• اخر تحديث : 2024-12-20 17:12
news-details
تقارير

التهديد الحقيقي للديمقراطية الأمريكية – خطة ترامب للتأثير على الانتخابات الرئاسية القادمة


نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الاميركية في أواخر سبتمبر 2022 “فيديو رأي” تحت عنوان: “التهديد الحقيقي للديمقراطية الأمريكية”، وهو فيلم استقصائي قصير يمتد لحوالي نصف الساعة ويتناول تلك القضية الهامة التي ترتبط بمستقبل الديمقراطية الأمريكية في عقر دارها، ويستعرض الأخطار المحدقة بها والتي تنذر بتقويضها، منذ اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب لمبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، إثر ادعاءات الأخير بأن الانتخابات قد “سُرقت منه”، مما أدى إلى تعطيل جلسة مشتركة للكونجرس لفرز الأصوات الانتخابية واعتماد فوز منافسه جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020 بشكل رسمي، حيث تم حينها إخلاء مبنى الكابيتول وإغلاقه، قبل أن تُعقد جلسة أُخرى للكونجرس فيما بعد واستكمال الإجراءات عقب فرض حظر تجوال في العاصمة واشنطن واحتواء الموقف الأمني فيها.

يقدم الصحفي المتميز جوني هاريس هذا الفيلم الوثائقي القصير ويشترك معه في تحليل الأحداث الصحفية ميشيل كوتل، عضو هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز، وهي مراسل سياسي متمرس نُشرت لها مجموعة من أبرز المطبوعات، وقامت بتغطية جميع أنواع الانتخابات، بدءاً من الرئاسة وصولاً إلى مجالس المدارس المحلية.

وتبرز خطورة المعلومات المقدمة في هذا الفيديو التهديد الحقيقي الذي يواجه العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة، والأجواء التي يمكن أن تدمر السلم الداخلي عند إجراء الانتخابات، وفي بلد ينتشر فيه السلاح بشكل كبير، ألا يمكن أن تؤدي مثل هذه الأجواء إلى الحرب الأهلية؟

في مقدمة الفيديو، يبرز مقدمو الوثائقي أنه على مدى العامين الماضيين، تصدر سيل جارف من العناوين الرئيسية في الصحافة الأمريكية تشير إلى أن الديمقراطية مهددة في الولايات المتحدة، على غرار: “قمع الناخبين”، “نقص في صناديق الاقتراع”، “رافضوا الانتخابات يسعون للوصول لمناصب رئيسية في الدولة”، إلى آخر ذلك.

قد يكون من الصعب قياس تلك الروايات التي تشير إلى وجود تهديد مرعب حقاً للديمقراطية في الولايات المتحدة، ولكن منتجي “فيديو الرأي” هذا استهدفوا من خلال هذا العمل الكشف عن أحد أكثر التهديدات خطورة على الديمقراطية الأمريكية، بما يتضمنه من مؤامرة معقدة، ليس فقط للتحكم في من يمكنه التصويت في الانتخابات، ولكن أيضاً في تحديد الأصوات التي يمكن احتسابها والتي على إثرها يتم إعلان النتائج.

ويؤكد منتجو هذا الوثائقي القصير أن هناك شيئاً واحداً مؤكداً، وهو أن سباق 2020 الانتخابي لم يُسرق، كما ادعى ترامب. لكن الجديد أن الرئيس السابق دونالد ترامب وداعميه الجمهوريين يعملون بدأب حالياً على التخطيط لتزوير الانتخابات المستقبلية لصالحهم. فقد أقنع الرئيس السابق أتباعه بأن النظام الانتخابي قد تم إفساده وأن الطريقة الوحيدة لإنقاذ أمريكا هي أن يتولى الوطنيون من “ماجا” (حملة ترامب الانتخابية “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”) السيطرة على النظام الانتخابي برمته، لضمان فوز المرشحين “المناسبين” في المستقبل. وفي هذا الإطار، عمل حلفاؤه على هندسة هذا الاستحواذ على نظام الانتخابات الأمريكي قانونياً، حيث تم بالفعل تنفيذ الأجزاء الرئيسية من هذه الخطة الخطيرة. لذلك، فإن هذا الفيلم القصير يسلط، ببساطة، الضوء على تلك “المكائد”، “حتى يتمكن أولئك الذين يهتمون بالديمقراطية من العمل على إيقافها. ولكي تبقى الديمقراطية الأمريكية على قيد الحياة، لابد من الاتفاق على واقع مشترك، وأن يقبل الخاسرون بالهزيمة في ظل انتخابات نزيهة”.

