يبدو أن الولايات المتحدة على موعد مع حلقة أخرى من حلقات تصاعد عمليات التطرف والكراهية داخلها، حيث أعلنت الشرطة الأمريكية خلال شهر يوليو الماضي أنها ألقت القبض على مشتبه به في إطلاق نار في جريمة أودت بحياة ستة أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 36 شخصاً وهي الجريمة التي وقعت عندما فتح رجل يحمل بندقية قوية النار من فوق سطح مبنى مستهدفاً عرضاً بمناسبة يوم الاستقلال في ضاحية هايلاند بارك الراقية في مدينة شيكاغو الأمريكية، ورغم عدم اتضاح معالم الجريمة حتى لحظة كتابة هذه الورقة، فإنها لم تكن الجريمة الأولى ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، فقد صارت تتكرر تلك المشاهد والجرائم بشكل متكرر؛ ما يجعلنا نطرح علامات استفهام عديدة حول كيف نجحت حوادث الإرهاب المحلي في بسط سيطرتها على الشوارع والمنشآت الأمريكية إلى هذا الحد؟ كيف يتكرر السيناريو بهذا التطابق؛ ليبدأ شخص بالتسلل سريعاً ويطلق رصاصات سلاحه نحو أهدافه ليسقطوا جثثاً هامدة وسط تدافع المصابين والناجين ثم تأتي الشرطة ورجال الإنقاذ بعد الحادث، ويفترش أهالي الضحايا مسرح الجريمة الغارق بالدماء والجثث، وتعلو وجوههم علامات الدهشة والصدمة والاستنكار، ثم ينتهي المشهد ببيانات ومواساة رسمية تدين الحادث وتوصي بالتصدي لتلك المآسي دون خطوات حقيقية ملموسة في واحدة من أكبر دول العالم.
لقد أصبحت أمريكا في مرمى أعمال العنف المجتمعي بشكل مكثف ومثير لم تشهده منذ ربع قرن، فالأرقام صادمة وصارت تتناقلها وسائل الإعلام الأمريكية والعالم بأكمله، فبمجرد البحث عن حوادث الأشهر القليلة للعام الحالي (2022) فقط نكتشف وقوع ما يقرب من 250 حادث إطلاق نار جماعي تسبب في مقتل نحو 300 ضحية، بالإضافة إلى إصابة ألف شخص من حوادث إطلاق النار وهجمات الإرهاب المحلي، وتكشف الإحصائيات الرسمية لمنظمة أرشيف مناهضة السلاح، مقتل أكثر من 45 ألف شخص بسبب حوادث مرتبطة بالإرهاب الداخلي وإطلاق النار في عام 2020 فقط. بالإضافة إلى وقوع أكثر من 19 ألفاً و300 قتيل حتى الآن في الولايات المتحدة منذ بداية عام 2022 حتى شهر يونيو الجاري.
ويرصد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن المتخصص بقضايا الأمن القومي حجم تهديدات العنف المجتمعي، حيث نمت النسبة المئوية للهجمات والمؤامرات من قبل الأناركيين والمناهضين للفاشية والمتطرفين من 23% في عام 2020 إلى 40% في عام 2021. وقد حدث هذا الارتفاع جنباً إلى جنب مع زيادة العنف في التظاهرات. وذلك على الرغم من وجود مستوى عالٍ تاريخياً للهجمات الإرهابية لليمين المتطرف واليسار المتطرف في عام 2021، حيث وصلت هجمات جماعات اليمين المتطرف إلى مستويات مخيفة خلال العامين السابقين، وشهد العام الماضي 73 هجوماً ومؤامرة إرهابية ترتبط بتنظيمات اليمين المتطرف الأمريكية التي امتدت إلى 18 ولاية
ويحذر التقرير من تزايد مخاطر العنف المجتمعي على مدار السنوات الست الماضية عبر استهداف قطاع عريض من الأبرياء السود والمهاجرين والمسلمين والآسيويين واليهود وغيرهم، ويلجأ المتطرفون اليمينيون إلى استخدام السيارات والأسلحة المتطورة والسكاكين لتنفيذ جرائمهم وكذلك يستهدفون المؤسسات الدينية بما في ذلك المساجد والمعابد اليهودية وكنائس أصحاب الأصول الأفريقية، وكذلك عيادات الإجهاض والمباني الحكومية التي تتلقى تهديدات بقصفها وحرقها وإطلاق النار على أهدافها.
وهو ما يجعلنا نطرح السؤال عن أهم تلك الحوادث الإرهابية وأبعادها المختلفة وأهم الحركات التي دعت أو حرضت على خطابات التطرف والكراهية في الولايات المتحدة، كما سنتطرق إلى أسباب تلك الظاهرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الورقة ستحاول وضع خطوط عريضة لكيفية مواجهة حركات التطرف والحض على الكراهية من خلال مجموعة من النقاط العامة والمختصرة.
