في الأول من نوفمبر القادم، من المُقرر أن تجري انتخابات الكنيست في دورتها الـ 25، وهي الانتخابات الخامسة خلال أربع سنوات، وهو ما بات يعرف في إسرائيل بالأزمة السياسية، التي ليس لها مخرج حتى الآن في ضوء تمترس المعسكريْن: الأول حول نتنياهو، وهو ما يسمي نفسه "بلوك نتنياهو"، والثاني الذي يرفض الاشتراك في حكومة يترأسها المتهم نتنياهو.
وبرغم كل الحملات الانتخابية والتحريض والضخ الإعلامي المتبادل؛ إلا أن أيًّا من المعسكرين لم يحرز - بحسب استطلاعات الرأي - الرقم الذهبي (الـ 61 مقعد التي تؤهله لتشكيل الحكومة)، دون اعتماد نتنياهو على قائمة منصور عباس، ودون اعتماد معسكر لبيد على أصوات القائمة المشتركة.
ولأنها الدورة الانتخابية الخامسة، فإن البحث عن مخرج للأزمة وإيجاده أصبح أمرًا اضطراريًا، حتى لو اضطرت بعض المكونات الائتلافية من المعسكريْن أن تتنازل عن شروطها المعلنة؛ لذلك فإن نتنياهو يدرك أو لديه خشية على الأقل من انه في حال لم ينجح معسكره بتحقيق الـ 61 مقعدًا، فإنه سيكون مضطرًا لتقديم تنازلات أو إنه سيخاطر بانضمام أحد أحزاب بلوكه للمعسكر الآخر. ذات الشيء يخشاه لبيد؛ أن تنجح إغراءات نتنياهو لضم حزب من معسكر لبيد.
لا زال أكثر من 70 يومًا تفصلنا عن الانتخابات، وهي في المشهد السياسي الإسرائيلي سريع التحرك تعتبر فترة زمنية طويلة يُمكن أن ينقلب فيها مزاج الأصوات العائمة أكثر من مرة، فيكفي أن يرتكب أحدهم خطأ أو يفتح ملف جنائي، والعكس أيضًا صحيح، فأيّ إنجاز للحكومة سيُساعد معسكر لبيد. نتنياهو من جهته يراهن على تصيد أيّ هفوات للحكومة لإظهار عدم كفاءتها وعدم خبرة رئيسها، وقد كان إضراب المعلمين والتهديد بعدم فتح المدارس معضلة كبيرة للبيد، فسارع إلى حلها حتى بثمن حدوث أزمة مع وزير المالية أفيغدور ليبرمان.
لبيد الذي رأى في العدوان على قطاع غزة فرصة انتخابية سارع لالتقاطها، لكنه بالمقابل يرى في تهديدات حزب الله وكل ما يتعلق بالصراع البحري الذي في قلبه حقل "كاريش" بأنها تحدٍ وتهديد قوي لفرصه الانتخابية؛ لذلك فالتقدير الأكثر احتماليه أنه وبرغم كل حملة التهديد والاستنفار وتسريبات الجيش والحديث عن ضربة استباقية، برغم كل هذه الضوضاء فإن حكومة لبيد ستكون حذرة جدًا من استفزاز حزب الله، وهي باعتقادنا تتبنى سياسة التهديد والسير على حافة الهاوية لكنها ستشتري المزيد من الوقت، فهي تخشى الحرب في هذا التوقيت أكثر من حزب الله، وهي تدفع بجهود الوساطة الأمريكية قدمًا، بهدف الاحتواء وخلق موقف دولي داعم، والمراهنة على الأطراف اللبنانية بفعل الأزمة الاقتصادية اللبنانية.
أمريكا بايدن لا ولن تتوانى عن تقديم كل ما يطلب لأجل مساعدة لبيد في احتواء التصعيد دون إمكانية التوصل لأية تسويه حاليًا، لإدراكها أن لبيد لا يستطيع سياسيًا التقدم على هذا المسار. حزبا "الليكود" و"الصهيونية الدينية" يزعمان بأن لبيد على وشك التوقيع على اتفاق بحري يتضمن تنازلًا عن بعض حدودهم البحرية؛ لذلك طالبوه بأن تتم المصادقة على أيّ اتفاق بحري بأغلبية 80 عضو كنيست.
كما أنه من المُرجح أن تمارس أمريكا مُماطلة في موضوع الاتفاق النووي الإيراني، ولا نستبعد أن يكون قد حدث تفاهم بشكل أو بآخر على ألا يتم توقيع الاتفاق قبل الانتخابات، إن كانت المصالح الأمريكية تسمح بذلك. هذا لا يعني أن أمريكا سترهن مصالحها في الموضوع الايراني بمصالح جهة انتخابية إسرائيلية؛ لكنها قد تأخذها بعين الاعتبار إن كان ذلك مُمكنًا.
المشهد الانتخابي الإسرائيلي لا زال على حاله دون حسم، وداخل الأحزاب العربية - وهي مركب مُهم في خريطة المعسكرات - يدور الحديث الآن عن توجه حزب التجمع بلد للانشقاق عن القائمة المشتركة ودخول الانتخابات منفردًا، محاولًا تشكيل ما يسمى بالطريق الثالث ما بين الجبهة وما بين حزب الحركة الإسلامية منصور عباس؛ وهو أمر إذا ما تحقق سيضعف التمثيل العربي، لأن حزب التجمع (بحسب المتابعين) لن يستطيع تجاوز نسبة الحسم.