يقول جوني هاريس في بداية “فيديو الرأي” الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً: “أنا مرتبك نوعاً ما. فالجميع يواصلون القول بأإن الجمهوريين يدمرون الديمقراطية الأمريكية. ومن الواضح أن هذه ليست علامة جيدة على ديمقراطيتنا. حيث أصبحت الأمور سيئة للغاية وساد العنف في البلاد، لكن في نهاية الأمر، استطاعت ديمقراطيتنا أن تصمد، أليس كذلك؟ وفي حين يقول الديمقراطيون إن الحزب الجمهوري يعيد هندسة نظام التصويت لصالحه، فهل يجب أن نشعر بالرعب حيال مستقبل الديمقراطية الأمريكية؟ وما الذي يمكن أن نخاف منه بالضبط هنا؟ ما هو نوع هذا التهديد على أرض الواقع؟ وللوصول إلى حقيقة الأمر، طلبت المساعدة من ميشيل كوتل، وهي مراسلة سياسية محنكة كتبت مجموعة من أهم المطبوعات، وغطت جميع أنواع الانتخابات في الولايات المتحدة، بدءاً من الانتخابات الرئاسية وصولاً إلى انتخابات مجالس المدارس المحلية؛ وهي الآن أحد أعضاء هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز، وربما تكون أحد أفضل من ساعدوني على فهم مدى ذلك الرعب الذي ينتابني تجاه الديمقراطية الأمريكية. فقد أخذتني ميشيل إلى أعماق الديمقراطية الأمريكية، وهو شيء لم أكن أره من قبل. لقد أظهرت لي ما كان كفيلاً بتغيير الطريقة التي اعتدت أن أنظر بها إلى بلادي. حيث سلطت الضوء على شيء ما يحدث في أعماق أركان السياسة الأمريكية، بما في ذلك من ضخ هادئ للأموال من قبل أشخاص يقاتلون لاستعادة ما يعتقدون أنه قد سُرق منهم، حيث يسعون من خلال ما يقومون به لتغيير هذا الواقع، ليس فقط من خلال تحديد من يمكنه التصويت في هذه البلاد، ولكن أيضاً من خلال تحديد من يقوم بعدّ واحتساب تلك الأصوات، في محاولة لإعادة تشكيل نظامنا الانتخابي دون أن يعرف أي منا عن ذلك شيئاً. وفي النهاية، أدركت من خلال ما أوضحته لي ميشيل أنه نعم، يجب أن أكون خائفاً للغاية على مستقبل ديمقراطيتنا، ولكن ليس للأسباب التي كنت أتوقعها من قبل.”

في معرض إجابتها على سؤال وجهه لها جوني هاريس عن حقيقة هذا التهديد وإلى أي مدى يجب أن نقلق حياله، تقول ميشيل كوتل إنه عندما يفكر الناس في التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها الديمقراطية، فعادة ما يكون أول ما يتطرق إلى أذهانهم هو مسألة “قمع الناخبين”، لسهولة تناول ذلك بالشرح والتحليل، لكن هناك ما هو أعمق من ذلك، ولكنه يتم التخطيط له في هدوء، ودون معرفة معظم الأمريكيين.

إجراءت تقييدية

يعرض جوني هاريس خريطة تضم جميع الولايات الأمريكية التي قامت بسن قوانين تجعل التصويت في الانتخابات أكثر صعوبة، حيث هناك العشرات من هذه القوانين تم سنه في تلك الولايات منذ عام 2020، أي منذ الانتخابات الأمريكية الأخيرة والتي تشمل: تقليص المهلة الزمنية لتقديم طلبات الاقتراع غيابياً، جعل الأمر أكثر صعوبة في العثور على الصناديق التي يمكنك من خلالها إرسال تصويتك بريدياً، زيادة المتطلبات المرتبطة ببطاقات هوية الناخبين، تسهيل عملية حذف التسجيل حتى يضطر الأشخاص إلى إعادة التسجيل، حظر الوجبات الخفيفة والماء أثناء عملية التصويت، جعل التصويت المبكر أكثر صعوبة والتسبب في حدوث ارتباك عام حول التصويت، جعل التصويت أكثر إزعاجاً وصعوبة قدر الإمكان.

 

ولكن جوني هاريس يستدرك متسائلاً: لماذا يريد حزب سياسي تقليل أعداد الناخبين الذين يمكنهم التصويت في الانتخابات؟ وكيف يساعد ذلك الجمهوريين؟

لقد اتضح أن المنطق هنا هو أنه إذا كان التصويت أسهل، فإن المواطنين الأمريكيين من ذوي الدخول المنخفضة، والأقليات، والشباب، الذين يصوتون عادةً بأعداد أقل، سيخرجون بأعداد أكبر ويصوتون لصالح الديمقراطيين. لذا فإن الحزب الجمهوري يزيد من صعوبة التصويت بهدف الحيلولة دون مشاركة هؤلاء الناخبين، وبالتالي يتمكن الحزب من الفوز في الانتخابات. ولكن، في الحقيقة، تبين أن هذا المنطق يتسم بالتبسيط بعض الشيء، حيث غالباً ما يكون له تأثير لم يكن في الحسبان أو أن يحدث عكس ما يتوقعه من خططوا له،” تجيب ميشيل كوتل.

يقول هاريس إن بعض علماء السياسة قاموا بدراسة هذا الأمر مؤخراً. وقد توصلت هذه الدراسات إلى أنه على الرغم من أن كلا الطرفين يعتبر هذا الافتراض أمراً مُسَلّماً به بأن تسهيل إجراءات التصويت تفيد الديمقراطيين، إلا أن هذا ليس هو الحال دائماً، حيث يمكن أن يأتي بنتائج عكسية في كثير من الأحيان. فأفادت أحد هذه الدراسات أن زيادة نسبة التصويت عبر البريد يفيد الجمهوريين في واقع الأمر.