أولاً: العنف المجتمعي وجرائم الكراهية
يندرج خطاب الكراهية في بنية مركبة من حرية التعبير، وحقوق الأفراد والجماعات والأقليات، ومبادئ الكرامة والحرية والمساواة. وقد أوضحت دراسة حديثة صادرة عن منظمة اليونسكو أن تعريف خطاب الكراهية هو في أغلب الأحيان محل جدل؛ فوفقاً للتشريعات الوطنية والدولية يشير خطاب الكراهية إلى عبارات تؤيد التحريض على الضرر، خاصة التمييز أو العدوانية أو العنف، حسب الهدف الذي تم استهدافه وسط مجموعة اجتماعية أو ديموغرافية. فقد يشمل، على سبيل المثال لا الحصر، الخطاب الذي يؤيد الأعمال العنيفة أو يهدد بارتكابها أو تشجيعها. لكن بالنسبة إلى بعضهم يمتد هذا المفهوم إلى عبارات تمهد لمناخ من الإساءة وعدم التسامح ما قد يشعل فتيل الهجمات التمييزية والعدوانية والعنيفة المنشودة.
وقد عرّف بعض الباحثين في علم النفس الجنائي جرائم الكراهية على أنها جرائم عنيفة توجه ضد شخص معين أو جماعة معينة، وذلك بسبب ما يتميز به هذا الشخص أو هذه الجماعة من خصائص عنصرية أو عرقية أو دينية معينة، ما يجعلهم موضع اعتداء وتمييز من قِبل جماعة الأكثرية. ومن ضمن هذه الجرائم ما يقع من اعتداءات على دور العبادة أو المقدسات، وما يتم من ممارسات تمييز عنصري ضد السود في الولايات المتحدة، أو ما يتم من إبادات جماعية بحق بعض السكان من ديانات معينة، مثل: إبادة قادة الصرب الكثير من المسلمين بشكل جماعي والسبب في ذلك كراهية هؤلاء لأبناء تلك الشعوب.
أما فيما يخص مفهوم الكراهية في حد ذاته فقد عرّفته "مبادئ كدمان" بأنه «حالة ذهنية تتسم بانفعالات حادة وغير عقلانية من العداء والمقت والاحتقار تجاه المجموعة أو الشخص المحرض ضده”. وانطلاقاً من هذا التعريف نص المبدأ الثاني عشر في فقرته الأولى على وجوب أن تتبنّـى الدول جميعها تشريعاً يمنع أي دعوة للكراهية على أساس قومي أو عرقي أو ديني مما يشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف. كما يلزم على الأنظمة القانونية الوطنية أن توضح ذلك بشكل صريح.
ثانياً: نماذج من حوادث العنف والكراهية في الولايات المتحدة
بالنظر إلى تاريخ حوادث العنف والحض على الكراهية في الولايات المتحدة نلاحظ أن هناك ثلاثة أنواع من الاستهداف لـــ “الآخر” في الولايات المتحدة الأمريكية وهي كالتالي:
- النوع الأول- استهداف السود
طبقاً لإحصائية أجرتها وزارة الصحة والخدمات البشرية في الولايات المتحدة، فإن عدد الأمريكيين السود الذين سقطوا ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وصل إلى ربع عدد الأمريكيين السود الذين راحوا ضحية الاستخدام المفرط للعنف من قِبل الشرطة الأمريكية ضدهم، ففي عام 2014 بلغ عدد ضحايا العنف المفرط من السود من قبل الشرطة نحو 1000 قتيل، بينما بلغ عدد ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر من السود 215 شخصاً فقط! ومع استمرار أعمال العنف ضد المواطنين السود ساد التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة تشهد عودة إلى عصر العنصرية، حتى في فترة وجود باراك أوباما في البيت الأبيض، باعتباره أول رئيس من أصول ملونة في تاريخ البلاد.
وفي الواقع كان من الطبيعي أن نتساءل عما إذا كانت هناك ازدواجية في توصيف أعمال العنف: هل تندرج في طائفة أعمال الكراهية أم هل هي شكل من أشكال الإرهاب؟ في هذا الصدد نشير إلى عدد من الأمثلة التي وقعت خلال عام 2015 (وهو العام الذي تم توصيفه باعتباره من أكثر الأعوام دموية من حيث عدد العمليات الإرهابية التي تم ارتكابها) والتي كانت كالتالي:
1. واقعة مقتل المدعو والتر سكوت في ولاية كارولينا الجنوبية، في 4 إبريل 2015: هذه الحادثة أعادت ملف استخدام الشرطة للقوة المفرطة والعلاقات بين البيض والسود في البلاد إلى السطح مرة أخرى. وقد أظهر فيديو بثته وكالة “رويترز” للأنباء سكوت راكباً سيارته، فيطلب منه الشرطي التوقف للتحقق من صحة أوراق المركبة، وبعد أن أخذها الشرطي وذهب ليتحقق منها، فر سكوت هارباً خوفاً من العقوبة المرورية، إلا أن الشرطي سعى وراءه مطلقاً ثماني طلقات، منها خمس أصابت سكوت لتكون كافية لقتله.
