• اخر تحديث : 2024-04-19 15:15
news-details
ندوات وحلقات نقاش

حلقة نقاش: ممرات العبور إلى العالم الجديد الخارطة الجيو-سياسية في عالم متعدد الأقطاب


مقدمة

لكل حضارة مساراتها وممراتها الجيواقتصادية وسياسية. والعالم يتغير وكذلك المعابر. ويعتبر اليمن القلب والتقاطع المثالي بين القارات، خاصة بموانئه الاستراتيجية. وما الحرب على اليمن في حقيقتها سوى صراع على الممرات الحيوية لعالم متعدد الاقطاب. والجيوسياسي مرتبط بالاقتصاد العالمي الذي سيأخذ مكان أميركا الآفلة. وهو آسيوي بامتياز...

 فما أهمية هذه الممرات للاقتصادات الكبيرة؟ وإلى أي مدى يؤثر موقع اليمن ومعابره القديمة والجديدة على الصراع العالمي...

هذا ما ناقشته حلقة نقاش نظّمتها الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين بمشاركة عدد من أعضائها بعنوان: "ممرات العبور إلى العالم الجديد: الخارطة الجيو-سياسية في عالم متعدد الأقطاب"؛ وقد أدراها رئيس الرابطة د. محسن صالح. 

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

الزمان

نهار الخميس 28/7/2022  

المكان

Zoom Meeting

مدة اللقاء

من العاشرة والنصف صباحًا لغاية الثانية عشرة والنصف

 

المشاركون السادة:

1

عضو الرابطة د. حسين ريوران (الجمهورية الإسلامية الإيرانية)

2

عضو الرابطة د. زياد عربش (سوريا)

3

عضو الرابطة العميد الركن عابد الثور (اليمن)

4

عضو الرابطة الأستاذ خليل القاضي (لبنان)

5

عضو الرابطة الاستاذ محمد أمين كليك (تركيا)

 
ثانياً: مجريات اللقاء:

بعد الترحيب بالمشاركين، قال رئيس الرّابطة د. محسن صالح إن العالم يتحول الى عالم متعدد الأقطاب ومتعدد الممرات، وهذه الممرات الجيوسياسية المائية العالمية في البحار التي تبلغ نسبة كبيرة، وقد عبرت حضارات عبر هذه الممرات.  ومما لا شك فيه أن اليمن أحد أهم هذه المعابر، خاصة باب المندب والحديدة وصولًا الى مضيق هرمز على البحر الأحمر، على خليج عدن، وعلى عمان.

واليمن يمر في حرب اميركية سعودية على الأقل؛ وربما تكون هناك دول أخرى في الغرب نتيجة للصراع الغربي الشرقي، خاصة أن هذا الصراع يبلور قوى عالمية جديدة، وله بعد ثقافي واقتصادي.

إن موضوع اليمن له أهميته ليس بسبب مسألة المعابر باب المندب والحديدة، وبالتالي تواصله مع مضيق هرمز بالنسبة لإيران واليمن، بل لأن اليمن بمعابره واقتصاده المتوقع الذي لم يستثمر بعد سيكون واحدًا من الدول العظيمة في هذه المنطقة، لاسيما انه صلة وصل بين جنوب غرب اسيا، وبالتالي مناطق افريقيا والعالم، ومكانته بالنسبة لخطة الحزام والطريق.

لقد ارتكبت اميركا خطأ استراتيجيًا لأنها لم تستطع ان توقف الهبوط والتراجع، فدخلت في ازمة في أوكرانيا قبل ان تعد الاحتياط لمعالجة هذه الازمة، والناتو اليوم يتداعى بسرعة من ناحية الحكومات ومن ناحية البحث عن النفط.

هناك ازمة عالمية اصطنعتها اميركا ونحن يجب ان نستفيد من هذه الازمة الى اقصى حد، وبالتالي يكون من موضوع اليمن الى فلسطين يمكن التشديد على قوة هذه الموضوعات بفضل محور المقاومة، خاصة ان لدينا قوة عالية من القدرة على وقف التمدد الأميركي الغربي، الامر الذي يحفظ الممرات والطاقة أيضا.

