• اخر تحديث : 2024-05-02 20:55
news-details
تقارير

بين حينٍ وآخر تعود الحملات الإعلاميّة المركّزة لاستهداف حزب الله، بغية تشويه صورته والتقليل من إنجازاته لدى الرأي العام اللبناني والعربي. الجهات كثيرة ومتنوّعة بين محليّة وعربيّة وخليجيّة بالتّحديد، وأيضًا دوليّة وعبريّة، تعمل جميعها على بثّ مواد موجّهة مليئة بالمعلومات الزائفة والمغالطات، المُراد منها خلق اتجاه معادي للمقاومة ا في لبنان.

في الآونة الأخيرة، نشطت حملات إعلاميّة جديدة لتشويه انتصارات حزب الله، في ظل الأزمة الاقتصاديّة التي يشهدها لبنان. يأخذ انتصار تموز 2006 النصيب الأكبر من الحملات التي يُراد منها أن تُفرغ هذه الواقعة من مضامينها وتحجيمها. والحال نفسه لدى الدّخول إلى سوريا عام 2013، وتحرير جرود لبنان عام 2017، والفوز بالأغلبيّة البرلمانيّة في انتخابات لبنان 2018.

 وفيما يلي يقوم هذا التقرير بعرض مجموعة مقاطع لبعض وسائل الإعلام التي تستهدف انتصارات حزب الله داخليًّا وإقليميًّا، وبشكل خاص الخليجيّة كونها أكثر الوسائل اهتمامًا بهذا الأمر، وهي من تقف خلف تمويل ودعم الوسائل الإعلاميّة الأخرى المنتشرة في العالم العربي، بما فيها لبنان.

حرب تموز 2006

بتاريخ 20/9/2022 أصدرت محكمة أميركيّة قرارًا يمنح 111 مليون دولار لمجموعة من الأمريكيين كانوا ضحايا صواريخ حزب الله في حرب 2006. القضية رُفعت بموجب قانون مكافحة الإرهاب الأميركي، وقيل إن "حزب الله تسبّب للمدّعين بإصابات جسديّة ونفسيّة وألحق أضرارًا بممتلكاتهم" . اللافت أن القرار صدر في أجواء ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان والكيان المؤقّت، وبعد قرابة شهر من ذكرى انتصار تموز. واللافت أكثر، أنه ما إن نشر الإعلام العبري الخبر، حتى تلقّفته الصحف الخليجيّة وبعض المحليّة، ليبدو أن حزب الله قد اعتدى على "منطقة آمنة" وتسبّب بإضرارها من دون حق، ولذلك يحتاج "الضحايا" إلى دعم نفسي ومادي بسبب "اعتداءات" حزب الله.

في الحلقة الثانية التي نشرتها الموقع الإلكتروني لصحيفة "النهار"، يواصل أحمد أبو الغيط في كتابه "شهادتي" سرد أحداث حرب تموز حين كان وزيرًا للخارجية المصريّة (2004-2011). يقول أبو الغيظ في الكتاب: "كنت أعلم أنهم في واشنطن ينظرون الى هذه العملية اللبنانية، وأقصد بها ما قام به حزب الله، باعتبارها حرباً بالوكالة من جانب إيران التي تسأل عنها وأهدافها، وبالتالي فهم لا يمانعون في واشنطن أن تتم هزيمة الحزب. ينتقي أبو الغيظ مصطلحاته بعناية، فيصف الحرب التي خاضها حزب الله في تموز 2006 بـ "العملية" في محاولة للتقليل من الإنجازات التي حقّقتها الحرب، ثم يسلّم للطرح الأميركي القائل إنها حربًا بالوكالة عن إيران نفّذها حزب الله، وهو تكرار لبروباغندا التحرّكات العسكريّة التي يقوم بها حزب الله، في تصويرها جميعًا "بالوكالة" عن إيران، رغم أن الكيان المؤقت يتاخم لبنان ويهدّد أمنه واستقراره لا إيران.

تصف صحيفة "الرياض" حرب تموز بأنها عمليّة "اختطاف" لجنديين إسرائيليين نفّذها حزب الله في فلسطين المحتلّة بالإضافة إلى "قتل آخرين"، في مسعى لتبرير ردّة فعل العدو الذي شنّ حربًا على لبنان وارتكب مجازر عنيفة أزهقت أرواح آلاف المدنيين، بدا أنها كانت معدّة مسبقًا وستنفّذ في أيّة فرصة سانحة، نسبةً لتحديد بنك أهداف واضح، وتوجيه اعتداءات بشكل تكتيكي.

