• اخر تحديث : 2025-12-25 15:01
news-details
قراءات

تُعد السياسات والتدخلات الإسرائيلية في سوريا أحد التحديات الرئيسية التي تواجه مساعي تعزيز الاستقرار، خاصة مع استخدام إسرائيل المتكرر للقوة العسكرية في تفاعلاتها مع المشهد السوري؛ وهو ما يفرض تحديات كبيرة ليس فقط على الإدارة السورية وإنما على الولايات المتحدة ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة؛ وهو ما يمكن ملاحظته من خلال مواقف وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال الفترات الماضية، والتي تدور في اتجاهين رئيسيين، وهما: دعم الرئيس السوري أحمد الشرع، ومحاولة ضبط التحركات الإسرائيلية في سوريا وانتقادها في بعض الأحيان؛ بهدف منعها من الانفلات حتى لا تؤثر في مجمل الأوضاع في سوريا؛ الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول مدى تعارض سياسة واشنطن في سوريا في الوقت الراهن مع إسرائيل، وكيف يؤثر هذا التعارض في المصالح الأمريكية ومآلاته؟  
 
تباين الأهداف والأدوات:
 
يظهر التعارض بين الولايات المتحدة وإسرائيل في سوريا نتيجة تباين أولويات الطرفين في دمشق، حيث تركز واشنطن على دعم الإدارة الحالية للحفاظ على الاستقرار وتهيئة المناخ لإعادة الإعمار والبناء في البلاد ما بعد الحرب، ومنع عودة تنظيم داعش مرة أخرى، إضافة إلى استثمار هذا الدعم وتعزيز الانفتاح الدولي على الإدارة السورية الجديدة في دفعها لاحقاً إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل ضمن المنظومة الأمنية الجديدة التي تهدف واشنطن إلى إرسائها في منطقة الشرق الأوسط. 
 
في المقابل، تتمثل أولويات تل أبيب في سوريا، في الحفاظ على حرية الحركة العملياتية التي اكتسبتها في المنطقة بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، وخاصة في سوريا بعد إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، بجانب رغبتها في تحييد الجبهة السورية أمنياً وتوسيع المنطقة العازلة منزوعة السلاح في الجنوب السوري واستغلال ورقة الأقليات السورية كأداة لتعزيز وتبرير حضورها في سوريا.
 
ونتيجة لهذا التباين في الأولويات، بدا أن هناك تعارضاً في مسار الحركة الأمريكية والإسرائيلية وأدوات كل منهما في التعامل مع الملف السوري؛ حيث تتبنى واشنطن ما يمكن تسميته بـ"دبلوماسية القوة" والعمل السياسي لإدماج سوريا في المجتمع الدولي؛ بما يقود إلى تحقيق أهدافها في النهاية. في حين لجأت تل أبيب إلى الخيار العسكري والسيطرة على الأراضي كأداة أساسية في التعامل مع مستجدات الأوضاع في سوريا.
 
ففي الوقت الذي استقبلت فيه واشنطن الرئيس السوري أحمد الشرع، وقامت برفع العقوبات المفروضة على سوريا، تستمر إسرائيل في تحركاتها العسكرية بما تراه واشنطن تقويضاً للاستقرار الذي تسعى إليه في دمشق. وقد ظهر ذلك بوضوح في تصريحات الرئيس الأمريكي مطلع ديسمبر الجاري، بعد العملية العسكرية الإسرائيلية التي جرت في بلدة بيت جن يوم 28 نوفمبر (اشتباكات بين القوات الإسرائيلية وسكان محليين أدت إلى سقوط 13 مدنياً وإصابة 25 آخرين، فيما أُصيب 6 عسكريين من الجانب الإسرائيلي) والتي أشاد فيها بالتقدم الكبير في سوريا في عهد أحمد الشرع؛ داعياً في الوقت نفسه إسرائيل إلى الحفاظ على اتصال وثيق وحوار حقيقي وقوي مع سوريا، وأن تتجنب أي إجراءات قد تعوق تنمية البلاد.
 
