زيارتان متواليتان لكل من كوريا الجنوبية واليابان قام بهما الرئيس الأمريكي جو بايدن في أولى زياراته للقارة الآسيوية. الزيارتان حفلتا بنشاط دبلوماسي واسع، وزيارات ميدانية. وبينما اقتصرت زيارة كوريا الجنوبية على الجانبين الكوري الجنوبي والأمريكي، فإن زيارة اليابان تضمنت اجتماعات، وإعلانات تضم إلى جانب البلدين بلداناً أخرى.
الزيارتان وما صدر خلالهما من بيانات رسمية وتصريحات صحفية أثارت ردود فعل واسعة خاصة من جانب الصين، لا سيما وأنها ذكرت صراحة في بعض الوثائق، وأشير إليها ضمنياً في وثائق أخرى، ناهيك عن التصريحات التي تعلقت بقضايا صينية جوهرية مثل قضية تايوان.
إذن فالرسائل الأمريكية خلال هاتين الزيارتين كانت كثيرة ومتشعبة ومتداخلة في ذات الوقت، منها ما تعلق بالعلاقات بين واشنطن وكل من سيول وطوكيو ومنها ما امتد إلى الجوار الإقليمي، وهناك رسائل اتسعت لتشمل السياق العالمي.
فما هو مضمون تلك الرسائل الأمريكية؟ وما هي الأسس التي استندت إليها؟ وكيف كانت ردود الفعل عليها؟ وإلى أي مدى ستترجم هذه الرسائل على أرض الواقع؟ وما هي تأثيراتها على مجمل التفاعلات الأمريكية في القارة الآسيوية في ظل طروحاتها الجديدة حول منطقة المحيطين الهندي والهادي؟
أجواء زيارة بايدن لكوريا الجنوبية واليابان
جاءت زيارتي الرئيس الأمريكي جو بايدن لكل من كوريا الجنوبية واليابان في ظل ظروف داخلية وإقليمية وعالمية تحمل دلالات كثيرة.
ظروف داخلية
داخلياً، فإن الرئيس الأمريكي وحزبه مقبلان على انتخابات التجديد النصفي. وإذا كان من المعلوم تاريخياً أن الناخب الأمريكي لا يركز كثيراً على الشئون الخارجية، فإن الظرف الراهن مختلف كثيراً في ظل الانخراط الأمريكي في الحرب الدائرة في أوكرانيا. عبر ما يرصد من مليارات لدعم الأخيرة وما يفرض من عقوبات على روسيا. وفي ظل التداعيات الكبيرة لهذه الحرب على حياة الأمريكيين. ممثلة في الارتفاعات الكبيرة في تكلفة المعيشة، مع ارتفاع أسعار الكثير من السلع. ورغم شبه الإجماع الداخلي حيال الموقف الرسمي تجاه الحرب، إلا أن أصواتاً من داخل الكونجرس بدأت تتعالى في توجيه انتقادات لبعض جوانب هذا الموقف. وقد كان واضحاً أن الرئيس الأمريكي لا يفصل بين ما يجري في أوروبا وبين ما يجري في منطقة المحيطين الهندي والهادي، حيث تم التأكيد على التأثيرات السلبية لما يجري في أوكرانيا على المنطقة، ناهيك بطبيعة الحال عن النظرة الأمريكية للسلوك الصيني تجاه روسيا في هذه الظروف. وقد سبق أن حذرت الولايات المتحدة الصين من الإقدام على مساعدة روسيا في حربها، ولو من قبيل تعويضها عما تفقده من خسائر على صعيد المعدات، أو مساعدتها في التغلب على تداعيات العقوبات الواسعة والكثيفة التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الغربية وبعض حلفائها في آسيا ومن بينهما كوريا الجنوبية واليابان.
ليس هذا فحسب، بل إن الصين والعلاقات معها لم تعد قضية تخص السياسة الخارجية فقط، وإنما تنعكس في الحياة اليومية للمواطنيين الأمريكيين. في ظل كثافة التبادلات التجارية بين الجانبين، وما يعتريها من احتكاكات. وكذلك ما يطال استثماراتها في الداخل الأمريكي من جدل، وما يتخذ حيالها من إجراءات.
وطالما ذكرت الاستثمارات فقد كان واضحاً أن الرئيس بايدن حريص على جلب المزيد من تلك الكورية واليابانية إلى الأراضي الأمريكية، حيث زار مقر شركتين كوريتين إحداهما متخصصة في الإلكترونيات والأخرى منتجة للسيارات، وتم الإعلان عن استثمارات بالمليارات ستضخها الشركتان في الاقتصاد الأمريكي. استثمارات جديدة تعني وعود بوظائف جديدة داخل الولايات المتحدة، بما يعني تراجع أكبر في معدلات البطالة. وتلك قضية ليست بالهينة عند تحديد الناخب الأمريكي خياراته.
الظروف الداخلية لا ترتبط بالولايات المتحدة وحدها وإنما تتعلق بالبلدين اللذين قصدهما الرئيس الأمريكي وبعض من كبار مسئولي بلدان التقاهم في طوكيو تحديداً. ففي كوريا الجنوبية، لم تكن قد مرت إلا أيام قليلة على تولي الرئيس يون سيوك ـ يول مقاليد الحكم. وقد جاء الرجل بتوجهات تختلف كثيراً عن سلفه مون جي ـ إن في الكثير من القضايا بما فيها بعض جوانب العلاقات مع واشنطن، لا سيما تلك التي لها علاقة بكوريا الشمالية، من قبيل التدريبات المشتركة ومستوياتها وكثافتها.
ليس الرئيس الكوري الجنوبي وحده هو الذي وصل إلى سدة الحكم حديثاً، وإنما رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز هو الآخر كانت قد مضت على تسلمه زمام الأمور أياماً أقل من الرئيس الكوري الجنوبي. ومعروف أنه وجه انتقادات كثيرة لسلفه سكوت موريسون على خلفيه قضايا كثيرة من بينها الاتفاق الأمني بين الصين وجزر سليمان. وقد كانت هذه القضية حاضرة بقوة في زيارتي الرئيس بايدن.
ظروف إقليمية ودولية
إقليمياً، جاء بايدن إلى المنطقة في ظل تفشٍ لجائحة كورونا في كوريا الشمالية، والتي ظلت على مدار أكثر من عامين تنفي وجود الوباء على أراضيها. وفي هذا السياق فقد عرض الرئيس الأمريكي، ومن قبله الرئيس الكوري الجنوبي الاستعداد لتقديم مساعدات، خاصة فيما يتعلق باللقاحات، لكن بيونج يانج التزمت الصمت حيال تلك العروض. وفيما يخص كوريا الشمالية أيضاً فإن الزيارة قد جاءت في ظل تكثيف للتجارب الصاروخية، بما في ذلك الباليستية بعيدة المدى، والتي كانت قد بلغت ستة عشر تجربة قبل مجيء الرئيس بايدن، ومن ثم كانت السابعة عشرة بعد مغادرته المنطقة بيوم واحد. كما أن هناك مؤشرات كثيرة على قرب إقدامها على إجراء تجربتها النووية السابعة، بعدما كانت قد أجرت آخر تجربة نووية منذ خمس سنوات. وهذا ما ذكرته قيادات عسكرية أمريكية وكورية جنوبية، والأخيرة ذكرت أن كوريا الشمالية أجرت رفقة التجربة الصاروخية الأخيرة اختباراً لجهاز تفجير نووي، بما يعني أن التجربة النووية باتت قريبة جداً. رغم كل ذلك ظلت إدارة بايدن تعلن عن استمرار الاستعداد للحوار مع كوريا الشمالية.
