التوتر المتصاعدة في مدينة القدس، كنتيجة طبيعية لسياسة الاقتحامات اليومية المتواصلة للمسجد الأقصى، ومحاولة إسرائيل تحقيق أهدافها المتمثلة بفرض السيادة الإدارية والدينية على المسجد الأقصى عبر تقسيمه زمانياً ومكانياً، فضلاً عن تعزيز ذلك عبر مظاهر مختلفة كمسيرة الأعلام، ومحاولات تأدية طقوس تلمودية أو صلوات صامتة، أو حتى من خلال رفع العلم الإسرائيلي داخل باحات المسجد الأقصى، كل هذه العوامل أدّت في العام الماضي لنشوب الحرب التي أطلقت عليها إسرائيل اسم "حارس الأسوار" بينما أطلقت عليها الفصائل الفلسطينية اسم "سيف القدس".

 واليوم تكاد تكون نفس العوامل والمعطيات التي تسببت في الحرب الأخيرة على غزة حاضرة هذا العام أيضاً، إذ دعت جماعات الهيكل وقادة اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية إلى اقتحام المسجد الأقصى بأعداد كبيرة في ذكرى "يوم القدس" الصهيوني، مع الإصرار على تمرير مسيرة الأعلام وفق مسارها الأساسي عبر باب العامود، مروراً بالحي الإسلامي، وصولاً إلى حائط البراق، ثم التجوّل بالأعلام الإسرائيلية في ساحات المسجد الأقصى باتجاه باب السلسلة، كما دعت جماعة تطلق على نفسها اسم "لاهافا" إلى هدم قبة الصخرة المشرفة وبناء الهيكل فوق أنقاضها، ما أثار حالة من الغضب والاستنفار لدى الفلسطينيين تبعتها دعوات للنفير والاحتشاد للدفاع عن المسجد الأقصى.

فيديو يوضح خط سير "مسيرة الأعلام" في مدينة القدس​

الجديد هذه المرة أن مسيرة الأعلام تتزامن مع إطلاق الجيش الإسرائيلي أوسع مناوراته العسكرية وأطولها من حيث المدة الزمنية، أُطلق عليها اسم "عربات النار"، حيث تستغرق شهراً كاملاً، وتحاكي سيناريوهات قتالية متعددة الجبهات والأذرع، إذ تشارك فيها القوات النظامية وقوات الاحتياط من كافة القيادات والهيئات ووحدات الجيش الإسرائيلي، ما يعني أن الجيش الإسرائيلي سيكون بكامل جهوزيته القتالية في حال تطوّرت الأحداث في القدس نحو تصعيد عسكري محتمل قد تفرضه الوقائع الميدانية، وهو ما استدعى خروج الفصائل الفلسطينية بمواقف حازمة توعدّت فيها إسرائيل بالرد العنيف، ورفعت مستوى الجهوزية القتالية لدى مقاتليها، ووصفت محاولات تغيير الواقع في المسجد الاقصى بأنه لعب بالنار، وتجاوز للخطوط الحمراء، وسيكون الفتيل لانفجار كبير قد لا يتوقع أحد سقفه ومداه.

 سيناريوهات متوقعة

أمام ما سبق من معطيات ووقائع تفرضها حالة التحشيد المتواصل من جهة اليمين المتطرف، متمثلاً بعضو الكنيست الإسرائيلي ايتمار بن غفير وجماعات الهيكل، ومن جهة الفصائل الفلسطينية التي تدعو للحشد والرباط وتكثيف التواجد في القدس والمسجد الأقصى، وتتوعد بتفجير الأوضاع في المنطقة بأسرها حال نفذت الجماعات المتطرفة تهديداتها، يمكننا توقع عدد من السيناريوهات:

السيناريو الأول: هو أن تُصر إسرائيل على إقامة مسيرة الأعلام كما هو مخطط لها، الأمر الذي سيؤدي إلى اندلاع مواجهة شاملة ليس فقط في القدس، بل ستمتد لتشمل الضفة الغربية والداخل الفلسطيني وقطاع غزة، سيما في ظل تحذير الفصائل الفلسطينية في الأيام الأخيرة، من أن إقامة مسيرة الأعلام سيؤدي إلى إشعال المنطقة.

السيناريو الثاني: هو أن تلغي إسرائيل مسيرة الأعلام، تجنبًا للتصعيد والدخول في مواجهة جديدة مع قطاع غزة، وهذا يعني بحسب مختصين في الشأن الإسرائيلي أن تفقد مسيرة الأعلام رمزيتها باعتبارها رمزًا "للسيادة وتوحيد القدس" وبالتالي فشلها.

أما السيناريو الثالث، فهو أن تعمل إسرائيل على تغيير مسار المسيرة وحرفها عن المسجد الأقصى وتقليل أعداد المشاركين فيها وتخفيف حدة الاستفزازات، ويشمل هذا السيناريو أيضًا تدخل الوسطاء لتحقيق تقارب يضمن عدم الدخول في حرب جديدة وعدم تمرير مسيرة الأعلام بشكلها المطلوب.

 ويُرجح مراقبون ومحللون، أن إسرائيل قد تلجأ إلى حرف مسار المسيرة وعدم إقامتها كما هو مخطط لها، وذلك تجنبًا لتصعيد لا ترغب به حكومة بينيت – لبيد، في ظل تخوفها من فشل جديد في قطاع غزة يؤدي إلى تفكك الائتلاف الحكومي.

 لكن في المقابل، يرى محللون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، قد يلجأ إلى إقامة مسيرة الأعلام بشكلها المطلوب وتصعيد الأوضاع، بهدف الهروب إلى الأمام والخروج من أزمته السياسية الداخلية، وإعادة الثقة والهيبة لحكومته وللأمن الإسرائيلي.