بعنوان "حرب تموز".. 16 عاماً على مغامرة "النصر الإلهي" المفخّخ، نشر موقع "جنوبية" مقالًا جاء فيه "عبّدت حرب تموز 2006 الطريق أمام حزب الله ليفرض مشروعه المدعّم بحجة فرض أمر واقع، بأنه الحاكم بأمر دولةٍ خضعت لمنطقٍ أدخلها في دوامة ضياع، قوامها "لو كنت أعلم"، لتكشف عن مغامرة غيّرت المعادلة وقلبت الموازين ودقّت آخر مسمار في نعش الدولة لصالح الدويلة". المقال نُشر تزامنًا مع التهديدات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله للعدو إذا ما بدأ باستخراج الغاز قبل ترسيم الحدود البحريّة. الواضح أن الغاية هي تقليب الرأي العام اللبناني ضد أي قرار عسكري قد يذهب إليه حزب الله ضد العدو.

بطريقة ساخرة، تتناول قناة "الحرة" حرب تموز، بالقول إن حزب الله دائم البحث عن عدو للحفاظ على شعبيّته في الداخل، فكما فعل سابقًا مع الكيان المؤقت اليوم يخترع أعداءً جدد من السفارات والمجتمع المدني. "المهمة الآن هي اختراع بديل عن إسرائيل لخوض الحرب معه. إنهم السفارات وعملاء السفارات وجماعة المجتمع المدني". مع العلم أن حزب الله لم يتعامل مع موظفي السفارات والمجتمع المدني على هذا النحو العشوائي، وبمنطق التعميم، إنما كان الحديث عن اتهامات معينة من هذا الفئات يجري وفقًا لعلاقتها بأعمال تخريبية وبناءً على معلومات من قوى الأمن، لا لمجرّد الحشد الجماهيري كما يوحي المقال.

سوريا

رغم أن دخول الحزب إلى سوريا جرى بعد وصول السيارات المتفجّرة إلى لبنان وتنفيذ عمليّات إرهابيّة في الضاحية الجنوبيّة، إلا أنه تعرّض لحملات إعلامية تبثّ أخبارًا مفبركة لتشويه هدف الذهاب إلى سوريا، وهو قتال الإرهابيين الذين أصبحوا يشكّلون خطرًا وجوديًا على جميع دول المنطقة، وليس فقط سوريا ولبنان، بالنظر إلى سرعة انتشارهم وتمويلهم الهائل، والتسهيلات التي قُدّمت لهم من جهات خليجية ودولية. الإعلام المعادي اجتهد في نقل صورة رئيسة عن حزب الله وهي ارتكاب الجرائم، على غرار ما فعلت صحيفة "الخليج أونلاين" التي اتّهمت حزب الله بارتكاب جرائم: " اغتصاب نساء وإعدام ميداني وتنكيل بالجثث في دير بعلبلة، في أبريل 2012، ومشاركة حزب الله في إعدامات ميدانية طالت عشرات العائلات في حلب 2016. وارتكاب مجزرة قرية المالكية (ريف حلب) في شباط 2013، وإعدام عدد كبير من أهالي القرية من بينهم أطفال ونساء، قتل 96 مدنيًا. بالإضافة إلى مجازر داريا (ريف دمشق) 2012 ـ 2016 التي قتل فيها 817 بينهم أطفال ونساء". وغيرها الكثير من الجرائم.

من جهتها، رأت صحيفة "الغد" أن الدخول إلى سوريا، هو "نهاية حزب الله، ونهاية أي حركة مقاومة تنقل البندقية من العدو إلى الأخ، وتفتقر إلى أبسط الشروط الإنسانية والأخلاقية والدينية" . أما مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، فقال لـ"الشرق الأوسط"، إن حزب الله "خسر الجزء الأكبر من الشعبية التي كان يتمتع بها في سوريا، خصوصاً في المجتمعين السني والشيعي كما لدى باقي المكونات الأخرى"، لافتاً إلى أنه "بعدما كان هناك إجماع من قبل كل السوريين على أن حزب الله مقاومة هدفها الدفاع عن الأرض بوجه إسرائيل، وبعدما كان نصر الله يحظى بهالة وهو أشبه برمز كبير، تغيرت هذه النظرة كلياً، ففقد الحاضنة السورية إلى حد كبير، حتى ضِمن الجمهور العلوي تراجعت شعبية حزب الله كثيراً" . جاء ذلك في سياق حملة إعلامية عملت على تشويه صورة حزب الله في لبنان والعالم العربي من خلال اتهامه بقتل المدنيين والأطفال في سوريا، وهي مساعي تصب في خدمة الإرهابيين الذين حظيوا بدعم هذه المنصّات الإعلاميّة، سواء في تجاهل المجازر التي ارتكبوها أو في تحسين صورتهم أمام الرأي العام ووصفهم "بالمعارضة".