متغير آخر برز قبل الزيارة بفترة وجيزة، ويتمثل في بوادر عودة الدفء للعلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان، وهي التي كانت قد شهدت توترات متوالية على خلفية قضايا تاريخية، وأدت إلى إجراءات عقابية من قبل البلديين، خاصة في المجال الاقتصادي. إذ أن الإدارة الكورية الجنوبية أوضحت بجلاء أنها عاقدة العزم على تطوير العلاقات مع اليابان، دون أن يعني ذلك بطبيعة الحال الحل النهائي لكل القضايا التاريخية العالقة.
قبل هاتين الزيارتين بأيام كان الرئيس الأمريكي يستضيف في واشنطن قادة دول رابطة أممم جنوب شرقي آسيا (الآسيان). ولا يخفى مدى أهمية دول تلك المنطقة سواء فيما يتعلق بالاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة المحيط الهندي والهادئ، أو من حيث علاقاتها مع الصين، بما في ذلك كثافة التعاملات التجارية والتي تبلغ ضعف حجم تجارتها مع الولايات المتحددة، وكذلك الجوانب الخلافية في بحر الصين الجنوبي. كما أن سبعة من إجمالي الدول العشر أعضاء رابطة الآسيان انضمت إلى إعلان إطار الشراكة الاقتصادية في المحيطين الهندي والهادي من أجل الرفاهية التي طرحتها الولايات المتحدة.
ترافق مع الزيارة اجتماعات لوزراء التجارة في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (الأبك) في تايلاند. وقد شهد الاجتماع شداً وجذباً على خلفية ما يجري في أوكرانيا، حيث انسحب ممثلو الولايات المتحدة واليابان وثلاث دول أخرى عند إلقاء ممثل روسيا لكلمته، كما أن الاجتماع لم يصدر بياناً ختامياً في ظل هذه الخلافات. وليس بعيد كانت هناك اجتماعات لوزراء خارجية مجموعة البريكس التي تضم كل من الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل. الاحتماعات التي كانت عن بعد وترأستها الصين، وجه إليها الرئيس الصيني شي جين بينج كلمة. وإذا كان التجمع الأول يضم في عضويته كلاً من الولايات المتحدة والصين وروسيا إلى جانب أطراف أخرى، فإن الأخير لا يضم إلا الأطراف الخمسة المذكورة. وإن كانت قد دعيت دول تمثل الاقتصادات الناشئة والنامية للمشاركة في الاجتماع الأخير. وغالباً ما كان ينظر للبريكس على أنه محاولة لطرح بدائل بعيداً عن الهيمنة الأمريكية. لكن لا يجب إغفال أن الهند باتت مشاركاً مهماً في المبادرات الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك تجمع كواد الذي يضمها والولايات المتحدة واليابان وأستراليا، فضلاً عن مشاركتها في مبادرة الإطار الاقتصادي لمنطقتي المحيطين الهندي والهادي، والتي أطلقها الرئيس الأمريكي وباقي قادة الدول المشاركة من طوكيو في زيارته الأخيرة.
لا يمكن إغفال الظرف الخاص بالتحركات الصينية في جنوبي المحيط الهاديء، والتي كانت موضع الكثير من الانتقادات الأمريكية، ومن دول في المنطقة مثل اليابان واستراليا ونيوزيلاندا. وقد كانت القضية حاضرة في البيانات التي صدرت عن الاجتماعات أثناء الزيارتين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، كما اختلفت اللهجة حيالها من اجتماع إلى آخر.
جاءت الزيارة في ظل توتر واضح في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، ليس فقط على خلفية ما ذكر فيما يتعلق بأوكرانيا والتجارة والاستثمارات والتحرك الصيني جنوبي المحيط الهادئ، وإنما ما ارتبط بقضايا تخص التسلح النووي، وتايوان، وقضايا حقوق الإنسان، خاصة في هونج كونج وسينكيانج. ومرة أخرى حضرت هذه القضايا وغيرها في زيارتي الرئيس الأمريكي، وإن كانت أكثر وضوحاً في زيارته لليابان.
الزيارتان جاءتا في ظل جائجة صحية لم يغلق ملفها بعد، وفي ظل تحديات مناخية متزايدة، فضلاً عن مشاكل كثيرة تواجه الاقتصاد العالمي وتؤثر على حياة الناس في العالم كله، ويزداد التأثير في المناطق الفقيرة والهامشية. فكيف انعكست هذه الظروف وغيرها على مخرجات الزيارتين؟
مخرجات زيارتي بايدن إلى سيول وطوكيو
في كوريا الجنوبية، برزت قضايا تعميق وتوسيع التحالف بين البلدين، بما يشمله ذلك من زيادة نطاق وحجم التدريبات العسكرية المشتركة، والتي كانت تقلصت كثيراً في ظل الإدارتين الكورية الجنوبية والأمريكية السابقتين، بعدما حدث من تهدئة أدت إلى أكثر من لقاء قمة بين الكوريتين وبين كوريا الشمالية والولايات
المتحدة. وعلى هذا الصعيد، فإن بايدن لم يستبعد إمكانية لقاء زعيم كوريا الشمالية كيم جونج ـ أون، وإنما رهن ذلك بمدى صدق وإخلاص وجدية الأخير. كما تم الاتفاق على نشر أصول عسكرية استراتيجية في كوريا الجنوبية، على أن تخضع المسألة لمناقشات لاحقة. كما تم التأكيد على الردع الشامل الذي يتضمن الأسلحة التقليدية وغير التقليدية بما فيها النووية. وبطبيعة الحال كانت هناك إدانة لتجارب كوريا الشمالية الصاروخية، ومطالبتها بضرورة الانصياع لقرارات مجلس الأمن، مع مطالبة كل أعضاء الأمم المتحدة بالتفيذ الكامل لتلك القرارات. ولا يخفى في هذا الإطار ما توجهه الولايات المتحدة من انتقادات تلميحاً او تصريحاً لكل من الصين وروسيا من تحايل على العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن على بيونج يانج. كما لا تخفى مطالبة كل من موسكو وبكين بضرورة النظر في تخفيف تلك العقوبات، ناهيك عن وقوفهما بالمرصاد للمحاولات الأمريكية لاستصدار قرارات جديدة من مجلس الأمن تتضمن إدانة وعقوبات إضافية لبيونج يانج، ومن المعلوم أن كليهما ترفضان من حيث المبدأ فرض عقوبات أحادية بعيداً عن مجلس الأمن.