في العامين الماضيين، سارت ولاية فرجينيا في الاتجاه المعاكس لمسألة “قمع الناخبين”، حيث أصدروا قوانين لتسهيل عملية التصويت. وما رأيناه العام الماضي هو أن الناخبين خرجوا بمعدل أعلى بكثير مما كانوا عليه في خلال عقدين على الأرجح، واكتسح الجمهوريون مكاتب الولاية. واستعادوا مقاعدهم بمجلس النواب، على عكس ما كان يتوقعه الناس في هذا الموقف،” تضيف ميشيل كوتل.

تذكري في مارس الماضي عندما انتقد الرئيس بايدن القوانين المقيدة للتصويت في جورجيا؛ ومع ذلك، فإن الانتخابات التمهيدية التي جرت في الصيف الماضي، وهي أول انتخابات جرت منذ إقرار هذه القوانين، سارت بسلاسة ويسر. وارتفع التصويت المبكر؛ وفي نهاية اليوم، ربما اتضح أن أموراً مثل قمع الناخبين هي في الحقيقة مبالغ فيها وليست بهذه الأهمية،” يقول هاريس.

لكن ميشيل كوتل تستدرك قائلة: ولكن مع ذلك، دعنا لا نترك الحزب الجمهوري يفلت من هذا المأزق هنا؛ فإقامة مثل هذه الحواجز التقييدية للتصويت هو أمر يستهدف الديمقراطية بالأساس؛ وهذه القوانين مروعة وعنصرية بكل وضوح. ولكن القوانين لا يمكن التنبؤ بما قد تسفر عنه عند التطبيق، فقد تؤدي أيضاً إلى تثبيط عزيمة الناخبين الجمهوريين عن المشاركة كذلك.

ولكن هل يعني هذا أنه لا ينبغي المبالغة بالحديث عن موت الديمقراطية هنا، وأنه كذلك لا ينبغي لنا أن نقلق إلى هذا الحد بهذا الشأن؟

هنا تؤكد ميشيل كوتل بأنها لم تقصد قول ذلك على الإطلاق، إنما كانت تقصد أن الجهود التي يبذلها الجمهوريون لقمع الناخبين لا يمكن التنبؤ بها وأنها أحياناً لا تكون فعالة إلى ذلك الحد، كما يخشى الناس. ولكن هناك شيء آخر يحدث في الخفاء، شيء قد لا ينتبه له كثير من الناس، لأنه يبدو غير مثير للاهتمام، بل هو مثير للضجر، ومعقّد، وممل في نفس الوقت، ويحدث بشكل عام في أدنى مستويات العمل السياسي، على مستوى الولاية، وحتى على أدنى المستويات المحلية. وهذا الأمر، بحسب كوتل، هو ما ينبغي أن يزعج الأمريكيين حقاً ويخيفهم ويستنفرهم، حيث يتعلق الأمر بمساعي تجري ليس فقط للتحكم فيمن يمكنه التصويت، ولكن أيضاً في كل ما يتعلق بمن يمكن أن يقرر أي من هذه الأصوات يتم احتسابه بالفعل. وهذا الذي ذكرته ميشيل كوتل هو ما وجّه جوني هاريس إلى جهة أخرى بعيدة، تختلف كثيراً عن مجرد التركيز على مسألة “قمع الناخبين”. وبدلاً من ذلك دفعته للنظر بشكل أعمق في نظام التصويت الأمريكي، هذه المساحة التي لم ينظر إليها معظم الأمريكيين مطلقاً: وهو نظام التصويت اللامركزي في أمريكا، حيث يدلي الناخبون بأصواتهم ويتم عدّ واحتساب أصواتهم. إن الأمر يتعلق بالموظفين القائمين على عملية الاقتراع وضباط الدوائر ومفوضي المقاطعات ومجالس الانتخابات وأمناء المقاطعات الذين يُخوّل لهم المصادقة على النتائج. فمعظم الأمريكيين لا يعرفون شيئاً عما يجري في ذلك، كونه يتم في الحقيقة في أدنى المستويات في سلّم العملية الانتخابية، حيث يتم الإدلاء بالأصوات، حيث يتم تجميعها، حيث يقرر الأشخاص الذين تخول لهم مناصبهم صلاحية احتساب تلك الأصوات، من المسؤولين الحكوميين الذين لم تفكر بهم أبداً، فهذا كاتب في مقاطعة نيو مكسيكو، وذاك رئيس دائرة انتخابية في متشيجان، وذلك سكرتير الدولة في ولاية نيفادا؛ حيث لكل ولاية سكرتير دولة، كما أن لكل دولة وزير خارجية، على الرغم من أن مثل هذا المنصب في الولاية لا يلفت الانتباه كثيراً، كما يفعل منصب وزير الخارجية في إطار الدبلوماسية الدولية.

يقول جوني هاريس “نعم، فوفقاً لميشيل كوتل، هذا هو المكان الذي يحدث فيه الهجوم الحقيقي على ديمقراطيتنا. وكما تقول كوتل فكون ترامب ديماجوجياً من الدرجة الأولى، فهو يحث الناس على تصديق كل ما يقوله لهم على أنه صحيح، وهذا هو الخطير في الأمر. وهذا ما يتطلب التعمق في الأمر قليلاً في محاولة لفهم هذا النظام الانتخابي الأمريكي الذي تم بالفعل اختراقه من قبل جيش من الأمريكيين الداعمين لترامب، بهدف إعادة تكوين النظام الذي يعتقدون أنه تم تزويره ضدهم في عام 2020. فالاتجاه الجديد للحزب الجمهوري يرتبط بما فشل ترامب وحلفاؤه في القيام به في عام 2020. لقد ادعى ترامب أنه كان هناك احتيال وقام على الفور بتقديم عشرات الدعاوى القضائية للطعن في التصويت، حيث كان يردد قائلاً: “إذا تم عدّ واحتساب الأصوات القانونية، فأنا سأفوز بسهولة. ولكن هل كان هناك أي دليل حقيقي على انتشار تزوير لأصوات الناخبين على أساس هذه الدعاوى القضائية؟ لا بالتأكيد، كما تقول ميشيل، فقد كانت هذه ادعاءات سخيفة تماماً. وإلى حد كبير تم استبعادها جميعاً على الفور.