والسؤال: هذا العالم لا بد ان يعبر الى مكان ما، فكيف سيعبر؟  بتسويات؟، بمعرفة قوة كل قطب بمكانته العالمية، وليس كالولايات المتحدة التي تبالغ بأنها تصادر القوى العالمية الأخرى، ونحن الان في صدد إعادة اقطاب العالم الى مكانتها من خلال الاقتصاد والمعابر الجيوسياسية في هذا العالم.

مداخلة د. حسين رويوران

أظهرت الحرب في أوكرانيا النظام الذي يتشكل دوليا وشددت من وتيرة ايجاده. وفي بداية التسعينات تعريف القوة تغير كان يتشكل من القوة العسكرية اولا والاقتصادية.. وقد تغير وأصبحت القوة الاقتصادية هي المتغير الأول في تعريف القوة ويأتي بعدها القوة العسكرية، من هنا الموضوع الاقتصادي أصبح في النظام الدولي له مكانة.

عندما يكون الاقتصاد متغيرًا كبيرًا في تعريف القوة في النظام الدولي فأين مكانة الممرات؟؛ إن  النقل البحري اليوم هو النقل الارخص ثمنًا من النقل البري وسكك الحديد والنقل الجوي، من هنا أصبحت الممرات لها أهمية أكبر لأنها تشكل الطريق الدولية، ولا شك ان أهمية الممرات في هذا الإطار أكبر لأنها تمر باتجاه أسواق، بمعنى ان مضيق هرمز هو مضيق تمر من خلاله بضائع تفوق 2000 مليار دولار كسوق، وفي الوقت عينه يخرج يوميًا من هذه المنطقة ما يقارب الـ 20 مليون برميل، من هنا أهمية كل ممر جيو سياسيًا يأتي على هذه الخلفية، ما هي الكمية التي تعبر، وما هي البضاعة، وما مكانة هذه البضاعة استراتيجيًا أيضا. 

نحن اليوم امام نظامين: نظام دولي هابط واخر صاعد، والأخير يمتلك قوة نمو اقتصادي والصين نموذج كبير في هذا النظام الدولي الجديد، بعكس النظام الهابط فهو يمتلك حالة ركود اقتصادي.

هناك دين عام كبير في اميركا والغرب عمومًا يصل الى ما يقارب الـ 100 تريليون دولار في حين نجد في المقلب الاخر زيادة واحتياطيًا كبيرًا جدًا، فالصين تمتلك ما يقارب الـ 60 تريليون احتياطي، حتى روسيا التي تمر الان في حالة حرب فهي في وضع جيد، فالروبل الروسي كان في بداية الازمة الأوكرانية 77 مقابل الروبل الواحد ووصل الى 140، ولكن من خلال قرار الرئيس الروسي بيع الغاز والنفط بالروبل الان هو ما يقارب الـ 55 روبل مقابل الدولار، فالمواطن الروسي أصبح يشعر براحة أكبر لان القوة الشرائية زادت وهو في حالة حرب. لقد خلقت الحرب في أوكرانيا مجموعة من الازمات أهمها ازمة الطاقة وأزمة الغذاء مع ربطهما بموضوع الممرات.

في هذا النظام هناك نظام هرم وهو النظام الغربي ونظام شاب يحاول ان يصعد بقوة، وهناك موضوع التكنولوجيا، فأميركا الان دخلت مرحلة الجيل السادس (G6)، في حين ان الصين الان تحاول ان تدخل في الجيل الثامن (G8)، من هنا نحن امام مؤشرات حول نظامين الأول صاعد واخر هابط، وهناك إمكانية حرب، فأميركا لا تستطيع ان تجاري هذا النظام، وهناك كلام بأن الصين قد تتجاوز في العام 2026 اميركا في الإنتاج العام وهذا ان حدث ستفقد اميركا تربعها على العرش الدولي، من هنا قد تدخل اميركا الحرب لمنع هكذا الموضوع.