رغم كل ذلك، فقد استمرت واشنطن وسيول في التأكيد على فرص الحل السلمي والدبلوماسي مع كوريا الشمالية، ومن ثم حثها للعودة إلى المفاوضات. وعلى الرغم من أن الأخيرة لم ترد مباشرة حتى الآن، إلا أنه من المستبعد أن تقبل بمفاوضات في ظل ما ذكر عن توسيع وتعميق التحالف الأمريكي- الكوري الجنوبي، وهي التي تراه يستهدفها بشكل مباشر. ناهيك عما كرره البلدان بخصوص ملف حقوق الإنسان لديها. وهي ترفض تماماً أي حديث في هذا الملف وغيره من الملفات التي ترى فيها إساءة كبيرة لها.
لم يقف الأمر عند توسيع وتعميق التحالف الأمني بين البلدين، وإنما أكد الجانبان على أهمية التعاون الثلاثي الذي يضمهما واليابان. وهذا مؤشر على بداية تطور نوعي في البيئة الأمنية في المنطقة. إذ أنه وعلى الرغم من أن واشنطن متحالفة أمنياً مع كلا البلدين، إلا أنه لم يكن هناك أطر ثلاثية أمنية تجمعهم، إلى حد أنه لم تكن تجرى تدريبات عسكرية مشتركة. لكن مثل هذا الأمر يمكن تفسيره على ضوء التوجه الأمريكي الذي يشجع على أدوار أمنية أوسع لكلا البلدين. ويلاحظ هنا أنه فيما يتعلق بتوسيع التحالف مع سيول فقد ذكر أنه لا يقف عند شبه الجزيرة الكورية. واليابان من جانبها تسعى لدور خارجي أوسع، وإن كانت حتى الآن ما زالت القيود الدستورية على هذا الدور قائمة.
من أبرز ما يلفت النظر في المحطة الكورية الجنوبية ما أطلق عليه الجانبان الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية والتكنولوجية. وقبل الدخول في بعض جوانب هذه الشراكة، فإن هناك دلالة مهمة على هذا الصعيد تتمثل في المكانة الكبيرة التي حققتها كوريا الجنوبية وشركاتها مما يجعل الولايات المتحدة تحرص على الشراكة معها، وجلب استثماراتها. وعلى سبيل المثال، فإن مصنع سامسونج الذي زاره الرئيس الأمريكي رفقة الرئيس الكوري الجنوبي هو أكبر مصنع للرقائق في العالم، حيث يبلغ انتاجه ما نسبته 15% من إجمالي رقائق الذاكرة المنتجة في العالم كله، علماً بأن كوريا لديها الحصة الأكبر من إنتاج هذا النوع من الرقائق بنسبة حوالي 60%. كما أنها تأتي في المرتبة الثانية عالمياً في سوق الرقائق بنسبة حوالي 20% ولا يسبقها إلا الولايات المتحدة التي تمتلك حوالي 50%.
وما كان ذلك ليكون لولا الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي ليس فقط من الحكومة، وإنما من قبل الشركات أيضاً. ومن ثم فقد اعتبر الرئيسان أن العلماء والباحثين في الجانبين من الأكثر ابتكاراً على مستوى العالم، معتبرين أن تلك ميزة تنافسية ينبغي الاستفادة منها في مجالات كثيرة أطلق عليها التقنيات الحرجة والناشئة، ويدخل في إطارها أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي والبطاريات الصديقة للبيئة وتكنولوجيا الكم والروبوتات والتكنولوجيا الحيوية. ومن هنا كان التعهد بزيادة التعاون في تلك المجالات جنباً إلى جنب مع الأمن السيبراني.
يضاف إلى تلك المجالات التعاون في مجال الفضاء والطاقة النووية وأمن الطاقة وضمان سلاسل التوريد. وهذه القضايا تكرر الحديث عنها في طوكيو أيضاً.
بطبيعة الحال، فإن قضايا أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي وتايوان لم تغب في المحطة الكورية الجنوبية، لكن طريقة الطرح فيها اختلافات كثيرة عما حدث في المحطة اليابانية، وحتى في المحطة اليابانية كان هناك تفاوت في التعرض لمثل هذه القضايا ولغيرها كما سيتضح لاحقاً.
بالنسبة لما يجري في أوكرانيا، فإن الجانبين كررا الإدانة لما تقوم به روسيا، واصفين ما تقوم به على أنه عدوان، وأنه فيه زعزة للاستقرار، ومخالفة للنظام القائم على القواعد، ومن ثم أكدا على قيامهما مع دول أخرى بفرض العقوبات على روسيا، وفي نفس الوقت تقديم المساعدات لأوكرانيا. يشار هنا إلى أنه لا يمكن مقارنة المساعدات الأمريكية بما تقدمه كوريا الجنوبية من حيث الكم والنوع. وكانت الإدارة الكورية الجنوبية السابقة قد امتنعت عن تزويد أوكرانيا بما يطلق عليه أسلحة فتاكة. كما أنها كانت قد طلبت من الولايات المتحدة استثنائها من بعض القواعد الخاصة بالعقوبات المالية تحديداً على روسيا.
فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، جاءت الصياغة عامة، فيما يتعلق بالالتزام بالقانون الدولي للبحار، والسلام والاستقرار، وحرية الملاحة، والطيران، دون أن يذكر أي من الدول الداخلة في نزاعات حول الحدود البحرية في هذا البحر، ودون أي ذكر لما تكرره الولايات المتحدة من اتهامات للصين على هذا الصعيد، وفيما يتعلق بمضيق تايوان أشير إلى أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار فيه لما له من أهمية بالنسبة للأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وقد أشير إلى الاهتمام بحقوق الإنسان في هذه المنطقة إجمالاً.
كان من المنطقي أيضاً الإشارة إلى الاتفاق حول العناصر الأساسية لاستراتيجية الولايات المتحدة الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، وإلى تعاون الطرفين من أجل المحافظة على الحرية والانفتاح والازدهار والسلمية في هذه المنطقة.
وإذا كانت المحطة الكورية الجنوبية قد تضمنت قناة واحدة فقط هي القناة الثنائية بين واشنطن وسيول، وإن لم تقف القضايا التي طرحت عبرها على الجانب الثنائي فقط، فإن المحطة اليابانية قد تضمنت إلى جانب القناة الثنائية بين واشنطن وطوكيو قناة ثانية رباعية، وقناة ثالثة جماعية، ضمت ثلاثة عشر بلداً.
القناة الثنائية
أول ما يلاحظ في البيان الصادر عن القمة اليابانية- الأمريكية هو العنوان الفرعي الذي تضمنه "تقوية النظام الدولي الحر والمنفتح". ومن ثم فقد اعتبرا أن التهديد الأعظم والحال لهذا النظام يتمثل في العدوان الروسي غير المبرر على أوكرانيا، وما يستتبعه ذلك من ضرورة محاسبتها. ولم يقف الأمر عند ذلك وإنما أشير إلى أمور أخرى من بينها استخدام مجلس الأمن بطريقة "غير مسئولة" بحكم تمتعها بحق النقض، الذي تختبئ خلفه لضمان عدم محاسبتها.