ولكن بينما لم ينجح ترامب في قلب نتيجة الانتخابات، فقد نجح في الحقيقة في زرع بذور الشك في النظام الانتخابي الأمريكي، ونحن نرى الآن أن تلك البذور قد نبتت وانتشرت في كل مكان وكل ركن من بلادنا، حيث يردد أنصاره “لا يمكننا أبداً أن نسمح بسرقة انتخابات كهذه”.

فقد صدّق أغلب الجمهوريين هذه المزاعم، حيث كان هناك 71% من الجمهوريين يقولون إنهم لا يعتقدون أن جو بايدن فاز بالفعل في انتخابات 2020 بشكل عادل. 71 في المائة من الجمهوريين يرددون ذلك، بالرغم من عدم وجود دليل واحد يؤكد ذلك حرفياً.

ولذلك فقد وضع حلفاء ترامب على جميع مستويات السلطة خطة لضمان عدم تكرار هذا الإخفاق القانوني الذي حدث في عام 2020 مرة أخرى. بعد أن كان ترامب قد أطلق العديد من التصريحات النارية والادعاءات التي أخفقت جميعاً أمام المحاكم الأمريكية، على غرار قوله: “ستكون عملية الاحتيال أمام المحكمة العليا للولايات المتحدة”، “هذا فساد مستشري. ولا يمكن أن يحدث. إنه ببساطة لا يمكن أن يحدث”.

لقد صاغ الجمهوريون استراتيجية متعددة الطبقات لاستعادة أمريكا من الألف إلى الياء، وهي حركة واسعة النطاق ومتطورة جداً للتسلل إلى النظام الانتخابي وتحقيق ما يعتقدون أنه محاولة لاستعادة أمريكا مرة أخرى. تتمثل الإستراتيجية في الاعتراض على الأصوات والتشكيك في صحتها على كل مستوى من مستويات النظام الانتخابي من خلال الادعاء بتزوير الناخبين على نطاق واسع، وخاصة التركيز على الدوائر التي تحظى بأغلبية ديمقراطية، وهذه الادعاءات بالتزوير، لكي نكون واضحين تماماً، لا يوجد عليها أي دليل، ولكن فقط لأن 70% من الجمهوريين يعتقدون ذلك.

التجنيد

 تبدأ هذه الإستراتيجية بالتجنيد، ودعوة الناخبين الجمهوريين للتواجد والانخراط في أدنى مستويات العملية الانتخابية، حيث يتم الإدلاء بالأصوات ويتم احتساب تلك الأصوات في البداية. فمن خلال نشرة إخبارية بعنوان “أنقذوا أمريكا” كان قد أرسلها ترامب إلى أتباعه في فبراير الماضي، دعاهم فيها للتواجد بكثافة في أدنى مستويات العملية الانتخابية، على مستوى الدائرة، للتأثير على طريقة إجراء الانتخابات. فكما يقول ترامب، إن هذا هو المفتاح لـ “استعادة بلدنا العظيم من الألف إلى الياء.”

ويتم هذا التجنيد أيضاً بشكل كبير عن طريق وسائل الإعلام اليمينية، خاصة في بودكاست يقدمه ستيف بانون، الذي يتوعد بأنه لن يستطيع أحد إيقافهم فيما يخططون لعمله لاستعادة البلاد من جديد. فقد كان بانون يحث جحافل مستمعيه على الدفاع عن أمريكا من خلال التسجيل للعمل في دوائرهم المحلية يوم الانتخابات. حتى يستطيعوا التحكم في كل شيء من خلال إستراتيجية لجان الدوائر، وبالتالي وضع يدهم على كل الانتخابات، كما يقول بانون.

يقول جوني هاريس إن هذه الاستراتيجية المجنونة جاري العمل عليها بالفعل، وعملية التجنيد هذه تجري على قدم وساق. فقد أكدت التقارير أنه بعد صرخات بانون في البودكاست الخاص به من أجل تجنيد عناصر الجمهوريين، تبين أن 8500 جمهوري جديد قد سجلوا في مناصب منخفضة المستوى في 41 من أصل 65 مقاطعة اتصلوا بها، بينما لم يتم تسجيل أي من ذلك من قبل الديمقراطيين.

وكما تقول ميشيل كوتل، فإن هناك 11 منصب إداري في دائرتها الانتخابية، تم شغلها جميعاً من قبل. لقد ملأت كل الـ 11 بالمحافظين من الجمهوريين. لقد جندوا كل منكري نتائج الانتخابات هؤلاء، على الرغم من أنه لم ينخرط الكثير من هؤلاء الأشخاص في السياسة من قبل، ومع ذلك فقد تم حشدهم ونقلهم لشغل هذه المناصب، بينما يعتقدون أنه من واجبهم الوطني استعادة أمريكا التي سُرقت منهم من جديد.