عندما اكتشفت اميركا النفط الصخري قالت إن تبعية العالم للنفط في الشرق الأوسط انتهت، وأن إحدى ركائز سياسات اميركا في الشرق الأوسط التي كان مبنيًا على النفط الى جانب أمن الكيان الصهيوني ضعفت، ولكن مع بداية الازمة وظهور موضوع ازمة الطاقة تبين أن النفط لايزال سلعة استراتيجية ومهمة والعالم الغربي سيعود الى مرحلة الفحم الحجري إذا ما قطع عنه، وهذه مسألة تعكس أهمية النفط وأن ما قالته اميركا كان خطأ وتقييمًا خاطئًا لسلعة استراتيجية. وأي قطع لإمدادات الطاقة سيخلق ازمة وأي اغلاق لأي ممر سيخلق ازمة بذات القوة والمستوى. وبالتالي هناك تناسب بين هذين الموقعين من خلال ما نشاهده من تداعيات الحرب في أوكرانيا.

تركيا تمتلك الدردانيل والبوسفور كممرات مائية تتحكم بالأمن الغذائي العالمي وبصادرات روسيا في هذا الإطار، وهذه كلها تدلل على أن الممرات المائية كانت ولاتزال وستكون أحد اهم المناطق الاستراتيجية والتنافس عليها بين القوى الصاعدة والقوى الهابطة.

اما باب المندب فأهميته أنه مكمل لمضيق هرمز من حيث تدفق النفط باتجاه أوروبا، وكذلك تدفق السلع من أوروبا الى المنطقة العربية والى جنوب شرق اسيا.

واليوم هناك عملية انتقال للنظام الدولي من الغرب الى الشرق وبالتحديد الى اسيا، وهناك اقطاب أربعة في هذه العملية (الصين، والهند، وإيران، وروسيا)، وعندما تكون هناك عملية انتقال لرأس النظام الدولي الى اسيا، فالممرات التي كانت باتجاه الغرب ستصبح معكوسة باتجاه الشرق في أهميتها الاستراتيجية مستقبلًا.

وإذا كان النظام الدولي الغربي قد قام أساسًا على السيطرة على الاخر والعلاقة كانت علاقة سيد وعبد، وهذا واقع النظام الدولي وقد تكون تصريحات ترامب حول السعودية هي أصرح تصريح من قبل مسؤول أميركي في تعريف العلاقة، وتعرية حقيقة هذه العلاقة بين اميركا والسعودية.  ففي المقابل نجد أن النظام الجديد الذي يتشكل قائم على التكامل والتأخي والتشارك فالان محور المقاومة هو غير قائم على أسس يمكن تعريفها غير هذا الموضوع، والمصالح لا تأتي في صلب هذا الموضوع فهناك عقيدة وفكر استراتيجي واخلاق إسلامية جديدة يتم التأسيس على أساسها هذا المحور.

حتى على مستوى النظام الجديد الذي يتشكل، تقود الصين الحزام والطريق القائم على مبدأ الاستثمار، وان تقوم الصين في عملية دفع للتنمية في الدول الأخرى، والان اميركا وأوروبا فرضت عقوبات ضد روسيا بسبب ما يجري في أوكرانيا، والان يجب ان تحول روسيا نظرتها من الغرب الى الشرق.

الان مجموعة البريكس ومجموعة شنغهاي تؤسسان لنظام دولي جديد، وتؤسسان لعملة جديدة وهو البريك الذي يمكن ان يكون بديلًا عن الدولار واليورو، ونحن الان نرفض سلطة الهيمنة الغربية التي تتعامل بازدراء وفوقية مع الشعوب، ونريد بناء مجتمع قائم على التأخي والتكامل وزيادة الفرص بين هذه الدول من خلال عملية التشارك.