2. مقتل فريدي جراي عام 2015: وهو شاب أسود يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً، تم احتجازه في ولاية ميريلاند بسبب بيعه المخدرات، إلا أنه أصيب بغيبوبة في الحجز أدت إلى وفاته وسط اتهامات بالعنصرية لأفراد مركز شرطة مدينة بالتيمور وبالتقصير والإهمال بسبب دوافع عنصرية.
3. في السادس من مايو 2015 نشر شاب فيديو على موقع يوتيوب يوضح عنصرية الشرطة الأمريكية مع المواطنين السود وتواطؤها مع المواطنين البيض ضدهم؛ حيث أظهر النصف الأول من الفيديو رجلاً أبيضَ يحمل سلاحاً متجولاً به في الشارع، فقام الشرطي بالاقتراب منه وسأله بعض الأسئلة ثم طلب منه هويته، لكن الرجل رفض تسليم هويته فلم يصدر أي رد فعل عن الضابط. في المقابل، أظهر النصف الثاني من الفيديو الفعل نفسه، ولكن، يقوم به رجل أسود، وفي هذه الحالة أظهر رجال الشرطة رد فعل صادم، حيث قاموا بإجباره على التوقف والانبطاح تحت تهديد السلاح، محاولين اعتقاله.
4. مقتل تسعة أشخاص من السود داخل كنيسية عمانويل الأفريقية بمدينة شارلستون في ولاية كارولينا الجنوبية نتيجة إطلاق نار عليهم أثناء جلسة لدراسة الإنجيل في السابع عشر من شهر يونيو 2015. وقد انتفض الشارع الأمريكي إثر الحادث وذلك بالتوازي مع بداية عملية أمنية قادتها الشرطة المحلية وأفراد مكتب التحقيقات الفيدرالي بحثاً عن مرتكب الجريمة الذي التقطت صورته كاميرات المراقبة في الكنسية. وبعد القبض على الجاني، ويُدعي ديلان روف، البالغ من العمر 21 عاماً، اعترف بالجريمة مؤكداً أنه كان يريد “بدء حرب عنصرية في الولايات المتحدة”.
- النوع الثاني- استهداف اليهود:
تتعدد الأمثلة على أعمال العنف أو الكراهية أو اللاسامية التي استهدفت اليهود الأمريكيين، وفيما يلي عرض لحالتين على سبيل المثال:
1. تدنيس مقبرة يهودية مساء 20 فبراير 2017 في مدينة فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا: يتلخص هذا الحادث في تدمير أكثر من مئة من شواهد القبور للجالية اليهودية، وكانت المقبرة موقع الحادث معروفة كموقع ذكرى مهم للجالية اليهودية ولأعضاء جاليات أخرى، وجاءت هذه الأعمال على خلفية من التهديدات التي كان قد سبق وصولها إلى مراكز يهودية أخرى في البلاد. وفي مقابلة مع محطة إذاعة الجيش الإسرائيلي قالت مديرة المقبرة أن مظاهر اللاسامية ضد اليهود ازدادت في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة.
2. إطلاق نار في كنيس يهودي يُسمى “شجرة الحياة” في مدينة بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا 27 أكتوبر 2018، يتصل الأمر بقيام أمريكي “أبيض” يُدعي روبيرت بورز بإطلاق النار على الموجودين داخل المعبد موقعاً 11 قتيلاً، منهم 3 نساء وثمانية رجال. وأصيب القائم بالهجوم خلال تبادله إطلاق النار مع قوات التدخل السريع، وأدلى بتصريحات مناهضة لليهود أثناء القبض عليه وخلال احتجازه وتلقيه العناية الطبية
- النوع الثالث- استهداف العرب والمسلمين:
كشف تقرير صدر عن “مركز دراسة الكراهية والتطرف” في جامعة ولاية كاليفورنيا أن جرائم الكراهية ضد المسلمين الأمريكيين ارتفعت إلى أعلى مستوى لها عام 2016 منذ هجمات 11 سبتمبر 2001. وأفاد التقرير، الذي يحلل بيانات جرائم الكراهية التي تم توثيقها رسمياً عبر 20 ولاية أمريكية، أن جرائم الكراهية ضد المسلمين كانت بنسبة 78% خلال عام 2015، مع زيادة في الجرائم التي استهدفت العرب وكل ما يبدو عليه مظهر عربي هناك، وذلك ما بين الأعوام 2014 حتى نهاية 2016. ولاحظ الباحثون أن العوامل التي أسهمت في ارتفاع الخطاب المعادي للمسلمين والعنف ضدهم هي عوامل معقدة، ولا تنحصر في الهجمات الإرهابية فقط التي تعرضت لها دول غربية مثل تلك التي حدثت سابقاً في عام 2015 في باريس وسان بيرناردينو، وكاليفورنيا، وإنما كانت هناك الأحكام المسبقة والصور النمطية المشوهة التي تُدرج المسلمين كافة على قائمة الإرهاب أيضاً، فضلاً عن أن تصريحات السياسيين المعادية للإسلام في حملاتهم الانتخابية ربما تكون قد أسهمت بشكل كبير في خلق مناخ من الكراهية، خاصة من جانب المرشحين الجمهوريين.
