• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
مقالات عربية

ماذا تريد تركيا من الصراع الآذري - الأرميني؟


لم ترسل تركيا قوات إلى أذربيجان، إلا أنَّها وفّرت وتوفّر معلومات استخبارية للآذريين، لأنَّ مشاركتها بالكامل محفوفة بالخطر، كما أنَّ عليها أن تؤمن تغطية من الناتو. أصبح واضحاً أنَّ الأطراف المتقاتلة الأرمينية والأذربيجانية لم تعد ترغب في إجراء مفاوضات سلام، والدعم التركي المباشر لأذربيجان مكَّنها من التحدّي ووضع موسكو في مأزق، لكون الصراع في أرمينيا وناغورنو كاراباخ سيضاف إلى المواجهة السياسية والعسكرية المكلفة لروسيا مع تركيا في سوريا وليبيا.

لا تريد موسكو الدخول في حرب، فالوضع الاقتصادي الحالي لن يسمح لها بذلك، لكن سيكون من العسير بالنسبة إليها التمسّك بالموقف السابق كحكم في النزال، فالدعم التركي المباشر لأذربيجان يدفع روسيا إلى الجانب الآخر من الصراع، إلا أنه لا يمكّنها من التسليم بالانتصار التركي الأذربيجاني في المنطقة، بسبب وقوفها الدائم في الوسط بين الطرفين، وذلك سيضع علاقتها بأرمينيا في مهب الرياح الغربية، ويؤدي إلى عداء مع أذربيجان. دوافع إلهام علييف واضحة، ذلك أنه قرَّر استغلال الوضع، فروسيا مشغولة ببيلاروسيا وبمشاحناتها مع الغرب حول قضية نافالني. وإضافة إلى ذلك، فإن نيكول باشينيان، الذي يتولى السلطة في أرمينيا، وصل إليها نتيجة احتجاجات الشوارع، وهذا يعني أن موسكو، من الناحية النظرية، لن تظهر نشاطاً كبيراً حيال كاراباخ.

ترتبط تركيا وأذربيجان بعلاقات عرقية وتاريخية قوية، ما جعل تركيا ترسل أسلحة ومستشارين عسكريين إلى أذربيجان في أوائل التسعينيات، عندما كانت الحرب معلنة على ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة ذات أغلبية أرمينية داخل أذربيجان. وتعبيراً عن المزاج العام في تركيا، وقعت الأحزاب السياسية الرئيسية في البرلمان التركي، باستثناء الكتلة الموالية للكرد، إعلاناً مشتركاً دفاعاً عن أذربيجان في وجه أرمينيا. وتعتبر تركيا طريق التصدير الرئيسي للنفط والغاز الطبيعي الأذربيجاني، إذ إن شركة النفط الحكومية الأذربيجانية "سوكار" هي أكبر مستثمر أجنبي في تركيا

لم يكن التصعيد غير متوقع. بعد ما يقارب 3 سنوات من الهدوء النسبي على الجبهة منذ العام 2016، بدأ القتال بالفعل في منتصف تموز/يوليو 2020، إذ قُتل 17 شخصاً على الحدود بين أرمينيا وأذربيجان. كان فقدان جزء كبير من أراضي البلاد سبب العداء لعقود من الزمن، لكن الضّغط اشتدَّ في الآونة الأخيرة على علييف، عندما اندلعت اشتباكات على طول الحدود الدولية لأذربيجان مع أرمينيا بعد تصعيد تموز/يوليو. نزل آلاف الأشخاص إلى شوارع باكو مطالبين الحكومة بإعلان الحرب واستعادة ناغورنو كاراباخ إلى جانب الأراضي المفقودة الأخرى، لكن يبدو توقيت هذا التصعيد مريباً. وقد شكّل فرصة مثالية للداعم التركي، في ظلّ عدم فعالية مجموعة "مينسك"، وانشغال الولايات المتحدة في سباقها الانتخابي.

يبقى أن نرى إلى أيّ مدى ستذهب تركيا في دعمها لأذربيجان، لكون دورها هو الأكثر نشاطاً! يبدو أنها عملية مقصودة، ولكن محدودة الأهداف من جانب أذربيجان، وهي تهدف إلى استعادة الأراضي التي احتلَّتها أرمينيا، ويعتقد علييف أن بإمكانه في ما بعد تعزيز وقف إطلاق نار جديد، حيث يمكن البناء عليه واعتباره انتصاراً عسكرياً

ماذا تريد تركيا سياسياً من هذا الدعم؟ خطاب الرئيس التركي إردوغان المتشدّد بشأن أرمينيا مرتبط بموقف تركيا في ليبيا وسوريا وشرق البحر المتوسط​​، إذ اضطرت إلى التراجع في مواجهة التحركات الروسية المضادة والتهديدات بفرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي...

وفي مواجهة التحديات الاقتصادية الكبرى في الداخل التركي، وإجباره على التراجع عن مغامراته في البحر الأبيض المتوسط​​، يعلّق إردوغان الآمال على بعض النجاح الأذربيجاني الَّذي يمكنه أن يتحقّق بفضل تركيا وتدخّله شخصياً، وهو يحاول إثارة عدم الاستقرار في المناطق الخلفيَّة لروسيا المشغولة ببيلاروسيا

يمكن أن يكون الهدف التركي هو خلق قدر أكبر من التوازن المختلّ في علاقات تركيا مع موسكو، ما من شأنه أن يعزّز يدها في تعاملها مع الروس في أماكن أخرى، أو خلق اتفاقيّات حول كاراباخ، كتلك القائمة في سوريا، أي اتفاقيات أستانة. وقد تأمل تركيا أيضاً الاستفادة اقتصادياً، من خلال بيع المزيد من المعدات العسكرية لأذربيجان، والفوز بشروط أفضل لواردات الغاز والنفط

لكن هذه المغامرة يمكنها أن تكون غير محسوبة بدقَّة، لأن اللعب في الحديقة الخلفية لموسكو مختلف تماماً عن الصراع في سوريا أو ليبيا. كما أن النخبة الاقتصادية الآذرية تحتفظ بعلاقات راسخة مع روسيا، واللوبي الأذربيجاني قويّ جداً في موسكو، وهو أقوى من اللوبي الأرميني.

وبينما تولي باكو أهميّة لدعم تركيا، فإنها لن تسمح أبداً بتجاهل موسكو، كما يتَّضح من خلال علاقتهما الوثيقة في مجالي الدفاع والطاقة، إلا أنَّ تحريك الوضع في كاراباخ واشتغال حرب القوقاز، هما آخر ما تريده موسكو في الوقت الحاضر على الأقل