مداخلة العميد الركن عابد الثور

إن موقع اليمن الجغرافي حساس ومهم جدًا منذ القدم، ولعل أهمية البحر الأحمر، خاصة مضيق باب المدب أتت بعد فتح قناة السويس، ومضيق باب المندب هو نقطة اختناق رئيسة للبحر الأحمر عند مدخله الجنوبي؛ لذا تسعى كل الدول العظمى الى السيطرة على هذا المضيق الهام. فمضيق باب المندب مهم جغرافيًا واقتصاديًا وعسكريًا؛ ولعل الأهمية التي منحت لهذا المضيق أتت حتى في القرن الماضي في حرب إسرائيل مع مصر وسوريا. فإسرائيل في الدرجة الأولى كانت تسعى الى السيطرة على هذا الممر بشراء جزر في ارتيريا والسماح لها في التحرك في الأجواء الاثيوبية والارتيرية وأيضا جيبوتي.

وللبحر الاحمر طبيعته وتضاريسه وجغرافيته التي هي موضع أطماع دولية، تدخل اليه قرابة 5000 الاف الى 6000 الاف سفينة شهريًا وغالبيتها سفن اقتصادية، وبالتالي فهي مورد اقتصادي هام.

يسعى الاستعمار الجديد برعاية اميركا وحلفائها في الدول العربية اليوم بكل جهده وامكانياته لجعل البحر الأحمر بحيرة صهيونية، وسماح السعودية الأسبوع الماضي للطيران الإسرائيلي بالتحرك كيف ما شاء في الأجواء السعودية يشكل خطرًا على امننا القومي اليمني والامن القومي العربي؛ ومع ذلك نحن نحكم سيطرتنا على السواحل اليمنية وعلى المياه الإقليمية على الرغم من وجود قوى دول العدوان ومن ضمنها القوات الأميركية، وقد سبق ان أعلنت اميركا انها تتواجد في البحر الأحمر بأساطيل عسكرية بذريعة تأمين الملاحة الدولية. والامارات تسعى بكل امكانياتها وقدراتها للسيطرة على هذا الممر؛ ونحن الان في اليمن نعالج أخطاء النظام السابق، فقد اعطى هذا النظام كل الصلاحية وكل شيء من سيادة البلد للأنظمة العربية وعلى رأسها السعودية والامارات، واليمن لم تتمتع بالسيادة والاستقلال الا بعد ثورة 21 سبتمبر 2014.

القوات المسلحة اليمنية والقيادة السياسية والقيادة الثورية وعلى رأسها قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي استطاع ان يصل باليمن الى بر الأمان حتى وان كنا في هذا الوضع لا نحسد عليه من حصار مطبق، وحتى الهدنة التي هي هدنة إنسانية حاولت السعودية وأميركا والأمم المتحدة جعلها سياسية بالدرجة الأولى وتنصلوا من موقفهم الإنساني، ولكن نحن اليوم في مواجهة ولعل خطر البحر الأحمر هو أكثر شيء ما يهم الجيش اليمني والسلطة والحكومة في اليمن.

الخطر على امننا القومي موجود ولكن الخطر الأكبر هو قيام الدول العربية على البحر الأحمر المساندة والمساعدة، فالعمق الميداني والاستراتيجي للكيان الصهيوني هو البحر الأحمر. نحن نمتلك القدرة ولكن المنطقة حساسة ولا نريد ان نتعامل معاملة عسكرية، ونحن نحذر الكيان الصهيوني والنظام السعودي والأميركي بأن أي مساس بالمناطق الجغرافية والحساسة والجزر اليمنية الاهلة بالسكان في البحر الأحمر لن يتم التعاطي معه سياسيًا فقط، بل عسكريًا حتى إذا تطلب الحال؛ فاليمن يمتلك القدرة والقوات المسلحة قادرة على حماية هذه الجزر، وهم يحاولون الاستفزاز للرد في المياه الدولية ولكن أثبتنا قدرتنا على التعامل مع أي خطر يهدد الملاحة اليمنية او يهدد أراضينا. وإذا حاولت اميركا وإسرائيل والسعودية القيام بعمل عسكري في البحر الأحمر ضد اليمن، فالمنطقة ستدخل في إشكالية كبيرة وستتأثر مصالح اميركا ومصالح كثير من الدول في البحر الأحمر، ولن نسكت على أي عدوان او أي محاولة عسكرية للمساس بأمننا البحري.