لا تزال المنصّات الإعلاميّة تعمل على اقتناص أي إنجاز تحققه المقاومة الإسلاميّة في لبنان سواء على المستوى العسكري أو السياسي، وحتى الاجتماعي، خاصّة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية. ففي الوقت الذي تنشط فيه مؤسّسات حزب الله الخيرية والإنمائية لتقديم المساعدات للبنانيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم، يتعرّض لحملات إعلاميّة موجّهة لتحميله مسؤوليّة الانهيار الحاصل في البلاد، والاستخفاف بالمشاريع والمبادرات التي يقدّمها، والتي من شأنها التخفيف من حدّة الأزمة الاقتصادية مثل الحصول على النفط الإيراني وبناء محطات ومعامل كهرباء من قبل الصين وروسيا وإيران.

معركة الجرود

الحال نفسها مع انتصار حزب الله في واحدة من أهم المعارك المفصليّة في لبنان والمنطقة، وهي تحرير جرود عرسال من التكفيريين، والتي أسماها السيد نصر الله "بالتحرير الثاني" بعد الأول الذي حصل في عام 2000. مزاعم الصحف توزّعت في أكثر من اتّجاه وعلى عدّة مستويات، قبل بدء المعركة وخلالها وبعد انتهائها. ادّعت قناة "سكاي نيوز" أن المقاومة هي المسؤولة حصرًا عن العملية بالتنسيق مع الجيش السوري الذي يقود المعركة، في مسعى لنزع الشرعية عنها بعدم مشاركة الجيش اللبناني واستغناء المقاومة عنه بالجيش السوري. كما عملت على تثبيط معنويات اللبنانيين بالتهويل بصعوبة المعركة، والتركيز على عدد شهداء وجرحى حزب الله دون ذكر التكفيريين ومصيرهم. "معركة حزب الله في جرود عرسال لن تكون سهلة، خصوصا أنه مع بدء الاشتباك وردت معلومات عن سقوط عدد من عناصر ميليشيا حزب الله قتلى في أرض المعركة فضلا عن جرح آخرين".

لكن بعد أن حقّقت المقاومة انتصارًا على التكفيريين في جرود عرسال، اختلف الخطاب الإعلامي كليًا، فقد عمل الإعلام المعادي كما فعلت قناة "العربية" على نسب الانتصار للجيش اللبناني حصرًا، وتهميش دور حزب الله الذي أظهرته أنه "قلقًا" من تقدّم الجيش في المعركة، كما لو أن الطرفين في حالة منافسة، مع العلم أن التنسيق بين الجيش والمقاومة هو أبرز عوامل النصر. وهذا ما جاء في المقال الذي نشرته العربية: " معركة جرود القاع أو فجّر الجرود، أقلقت حزب الله بسبب أن الجيش اللبناني أظهر كفاءة عسكرية عالية وحقق تقدماً ميدانياً مهماً في الأيام الأولى، حيث نجح في تحرير مئة كيلومتر مربع من أصل 120 تسيطر عليه مجموعات داعش". أيضًا كان ثمّة رأي آخر تمثّل في مقال نشرته صحيفة "العربي الجديد" جاء فيه: "منذ صدر القرار من قيادة حزب الله بحتميّة خوض الحزب معركة جرود عرسال للقضاء على مقاتلي جبهة النصرة هناك، انطلقت معركة تهميش قرار الدولة اللبنانية".