وعلى الرغم من أن هذه المناصب ليست مناصب عالية في سلم السلطة، فإلى أي مدى يمكن لمنكري الانتخابات أن يفعلوه للتأثير على التصويت؟ وهذا يقودنا إلى المرحلة التالية من الخطة، يقول هاريس، وهي تدريب كل هؤلاء المجندين الجدد.

التدريب

 ففي هذه المرحلة يقوم الحزب الجمهوري على تدريب هذه الكوادر الوظيفية الجديدة على الدور الذي يجب أن يفعلوه أثناء سير العملية الانتخابية، وهو البحث عما يعتقدون أنه احتيال بعد إعدادهم أثناء التدريب لما يمكن رصده في هذا الإطار بعد تعريفهم بجميع قواعد التصويت التي يمكن استخدامها للطعن في صحة أصوات الناخبين وتحديها.

نعم قد يكون هناك في النظام الانتخابي قواعد للطعن على الأصوات ومحاولة استبعاد البعض منها، لكن نادراً ما كان يتم استخدام مثل تلك الإجراءات، فالأمور تتم بسلاسة وتلقائية، وإن وُجدت بعض هذه الملاحظات فهي لا تؤثر أبداً في صحة العملية بمجملها ولا تؤثر على النتائج، لأنه لا يوجد شيء يمكن أن نطلق عليه “تزوير” في الانتخابات يقع على نطاق واسع في أمريكا. لكن، ووفقاً لهؤلاء الأشخاص، فهذا “التزوير” موجود في كل مكان في العملية الانتخابية وأن من واجبهم العثور عليه والطعن في الأصوات، كلما شعروا أن هناك شيئاً ما يثير شكوكهم.

الطعن

في إطار خطة الجمهوريين، فهناك سجل كامل لجمع هذه الشكوك وتلك الطعون في دفتر جامع، بحيث يتضمن هذا السجل اسم الشخص الذي يقوم بالطعن، ووقت الطعن، والاسم، والعنوان، والمسار الورقي للأصوات، فقد بدأوا في عمل مسار ورقي لكل صوت يتشككون به ويطعنون في صحته، وفي كل عملية “احتيال” يعتقدون أنهم يرونها. وهذه هي نقطة البداية لتفعيل تلك الاستراتيجية ووضعها في إطار العمل على أرض الواقع، حيث يمكنك البدء في جمع “أدلة” على وجود تزوير حسب ملاحظات وتصورات الناخبين والموظفين الجمهوريين والتي يمكن استخدامها لاحقاً، بما في ذلك الاتصال بالخط الساخن للحزب الجمهوري. وقد عثر موقع بوليتيكو على بعض الأشرطة المسربة من داخل جلسة من تلك الدورات التدريبية، والتي جرت في ميتشيجان، “حقاً سيكون جيشاً. سنحاول تجنيد محامين. وسيكون لدينا محامين أكثر من أي وقت مضى. ولنكن صادقين، فهذا هو المكان الذي سنخوض فيه حربنا، أليس كذلك؟

ويتيح هذا الخط الساخن لهؤلاء المجندين من أنصار الحزب الجمهوري الوصول الفوري إلى محامٍ متعاطف مع قضيتهم المتعلقة بـ “نزاهة الانتخابات” كما يسمونها، وهي مجرد تعبير مخفف لإعادة تزوير نظام الانتخابات، حيث سيكون هذا الجيش من المحامين على أهبة الاستعداد في يوم الانتخابات لتوجيه هؤلاء الأشخاص من المنكرين لنتائج الانتخابات خلال عملية توثيق “التزوير” المشتبه به، بحسب اعتقادهم. وبهذا يتوفر لدى محاميي الحزب الجمهوري مجموعة من الأدلة المسجلة لاستخدامها في الطعن في التصويت بشكل قانوني إذا احتاجوا إلى ذلك.

وليس هذا فحسب، حيث يقول أحد قيادات الحزب “سيكون لدينا محامون يعملون مبكراً لبناء علاقات مع قضاة مختلفين.” هل ترى ما يفعلونه؟ إنهم ينشئون بالضبط ما لم يكن لدى ترامب في جميع دعاواه القضائية الفاشلة في عام 2020. لكن الفرق هو في ترامب في عام 2020 كان يتحرك بأثر رجعي، من أعلى إلى أسفل، للادعاء بتزوير الانتخابات والطعن في تلك الأصوات في المحكمة، “كنا فزنا في جميع المواقع الرئيسية كثيراً، في الواقع. ثم بدأت أعدادنا تتلاشى في الخفاء بأعجوبة،” يقول ترامب. ولكن هنا سيكون التحرك من أسفل إلى أعلى. فهذه المرة سيكونون مستعدين جيداً. تضع كل هذه التدريبات التي يقوم بها الحزب الأساس لبدء عملية الطعن في الانتخابات، باستخدام العمليات البيروقراطية المرهقة والمملة في أدنى مستوى من نظام الانتخابات. حيث “يتم ملء جميع المناصب الشاغرة في لجان الدوائر من عناصرهم وتشكل النسبة 75% من أغلبية التصويت على مستوى الدائرة، ثم يذهبون إلى اجتماعاتهم حيث ينتخبون المندوبين الذين بدورهم ينتخبون رئيس الولاية”، وبذلك يتمكنون من إدارة كل شيء يخص العملية الانتخابية. ففي الانتخابات القادمة، سيكونون في وضع يمكنهم من “إيقاف السرقة”، حسبما يزعمون.

