نشر موقع “الإيكونوميست” تقريراً بعنوان “القادة الجدد يتولَّون قريباً أعلى هيئات صنع القرار في الصين”، في 15 سبتمبر 2022. وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من هيمنة الرئيس الصيني “شي جين بينج” المستمرة على السلطة، فإنه يجب أخذ التحول الجيلي في البلاد في الاعتبار؛ إذ إن من الطبيعي أن تتولى شخصيات جديدة رئاسة الوزارات والمحافظات والمجموعات الحزبية الكبيرة. وبحسب التقرير، يثير التحول الجيلي عدة تساؤلات؛ منها: كيف سيؤثر القادة الجدد القادمون على عملية صنع القرار، خاصةً فيما يتعلق بالاقتصاد والتعامل مع جائحة كورونا؟ وهل سيلتزم كبار القادة بقاعدة التقاعد بمجرد بلوغهم 68 عاماً أم لا؟ وهل سيحل أحد شخصيات الجيل السادس محل الرئيس في النهاية أم أنه سيختار خليفة من الجيل السابع؟
خصائص مميزة
أوضح التقرير أن الخصائص والصفات المميزة للجيل السادس تختلف عن نظيرتها في الجيل الخامس الحاكم حالياً في الصين، ويتضح ذلك عبر ما يلي:
1. النشأة في بيئة مزدهرة وصديقة لدول الغرب: نوه التقرير بأنه من السمات المميزة للجيل السادس، الذي وُلد في الغالب بعد عام 1960، هو النشأة في ظل الازدهار الاقتصادي والاستقرار النسبي والعلاقات الدافئة مع الغرب التي أعقبت وفاة الزعيم المؤسس لجمهورية الصين الشعبية “ماو تسي تونج” في عام 1976؛ وذلك على النقيض من معظم الجيل الخامس. ودلل التقرير على ذلك، على سبيل المثال، باضطرار الرئيس “شي” إلى ترك المدرسة في الستينيات بعد نفيه إلى الريف للعمل هناك.
2. استكمال الغالبية الدراسات العليا في الخارج: أضاف التقرير أن “شي” عاد إلى الجامعة بعد سبع سنوات من نفيه، ودرس فيها بصفته “جندياً عاملاً”. ووفقاً للتقرير، وعلى النقيض من ذلك، دخل أفراد الجيل السادس الجامعة بعد نزع التطرف عن التدريس، كما أكمل معظمهم الدراسات العليا في الخارج، مدللاً على ذلك، على سبيل المثال، بحصول “تشن جينينج” البالغ من العمر 58 عاماً – وهو عمدة بكين وعضو المكتب السياسي للحزب – على درجة الدكتوراه من “إمبريال كوليدج” في لندن.
3. انتساب معظم التكنوقراط إلى الجيل السادس: بحسب التقرير، فإن من خصائص الجيل السادس الأخرى هيمنة التكنوقراط؛ إذ إن معظمهم من المهندسين والعلماء الذين قاد العديد منهم شركات مملوكة للدولة. ويمكن لسبعة أو ثمانية من هذه الشخصيات الانضمام إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي؛ وذلك وفقاً للباحث “تشنج لي” من معهد بروكينجز. كما توجد مجموعة قوية – طبقاً للتقرير – تُطلق على نفسها اسم “نادي كوزموس”، لديها خلفية في مجال الطيران؛ ما يعكس تركيز “شي” على الدفاع والتكنولوجيا.
عوامل معرقلة
أكد التقرير أن هناك مجموعة من العوامل التي قد تعوق حدوث التحول الجيلي وتمكين الجيل السادس من مراكز صنع القرار في الصين، ومن ذلك ما يلي:
1. مخالفة الرئيس “شي” معايير التقاعد المعهودة: لفت التقرير إلى أن “هو تشون هوا” يعد من كبار الشخصيات في الحزب الشيوعي، مشيراً إلى أنه وُلد في أحد الأحياء الفقيرة بريف الصين، وكان أول من التحق بجامعة بكين المرموقة في مقاطعته. وأضاف التقرير أنه عند تخرج “هوا” عام 1983، التحق بالحزب وتطوع للعمل في التبت. وتدرج في المناصب حتى أصبح أصغر حاكم إقليمي وعضواً في اللجنة المركزية للحزب. وشدد التقرير على أن الكثير في داخل الصين كانوا ينظرون إلى “هوا” على أنه أحد المرشحين ليصبح زعيم الصين في عام 2022.