وعبر المطالبة بضرورة تقوية وتحديث النظام متعدد الأطراف ليكون أكثر فعالية في التعامل مع تحديات القرن الحادي والعشرين، أعلنت الولايات المتحدة عن تأييدها للمسعى الياباني للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.
من النظام الدولي الحر والمفتح إلى المحيطين الهندي والهادئ بذات الوصفين اللذين وصف بهما النظام الدولي أيضاً، حيث اعتبرت المنطقة بالغة الأهمية للأمن والسلام العالمي وكذا الرفاهية. وعلى ذلك فالاستراتيجية الأمريكية الخاصة بالمنطقة مرحب بها، وفوائدها عظيمة، والآسيان له أهمية كبيرة، وكذلك تجمعي كواد وأكوس وغيرها من المنتديات متعددة الأطراف، كما أن التعاون مع الشركاء الذين يتفقون في ذات طريقة التفكير مهم وذكر في هذا السياق كل من أوروبا وكندا. ويصبح السؤال أين الصين؟
ما أن يتم الانتقال إلى بند التعامل مع التحديات الأمنية الإقليمية المتزايدة حتى يبرز اسم الصين، فتجد وصفاً للسياسة الصينية في الملف الأوكراني بأنها غير متسقة مع النظام الدولي القائم على القواعد. ومن ثم فهي مطالبة بضرورة إدانة روسيا ومخالفتها لقواعد النظام الدولي من وجهة النظر اليابانية- الأمريكية لا تقف عند هذا الملف بل إنها تتضمن جوانب اقتصادية توصف بالإكراهية.
على صعيد القدرات النووية الصينية، أشار البلدان إلى تزايدها، ومن ثم طالبا بكين بضرورة المساهمة في ترتيبات خفض المخاطر النووية، وزيادة الشفافية، والدفع باتجاه نزع السلاح النووي. وانتقلا إلى معارضة أي محاولة منفردة لتغيير الوضع القائم في بحر الصين الجنوبي بالقوة، وكذا معارضتهما لما أسمياه بالمزاعم أو الادعاءات الصينية البحرية غير القانونية، واتجاهها للعسكرة والأنشطة القسرية في بحر الصين الجنوبي. وبالنسبة لتايوان، أشير إلى أن مواقف البلدين لم تتغير وأنه من الأهمية بمكان المحافظة على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان والذي يشكل عنصرا بالغ الأهمية للأمن والرفاهية بالنسبة للمجتمع الدولي. ربما لم يكن في تلك الصياغات جديد، لكن الجديد كان في تصريح الرئيس الأمريكي بأنه في حال استخدام الصين القوة العسكرية ضد تايوان فإن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي، مع تشبيهه للتدخل العسكري الصيني المفترض في تايوان بما قامت به روسيا في أوكرانيا، مطالباً الصين بضرورة استخلاص الدروس والعبر مما حدث في أوكرانيا، وهو ما اعتبره الكثيرون بمثابة تخلٍ عن مبدأ الغموض بالنسبة لهذه القضية، وأن ذلك لم يكن زلة لسان، بل وإنه كان مقصوداً ومرتب له سلفا. كل ذلك رغم أن بايدن نفسه عاد وأكد بأن الموقف الأمريكي لم يتغير.
استمر سيل الانتقادات الصريحة والعلنية للصين وسياستها من قبل البلدين لكن هذه المرة ما يتعلق بسياستها تجاه الدول الجزرية جنوبي المحيط الهادئ، وتحديداً جزر سليمان، واتفاقها الأمني معها. وقد وصفت الدولتان هذا الاتفاق بغير الشفاف، ناهيك عن عدم مراعاته لوجهات نظر دول المنطقة.
لم يقف الأمر عند تلك القضايا، وإنما حضرت قضايا تتعلق بهونج كونج وسينكيانج وتحديداً ما يرتبط بحقوق الإنسان في كل منهما. ثم عادت الدولتان للربط بين موسكو وبكين من خلال الإشارة إلى تعاونهما العسكري، وما أسمي بتزايد الأنشطة العسكرية الروسية حول اليابان. يشار هنا إلى أن الصين وروسيا أجريتا تدريبات جوية قيل إنها اخترقت أو اقتربت من منطقتي المجال الجوي الكورية الجنوبية واليابانية على التوالي في اليوم الأخير لزيارة بايدن لليابان.
بخصوص شبه الجزيرة الكورية، فقد تكرر ما ذكر بخصوص التعاون الأمني الثلاثي من ناحية، وكذا ما ذكر بخصوص كوريا الشمالية وتجاربها الصاروخية. ومن ثم القرارات الدولية حيالها، وإن كان قد أضيقت قضية المخطوفين اليابانيين من قبل بيونج يانج. وحضرت ميانمار ووصف ما حدث فيها بالانقلاب تماماً كما حدث في كوريا الجنوبية.
يلاحظ أن القضايا العالمية والإقليمية تقدمت على ما يخص العلاقات الثنائية، ومن ثم جاء الحديث عن التحالف بين البلدين وما يتضمنه من تقوية للردع وزيادة للقدرات. ومما يلفت النظر هنا النص على أن معاهدة التعاون والأمن المشترك تنطبق على جزر سينكاكو، وهي التي تسميها الصين جزر دياويو. وترى كل من البلدين أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها.
الجانب الاقتصادي حظي هو الآخر باهتمام كبير عللى الصعد الثنائية والإقليمية والعالمية، ولم تغب قضايا الأمن الإنساني، وهو المصطلح الذي كانت اليابان ولسنوات من بين الداعمين له. وفيه أدرج التعامل مع جائحة كورونا.