البحر الأحمر يمثل بالنسبة للنظام السعودي ممر مهم جدًا وموقع لبيع نفطه ولأنابيب النفط وتجاري لجدة كونه أكبر ميناء يعتبر في البحر الأحمر، وبالتالي فالسعودية كدولة ساعدت الكيان الصهيوني في وجوده بالبحر الأحمر اول من سيتأثر.

كانت إسرائيل تسعى لتصنيف البحر الأحمر بما يسمى بحر فوق البحار حتى تستفيد من حرية الملاحة، واليوم سُمح لإسرائيل ان تتحرك كيفما تشاء في البحر الأحمر من خلال سيطرة اميركا على جزر في ارتيريا وشراء إسرائيل جزر فيها أيضًا.

البحر الأحمر هو بحر شبه مغلق وليس كبحر شرق الابيض المتوسط كبير وواسع وتستطيع الدول المسيطرة عليه ان تحكم السيطرة على البحر الأحمر، وكانت اميركا تريد فرض هيمنتها، وقوانين البحار التي وضعت في تلك الفترة هي قوانين مجحفة.

استطاع محور المقاومة أن يغير المعادلة وأن يوجد موازين قوة جديدة من خلال القوة العسكرية، وروسيا فرضت نفسها في المنطقة اليوم، ولا تستطيع اميركا او إسرائيل او بريطانيا تجاهل هذه القوة. وبالتالي فإن البحر الأحمر سيكون محل صراع قوي بين الدول ذات الأقطاب الكبرى والدول العظمى. وقد ظهرت قوى جديدة في المنطقة روسيا، والصين، والهند، وإيران، وهذه الدول تغير مجرى المعادلة الاقتصادية ومجرى المعادلة العسكرية والبحر الأحمر ضمن هذه المعادلة، وبالتالي فالقوانين التي وُضِعت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ستتغير اليوم وفق النظريات الاقتصادية الجديدة.

أما ما خص اليمن كدولة مستقرة تسيطر على جزء من حدودها البحرية فهو يستطيع اليوم فرض واقع جديد، ولن نسمح لتواجد قوى أميركية في البحر الأحمر على حدودنا البحرية، وان تواجدت فإن المساحة الجغرافية للبحر الأحمر كفيلة بأن تعطل مصالح اميركا وبريطانيا والكيان الصهيوني.

مداخلة د. زياد عربش

 لا يمكن أن نرى اليمن جيوجغرافيا الا ضمن الفضاء الإقليمي والعالمي، فاليمن على باب المندب ومع الخليج بشطريه بالشرق والغرب، وضمن السياق العالمي من الصين الى اميركا الى أوروبا الغربية الى منطقة الشرق الأوسط وافريقيا. والتبادل الدولي اليوم يعادل أربعة اضعاف عن ما كان عليه العام 2000، فاليمن كموقع جيوسياسي وجيواقتصادي يربط بين ايران ودول الخليج مع الشرق الأوسط باتجاه جنوب شرق اسيا، وهو موقع مهم جدًا لأسباب عديدة، ليس سلع وبضائع فقط، بل الإمدادات والتموين وعلى رأسها النفط ومشتقات الطاقة والغاز أيضا. وممرات الامداد والتزود والامن الطاقوي على مستوى العالم مرتبط بالإمداد من المنطقة والعبور والترانزيت بالاتجاهين من الشرق نحو الغرب ومن الغرب نحو الشرق، ومن الشمال نحو الجنوب، تلعب دور مهم جدًا. والأهم أن السيطرة على واحد في المئة من الامداد الدولي يعني الإمساك بجزء مهم جدًا من سلسلة الامداد، والرهان الرئيس للحرب القائمة منذ 10 سنوات او 30 عامًا هو السيطرة او الاستحواذ على ممرات العبور.