1. حريق في مسجد خارج مدينة سياتل في العاصمة الأمريكية واشنطن، في وقت مبكر من الخامس عشر من يناير 2017، حيث أكد قائد شرطة المدينة أنه أضرم عمداً.
2. قُتل شخصان، بعدما حاولا الدفاع عن سيدة مسلمة تعرضت لاعتداء لفظي، في محطة للقطار في مدينة بورتلاند في ولاية أوريغون الأمريكية مساء يوم 27 مايو 2017، ونقلت وسائل إعلام أمريكية أن الرجلين شاهدا سيدة مسلمة تتعرض لفصول من العنف اللفظي في المحطة، فتقدما لمواجهة المعتدي، الذي قام بطعنهما، حيث لقي أحدهما مصرعه على الفور، فيما فارق الثاني الحياة بعد نقله إلى المستشفى. كما ذكر المتحدث باسم شرطة بورتلاند أن المعتدي المشتبه فيه تلفظ بخطاب كراهية تجاه السيدة المسلمة لارتدائها الحجاب، مؤكداً أنه تم إلقاء القبض عليه.
ثالثاً: أهم حركات الحض على الكراهية والعنف في الولايات المتحدة
كانت الولايات المتحدة الأمريكية مسرحاً لظهور العديد من الجماعات والحركات التي تأسست على مفاهيم عنصرية ترفض الآخر وتهدف إلى إقصائه. وعلى الرغم من أن هذه الحركات بدأت بالتمييز ضد السود، فإنها سرعان ما امتدت لتشمل اليهود والعرب والمسلمين والمتحولين جنسياً وغيرهم. وكان من أهمها:
1. جماعة كو كولوكس كلان:
أُعلن عن تأسيس جماعة كو كلوكس كلان عام 1866 في مدينة بلاسلكي في ولاية تنيسي في الوسط الشرقي من الولايات المتحدة، ووقف وراء ذلك من يسمون أنفسهم بالمحاربين القدامى وأعضاء الجيش الكونفيدرالي في الحرب الأهلية الذين كانوا يرفضون إعادة توحيد البلاد، وقد اختاروا الجنرال ناثان بيد فورد فورست زعيماً لهم لدوره الكبير في الحرب الأهلية[20]، وتؤمن هذه الجماعة بتفوق العرق البروتستانتي الأبيض على غيره من الأعراق والديانات، وتعارض تحرير السود وحصولهم على الحقوق المدنية وتطالب بالقضاء على الأقليات الدينية والعرقية في الولايات المتحدة. كما اتخذت من العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، حيث نفذت هجمات دامية بلغ عدد ضحاياها 3450 شخصاً، وبلغ هذا العنف ذروته عام 1867 كرد فعل على فوز السود بالانتخابات في الولايات الجنوبية وحصولهم على مقاعد في الكونغرس، فتم اغتيال سبعة مشرعين من السود ومهاجمة مدارسهم ومعاهدهم وكنائسهم ورموزهم. وبحلول عام 1870 تمكنت المنظمة من نشر فروع لها في الولايات الجنوبية الأمريكية كافة، وواصلت تنفيذ عملياتها الإرهابية لفرض معتقداتها. ويلاحظ أنه رغم قوتها وتمددها في هذه المرحلة كان أعضاؤها يتقنّعون وينفذون هجماتهم ليلاً. وبعد أن كان معظم أنصارها من صغار المزارعين استقطبت المنظمة التجار والمحامين وحتى ضباط الشرطة وبعض الوزراء والأطباء. إلا أنه، بناء على طلبات حكومات الولايات الجنوبية، أجاز الكونغرس قانوناً للتصدي لهذه المنظمة، وبعد مرور ستة أعوام سيطر الديمقراطيون على معظم الولايات الجنوبية؛ ما حدّ من نشاط المنظمة التي يميل أنصارها عادة إلى الحزب الجمهوري.