يقول جوني هاريس: تخيل يوم انتخاب قادم، وأنت في منطقة ذات أغلبية ديمقراطية في ولاية متأرجحة، وعندما تذهب إلى مركز الاقتراع المحلي، مثل مدرستك الإعدادية المحلية أو شيء من هذا القبيل، وتجدها مليئة بمجموعة من العاملين في مجال الانتخابات والمراقبين الذين يصدقون الكذبة الكبرى حول انتخابات 2020، حيث استمر ترامب والجمهوريون الآخرون في إخبارهم بأنه تم تزوير النظام ضدهم، حث يقول ترامب “إنه نظام فاسد. وهو ما يجعل الناس فاسدين، حتى لو لم يكونوا كذلك بطبيعتهم.”

ويحث بانون هؤلاء المناديب قائلاً: “عليك أن تحرص على إمكانية الطعن في كل ورقة اقتراع”.

وقد قيل لهم إن الدوائر الانتخابية الديمقراطية فقط هي التي يوجد بها تزوير في التصويت. لذلك فهم يحقون في كل شيء بنظرات التشكك، ويمكنك أن تتخيل أنهم يرون الاحتيال أينما نظروا، من هذا المنظور، وهم يبلغون عن ذلك، ويقسمون أنهم رأوا مخالفات في الانتخابات.فربما كانت مجموعة من الأشخاص الذين حضروا إلى مكان الاقتراع للتصويت معاً، فتراهم يقولون لابد أن يكون هؤلاء الناخبين قد تم نقلهم بالحافلات من منطقة أخرى؛ إنهم على الأرجح سيقومون بتصويت مزدوج. أوه، انظر، هناك موظف لم يتحقق من هوياتهم جيداً؛ ربما يتعاونون معاً؛ آلة التصويت تلك كانت تصدر صوتاً غريباً، لذلك، من المحتمل أنه قد تم اختراقها الآن؛ هذا الشخص لا يبدو أنه مواطن في الواقع، من المحتمل أنه من المهاجرين غير الشرعيين وقد تم جلبه للاقتراع بهوية مزورة؛ فنشطاء الديمقراطيين يدفعون لهم على الأرجح ليكونوا هنا؛ وهذا الشاب هناك لا يبدو أنه يبلغ من العمر 18 عاماً؛ ربما علينا الطعن في صحة تصويته، لأنه على الأرجح مجرد شاب تم تجنيده من العصابة الفاسدة الذين كانوا يزورون نظام الانتخابات ضدنا – وهكذا لا تنتهي كل هذه السلسلة من الشكوك والادعاءات التي لا أساس لها في الواقع. لكن ترامب يقول لهم: “لابد أن نكافح من أجل إنقاذ أمريكا”، وهم بذلك يكافحون.

يقول جوني هاريس، مقدم هذا الفيلم القصير: لذا فقد بدأوا في التذرع بكل هذه القواعد الرسمية للانتخابات، التي نادراً ما تستخدم. وسيبدأون في الطعن في كل صوت تقريباً، مما قد يدفع الناخبين إلى تسجيل ذلك والتوقيع على تلك الأوراق، وتوثيق كل ذلك في دفتر الاقتراع، السجل الرسمي ليوم التصويت.وبالطبع فكل هذه الطعون تعمل الآن على إبطاء كل شيء في هذه الدائرة الديمقراطية. فهناك طابور طويل يمتد في مكان الاقتراع الخاص بك. والآن، بدلاً من مجرد تمرير ملصقات “قمت بالتصويت”، ومراقبة الانتخابات بشكل عام، فإن منكري الانتخابات هؤلاء يعرقلون انتخابات عادية وحرة ونزيهة، كل ذلك من أجل تجميع مجموعة من الحوادث التي يُفترض أنها مزورة كما يزعمون، والتي يتم إضافتها إلى تقارير أخرى مشابهة عن التزوير المزعوم تحدث في جميع أنحاء الولاية، لأن الشيء نفسه يحدث في كل دائرة، وذلك لأن منكري الانتخابات هؤلاء كانوا يخططون لذلك منذ سنوات. فهم ليس عليهم اختراق آلات التصويت، وليس عليهم فعل أي شيء في الخفاء؛ فقط من خلال التواجد بأعداد كبيرة عبر عدة مقاطعات في ولايات متأرجحة مهمة، سيكون هذا الجيش، كما يسميهم قادتهم، قادراً على إلقاء بذور الشك في هذه العملية التي عملت دائماً على الثقة وحسن النية. إن حجر الأساس لديمقراطيتنا ينهار الآن من قبل هؤلاء الناس الذين يعتبرون أنفسهم يخوضون حملة صليبية لاستعادة “بلادنا العظيمة” من خلال إساءة استعمال نظام الانتخابات.

 

هذا أمر مخيف. فموظفو الاقتراع ومراقبو الانتخابات الذين يؤمنون بأن هناك مؤامرة يزرعون بذور الشك في نظامنا الانتخابي ويخلقون كابوساً قانونياً، وهذا أمر مقلق للغاية. لكن هؤلاء العاملين في تنظيم الانتخابات يشغلون مستوى منخفضاً من الوظائف، وهم بمثابة النحل الذي يعمل بكل دأب في يوم الانتخابات، وبالتأكيد يجب أن تكون هناك إجراءات حماية في النظام لضمان عدم تمكن هؤلاء الفاعلين السيئين من تخريب انتخاباتنا لمجرد أن ستيف بانون طلب منهم ذلك.