اليمن مع البصرة وطرطوس، بالإضافة الى مبادرة الحزام والطريق تحاول دمج المنطقة ضمن طرح معين، وهي تحتاج الى ممرات عبور مائية برية وبحرية، واليمن نقطة رئيسة وإيران والعراق أيضا.

ويمكن توسيع الطيف لان الصراع حضاري ثقافي اقتصادي سياسي ومتعلق بثقل دول العالم مستقبلًا .. فالتكنولوجيا لم تعد حكرًا على أحد وممكن لشعب الوثنيين أن يواجه أعتى وأخبث قوى الجبروت ودول رأسمالية بصيغتها الفجة، خاصة بعد فشل مصطلحات المجتمع الدولي بالطلب من دول أن تندمج وتحرر؛ ودولنا من ايران الى اليمن وما بين النهرين إلى مصر كانوا معولمين من عشرات القرون قبل ولادة العولمة والقصة ليست أن اليمن مهد القوة لكن كل هذه الدول وعلى الرغم من التحديات الجمة تحتاج كل شيء من بنية تحتية وبالتالي هنا النمو.. باي استثمار يعطي عوائد تتجاوز الرقمين وليس كما في الغرب نصف نقطة يعتبرونها نمو كبير. لقد تحول مركز الثقل العالمي اليوم من الغرب باتجاه الشرق ومن الشمال نحو الجنوب اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، وأصبح الصراع صراعًا حضاريًا، وتاريخيًا، وسياسيًا، واقتصاديًا، واليوم أصبحنا في صراع عالمي وجودي. كما أظهرت الحرب الأوكرانية كذب ونفاق الغرب ايديولوجيا، واليوم التطور لم يعد حكر على الغرب. وبالتالي فالصراع وجودي وليس لدينا مآل غير ان نواجه بشتى الطرق، خصوصًا اقتصاديًا وتكنولوجيًا.

مداخلة الأستاذ خليل القاضي

إن اليمن مهم بإطلالته على باب المندب والبحر الاحمر بالإضافة الى اطلالته على شاطئ العرب ومضيق هرمز، ولكن يغيب عن ذهننا مسألة طرحها الرئيس السوري بشار الأسد قبل الازمة والحرب على سوريا وهي تشبيك البحار الخمسة، وإذا تشبكت فهي القوة الاقتصادية الصاعدة في العالم. فمن يدقق في تقاطعات خطوط البحار الخمسة يرى أنها منطقة شهدت صراعات وحروب أهلية انطلاقًا من سوريا وصولًا الى اليمن، والبحار الخمسة هي (البحر الأسود، وبحر قزوين، والبحر الأحمر، والبحر المتوسط، والخليج الفارسي)، وإذا شبكنا انطلاقًا من سوريا وانجزنا خطوطًا قطرية على هذه البحار، نجد أن هذه المناطق هي مناطق العبور الاقتصادية، فالممرات المائية عبر التاريخ كانت محط صراع الامبراطوريات ومن كان يسيطر على الممرات المائية يسيطر على اقتصاديات العالم القديم، وبالتالي من يسيطر على الممرات المائية حاليا يسيطر على اقتصاد العالم الحديث.

ولا يمكن رؤية ما يجري اليوم الا بالعودة الى القمتين اللتين حصلتا في المنطقة في الأسابيع الماضية، قمة جدة والفشل السياسي والاقتصادي والامني التي منيت به، وقمة طهران التي حققت الكثير من النقاط السياسية والاقتصادية على خريطة العالم المقبل.

لقد نظمت اتفاقية سفر عام 1926 ولاحقًا اتفاقية مونترو في العام 1936 حركة الملاحة عبر مضيق البوسفور ولكن هذا التنظيم سلب الدولة التركية الكثير من السلطة في تقرير مصير حركة العبور عبر المضيق التي تمر بالحد الأدنى أكثر من 57 ألف ناقلة نفط ومواد غذائية عبره.