وفي عام 1915 بدأت الحقبة الثانية من نشاط الحركة حين أعلن الجيل الجديد تمسكه بتفوق العرق الأبيض البروتستانتي، واستهدفت إلى جانب السود الكاثوليك، اليهود والمهاجرين. وعلى العكس مما كان عليه الحال في الحقبة الأولى، مارست المنظمة نشاطها في حقبتها الثانية في العلن، فنظمت المسيرات وحشدت أنصارها في الساحات والميادين في أنحاء الولايات المتحدة.
وشهدت عشرينيات القرن الماضي تصاعد نفوذ الجماعة؛ حيث بلغ عدد أعضائها أربعة ملايين، وتمكنت في الثامن من أغسطس عام 1925 من حشد أكثر من خمسين ألف عضو في مسيرة عبر شوارع العاصمة الأمريكية، وسار بعضهم في صفوف بعرض 20 فرداً جنبا إلى جنب، بيد أن وهج المنظمة خف بعد مرور خمسة أعوام وتضاءل عدد المنتسبين لها بسبب تداعيات الكساد الكبير وتم حلها مؤقتاً. وعلى الرغم من ذلك فإن أنصارها استمروا في تنفيذ هجماتهم سراً ما أثار الغضب في مختلف أنحاء البلاد. وفي عام 1965 ألقى الرئيس الأمريكي الراحل، ليندون جونسون، خطاباً دان فيه أنشطة المنظمة ووجه باعتقال المشتبه بارتكابهم جرائم ذات صلة بذلك. وفي العقود الثلاثة التالية انقسمت المنظمة إلى مجموعات متطرفة، انتمت في أغلبها لما يُطلق علية “النازيون الجدد”.
2. النازيون الجدد
يشير هذا المصطلح إلى مجموعة من الناشطين الذين تجمع بينهم مبادئ معاداة اليهود وحب هتلر وألمانيا النازية. وتتمتع الآراء التي تعتنقها هذه المجموعات بحماية القضاء الأمريكي والتعديل الأول لدستور البلاد الذي يضمن حرية التعبير، وعلى الرغم من وجود العديد من تنظيمات النازيين الجدد المعروفة في الولايات المتحدة منها فإن أكثرها شهرة هو “التحالف الوطني”. ومع أنه من غير المعروف على وجه التحديد عدد الأعضاء في الحركات النازية الجديدة، فإنه من الملاحظ أن لديهم حضوراً في عدد كبير من الولايات، كما أنهم يُجيدون استخدام شبكة الإنترنت للترويج لأفكارهم فضلاً عن المذياع وخدمات الأخبار المخصّصة للعنصريين البيض، كما يعقدون مؤتمرات علنية في مُدن مختلفة في الولايات المتحدة، ويقودون حملة غير مسبوقة لزيادة حجم الدعم لهم، لا سيّما لدى العنصريين حليقي الرؤوس. وأضحت الحركة، التي تتخذ من مينا بولس مقراً لها، منظمة لبث الكراهية الأكبر في الولايات المتحدة.
رابعاً: في أسباب انتشار حركات الكراهية والتطرف في الولايات المتحدة
1. مواقع التواصل الاجتماعي
ربطت دراسة في يناير 2018 أجراها عدد من الباحثين في جامعة “وارويك” البريطانية بين الاعتداءات التي يتعرض لها المسلمون واللاجئون في ألمانيا والولايات المتحدة وخطابات الكراهية التي تُروج لها مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى سبيل المثال توصلت الدراسة، من خلال تحليل خطابات أعضاء حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي على موقع فيسبوك إلى وجود علاقة وثيقة بين هذه الخطابات، وتكرار الاعتداءات على المسلمين واللاجئين. أما فيما يتصل بالولايات المتحدة فقد لاحظت الدراسة تزايد حالات الاعتداءات على الأقليات عقب تغريدات المرشح، ثم الرئيس، دونالد ترامب التي تستهدف الأقليات. يضاف إلى ذلك أنشطة الجماعات المتطرفة في بريطانيا من قبيل Britain First، وFirst Generation Identity و National Action إضافة إلى وجود شخصيات إعلامية معروفة بتوجهاتها اليمينية المتطرفة ونشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يحظى بعدد كبير من المشاهدات من قبيل: ستيفن لينون، المعروف باسم تومي روبنسون، وبول جوزيف واتسون، فضلاً عن كاتي أوليلفيا هوبكنز، التي نشرت مقالاتها في عدد من الصحف البريطانية، وقد اضطرت صحيفة “الديلي ميل” إلى دفع مبلغ 150 ألف جنيه إسترليني لعائلة مسلمة، بعد قيام هوبكنز باتهامها بالتطرف عقب نشرها تغريدات لها في تويتر بعد حادثة مانشستر إرينا عام 2017، وقد انضمت في يناير 2018 إلى جماعة نازية كندية.