قلب الطاولة

 يركز الجزء التالي من الخطة على الأدوار الفنية البيروقراطية التي يتعين على كل ولاية أن تجريها في انتخاباتها، بما في ذلك مفوضي المقاطعات وسكرتيري الولايات. ومرة أخرى، يمكن التأكيد أن هذا الجزء من الاستراتيجية هو استجابة لما فشل ترامب في فعله في عام 2020. فعندما أدرك ترامب أنه كان يخسر ولاية جورجيا في عام 2020، استدعى هذا الرجل، زميله الجمهوري، سكرتير الدولة في ولاية جورجيا، براد رافينسبيرجر، والذي تشبه وظيفته إلى حد ما ختم نتائج الانتخابات؛ ولكن الآن، وفجأة، أصبحت تلك الوظيفة مهمة للغاية، عندما يتم تحريضه على عدم اعتماد النتائج.

لقد جعلت فوز أحد الجمهوريين شبه مستحيل في الولاية بسبب الغش، لأنهم غشوا كما لم يغش أحد من قبل،” يقول له ترامب، مضيفاً: “لا حرج في القول إنك قد قمت بإعادة عدّ الأصوات”. فترامب هنا يتنمر على هذا الرجل لمدة ساعة على الهاتف، وبعد ذلك يخبره في النهاية بما يريده، أو بما يريده أن يفعله: “انظر، كل ما أريد القيام به هو هذا. أريد فقط العثور على 11780 صوتاً،” يضيف ترامب. ولكن المفاجأة أن رافينسبيرجر رد قائلا: “حسناً، سيدي الرئيس، لكن التحدي هنا هو أن البيانات التي لديكم خاطئة”.

يقول جوني هاريس: في النهاية، لم ينحني رافنسبرجر للتنمر الذي مارسه عليه ترامب. لكن ما فعله هذا هو أنه أظهر لأتباع ترامب مدى أهمية هذا الدور الذي قد يقوم به سكرتير الدولة في الولاية في اعتماد النتائج. هذا هو الشخص الذي يصادق على نتائج الانتخابات النهائية. إذن بعد هذه الليلة، بدأ كل هؤلاء المنكرين للانتخابات في الترشح لمنصب سكرتير الولاية في معظم الولايات.

تقول ميشيل كوتل: رغم أن هذا يُعدّ من الأدوار الفنية منخفضة المستوى، لكن فجأة، بعد كل الزخم الذي صاحب محاولة فريق ترامب ممارسة نوع من التنمر على سكرتيري الولايات لدفعهم للإطاحة بسباق انتخابات 2020، فقد بدأت هذه السباقات الانتخابية على منصب سكرتير الولاية فجأة في جذب الكثير من الاهتمام وأطناناً من أموال الحملة.

وأحد هؤلاء المرشحين لهذا المنصب هو جيم مارشانت من نيفادا، وهي ولاية متأرجحة. ففي عام 2020، خسر مارشانت أيضاً انتخابات المجلس التشريعي لولاية نيفادا. وعندها قال: “لقد كنت ضحية تزوير أصوات الناخبين… فبعد أسبوعين فقط من اعتماد بطاقات الاقتراع المزورة عبر البريد، خسرت”.

يقول جوني هاريس: يشعرك وكأن النظام كله قد تم تزويره ضده وضد حزبه. وبعد ستة أشهر يترشح جيم مارشانت لمنصب سكرتير ولاية نيفادا وفاز، وقد فاز بالفعل في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. قال مارشانت إنه لم يكن ليصدق على نتائج انتخابات 2020 لو كان سكرتير الولاية. لقد كان يركض على المنصة، “مهووساً بعدم نزاهة الانتخابات”، عندما خسر. “شعب نيفادا لم ينتخب أي شخص منذ عام 2006. لقد تم تنصيبهم من قبل عصابة الدولة العميقة.” “صوتك لم يحتسب منذ عقود. أنت لم تنتخب أحدا. لقد تم اختيار الأشخاص الموجودين في مناصبهم”.

يعلق جوني هاريس متسائلاً: ما مقدار القوة التي يمتلكها هذا الرجل بالفعل للتأثير على نتائج الانتخابات عندما يكون سكرتير الولاية؟

الكثير. فبصفته أكبر مسؤول انتخابي في الولاية، يساعد سكرتير نيفادا نوعاً ما في تحديد كيفية إجراء الانتخابات، وهو مسؤول عن التحقيق في مزاعم تزوير التصويت،” تجيب ميشيل كوتل.

مارشانت هو مجرد واحد من عشرات من منكري الانتخابات، في جميع أنحاء البلاد، يتنافسون على المناصب العليا التي تشرف على الانتخابات في الولاية. وبينما يخسر البعض سباقاتهم الانتخابية الأولية ولا يتم انتخابهم أبداً، يفوز الكثيرون منهم في الانتخابات التمهيدية، كما هو الحال في أريزونا، وهي ولاية متأرجحة مهمة للغاية حيث فاز بايدن بهامش ضئيل. والآن، حيث يوجد منكرو الانتخابات الذين فازوا في الانتخابات الأولية من الحزب الجمهوري لجميع المناصب الثلاثة العليا في الولاية التي تشرف على الانتخابات. وهذا يضيف إلى الاتجاه المتنامي بالفعل للجمهوريين الفائزين بسكرتيري الولايات في جميع أنحاء البلاد.