القناة الرباعية
تجمع كواد الذي يضم الولايات المتحدة واليابان واستراليا والهند اجتمع قادته في طوكيو للمرة الرابعة ولم يمض إلا عام واحد على اجتماعه الأول على مستوى القمة. وهذه هي المرة الثانية التي يكون فيها اللقاء وجهاً لوجه. ولهذا دلالته فيما يتعلق بتوفر الإرادة والعزيمة للدفع قدماً بتجمع ناشئ. وما كان هذا ليكون لولا أن هناك قناعات تجمع أطرافه، وأهداف واضحة تبغي تحقيقها، ومن ثم طريق ترسم ملامحه لتحقيق تلك الأهداف. فها هم يجددون التزامهم بالحرية والانفتاح في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وهذا المصطلح حل محل مصطلح آسيا والمحيط الهادئ والذي ظل يستخدم لعقود. وإذا كان لدى واشنطن استراتيجية تحت هذا المسمى فإن لدى كل من الهند وطوكيو رؤية وتصور لا يقل تكاملاً عن الرؤية الأمريكية ويلتقيا معها في الكثير من العناصر، وهناك أطراف من خارج المنطقة صاغت استراتيجيات خاصة تحت نفس المسمى منها الاتحاد الأوروبي، كما أن هناك تشجيعاً لدول أخرى سواء من المنطقة مثل كوريا الجنوبية أو غيرها لكي تقدم رؤى استراتيجية مماثلة. ثمة تأكيد على السعي لجلب الفوائد للمنطقة، والتعامل مع التحديات العالمية على كافة المستويات، بما في ذلك التحديات الصحية والبيئية وتلك التي تهدد السلام والاستقرار، ومن ثم فقد حضر حديث عن القيم والمبادئ الخاصة بالحرية والديمقراطية وسيادة القانون والسيادة وتسوية المنازعات بالطرق السلمية، ووحدة وسلامة أراضي الدول، وعدم اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها، وعدم القيام بتغيير للأوضاع القائمة بشكل أحادي، وضمان حرية الملاحة البحرية والجوية، مع ضرورة التمسك بالنظام الدولي القائم على القواعد. كل تلك المبادئ ستسعى دول التجمع لتعزيزها ليس فقط في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وإنما في العالم كله.
ربما لا يكون هناك خلاف حول هذه المبادئ والقيم في المطلق لكن هناك قراءات أخرى لها ستتضح لاحقاً، كما أن مسألة التطبيق هي التي ستحكم ما إذا كان هناك التزام فعلي بها، وما إذا كانت تطبق على الجميع.
دون الدخول في تفاصيل ما تضمنه بيان المجموعة الرباعية فإنه يلاحظ تغيراً في الكثير من المفردات والتوصيفات المتعلقة بقضايا مهمة. ليس فقط تلك المتعلقة بما يجري في أوكرانيا، وإنما أيضاً ما يتعلق بقضايا مهمة للصين، وأخرى تتعلق بتطورات في رابطة الآسيان، وتحديداً ما يجري في ميانمار. وبالنسبة للأخيرة والتي وصف ما جرى فيها في البيانين الأمريكي الكوري الجنوبي والأمريكي الياباني بالانقلاب، ها هو الوضع يوصف هنا بالأزمة، مع ترحيب بمساعي رابطة الآسيان للتعامل مع تلك الأزمة، وهو دور لم يذكر في البيانين المشار إليهما. أما أوكرانيا فلا ذكر لروسيا، ولا توصيف لما تقوم به على أنه عدوان، ولا
سعي لعقابها، ولا حتى مناشدة للدول التي لم تفعل ذلك بأن تفعل. الوجود الهندي في هذا التجمع هو العامل الحاسم في تغير هذه اللهجة. فالهند ورغم قربها الشديد من الموقف الصيني إلا أنها لا تهاجم من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى على الأقل في العلن، كما أنها لا تسمح للأطراف الأخرى بأن تضمن أي بيانات رسمية ما يتعارض مع الموقف الهندي، وما قد يكون من شأنه إغضاب موسكو من نيودلهي. حدث ذلك من قبل في القمة الهندية- اليابانية في مارس الماضي في نيودلهي، وفي لقاء القمة الافتراضية بين بايدن وناريندرا مودي. والأكثر من ذلك أن الموقف الهندي لم يعطل أياً من المسارات الدبلوماسية سواء مع الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، بل إن تلك المسارات قد تكثفت. هذا الاختلاف في التعامل مرده تقييمات استراتيجية فيما يتعلق بما تعتبره واشنطن وقوى أخرى مصادر تهديد. كما أنه يثبت في ذات الوقت أنه طالما تمتلك الدولة أدوات تمكنها من الحفاظ على قدر كبير من الحرية والمرونة في الانفتاح على الجميع فإن ذلك يجعلها قادرة على تحقيق الاستفادة من جهات عدة.
وفيما يتعلق بالصين، فقد لوحظ أنها لم تذكر بشكل مباشر على الرغم من أن ما يتعلق ببحري الصين الجنوبي والشرقي ومعارضة تغيير الأوضاع فيهما قد تكرر. كما لم يذكر الاتفاق الأمني بين الصين وجزر سليمان من قريب أو بعيد، وإن كان قد تم التأكيد على أهمية التعاون مع تلك الدول من أجل التغلب على ما يواجهها من تحديات. والأكثر من ذلك أنه لم يأت البيان على أي ذكر لتايوان، ولا لقضايا حقوق الإنسان في الصين. وفي المقابل حضر حديث مطول نسبياً عن الإرهاب، وذكرت تحديداً حوادث إرهابية وقعت في الهند. ومرة أخرى فإن الحضور الهندي في هذا التجمع كان الكابح والمانع فيما يتعلق بالقضايا المشار إليها غياباً أو تعميماً أو حضوراً لقضايا أخرى. وهذا ليس موضع الدخول في تفاصيل خلفيات هذا الموقف الهندي، وإن كانت تكفي الإشارة إلى أن مسايرة الهند للولايات المتحدة وحلفائها الآخرين ستفتح عليها سيلاً من الانتقادات ليس فقط من جانب الصين، وإنما من جانب أطراف كثيرة داخلية، ناهيك عن أنه سيوقعها في شرك التناقض الذاتي، بحكم ما لديها من قضايا داخلية كثيرة مشابهة، وعندها قد تطالب بتطبيق ذات المعايير التي تنادي الآخرين بتنفيذها.
كما لم يشر من قريب أو من بعيد إلى القدرات النووية الصينية. إذ تبقى الصين من الدول المعترف بامتلاكها للسلاح النووي طبقاً لاتفاقية منع الانتشار النووي 1968. بينما الهند تمتلك السلاح النووي بالمخالفة لأحكام هذه الاتفاقية. ومع ذلك فقد أتى البيان على مسألة ضرورة إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، مع إدانة لكوريا الشمالية على خلفية تجاربها الصاروخية المتوالية.
من الأمور اللافتة في بيان المجموعة الرباعية الاتفاق على تخصيص 50 مليار دولار من أجل المساعدات والاستثمارات في البنية الأساسية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. مثل هذا الاهتمام بمشاريع البنية الأساسية لا يمكن فصله عن توجهات إدارة بايدن بخصوص هذا المجال، والذي كانت الصين قد حققت فيه سبقاً واضحاً عبر مبادرتها المعرفة باسم الحزام والطريق. ولا يخفى كيف كانت الولايات المتحدة تعارض بشدة المبادرة الصينية لإنشاء بنك آسيوي للاستثمار في البنية الأساسية منذ سنوات، وعلى الرغم من أن البنك قد أنشئ، وزادت العضوية فيه عن مائة دولة، وانتشرت لتشمل كل قارات العالم تقريباً، وانضم إليه حلفاء لواشنطن، وبعض ممن كانوا يعارضون الفكرة، إلا أن واشنطن ما زالت لم تنضم إليه. وربما يكون من بين أسباب رفض الانضمام تصور أن حدوث ذلك بمثابة إقرار بنجاح الصين في أخذ زمام المبادرة، وبجعل واشنطن تأتي إلى بكين حيث مقر البنك الآسيوي للتنمية، وهي التي اعتادت استضافة الجميع في اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين، وكما هو معلوم فالرئاسة في الأخير محجوزة دائماً للأمريكيين، والذي تهكم أحدهم ذات يوم على الأوروبيين بسبب طلبهم المساعدة من الصين في ظل الأزمة المالية العالمية بعد العام 2008.