2. تراجع الديمقراطية الليبرالية:
ذهبت دراسة حديثة في هذا الاتجاه؛ لسكوت أتران: أنه وبسبب الجانب المظلم للعولمة وانهيار المجتمعات، بات الإسلام الراديكالي واليمين المتطرف يتشاركان قضية واحدة…فسواء اليمين المتطرف أو الإسلام الراديكالي، يبدو أن قيم الديمقراطية الليبرالية المنفتحة باتت تفقد زخمها على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم لصالح أصحاب الأيديولوجيات المتطرفة وأصحاب النعرات الطائفية المبنية على الخوف من الأجانب…”. وأوضح أتران أن فريق البحث قام بدراسة الحالة الفرنسية والإسبانية وتوصل إلى: “وجود رغبة ضئيلة لدى الأشخاص لتقديم تضحية عالية من أجل الديمقراطية مقارنة بالرغبة في القتال والموت من أجل الجهاد في أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط.. ولم تكشف المقابلات التي أجراها الفريق عن صراع حضارات بل خلصت إلى أن الحضارات آخذة في التفكك؛ فالشباب غير الملتزمين بالعادات والتقاليد يهربون بحثاً عن هوية اجتماعية تمنحهم الأهمية الشخصية والمجد. والأفراد يتجهون نحو الراديكالية بحثاً عن هوية ثابتة في أرض متقلبة. ففي هذا الواقع الجديد يتم استبدال الخطوط العمودية للتواصل بين الأجيال بخطوط عرضية تمتد إلى بقاع العالم كافة، وإن كان ذلك في قنوات ضيقة من الأفكار والمعلومات.. ويُظهر البحث أن حركة اليمين المتطرف تنطوي على النعرات العالمية ذاتها ضيقة الأفق من التغريدات والمنشورات والمدونات وغرف الدردشة أيضاً التي تربط بين المجموعات عبر العالم باعتبارها حركة جهادية”.
3. ترديد التصريحات العنصرية: من قبيل ذلك تصريح هورست زيهوفر، وزير الداخلية الألماني، في مقابلة مع صحيفة “بيلد” في مارس 2018: “إن الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا التي تمتاز بالمسيحية، والكنائس، وأعياد الفصح والقيامة، وبالطبع المسلمون الذين يعيشون معنا ينتمون إلى ألمانيا”. وتجدر الإشارة إلى أنه على خلفية هذه التصريحات دخل الوزير في صدام مباشر مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي سرعان ما أعادت التأكيد على أن “الإسلام جزء لا يتجزأ من ألمانيا، حتى وإن تميزت تقليدياً بطابع الديانتين المسيحية واليهودية”. كما صرح المتحدث باسم الحكومة قائلاً: “لقد تأثر هذا البلد تاريخياً بالمسيحية واليهودية، لكن هناك ملايين المسلمين يعيشون في البلاد أيضاً، واستناداً إلى دستورنا ونظامنا القانوني، فإن دين المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، أصبح جزءاً منها”. كذلك، يدخل في هذا الإطار خطاب النخب السياسية الغربية المتطرفة التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين يُساعدها في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي تروج منصاتها لخطاب الكراهية.
4. إنكار جرائم الكراهية: ترفض بعض الدول، وفي مقدمتها هولندا، الاعتراف بظاهرة العنصرية وجرائم الكراهية؛ فقد رفض البرلمان الهولندي، على سبيل المثال، مناقشة الاعتداء العنصري على مسجد “أمير سلطان” في يناير 2018 من قبل أنصار اليمين المتطرف في أمستردام، بعد أن تقدم نواب من حزب “دانك” بمقترحات لمناقشته؛ حيث رفضت الأحزاب اليمينية المتطرفة ذلك. أما في بريطانيا فيلاحظ أنها سارعت إلى دفع شبهة جرائم الكراهية عن مقتل الطالبة المصرية مريم عبد السلام، معتبرة إياها جريمة قتل جنائية تخضع لتحقيقات الشرطة.
5. صعود اليمين المتطرف: شهدت الولايات المتحدة على مدار القرنين الماضيين ظهور تنظيمات تتبنّى مفهوم “التفوق العرقي” على نحو ما تمت الإشارة إليها سلفاً، كما شهدت بداية القرن الحالي شكلاً جديداً من أشكال التنظيمات التي ترفع لواء هذا التفوق. ففي أواخر عام 2000 أطلق ريتشارد سبنسر، منظمة سمّاها معهد السياسات الوطنية في واشنطن. وكما كانت عليه الحال بالنسبة إلى النازيين الجدد، تضم هذه الحركة بدورها مجموعة من المحرضين والناشطين الذين يكرهون ما يُسمى “التواؤم السياسي”، وتتمثل مبادئ الحركة في: “الهوية البيضاء، والمحافظة على الحضارة الغربية التقليدية”. ولتوضيح ذلك أعد سبنسر بياناً سياسياً يضم أفكار الحركة أوضح فيه أن العرق هو أساس هويتها، وتُؤيد الحركة حمل السلاح وتعارض وجود المثليين والحركات النسوية، ودعا البيان إلى بناء مجتمع جديد ودولة عرقية للبيض تجمع الأوروبيين من خلال حملة تطهير عرقي لكن بطريقة سلمية، وتماشياً مع هذه المبادئ كان من المنطقي أن تؤيد الجماعة الحرية وحق التعبير، وكذلك والأهم حق “إهانة الآخرين”.