والنظام التركي يحاول أن يجد لنفسه مساحة في هذا العالم الجديد الذي يتكون من خلال دوره وهيمنته واستعادته للهيمنة المباشرة والكاملة على مضيق البوسفور في العام 2023، لذل نرى التركي يحاول تشبيك علاقاته مع الروسي والإيراني من اجل ان يحجز له دور مع اللاعبين الكبار في المنطقة بالمرحلة المقبلة.

ويجب أن نفهم أن مركزية سوريا بالأساس ونظرية تشبيك البحار الخمسة التي طرحها الرئيس الأسد قبل الحرب في سوريا فتحت شهية العالم على السيطرة على هذه البحار الخمسة، فهل هي صدفة أن تكون هناك حرب في سوريا بعد إطلاق نظرية تشبيك البحار الخمسة؟، هل هي صدفة ان تكون هناك حرب في اليمن؟، هل هي صدفة ان تكون هناك حرب في أوكرانيا؟، وكل هذه الدول على البحار الخمسة مرتبطة به، وعبر هذه الدول تمر انابيب الطاقة باتجاه أوروبا.

المسألة الحالية ان العالم كله يحتاج الى الطاقة، وحرب أوكرانيا وحصار الطاقة الذي تفرضه روسيا على أوروبا، دفع أوروبا للبحث عن مصادر أخرى للطاقة فكانت في منطقة شرق المتوسط، من هنا تأتي أهمية الانابيب في البحر المتوسط.

لماذا الإصرار على ان يتم تمرير أنبوب النفط من حقل زهرة عبر الكيان المؤقت وصولا الى لبنان باتجاه أوروبا، علما انه كان في الإمكان ان يتوجهوا من مصر الى أوروبا، ولكن هناك مسألتان: التوجه من خلال مصر الى اليونان فيها موضوع عامل تكلفة الانبوب عالية جًدا وخطير جدًا، والمسألة الثانية مرور الانبوب قبالة الشواطئ اللبنانية تحديدًا من طرف البلوك الرقم 8؛ فكل ما يحتاجه ما الكيان المؤقت والأميركي هو جزء من البلوك الرقم 8 لتمرير أنبوب النفط من حقل زهرة على حقول الكيان المؤقت على بلوك الرقم 8 وانجاز جزء من الاستراحة في البلوك الرقم 8 نوع من المضخة تثبت باتجاه ضخ الغاز من مصر والكيان المؤقت ومن لبنان باتجاه أوروبا، ولكن علينا ان نطرح سؤال: هل ستفي كمية الغاز التي ستصدر من حقل زهرة بالغرض باتجاه أوروبا؟ ؛ والجواب قطعًا ويقينًا كلا، فأوروبا تحتاج الى 150 مليار متر مكعب من الغاز بينما إذا اعطى الكيان المؤقت كل طاقته فيمكنه تصدير  15 مليار متر مكعب، وبالتالي فإن الكيان المؤقت مضطر لمد يده إلى الغاز اللبناني الموجود في شمال كاريش في الحقل الفوار وقانا والحقول الأخرى، لذلك يحاول عرقلة المفاوضات من اجل إيجاد صيغة ما مع الروسي إذا يمكن حل الازمة الأوكرانية قبل الذهاب الى حلول بالنار في منطقة الشرق الأوسط.

يجب العودة الى نظرية تشبيك البحار الخمسة التي أطلقها الرئيس الاسد لان بهذا الموضوع نعزز امننا القومي الاستراتيجي بمنطقة شرق المتوسط، فنحن قلب العالم سواء الصاعد ام الهابط، بالحضارة والطاقة وبالأمور الاقتصادية.  وما نحن ذاهبون اليه هو أنسنة الاقتصاد بعدما استفحلت المادة في التعاطي الغربي تجاه الشرق، فالقوة الصاعدة ذاهبة الى أنسنة الاقتصاد، أي ان يصبح الاقتصاد أكثر إنسانية ومرتكزًا على الانسان بالدرجة الأولى، فما يفهمه محور المقاومة ومحور حلفاء المقاومة هو أن الانسان هو الأصل.