الأمن السيبراني، والتكنولوجيات الحرجة والناشئة، والفضاء مجالات مهمة تركز عليها دول التجمع الرباعي أيضاً. وقد تضمن المجال الثاني تحديداً تكنولوجيا الجيل الخامس في الاتصالات وما بعدها. ومعلوم أن هذا الموضوع تحديداً قد شهد مجادلات أمريكية- صينية واسعة خلال السنوات الماضية، ولم يقف الأمر عند القيود الأمريكية أمام الشركات الصينية العاملة داخل الأراضي الأمريكية، وإنما مورست ضغوط على حلفاء أوروبيين لئلا يتعاقدوا مع شركات صينية في هذا المجال.
القناة الجماعية
في الثالث والعشرين من مايو 2022 ومن العاصمة طوكيو، أعلن عن البيان الخاص بالإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادي من أجل الرفاهية من قبل الدول الآربع الأعضاء في تجمع كواد بالإضافة إلى كوريا الجنوبية، وكل من تايلاند وفيتنام وماليزيا وأندونيسيا وبروناي دار السلام وسنغافورة والفلبين ونيوزيلاندا، والذي انطلق مما أطلق عليه الثراء والتنوع في الاقتصادات الإقليمية، وتشابك المصاح، وأهمية تعميق المشاركة الاقتصادية من أجل استمرار النمو وتحقيق الازدهار والسلام، فإنهم يلتزمون بأن تكون "منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومنفتحة وعادلة وشاملة ومترابطة ومرنة وآمنة ومزدهرة، يمكنها تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والشامل". وتلك من الأمور التي أكد عليها وباء كورونا، مضافاً إليها أهمية تعزيز التنافسية وتأمين سلاسل التوريد، والاهتمام بالتوظيف وخلق الفرص الاقتصادية. مع التسليم بأن تحقيق التنافسية الاقتصادية على المدى البعيد سوف يتحقق عبر تعزيز الابتكار وتسخير التكنولوجيا والمشاركة في الاقتصاد الرقمي، وتحقيق أمن الطاقة، ومعالجة قضايا المناخ بما يؤدي إلى تحسين الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية. ويأتي إطلاق هذا الإطار من أجل إعداد اقتصادات تلك الدول للمستقبل. لكن هل هذا الإطار قاصر على تلك الدول فقط؟ الإجابة جاءت ضمن البيان عبر دعوة من أطلق عليهم "شركاء المحيطين الهندي والهادئ الذين يشاركون نفس الأهداف والاهتمامات والطموحات للمنطقة". ومرة أخرى هل هذه دعوة مفتوحة للجميع أم أنها بحكم التعريف استبعادية للبعض؟ وهل هي قاصرة على دول المنطقة أم يمكن فتح المجال لدول أخرى من خارجها؟
الكثير من التحليلات تذهب إلى أن هذا الإطار جزء من الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء أو محاصرة الصين، ومن ثم فلا يمكن توقع مشاركتها فيه طالما كانت الأهداف والاهتمامات والطموحات مختلفة.
هذا الإطار يتضمن ركائز أساسية سيتم إطلاق مناقشات حولها تتمثل في التجارة، وسلاسل التوريد، والطاقة النظيفة، والضرائب ومكافحة الفساد. كما يمكن أن تضاف لتلك المجالات مجالات أخرى في المستقبل.
التفاعل الصيني مع رسائل الزيارتين
مع التسليم بأن كلاً من التدريب الجوي الذي قامت به الطائرات الصينية والروسية في منطقة بحر الصين الشرقي وبحر اليابان وغربي المحيط الهادئ في الرابع والعشرين من مايو 2022 كان ضمن خطة التعاون العسكري المشترك السنوية بين البلدين على حد قول المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، والذي أطلق على هذا التدريب مسمى الدورية الجوية الاستراتيجية، ودون افتراض أنه كان هناك قرار صيني- روسي مشترك بالتعجيل بتلك الدورية في هذا التوقيت تحديدا وفي تلك المناطق المذكورة دون غيره، مع التسليم بذلك فإن مثل هذا الإجراء لا يخلو من دلالة ربطاً بكل الرسائل الأمريكية التي صدرت بالأساس من طوكيو. والأمر ذاته يمكن أن ينسحب على زيارة وزير الخارجية الصيني وانج يي لدول جنوبي المحيط الهاديء ومن بينها جزر سليمان. ويمكن إدراج كليهما في إطار الأجوبة الصينية على الرسائل الأمريكية. فماذا عن باقي الأجوبة الصينية؟
بداية، فإن الكثير من عناصر تلك الأجوبة معروف سلفاً. لكن كان هناك حرص صيني على الرد الشافي على كل ما صدر من رسائل، وبوضوح شديد.
بالنسبة لقضية تايوان كان الرد الصيني على ما أثاره الرئيس الأمريكي عبر رسالة وصفت من قبل الخارجية الصينية بـ "الصارمة" للولايات المتحدة ومفادها: "لا يوجد سوى صين واحدة في العالم، وتايوان جزء من أراضي الصين، وحكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها". مع التذكير بأن هناك التزاماً أمريكياً بذلك، وبأن هناك إجماعاً دولياً أيضاً، وما عدا ذلك هو انتهاك لسيادة الصين ووحدة أراضيها. وهذا خط أحمر. ومع التأكيد على الثقة الصينية التامة في القدرة والاستعداد لوقف الأنشطة الانفصالية في تايوان، مع التصدي لأي تدخلات خارجية على هذا الصعيد، وفي حديث مباشر للولايات المتحدة ودون مواربة قيل بأنه "لاتوجد قوة، بما في ذلك الولايات المتحدة، يمكنها إعاقة مساعي الشعب الصيني لإعادة توحيد الأمة"، ومن ثم وبالمعنى المقابل فإنه "لا يمكن لأي قوة بما في ذلك الولايات المتحدة أن تغير مصير قوى استقلال تايوان المحكوم عليها بالفشل". ليس هذا فحسب بل نصحت الخارجية واشنطن أو بالأحرى مسئوليها بالاستماع إلى أغنية صينية تقول بعض كلماتها: "لدينا نبيذ جيد للأصدقاء، ولأبناء آوي أو الذئاب نرفع بالبنادق".