خامساً: محاولة لوضع استراتيجية
مع تعدد الرؤى واختلاف طبيعة الخطر ومداه كان من الطبيعي أن تتنوع وتتباين استراتيجيات مكافحة خطابات التطرف والكراهية من حيث التفاصيل والمحاور، وعلى الرغم من اشتراكها جميعاً في الخطوط العريضة. فإن النتيجة الطبيعية لذلك تتمثل في أن أي استراتيجية يتم اقتراحها لمكافحة جرائم التطرف والكراهية لا يمكن إلا أن تتضمن محاور وتظل درجة الشمول هي المعيار الرئيسي الذي من الممكن أن يميز استراتيجية عن أخرى ويجعلها أكثر فعالية، شريطة أن تستند إلى إرادة حقيقية وتعاون فعال ورغبة أكيدة في تحييد هذا الخطر وليس المزايدة عليه أو الاستفادة منه لتحقيق مصالح خاصة دون الالتفات إلى الخطر الأكبر الذي يستهدف الجميع.
لقد أظهرت الدراسة ضخامة ظاهرة التطرف وتعدد التنظيمات التي تتبنّـى خطاب الكراهية وتعدد أبعادها ومستوياتها، ففيما يتصل بالأبعاد فإنها متعددة ومتشابكة؛ ومنها على سبيل المثال: البُعد التعليمي، والإعلامي، والنفسي، الاقتصادي، والاجتماعي، والقانوني، والأمني، والعسكري،… وغيرها، ومن هذه الأبعاد، أبعاد تتضافر في تشكيل ملامح هذه الظاهرة المركبة على مستوى التنظيمات والجماعات المتطرفة، ومن ثم يلزم التعامل معها باعتبارها محاور رئيسية في استراتيجية التعامل.
هذه الاستراتيجية التي يجب أن تبدأ بالدولة القومية وتنتهي بالمجتمع، فالدولة تضع استراتيجية التعامل انطلاقاً من إدراكها لطبيعة تهديد الحركات المتطرفة الذي تتعرض له، ومدى ضخامته، ومصدره، والإمكانيات المتاحة سواء على المستوى الفني أو الخبرة البشرية، وغير ذلك من العوامل التي تدخل في الاعتبار لدى وضع أي استراتيجية وطنية تتعلق بمكافحة سياسات التطرف والكراهية. ومع الانتقال إلى المستوى الإقليمي تتغير معالم الاستراتيجية لتركز بشكل أكبر على أوجه التعاون والتنسيق بين الدول المتجاورة في مواجهة التهديدات التي تواجهها وقد تكون متنوعة في الضخامة والنوع من دولة إلى أخرى وفقاً لوضعيتها الخاصة. أما على مستوى المجتمع الدولي، فإن الأمر يتصل بالنظرة الشاملة لملف مكافحة جرائم التطرف والكراهية بما في ذلك تقسيم الأدوار والتركيز على المحاور الرئيسية، وهو ما يتضح في استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب لعام 2006.
إزاء هذه الظاهرة المركبة بأبعادها المتداخلة ومستوياتها المتشابكة، وبالنظر إلى الكم الهائل من الاستراتيجيات الرسمية وغير الرسمية، الوطنية والإقليمية والدولية المطروحة بالفعل، يثور التساؤل: هل هناك مجال للإضافة؟ في حقيقة الأمر، إن طرح هذا السؤال بهذه الصيغة الصريحة يحمل في طياته الإجابة بالنفي؛ حيث إن معظم الاستراتيجيات تناولت ظاهرة الكراهية مراراً وتكراراً وقدمت تصورات تباينت من حيث المحاور التي عالجتها، وحددت أدوات للتعامل اختلفت من حالة إلى أخرى.
إلا أنه تظل هناك دائماً إمكانية للإضافة والحذف والتعديل والتركيز على أبعاد تم إغفالها، وطرح أفكار جديدة يلزم تبينها، إما للقضاء على الظاهرة من جذورها وإما للتعامل مع مظاهرها الخارجية التي تظهر للعيان في شكل تنظيمات أو خلايا متطرفة أو أعمال عدائية أو حتى خطابات تحض على الكراهية والعنف ضد الآخر. ومن هذا المنطلق تنطلق الاستراتيجية المقترحة، فضلاً عما تقدم، وفي ضوء ما سبق من منطلقات لا جدال عليها وهي:
أولاً- الإرهاب لا يرتبط بأي ملة أو عرق أو جنسية أو حضارة، وأن الأديان والعقائد تجرم الإرهاب وتدعو إلى التسامح والاعتدال.