انتخابات 2018

عام 2018 حقّق حزب الله انتصارًا سياسيًّا بحصوله على أغلبية المقاعد لأول مرة منذ دخوله إلى البرلمان اللبناني. بعد صدور النتائج سارع الإعلام المعادي إلى تقزيم هذا الإنجاز وإثارة النعرات الطائفيّة وتخويف الناس من "هيمنة حزب الله". على سبيل المثال، أوحت قناة "الجزيرة" أن توسّع حزب الله في البرلمان جرى على حساب تراجع حصص السنّة، وكتبت: "على صعيد المفرزات السياسية للانتخابات، تساءل المغردون عن سبب تراجع حصص السنة وتوسع حزب الله وأنصاره في المجلس النيابي" .

أما موقع "نون بوست" فنشر مقالًا بعنوان "ما هو سر نجاح حزب الله في الانتخابات البرلمانية اللبنانية؟"  للكاتب ديفيد كين قال فيه إن حزب الله سيطر على المجلس النيابي بعد حصوله على أغلبية المقاعد مع حلفائه. وفي معرض حديثه عن هيمنة حزب الله على القرار السياسي في لبنان، ذهب الكاتب للقول إن الميزانيّة التي يصرفها حزب الله لدعم عوائل الشهداء، وتسليح قوّاته، تُصرف على حساب موارد أحزاب أخرى، علمًا أن الحزب يعلن بشكل واضح أنه يستمد تمويله من إيران لا من الدولة اللبنانية ولا أية جهة أخرى، وهي حقيقة يدينه بها الخصوم دائمًا بزعم أنه "تابع" لإيران.

ترسيم الحدود 

كخطوة استباقيّة للخيارات التي قد يُقدم عليها حزب الله في ملف ترسيم الحدود البحريّة مع العدو، بدأت مجموعة من الصحف المحليّة المعروفة بتمويلها الخليجي، إلى التقليل من أهميّة خطابات السيد نصر الله، وسعيه إلى حماية حقوق لبنان من الغاز والنفط. المسألة بالنسبة لهذه الصحف تنطلق من "فائض القوّة" كما كتبت صحيفة "النهار"، التي خلصت إلى أن معادلة "جيش - شعب - مقاومة لم تعد تجيب عن الإشكاليّة المتعلقة بحماية لبنان"، يطرحها السيد نصر الله "بما يتناسب مع موقع حزبه وقوته، بعدما بات أقوى من كل المكوّنات اللبنانيّة ومن الدولة نفسها، ليعيد استحضار كل الشّعارات التي تعبئ جمهوره وتكرّس دوره وهيمنته".

في ملف التّرسيم أيضًا، ذهبت صحيفة "الجمهورية" إلى تصوير حزب الله قد وقع في خديعة العدو، بعدما نجح بإخفاء أهدافه والتلاعب بالموقّف اللبناني، بالإضافة إلى دخول أوروبا على الخط بفعل أزمة الطاقة، فضلًا عن الزّعم بأن أزمة الانهيار الاقتصادي ستحاصر حزب الله، وتجعله مقيّدًا في اتّخاذ القرارات. وهو ما عبّرت عنه الصحيفة في العبارة التالية: "إثارة أوروبا، ولا سيما منها فرنسا، ضدّ «حزب الله» بسبب ملف ترسيم الحدود، سيجعل الحزب في موقع أصعب، ولا سيّما وسط أوضاع لبنانية داخلية صعبة ومتشنّجة ومأزومة".

صحيفة "نداء الوطن" قطعت الطّريق على أي انتصار محتمل قد يحقّقه حزب الله في حماية حقوق لبنان وتمكّنه من استخراج الغاز، وقالت: "في التقييم الأميركي للمرحلة التي بلغتها المفاوضات حول الترسيم أنه حتى لو اعتبر الحزب أن قبول العرض اللبناني انتصار له، فإن النتيجة النهائية هي أن واشنطن بحاجة لتأمين استخراج الغاز من كاريش، والكيان بحاجة لذلك، ولبنان سيستفيد حكماً نظراً إلى أوضاعه الراهنة. فهو يحتاج إلى فسحة أمل باستكشاف الثروة النفطية والغازية في البحر، وكل هذه الإيجابيات تفوق أهمية إعلان الحزب أنه انتصر". يعني ذلك أن هذا الانتصار هو تحصيل حاصل لرغبة الولايات المتّحدة والكيان المؤقت في استخراج الغاز من كاريش، ولبنان حكمًا، سيستفيد من استكشاف الثروة النفطيّة والغازيّة في البحر، وبالتالي ليس للحزب أي دور في هذا الأمر الذي سيتحقّق نتيجة التسوية ليس أكثر.