وأضافت الصين أن الولايات المتحدة تتلاعب بالكلمات، ثم تقول إنها ما زالت تلتزم بمبدأ الصين الواحدة، مع أن تصرفاتها تقول بأنها تعمل على تفريغ هذا المبدأ من مضمونه، وتحرض سراً أو علانية على ما تسميه الصين بالأنشطة الانفصالية. وقدمت بكين مؤشرات على تلك السياسة الأمريكية تتمثل في تخفيف القيود المفروضة على التبادلات الرسمية مع تايوان، ومن ثم زيادة وتكرار التبادلات الثنائية التي ارتفع مستواها بشكل متزايد، وتزايد مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان، ووصلت إلى أكثر من 70 مليار دولار، ومساعدة تايوان على توسيع ما تسميه الصين بالفضاء الدولي، واستمرت في عملية "التضليل" لتفريغ مبدأ الصين واحدة من مضمونه. كما قامت بسن بعض القوانين التي تخص تايوان، والمحاججة بأن وضع تايوان لم يتحدد بعد، ومحاولة التفرقة بين مبدأ الصين الواحدة وسياسة الصين الواحدة. وهكذا فإن الولايات المتحدة هي التي تتراجع عن التزاماتها التي نصت عليها إعلانات كثيرة. يضاف إلى كل ذلك أن تايوان مسألة داخلية لا يمكن السماح لطرف آخر بالتدخل فيها. وفي المحصلة فإن الولايات المتحدة مطالبة بضرورة العدول عما تقوم به حتى لا تتضرر علاقاتها مع الصين، كما أنها إذا ما لم تقم بذلك فإنها سوف تدفع ثمناً باهظاً. وفيما يتعلق بتشبيه حالة تايوان بما يحدث في أوكرانيا فإن الصين تصر تماماً على أنه لا يوجد أي نوع من أنواع التشابه، حيث أن تايوان شأن داخلي، مع التذكير بمسئولية الولايات المتحدة ولو جزئياً عما يحدث في أوكرانيا. إذ أن الصين أكدت أكثر من مرة أن واشنطن بعدما ساهمت في وصول الأمر إلى ما وصلت إليه تقوم بصب الزيت على النار. ومن ثم فإن واشنطن هي المطالبة باستيعاب دروس الحالة الأوكرانية وليست بكين.
وإذا كانت الصين تؤكد على أن تايوان شأن داخلي، لا تقبل بالتدخل فيه، وإلا كان في ذلك مس بسيادتها، فإنها أحرص على تأكيد ذلك فيما يتعلق بالقضايا المثارة حول هونج كونج وسينكيانج.
وحول ما أثير حول قدراتها النووية، فإنها تعاملت مع الأمر على مستويين: أولهما ما يخص سياستها النووية، وثانيهما ما يتعلق بالسياسة النووية لمن أثاروا القضية وهما الولايات المتحدة واليابان. على صعيد سياستها النووية، فإنها تؤكد على أنها على الدوام كانت شفافة ومنفتحة، وأنها استراتيجية دفاعية، قوامها الحد الأدنى اللازم لحماية أمنها القومي، وأنها ملتزمة بعدم البدء باستخدام ذلك النوع من الأسلحة. وأما بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها طالبتها بضرورة الالتزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة، وأن تعمل على تخفيض ترسانتها النووية بطريقة قانونية وملزمة ويمكن التحقق منها ولا رجعة فيها، وأن تتوقف عن التعاون في مجال الغواصات النووية في ظل تحالف أكوس. وتضيف أن واشنطن بتصرفاتها تزيد من مخاطر الانتشار النووي، كما أن تصرفاتها تساعد في خلخلة السلام ولاستقرار في المنطقة. وأما بالنسبة لليابان، فإن الصين ترى أن موقفها من نزع السلاح النووي يحمل تناقضاً، وتطالبها بأن تظل ملتزمة في هذه الناحية، وأن لا تساعد في تهديد السلام والاستقرار.
بالنسبة للقضايا البحرية في بحري الصين الجنوبي والشرقي، فإن الصين ترى أنها ملتزمة بالقانون الدولي خاصة وأنها طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، واتفاقيات بحرية أخرى مهمة، وأن السلوك القائم على التحريض على المواجهة وتشكيل ما أسمته بالمجموعات الصغيرة هو الذي يهدد النظام البحري السلمي والتعاوني والمستقر.
بالانتقال إلى المبادرة الاقتصادية الأمريكية الجديدة ممثلة في الإطار الاقتصادي الذي أطلق في طوكيو بمشاركة ثلاثة عشرة دولة، فإن الصين تنطلق من أنها من حيث المبدأ ليست ضد أي مبادرات من شأنها زيادة مستويات التعاون الإقليمي بشرط أن أن لا يكون الهدف من تلك المبادرات خلق الانقسام والمواجهة. وتقول بأن هناك معايير يمكن من خلالها الحكم على هذا الإطار. وتلخصها في ثلاثة معايير كل منها له شقين. فالمعيار الأول يتمثل في أن تكون المبادرة معززة للتجارة الحرة، وأن لا تكون غطاءً للحمائية. وأما الثاني فأن تعمل على تعافي الاقتصاد العالمي، وأن لا تعوق من تدفقات السلاسل الصناعية. والثالث أن تكون معززة للانفتاح والتعاون وفي نفس الوقت لا تخلق مواجهات سياسية. وترى الصين أنه توجد تناقضات كثيرة في السلوك الأمريكي المتعلق بتلك القضية من بينها على سبيل المثال اتباع الولايات المتحدة سياسات حمائية، والانسحاب من مبادرات لتحرير التجارة كانت هي من رعاتها ومنها الشراكة عبر المحيط الهادئ، مما يعني أنها تتحدث عن التجارة الحرة كثيراً، بينما سلوكياتها ضد ذلك. وتذهب الصين أيضاً إلى أن هذا الإطار الاقتصادي يعتبر أداة سياسية أمريكية للحفاظ على الهيمنة الاقتصادية وتعمد استبعاد دول بعينها.
يبقى من المهم الوقوف على الموقف الصيني من مجمل الاستراتيجية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وزير الخارجية الصيني وانج يي وقبل أن ينتهي إلى أن تلك الاستراتيجية محكوم عليها بالفشل، أوضح أن نواياها واضحة، وأنها تثير الكثير من المخاوف. فهي لم تقف عند التخلي عن المسمى السائد "آسيا والمحيط الهادئ"، وإنما تعمل على محو إنجازات سابقة تحققت في المنطقة على صعيد السلام والتنمية. وهي تعمل على خلق المواجهات تحت لافتة الحرية والانفتاح، وهدفها احتواء الصين، وتوظيف دول المنطقة في استراتيجية الهيمنة الأمريكية. كما أنه اعتبر الاستراتيجية في جوهرها "تخلق الانقسامات وتحرض على المواجهة وتقوض السلام".
النظام الدولي القائم على القواعد تكرر الحديث عنه كثيراً في زيارتي الرئيس الأمريكي، وبات بنداً ثابتاً في السياسة الخارجية الأمريكية ترفعه حيال دول على رأسها الصين وروسيا. فماذا تقول الصين بهذا الخصوص؟ قبل تلخيص الرد الصيني يجدر ذكر ما قاله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في واشنطن بعد يومين من انتهاء زيارة بايدن لكل من سيول وطوكيو في هذا الإطار. إذ اعتبر أن الصين تمثل أخطر تحدي طويل المدى للنظام الدولي بحكم ما يتوفر لديها من نية لتغيير ذلك النظام، وبما تمتلكه من قدرات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية وتكنولوجية.
