• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23

تواجه حكومة لبيد الانتقالية، قبل شهرين تقريبًا من موعد الانتخابات، أسوأ الكوابيس التي قد تواجهها أيّ حكومة انتقالية تطمح لنيل ثقة المصوتين، لا سيما وهي الحكومة المتهمة بالعجز والضعف وقلة الخبرة، والمتهمة بالاعتماد على اليسار والأصوات العربية، فهي تواجه ثلاثة تحديات كبرى ومركزية ذات طبيعة أمنية واستراتيجية، بدءًا من اشتعال المقاومة بالضفة وإمكانية تصاعدها ووصولها للمدن الإسرائيلية، ما يعني ضرب مفهوم الأمن الشخصي، ومفاوضات النووي الإيراني، والتحديات التي يفرضها حزب الله عبر تهديده بقصف منصات الغاز، في حال أقدمت إسرائيل على استخراج الغاز من حقل "كاريش" قبل توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل؛ الأمر الذي اضطر الحكومة الإسرائيلية إلى تأجيل موعد استخراج الغاز، الذي كان مقررًا سلفًا في سبتمبر الجاري إلى موعد آخر غير معلوم وغير معلن رسميًا.

التحديات والتهديدات قد تتحول أحيانًا إلى فرص مواتية تستغلها الحكومات الإسرائيلية، سواء كانت انتقالية أو حكومة مستقرة، ولكن ذلك يرجع لطبيعة التحدي وقدرة الحكومة على مواجهته بنجاح، وقد شاهدنا ذلك في شهر آب المنصرم؛ عندما شنت حكومة لبيد عدوانها على حركة الجهاد، لأنها قدّرت بأنه تهديد مناسب ليتحول إلى فرصة، فبادرت للهجوم واستعراض العضلات، وقبل ذلك في الضفة عندما أعلنت عن عملية "كاسر الأمواج"، فاستعرضت قواتها ونفذت الاغتيالات في بعض مدن الضفة وقراها، وغطى الإعلام الحكومي والإعلام الرسمي بشكل عام - في تغطية دعائية - عمليات القتل والمداهمات والاعتقالات الليلية، وأطلق على حي القصبة في نابلس "معقل وعاصمة الإرهابيين"، لكن ذات الحكومة وذات الجيش (الذي يستعرض عضلاته بشكل استعراضي) يتجنب مخيم جنين لإدراكه أن تهديد مخيم جنين ليس من النوع الذي قد يتحول إلى فرصة. ومع تصاعد المقاومة في الضفة، بات الاحتلال يخشى من أن ينقلب السحر على الساحر، ومن أن تتحول عملية "كاسر الأمواج" إلى عاصفة من ردود الفعل الفلسطينية المقاومة، تشمل الضفة والقدس والداخل، وهو أمر سيظهر مدى عجز وفشل الحكومة؛ ما سيهز من صورة لبيد وغانتس الانتخابية بعد ما حصداه إثر العدوان على قطاع غزة.

من بين كل التهديدات، فإن اشتعال المقاومة في الضفة هو التهديد الذي يحظى بأولوية الاهتمام الإسرائيلي، لأنه مشتعلٌ أصلًا ويتميز بالغموض والمباغتة، وهو مباشر، وقد ينطلق من صفر إلى مائة في غضون أيام.

أما الملف النووي الإيراني، فعلى الرغم من جديته وتميزه بكونه ملفًا استراتيجيًا ويصنف إسرائيليًا على أنه خطر وجودي؛ إلا أنه ليس ملفًا انتخابيًا، فقط 3% من الإسرائيليين تعتبره من أولوياتها الانتخابية، ومن الواضح أنه لن يتم التوصل لأيّ اتفاق بين أمريكا وإيران قبل الانتخابات الإسرائيلية، وفي إسرائيل ثمة مؤسسات ودوائر سياسية وأمنية تتولى متابعته.

ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وتهديدات نصرالله الواضحة، وما رافق تلك التهديدات بإطلاق المسيّرات تجاه حقل "كاريش"، ونشر فيديو يصور قصف الحقل بصاروخ أطلق من مسيرة مُعنون بـ "بأيام ستحدد مصيرك"؛ يحتل مكانة وأولوية عليا لدى المستوييْن السياسي والأمني، فالأمر يتعلق بتجاوز حزب الله لما يسمى إسرائيليًا بالسيادة، وهي أشبه بالخطوط الحمراء، حزب الله وصل في تهديداته إلى درجة الإملاء على الحكومة الإسرائيلية، فاضطرت لتأجيل استخراج الغاز الذي كان مقررًا في سبتمبر إلى موعد لم يُعلن عنه رسميًا، ممّا شكّل إحراجًا كبيرًا للحكومة، حيث اضطرت للتراجع تحت ضغط التهديدات، ولأن المُهدد هو حزب الله بما يملكه من قوة عسكرية، ولأن حقول الغاز المهددة من لفيتان وتمار حتى "كاريش" (أي كل حقول الغاز) تعتبر أهدافًا مكشوفة ويسهل ضربها بحسب ما أفاد به الحزب، وبحسب بعض العسكريين الإسرائيليين الذين أعابوا على موقع "كاريش" عسكريًا، حيث إنه بعيد عن الشواطئ ويصعب الدفاع عنه.

ضعف الحكومة الإسرائيلية أمام تهديدات حزب الله لاحظه عاموس يادلين، ففي مقال له مع باحث شريك، لاحظا أولًا أن خطابات نصر الله الأخيرة تعبر عن استعادة ثقته بنفسه بعد حرب 2006، واعتبرا أن تهديداته الأخيرة من حيث النغمة والجدية غير مسبوقة، كما لاحظا أنه قرن أقواله بالأفعال، حيث أرسلت المسيّرات التي اعتبراها تهديدًا استراتيجيًا خطيرًا، لاسيما وأنها اخترقت السيادة البحرية وهددت أحد أهم مُقدرات إسرائيل الاقتصادية، وأملت موقفًا على حكومة إسرائيل. كذلك لاحظا أن حزب الله نجح عبر السنوات في أن يُملي القواعد، فمنع المسيّرات الإسرائيلية من اختراق أجواء لبنان، ومنع إسرائيل من القصف الجوي للأراضي اللبنانية بعد هجوم صاروخي لفصائل فلسطينية، ومنع إسرائيل من قتل عناصر للحزب في عدوانها الذي تشنه على سوريا، وها هو يمنعها من استخراج الغاز من حدودها البحرية.

يادلين وأودي افنتال أكدا على تآكل ما يُسمى بالردع الإسرائيلي أمام حزب الله، وأشارا إلى أن ذلك يعود لمواقف وتصريحات الحكومة التي تراجعت أمام الحزب ولم تبادر للرد القوي على اختراق المسيّرات لحقل الغاز، ولم ترد على استفزازات الحزب على طول الحدود، ولم تهدد الحزب بلغة قوية وتحذره من أن أي "حماقة" ستعني حربًا مدمرة على لبنان. وقد لاحظا أنه في الوقت الذي يهدد الحزب بحرب مدمرة ستطال كل إسرائيل؛ فإن المسؤولين الإسرائيليين يتحدثون عن أيام قتالية، فضلًا عن غياب موقف إسرائيلي واضح يتعلق بالموقف الإسرائيلي من استخراج الغاز وتاريخ معلن، دون ربط ذلك بنجاح المفاوضات التي يقودها الوسيط الأمريكي هوكشتاين. وفي مقالهما طالبا الحكومة الإسرائيلية بأن توضح للحزب أنها مُصممة على استخراج الغاز في الموعد المحدد، بغض النظر عن سير المفاوضات، وأنها لن تدير مفاوضات تحت التهديد، وأن أيّ عدوان من الحزب سيرد عليه برد قاسٍ وغير متوقع.

معضلة حكومة لبيد، فيما يتعلق بترسيم الحدود البحرية، أن المفاوضات قد تمتد لأسابيع وأشهر، كما أنها كحكومة انتقالية لن تستطيع التوقيع على اتفاق بترسيم الحدود دون موافقة الكنيست عليه بأغلبية واضحة؛ الأمر الذي يعني أن على الحكومة أن تختار ما بين الاستمرار في تأجيل موعد استخراج الغاز إلى تاريخ غير محدد قد يتعدى نوفمبر، وهو ما سيُفسر إسرائيليًا بالخنوع لإملاءات الحزب، أو استخراج الغاز في أكتوبر القادم بغض النظر عن نتائج المفاوضات، وفي ذلك مغامرة باندلاع حرب كبيرة مع حزب الله، وهو يعتبر سيناريو كارثي بالنسبة لحكومة لبيد.