مداخلة د. محمد أمين كليك

الذي يتبين لنا والمسار الذي يسير اليه العالم هو أن الهيمنة ستتغير بشكل اخر، ويجب أن نفهم العالم الجديد ونحضر أنفسنا لهذا العالم الجديد.  وما خص السلطة التركية فلديها هم واحد هو كيف تعيد الهيمنة العثمانية على الشرق الأوسط، ولم نر همًا لحزب العدالة والتنمية غير التوسع في المنطقة والهيمنة والسيطرة عليها.

الهدف من مشروع قناة إسطنبول

يعد مضيق البوسفور الذي يمر من خلاله ما يقرب من 43000 سفينة سنويًا، ممرًا مائيًا طبيعيًا يبلغ أضيق نقطة فيه 698 مترًا. تشكل الزيادة في حمولة السفن، وزيادة أحجام السفن نتيجة للتطورات التكنولوجية، وزيادة عدد السفن (الناقلات) التي تحمل الوقود وغيره من المواد الخطرة / السامة المماثلة ضغطًا وتهديدًا كبيرًا على اسطنبول.

في مضيق البوسفور هناك منعطفات حادة، وتيارات قوية، وحركة مرور بحرية حضرية متقاطعة رأسياً مع حركة مرور السفن العابرة التي تخاطر بالنقل عبر الممرات المائية. يعيش مئات الآلاف من السكان على جانبي مضيق البوسفور. البوسفور هو مكان للتجارة والحياة والعبور لملايين من سكان اسطنبول خلال النهار. يصبح مضيق البوسفور أكثر خطورة كل عام من حيث المخاطر التي تشكلها حركة مرور السفن. ارتفع العدد السنوي لعمليات عبور السفن الذي كان 3-4 آلاف منذ 100 عام، ووصل اليوم إلى 45-50 ألفًا. بسبب تنظيم المرور أحادي الاتجاه الذي تم تنفيذه لزيادة السلامة الملاحية، فإن متوسط ​​وقت الانتظار في مضيق البوسفور السفن الكبيرة تقارب 14.5 لكل سفينة عالقة. هي الساعة. قد تستغرق فترة الانتظار في بعض الأحيان من 3 إلى 4 أيام أو حتى أسبوعًا حسب حركة السفينة والظروف الجوية وأحيانًا وقوع حادث أو عطل.

في هذا الإطار، أصبح من الضروري التخطيط لممر عبور بديل لمضيق البوسفور. سيتم ضمان السفر الآمن لشعبنا من خلال تجنب مخاطر الحوادث المميتة الناجمة عن التقاطع الرأسي 90 درجة للسفن العابرة لخطوط المدينة التي تنقل 500 ألف مسافر يوميًا، مع قناة إسطنبول. في الوقت نفسه، سيكون من الممكن زيادة حصة الطريق البحري في النقل الحضري.

في هذا السياق، فإن الهدف من مشروع قناة اسطنبول هو حماية الملمس التاريخي والثقافي لمضيق البوسفور وزيادة أمنه، وتخفيف العبء الناجم عن حركة المرور البحري في مضيق البوسفور وزيادة الأمن في مضيق البوسفور. وضمان السلامة المرورية في مضيق البوسفور، وضمان سلامة الملاحة. وإنشاء ممر مائي بحري دولي جديد وإنشاء منطقة سكنية حديثة مقاومة للزلازل على أساس العمارة الأفقية مع مراعاة احتمال وقوع زلزال في اسطنبول.

والسؤال لماذا الشرق الأوسط دائمًا ميدان لصراعات الدول العظمى؟، وتجري حروب الوكالة في الشرق الأوسط؟، فالوضع الموجود في الشرق الأوسط هو نتيجة القوات العظمى والقوات المهيمنة، ولكن يجب ان نعيد النظر الى أنفسنا والى الخطأ الذي تسبب بأن نكون في هذا المستنقع من الصراعات والحروب، وان نكون لعبة في يد الدول العظمى. وتعدد الأقطاب هو علامة الخير والعالم الجديد سيكون متعدد الأقطاب ولكن يجب ان نكون على وعي بذلك.