وتنظر الإدارة الأمريكية إلى أن التحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا قد تؤثر في جهود جذب الاستثمارات لإعادة الإعمار وتأهيل قطاع الطاقة السوري وتزيد المخاوف من عدم الاستقرار وتجدد الصراع؛ وهو ما يؤثر في مجمله في المصالح والاستراتيجيات الأمريكية هناك.
 
من ناحية أخرى، يظهر تعارض المصالح الأمريكية والإسرائيلية في سوريا في عرقلة إسرائيل جهود الوساطة الأمريكية الرامية إلى التوصل لاتفاق أمني بين دمشق وتل أبيب لوقف الأعمال العسكرية الإسرائيلية في سوريا؛ تمهيداً لتوقيع اتفاقية لتطبيع العلاقات بينهما، خاصة وأن انخراط إسرائيل في عملية سلام مع سوريا يُعد من الأهداف الرئيسية في استراتيجية ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط، إلا أن تعنت الجانب الإسرائيلي في المحادثات والمطالب بتوسيع المنطقة العازلة منزوعة السلاح في الجنوب، لا تزال تقف عائقاً أمام المضي قدماً في الاتفاق.
 
وتواجه المطالب الإسرائيلية برفض من قبل سوريا، وهو ما أعلنه الرئيس أحمد الشرع في أكثر من مرة؛ حيث شدد على خصوصية موقف سوريا بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان، وطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب سوريا، بينما تتمسك إسرائيل ببقاء قواتها في المواقع الاستراتيجية مثل جبل الشيخ. 
 
ويمكن القول إن إقامة علاقات بين سوريا وإسرائيل يُعد من بين الأهداف والمصالح الأمريكية في سوريا، وتتفق إسرائيل على أهميته وضرورة تحقيقه، وإن اختلفت رؤيتها عن الرؤية الأمريكية في كيفية الوصول إلى هذه النتيجة.
 
نقاط التلاقي:
 
على الرغم من تعارض المصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بسوريا؛ فإن هذا التعارض لا يعدو كونه تعارضاً تكتيكياً وليس استراتيجياً؛ إذ تتوافق مصالح الجانبين على المستوى الاستراتيجي على أكثر من اتجاه، ما يمكن تحديده على النحو التالي:
 
1- منع تنظيم داعش من العودة: تُعد مكافحة تنظيم داعش هدفاً متوافقاً عليه، أو على أقل تقدير يمكن أن تتفهم إسرائيل أهميته بالنسبة للولايات المتحدة، خاصة بعد هجوم داعش في 13 ديسمبر الجاري في مدينة تدمر، الذي أسفر عن مقتل 3 أمريكيين. ويمكن القول إن حاجة واشنطن إلى شريك مستقر وفعال على الأرض لمكافحة الإرهاب تجعلها أكثر استعداداً للعمل على تقييد التحركات الإسرائيلية؛ لضمان بقاء الدور الفعال لهذا الشريك، خاصة بعد انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لهزيمة داعش وشن القوات السورية عدة عمليات ضد داعش منفردة، وبالتعاون مع القيادة المركزية الأمريكية والتحالف الدولي.
 
2- الرغبة المشتركة في تحييد النفوذ الإيراني: تشترك إسرائيل والولايات المتحدة في هدف ومصلحة أساسية في سوريا تدور حول تحييد النفوذ الإيراني؛ وهو أحد العوامل التي تمثل نقطة التقاء بين الأطراف الثلاثة: الولايات المتحدة وإسرائيل وسوريا؛ إذ تتفق الأطراف الثلاثة على العمل على تحييد نفوذ إيران في سوريا، ووقف جسور تهريب الأسلحة من سوريا إلى حزب الله في لبنان. وتسعى الولايات المتحدة، في سياق إعادة تشكيل توازنات الشرق الأوسط، إلى تحييد الخطر الإيراني وتفكيك "محور المقاومة" عبر إعادة توظيف سوريا كدولة فاصلة بين النفوذ الإيراني ومجال النفوذ الغربي.
 