وبالفعل يعمل هذا الجزء من الإستراتيجية، كما هو الحال في هذه المقاطعة الصغيرة في نيو مكسيكو، حيث في هذه الانتخابات التمهيدية الأخيرة، رفض مجلس الانتخابات الجمهوري بالكامل التصديق على النتائج لأنهم قالوا إن هناك تزويراً في الانتخابات. وكان دليلهم الوحيد هو مجرد الحدس. فهذا الرجل، كوي جريفين، مفوض المقاطعة، يقول: “إنني أعتمد فقط على حدسي، وشعوري البديهي، وحسي الداخلي. وهذا كل ما أحتاجه”. هؤلاء هم الناس الذين في السلطة. وظيفتهم هي المصادقة على نتائج الانتخابات. وبسبب الشعور الغريزي والحدس لدى شخص ما، قرروا حرفياً عدم المصادقة عليهم. وبالمناسبة، كان كوي جريفين مفوض المقاطعة ضمن من اقتحموا مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021.

يقول جوني هاريس: كان الشعور الغريزي الذي لا أساس له لدى هذا الرجل كافياً لزرع الارتباك والشك في نتائج الانتخابات. لذا تخيل الآن السيناريو الذي لا يكون فيه مجرد منكر عشوائي واحد للانتخابات في ريف نيو مكسيكو، ولكن يوجد من منكري الانتخابات مثله تماماً كثير في جميع أنحاء البلاد في المقاطعات والولايات الرئيسية في كل مستوى من عملية التصديق على الانتخابات بالولاية. وتخيل لو أن سكرتير ولاية نيو مكسيكو لم يكن ديمقراطياً، بل جمهورياً مؤيداً لترامب، وقد انغمس في مثل شعور هذا الرجل الغريزي والحدسي تجاه آلة التصويت. والآن قم بإقران ذلك بالاستراتيجية التي تحدثنا عنها، وبدلاً من الشعور الغريزي والحدس لدى شخص واحد، أصبح الآن ذلك الشعور لدى جيش من العاملين في مجال الانتخابات ومراقبي الانتخابات الذين قاموا بالفعل بتوثيق مجموعة من الحالات المتصورة بأنها تزوير لأصوات الناخبين وقاموا بالإبلاغ عنها لدى أسطولهم من المحامين الذين يقومون بتصنيف إفاداتهم وتقاريرهم، وكل ذلك في مجموعة متزايدة من الأدلة، وفجأة، يتم اختراق النظام بأكمله. ويؤدي ذلك بالضرورة في التشكيك في إجراء انتخابات حرة ونزيهة تماماً، لأن هذا النظام الذي لم يتم بناؤه أبداً لتحمل ضغوط الجهات الحزبية السيئة العدوانية قد تم الاستيلاء عليه، حيث تم وضع أشخاص عازمين على الانتقام بشكل استراتيجي على كل المستويات، وكل ذلك مع مهمة إعادة تزوير النظام لصالحهم والانتقام مما يعتقدون أنه سرق منهم.

 

وهنا يتساءل جوني هاريس: ما الذي يمكن أن يفعله الديمقراطيون لمواجهة هذه الحركة التي تبدو فعالة للغاية ومثيرة للغضب أيضاً؟ هل هناك أي طريقة لمواجهة هذا بشكل فعال؟

أنت تعرف ما إذا كنت تريد الطعن في إجراءات كل سكرتير ولاية. عليك أن يكون لديك الكثير من المتطوعين في الدوائر الانتخابية. وعليك أن يكون لديك الكثير من الناس يقاتلون على مستوى الولاية والمستوى الفيدرالي. إنها مسيرة طويلة وكبيرة. إنها الديمقراطية. وعليك في الأساس أن تعتني بها على المدى الطويل، أو أنها تنهار عليك بشكل ما،” ترد ميشيل كوتل.

يستدرك هاريس بأنه لأنها الديمقراطية، هذا الشيء الذي نأخذه كأمر مسلم به، وهو أمر شديد الحساسية حقاً. وهذا هو الاتفاق الذي توصلنا إليها جميعاً من أجل “نعم”، أو “لا”، ولكن على الأقل الحرص على اللعب وفقاً لبعض القواعد الأساسية، حتى يمكن مواجهة خلافاتنا بالأفكار والنظام.

ثم اختتمت ميشيل كوتل “فيديو الرأي” الذي أصدرته مؤخراً نيويورك تايمز بالقول: لقد كانت السياسة الأمريكية منذ فترة طويلة نوعاً من أنواع الرياضات الدموية. لقد كانت دائماً قاسية وأحياناً متعثرة، وينتابها نوع ما من الشراسة العنصرية. ولكن إذا كنت تريد أن تحظى بديمقراطية، فيجب أن تستند على أسس رئيسية معينة. وأحد هذه الأسس هو أنه في نهاية اليوم، عندما يتم فرز الأصوات، يجب أن يتفق الطرفان على ما حدث. وإذا قمت بنسف تلك اللبنة الأساسية نوعاً ما، فستبقى في فوضى كاملة، مما يجعل من الصعب حقاً القيام بانتقال سلمي سلس للسلطة.