طبعاً الصين دائماً ما تؤكد أنها مع احترام القواعد القانونية الدولية ومع تفعيل دور الأمم المتحدة، وأنها ضد التصرف طبقاً لعقلية الحرب الباردة والهيمنة. ومن وقت لآخر تذكر الولايات المتحدة بأنها لم تنضم إلى هذه المعاهدة الدولية أو تلك رغم أنها تريد تطبيق قواعدها على الآخرين، وأنها قد انتهكت ميثاق الأمم المتحدة في بقاع كثيرة من العالم، وأنها تفرض العقوبات بعيداً عن مجلس الأمن. وفي هذا الخضم، فإنها أضافت مسألة أخرى تتمثل في التناقض بين الحديث المتكرر عن النظام الدولي القائم على القواعد والتأخر في تسديد الالتزامات الأمريكية للأمم المتحدة، حيث بلغت المتأخرات الأمريكية مليار دولار كما تقول الصين.
خاتمة
من الواضح أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى كل من كوريا الجنوبية واليابان ليست ككل الزيارات السابقة التي قام بها الكثير من الرؤساء الأمريكيون لهاتين الدولتين الحليفتين. ومن الواضح أن المحطة اليابانية هي التي صدر منها الكثير من الرسائل ذات الدلالة بالنسبة لمجمل السياسة الأمريكية في القارة الآسيوية، في ظل طرحها الجديد والعزم الشديد من قبل إدارة الرئيس بايدن.
لم تكن الأمور العملية فقط هي الحاضرة بقوة، وإنما حضرت كثيراً القيم، سواء بشكل مستقل أو عبر تغليف تلك الأمور العملية بها. قيم نسبت إلى أطراف واتهمت أطراف أخرى ولو بشكل مبطن بعدم الالتزام بها.
لم تكن الزيارتان فقط لأجل العلاقات الثنائية بين أطرافها، ولا حتى ما يتعلق بتعاونها الثلاثي، وإنما طال الأمر أطرافاً أخرى على رأسها الطرف الصيني.
معظم الرسائل الأمريكية صبت باتجاه الصين، وأخذت على الأغلب مسار النقد والتحذير. ومن جانبها لم تقف الصين مكتوفة الأيدي، إن أفعالاً أو أقوالاً.
من الواضح أن العالم مقبل على مواجهة استراتيجية شاملة أمريكية- صينية، تتضمن الجوانب القيمية والأيديولوجية، والسياسية والدبلوماسية، والاقتصادية والتكنولوجية. لكن هل ستصل إلى حد المواجهة العسكرية؟
في ظل هكذا مواجهة مفتوحة، هل ثمة مجال لأن يستمر مستوى الاعتماد المتبادل الكثيف الذي تشكل عبر عقود، سواء بشكل مباشر بين بكين وواشنطن، أو في منطق شرقي آسيا أو عبر ضفتي المحيط الهادئ؟
على ضوء ما يحدث في الولايات المتحدة، قبل روسيا والصين، هل ستتقارب الدولتان إلى حد تشكيل تحالف عسكري مضاد لحلف الأطلنطي وللتحالفات التي تتشكل في القارة الآسيوية برعاية أمريكية؟
هل العالم يسير باتجاه انفتاح أكثر يسمح بحركة متزايدة للأفراد والسلع والخدمات والاستثمارات أم أنه ستكون هناك قيود تحد من ذلك سواء بشكل صريح ومباشر أو بشكل مقنع؟
في ظل التحديات العالمية التي يدرك الجميع أنه لم يعد في مقدور دولة واحدة أو منطقة بعينها التصدي لها، هل ستساهم سلوكيات الدول الكبرى في التعامل برشد مع تلك التحديات بما يخفف من تداعياتها الكارثية أم أن تلك السلوكيات المتنافرة ستزيد من تلك الكوارث؟
زيارة بايدن لهاتين الدولتين الآسيويتين في الواقع جاءت كاشفة وليست منشئة. كاشفة لاتجاهات آخذة في التشكل منذ سنوات. فعندما كان بايدن نائباً للرئيس أوباما ظهرت استراتيجية الانعطاف نحو آسيا، بما يعني المزيد من التواجد الأمريكي في المنطقة بما في ذلك الوجود العسكري. وحتى التحول عن استخدام مصطلح آسيا والمحيط الهادئ لم يبدأ مع إدارة بايدن، بل إنه ليس أمريكياً محضاً، فهناك دول آسيوية منها اليابان شرعت في هذا الاستخدام منذ سنوات. والتجمعات الأمنية التي زاد زخمها مع إدارة بايدن أطلقتها إدارات سابقة وشجعتها وإن على مستويات أقل. ومن ثم جاءت إدارة بايدن لترفع من تلك المستويات إلى القمة. وبالنسبة للصين منذ سنوات وهناك أصوات أمريكية كثيرة توجه لها اتهامات متواصلة تتعلق بالتجارة والتكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية والإنفاق العسكري. ولم يقف الأمر عند الاتهامات وإنما كانت هناك إجراءت عقابية وبعضها شديد وغير مسبوق. ومن ذلك ما قامت به إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بخصوص فرض الرسوم على الواردات من الصين، فيما عرف بالحرب التجارية، التي دائما ما كانت الصين تقول أنها وإن كانت لاتريدها إلا أنها مستعدة لخوضها.
وعلى الرغم من أن الزيارة كانت كاشفة وليست منشئة، إلا أنه لا يجب إغفال أنها قد جاءت لتقدم تأكيداً إضافياً في مسألة تصيحح بعض الاتجاهات التي ظهرت تحديداً في ظل إدارة ترامب. ومن بينها طريقة التعامل مع الحلفاء، والتعامل بخفة مع المنظمات والمعاهدات الدولية، وما يرتبط بها من قضايا مثل التغير المناخي، ناهيك عن مجمل النهج الأمريكي في عهد ترامب في التعامل مع القضايا العالمية، والذي أدى إلى أن تصبح الصين في موقع الصدارة في الكثير من القضايا التي كانت تنتقد الولايات المتحدة لسنوات على خلفيتها، ومن ذلك قضيتي العولمة والبيئة، حيث باتت بكين أكبر المدافعين عن الأولى، وقيل إنها تسلمت القيادة في الثانية في ظل ما وصف بانسحاب أمريكي إرادي منها.
الخطاب الذي ألقاه بلينكن عقب الزيارة، وعلى الرغم من كل ما قاله في حق الصين، فإنه أكد أن بلاده سوف تستمر في الحوار معها. فماذا سيكون مضمون مثل هذا الحوار في ظل هذه البيئة المليئة بالشكوك والمتخمة بالاتهامات والاتهامات المضادة؟