وتنظر واشنطن إلى سوريا على المستوى الاستراتيجي، بوصفها الجائزة الممكنة في معادلة الشرق الأوسط، مقابل فشل الرهان على لبنان والعراق اللذين باتا ساحتين مفتوحتين للنفوذ الإيراني. من هنا تعمل واشنطن من خلال دعمها للرئيس السوري على إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية عبر بناء محور إقليمي جديد أقل تبعية لطهران وأكثر انسجاماً مع المصالح الغربية والإسرائيلية.
 
مسارات محتملة:
 
يمكن الوقوف على مسارين أساسيين للتعامل الأمريكي الإسرائيلي في سوريا خلال المرحلة المقبلة، وذلك على النحو التالي:
 
أولاً: احتواء الخلاف: يفترض هذا السيناريو أن العلاقة الاستراتيجية والتوافق في المصالح بين واشنطن وتل أبيب سيتغلب على الخلافات التكتيكية؛ ومن ثم ستستمر الولايات المتحدة في دعم إسرائيل أمنياً؛ لكنها ستفرض قيوداً على التحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، والتي يمكن أن تؤثر في استقرار النظام السوري الجديد، في مقابل ضمان عدم تحول سوريا إلى مصدر تهديد حقيقي، وليس فقط كونه محتملاً لإسرائيل؛ إذ إن استمرار التحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا على هذا النحو من شأنه تعزيز النشاط الإرهابي في البلاد، كما أنه يخلق مساحات يمكن أن تستغلها إيران لإعادة التمركز والانتشار. 
 
وبناءً على ذلك، يُرجح أن تتجه الأمور نحو تعزيز التنسيق الأمريكي الإسرائيلي الذي يضع سقفاً للعمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، مع التركيز المشترك على مراقبة أي محاولات إيرانية لإعادة التموضع والانتشار، وبما يقود إلى تكثيف التفاوض للتوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل.
 
ثانياً: تصاعد التوتر: يفترض هذا السيناريو أن ترى إسرائيل التقييد الأمريكي لعملياتها العسكرية في سوريا تهديداً لأمنها؛ ومن ثم تعمد إلى التحرك العسكري المنفرد في سوريا بصورة أكبر من السابق، سواء فيما يتعلق بتوغلات قواتها في الجنوب السوري أم في قصف بعض المواقع العسكرية في البلاد؛ الأمر الذي من شأنه الإضرار بالمصالح الأمريكية سواء فيما يتعلق بمكافحة تنظيم داعش أم تحييد النفوذ الإيراني أم في إنجاح نموذج القيادة السورية الجديدة وإعادة الإعمار والاستثمارات.
 
في الأخير، يُرجح ألا يستمر التوتر بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن سوريا؛ إذ إن مجمل المعطيات الإقليمية تشير إلى أن أي تعارض بين الطرفين في أي من الملفات يجري احتواؤه ومنعه من التفاقم، وأن أمن إسرائيل يظل هدفاً أمريكياً بالأساس؛ ومن ثم فإن احتواء تعارض المصالح القائم على تباين الأولويات واختلاف الأساليب سيكون أمراً مرجحاً، ولا سيّما مع استعداد إسرائيل لتصعيد عملياتها العسكرية في لبنان وسط توقعات بنشوب مواجهة أخرى مع إيران؛ وهو ما يقتضي تهدئة التوترات في الجبهة السورية، حيث أشارت عدة تقارير إلى أن الولايات المتحدة تستعد لتأسيس وجود عسكري إضافي في سوريا، وأن تؤدي قواتها دوراً في تهدئة التوترات بين الإدارة السورية وخصومها سواء على المستوى الداخلي، خاصة فيما يتعلق بالأقليات الكردية والدرزية، أم على المستوى الخارجي فيما يتعلق بإسرائيل، على أن يرتبط ذلك كله بتعاطي الإدارة السورية مع ملف الأقليات وخاصة الدروز.