وأوضح التقرير أن فرص حدوث ذلك باتت ضئيلة للغاية في الوقت الحالي، مضيفاً أن التوقعات تصب على نطاق واسع لصالح حصول الرئيس الصيني “شي جين بينج” البالغ من العمر 69 عاماً، على ولاية ثالثة مدتها خمس سنوات في مؤتمر الحزب في أكتوبر المقبل، وهو ما يخالف معايير التقاعد الأخيرة، على حد ما ذكر التقرير. لكن وفقاً للتقرير، قد ينضم “هوا” البالغ من العمر 59 عاماً، إلى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الجديد، وهي أعلى هيئة قيادية، وتضم الآن سبعة أعضاء.
2. هيمنة الرئيس “شي” على عملية صنع القرار: وفقاً للتقرير، سيتحدد الأعضاء الجدد للجنة الدائمة للحزب الشيوعي، جزئياً، بناءً على إذا ما كان الأعضاء الحاليون البالغون من العمر 68 عاماً أو أكثر باستثناء الرئيس “شي” سيتقاعدون أم لا، موضحاً أن نفوذ الرئيس “شي” قد يؤثر سلباً على فرص حدوث التحول الجيلي، وإن كان قد توقع إجبار الرئيس “شي” بعض أعضاء اللجنة الدائمة للحزب على التنحي؛ ما سيفسح المجال لضخ مزيد من الدماء الجديدة في الحزب.
كما قد تكون هناك مفاجآت أيضاً – بحسب التقرير – مثلما حدث سابقاً؛ حين أقيل “سون تشنجكاي” عضو المكتب السياسي ووريث “شي” المحتمل؛ وذلك قبل المؤتمر الأخير في عام 2017، وأُدين لاحقاً بالرشوة. وطبقاً للتقرير، يمكن أن تعكس التشكيلة الجديدة أيضاً إلى أي مدى سيقدم الرئيس “شي” تنازلات للتعاطي مع الانتكاسات الأخيرة، وتتمثل أحد المؤشرات على ذلك فيما سيحدث لـ “لي كه تشيانج” البالغ من العمر 67 عاماً، الذي من المتوقع أن يتنحى عن منصب رئيس الوزراء.
3. تجاهل تعيين خليفة للرئيس “شي” في منصبه: أكد التقرير أن من غير المحتمل اعتبار أي شخص من الجيل السادس خليفةً لـ”شي” في الوقت الحالي؛ إذ يتوقع التقرير أن يكون معظم المرشحين للمنصب من الجيل القديم، بحيث لا يمكن لأي منهم أن يحل محله إذا بقي لمدة عقد آخر. وشدد التقرير على أنه ربما يكون الأمر الأكثر واقعيةً هو ظهور الشخصيات الأصغر سناً ورثةً محتملين بعد انضمامهم إلى اللجنة الدائمة للحزب في عام 2027؛ لذلك رجح التقرير أن تنافس الشخصيات الرفيعة في الوقت الحالي على اكتساب ود “شي”، وهو ما سيقلل من احتمالية التوحد ضده، لكنه يزيد من احتمالية حدوث سوء إدارة، على حد ما ذكر التقرير.
4. هامش الحرية المحدود أمام الجيل السادس: أوضح التقرير أن الجيل السادس يفتقر إلى الحرية وإلى توفير مساحة كبيرة في كيفية تنفيذ التوجيهات المركزية، مضيفاً أن لديهم مساحة قليلة للابتكار. وفي هذا السياق، نقل التقرير عن “بو تشييو” الخبير بالسياسة الصينية المقيم في نيوزيلندا قوله: “إنهم يعرفون أن شي ليس بارعاً في السياسة، لكن لا شيء يمكنهم فعله؛ لأن ذلك قد يُعرِّضهم للخطر”، مضيفاً أن “التكنوقراط الصاعدين يقابلهم مجموعة من الذين لديهم علاقات شخصية بالرئيس شي”، وفق ما ذكر التقرير.
النموذج الماوي
وختاماً، أكد التقرير أن مراقبين مثل “فيكتور شيه” من جامعة كاليفورنيا، يرون أوجه تشابه بين “شي” و “ماو تسي تونج” الذي عمل على تقريب الشخصيات الضعيفة الموالية له للحفاظ على سلطته، لكن التقرير رأى أن “شي” لم يصل إلى هذه النقطة كلياً؛ إذ يرقي مساعدين أكفاء ذوي سلطات محدودة، وإن كان قد رأى أن هذا الأمر قد يتغير مع تقدمه في السن وضعفه. وتوقع التقرير اضطرار “شي” إلى التكيف مع النموذج الماوي، بسبب الخوف من أن يقوم شخص ما بانقلاب عليه في وقت متأخر من حياته.