ثانياً- إن التطرف والحض على الكراهية يعتبر جريمة عابرة للحدود لها علاقات وطيدة مع ظاهرة التطرف والجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع بالسلاح وغسل الأموال والهجرة غير الشرعية.
ثالثاً- شمولية مكافحة جرائم التطرف والكراهية واجتثاث جذورهما، وهو ما يتطلب مضامين جديدة وشاملة لمعالجة أبعاد الظاهرة كافة، وتحويل المواجهة من إجراءات معزولة تقوم بها كل دولة على حدة إلى تخطيط استراتيجي شامل.
رابعاً- مكافحة الفكر المتطرف وسياسات الحض على الكراهية والغلو المُؤدي للعمليات العنصرية، يمثل مسؤولية جماعية تضامنية تقع على عاتق الحكومات، والبرلمانات، والمؤسسات الدينية لدى الدول، والنخب السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية، وجميع أفراد المجتمع على المستوى الوطني، وجميع مؤسسات وأجهزة منظومة العمل الدولي.
خامساً- التدابير المستخدمة في مكافحة التطرف والكراهية جميعها يجب أن تتفق مع المبادئ المعترف بها في القانون الدولي بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.
سادساً- الظاهرة التي نحن بصدد التعامل معها هي بحكم طبيعتها ظاهرة متغيرة؛ لا تندرج تحت نمط واحد سواء في الهدف المباشر أو أداة التنفيذ وإن اشتركت بشكل كبير في غاية ترويع الجمهور وإشاعة الخوف الذي يخدم بدوره أهدف أخرى أكثر عمقاً في مخططات التنظيمات الإرهابية، فعلى سبيل المثال: قد تستهدف العملية العنصرية مسجداً أو ملهىً ليلياً أو محطة قطارات أو سوقاً شعبية أو حفلاً موسيقياً أو احتفالاً بمناسبة قومية أو غير ذلك من الأهداف. كذلك تتنوع الأداة المستخدمة فهناك عمليات عنصرية يجرى تنفيذها دهساً بشاحنة أو سيارة، وأخرى رمياً بالرصاص من سلاح فردي، وثالثة باستخدام سلاح آلي، وغيرها طعناً بسكين،.. إلخ. وفي الواقع فإن التركيز على الأداة يعني أن تتسع دائرة البحث لتشمل كل ما يمكن استخدامه لإيقاع الضرر بالآخرين بدءاً بالسكين المستخدم في المطابخ إلى السلاح الكيماوي أو البيولوجي أو حتى النووي؛ حيث لا يخفى أن التنظيمات العنصرية تسعى جاهدة لامتلاكها.
سابعاً- تخضع ظاهرة العنصرية للتطور المستمر؛ ومن مظاهر ذلك أنه لم تعد عمليات التجنيد تجري من خلال الاتصال المباشر مع الشخص المُراد تجنيده فقط، ما يجعلها محفوفة بالمخاطر، بل أضحت الاتصالات تدور في الفضاء الافتراضي عبر شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاتصالات الحديثة التي يصعب تعقبها خاصة إذا ما ارتبط استخدامها ببرامج تشفير ومسح الآثار. كما أن تحديد الهدف ووقت التنفيذ وطريقته لم يعد أمراً يتطلب التقاء المُخطط والمُنفذ للتنسيق، وإنما أصبحت العملية تتم من خلال رسائل مُشفرة تنتقل من طرف إلى آخر في الوقت نفسه ما يجعل من تحديد وقت التنفيذ مفاجئاً للجميع. وبطبيعة الحال تتطلب خاصية خضوع ظاهرة العنصرية للتطور المستمر المراجعة الدقيقة لما سبق وضعه من استراتيجيات، لإدخال التعديلات اللازمة وإضافة أبعاد طرحت نفسها على الساحة. وفي هذا الصدد تجب الإشادة بحرص الأمم المتحدة على عقد اجتماعات دورية كل عامين لمراجعة استراتيجيتها العالمية وتحديثها.
ثامناً- ضرورة دمج أسس التعامل مع أبعاد الظاهرة العنصرية كافة في إطار عمل واحد متكامل؛ حيث إنه من الملاحظ أن الاستراتيجيات المطروحة تركز في أغلبها على أبعاد دون أخرى، الأمر الذي يتطلب السعي إلى طرح تصور يحاول الجمع بين العناصر كلها اللازمة للوصول إلى تحقيق الغاية المطلوبة.