في الوقت الحالي، لا توجد ظروف تجعل الدول الغربية تشارك بشكل مباشر في الحرب الدائرة في أوكرانيا، إلا إذا هاجمت موسكو مباشرة أراضي الحلفاء التي تغطيها المادة 5 من معاهدة واشنطن، وإن كان استخدام الأسلحة الكيميائية قد يؤدي إلى ذلك أيضا، لما يمثله من تجاوز للخط الأحمر الأخلاقي والقانوني الذي قد يجعل الدول الغربية تشعر بأنها مضطرة للمشاركة بشكل أكبر.
بهذه المقدمة، افتتحت مجلة "لوبوان" (Le Point) الفرنسية مقالا للباحث برونو تيرتريه، نائب مدير مؤسسة البحوث الإستراتيجية، يتخيل فيه السيناريوهات التي قد تدفع الغربيين إلى تعزيز مشاركتهم في الصراع الروسي الأوكراني، مثل مهاجمة أراضيهم أو استخدام الأسلحة الكيميائية أو اختراق الجيش الروسي نحو أوديسا وتحقيق "الربط الإقليمي" بين أراضيه وترانسنيستريا بمولدوفا، مما يجعل هذه الأخيرة أو رومانيا التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي "ناتو" تشعر بالتهديد.
ويمكن تخيل سيناريوهات أخرى -كما يقول الباحث- مثل إطلاق أوكرانيا عملية استعادة خاطفة لأراضيها في غضون بضعة أشهر، كما فعلت كرواتيا صيف عام 1995، وإن كان ذلك مستبعدا اليوم. ويستدرك الكاتب أنه من حقنا أن نتساءل منذ الآن عن دلالة تصريح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، الذي قال فيه يوم 15 مايو/أيار الماضي إن أوكرانيا "يمكنها الانتصار في الحرب"؛ لأن مفهوم "كسب الحرب" قد يكون له معنى مختلف لدى كييف وواشنطن وبروكسل، إذ تؤيد الدول الغربية دائما مبدأ وحدة أراضي أوكرانيا.
وهنا، ينبه الكاتب إلى ما أكده زعماء مجموعة السبع للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من "تضامنهم الكامل ودعمهم أوكرانيا التي تدافع بشجاعة عن سيادتها وسلامتها الإقليمية من أجل مستقبل سلمي ومزدهر وديمقراطية داخل حدودها المعترف بها"، في إشارة إلى أنهم لا يعترفون بانفصال دونباس ولا بضم شبه جزيرة القرم.
تهديد نووي
ومع ذلك، ليس هناك شك -حسب الكاتب- في أن عددا من الدول الحليفة سترفض مساعدة أوكرانيا في أي عملية تهدف إلى "مهاجمة الأراضي الروسية"، لما في ذلك من خطر التصعيد والتهديد النووي الحقيقي، خاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن مسبقا، عام 2014، أنه مستعد لوضع قواته النووية في حالة تأهب إذا تعرضت شبه جزيرة القرم للتهديد، كما أشار في فبراير/شباط الماضي إلى أن حرب القرم يمكن أن تصبح نووية.
لذلك ستصبح بعض الدول أكثر حذرا، وقد تتوقف شحنات الأسلحة وتوفير الاستخبارات التكتيكية لأوكرانيا، وفي حالة ضم موسكو مناطق أخرى كجمهوريتي دونباس أو خيرسون وزاباروجيا، هل ستكون الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على استعداد للمجازفة بأن تكون طرفا في مواجهة حول "أراض روسية"، خاصة عندما تقول روسيا إنها "في حالة حرب مع الناتو".
ومن بين الفرضيات التي أثارها الباحث الفرنسي، محاولة الدول الغربية محاصرة البحر الأسود، حيث تفرض موسكو حصارا بحريا على أوكرانيا، مما له عواقب وخيمة على توريد الحبوب إلى جزء كبير من العالم، خاصة أن أوكرانيا وروسيا من أكبر مصدري الحبوب، حيث صدرت كييف وحدها العام الماضي 12% من القمح العالمي، وقدمت 16% من صادرات الذرة العالمية، و18% من صادرات الشعير، و20% من صادرات بذور اللفت، و50% من صادرات زيت دوار الشمس.
حالة طوارئ غذائية سياسية
لذلك، يمكن لتحالف من الدول الراغبة في حل الموقف بالقوة البدء بإغلاق جزيرة الثعبان، بالقرب من مصب نهر الدانوب على بعد 40 كيلومترا من ميناء كونستانتا الروماني الرئيسي، إلا أن تلك العملية قد يعترضها العديد من العقبات، وستكون عالية المخاطر، وتحتاج إلى موافقة من تركيا بموجب اتفاقية مونترو لعام 1936.
ولكن بعد رفض إنشاء "منطقة حظر طيران" فوق أوكرانيا، خوفا من الاضطرار إلى إطلاق النار على الطائرات الروسية، من غير المتوقع أن تكون الجيوش الغربية مستعدة لفعل الشيء نفسه على السفن البحرية، ما لم يكن الجيش الأوكراني قويا بما يكفي ليتمكن من إغراق الأسطول الروسي بواسطة صواريخ تُطلق من الساحل.
وخلص الكاتب إلى أنه نظرا لحالة الطوارئ الغذائية يتكون أمر واقع في القريب العاجل، وستكون إلىجانبها قضية سياسية ملحة، تتمثل في شك العديد من الدول -التي يقال خطأ إنها من الجنوب- في أهمية مجابهة موسكو، واتهامهم الغرب بازدواجية المعايير، ليختم بالسؤال "ألم يحن الوقت لنظهر لهذه الدول أن مصير شعوبها يهمنا؟"