يُثير تقييم فترة رئاسة الرئيس الأمريكي جو بايدن إشكالات عديدة؛ فمنذ وصوله إلى سُدَّة الحكم في يناير 2021، وبالرغم من الإنجازات التي حققها في الشهور الأولى لحكمه، وخصوصاً على مستوى مواجهة جائحة كورونا؛ تتعرض سياساته لانتقادات عديدة داخلياً وخارجياً؛ فعلى المستوى الداخلي كانت الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة أحد الضغوط المحلية المتزايدة ضد إدارة بايدن. وعلى المستوى الخارجي، يبدو أن واشنطن أصبحت في وضع أسوأ، خاصةً أن علاقاتها بالكثير من الحلفاء لم تَعُد على ما يرام. وفي هذا الصدد، نشر موقع "واشنطن بوست" الاميركي، تقريراً بعنوان "رئاسة بايدن الأولى: النجاحات والعثرات"، وهو التقرير الذي يحاول تقييم تجربة الرئيس بايدن حتى الوقت الراهن.
نجاحات رئيسية
يفترض التقرير أن الرئيس بايدن حقق بعض المكاسب خلال الفترة الماضية، وتتمثل أبرزها فيما يلي:
1– الوفاء ببعض الوعود الانتخابية: بحسب التقرير، حقق الرئيس بايدن الكثير مما وعد به كمرشح؛ حيث عيَّن أول امرأة سوداء في المحكمة العليا، وأصدر قوانين بشأن الإغاثة من فيروس كورونا، وأخرى خاصة بالبنية التحتية وتغيُّر المناخ والتصنيع وتنظيم الأسلحة، ناهيك عن مساعدته في التخفيف من تأثير التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
2– الاستجابة الأولية لفيروس كورونا: أشرفت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بحسب التقرير، على أنجح طرح للقاح ضد فيروس كورونا في التاريخ؛ ما أدى إلى إحساس العودة إلى الحالة الطبيعية. في هذا الإطار، وصف بعض الأشخاص الأقرب إلى الرئيس، إدارته بأنها حققت انتصارات كبيرة، بينما كانت تواجه عقبات متعلقة بحدود البيروقراطية الفيدرالية، وأغلبية ضئيلة في الكونغرس، ودولة منقسمة بشدة؛ فغالباً ما فشل المساعدون في توقع أسوأ السيناريوهات والتخطيط لها، ووضع توقعات منتظمة تفوق ما يمكنهم تحقيقه.
وكان الرئيس بايدن قد راهن على استراتيجية مواجهة كورونا كأداة لتعزيز شرعيته؛ إذ أعلن في خطاب له في يونيو 2021، بحسب التقرير، التخطيط "للاستقلال عن فيروس كورونا" والاحتفال بالعودة للحياة الطبيعية في 4 يوليو، كجزء من استراتيجية البيت الأبيض لإثبات أن الأمريكيين لديهم الأدوات اللازمة للتعايش مع الفيروس. وفي هذا الإطار، كانت استجابة بايدن للفيروس ترتكز على ضرورة اتباع العلم، ولكن لم يستمر هذا النجاح مع تضاؤل فاعلية اللقاحات، وظهور متغيرات جديدة أكثر قابليةً للانتقال؛ ما أدى إلى إعادة فرض ارتداء الأقنعة حتى على المُلقَّحين. ولقد انعكس ذلك التحول على معدلات التأييد لبايدن؛ حيث وافق 62% من الشعب على كيفية تعامل بايدن مع جائحة كورونا في أواخر يونيو، ولكن هذا الرقم انخفض 10 نقاط مئوية ليصل إلى 52% في أواخر أغسطس وسبتمبر، وإلى 47% بحلول نوفمبر؛ ما أدى إلى انخفاض التصنيف الإجمالي، وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وشبكة إيه بي سي نيوز الإخبارية.
3– الدور الإيجابي لخطة الإنقاذ الأمريكية: واجهت الإدارة الأمريكية خطراً سياسياً حاداً، تمثل في ارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية، مثل إيجارات الشقق وأباريق الحليب، بينما أدى نقص رقائق الكمبيوتر إلى ارتفاع أسعار السيارات. وفي هذا الإطار، قام النجاح التشريعي الأول لبايدن – وهو خطة الإنقاذ الأمريكية البالغة 1.9 تريليون دولار – على ضخ أموال تُعادِل نحو 9% من الاقتصاد الأمريكي، انتعشت معها سوق العمل ونمت الحسابات المصرفية الأمريكية. ولكن عندما انتشرت متغيرات جديدة من فيروس كورونا، تدفقت الأموال الإضافية بسرعة إلى معالجة اضطرابات سلسلة التوريد الجديدة، وهي المشاكل التي تفاقمت بسبب التدخل الروسي في أوكرانيا في ذلك الشتاء.
4– التحرك الاستباقي لاستعادة القيادة الأمريكية: آتى تعهد بايدن باستعادة القيادة الأمريكية على المسرح العالمي ثماره، في الأشهر التي أعقبت التدخل الروسي في أوكرانيا، فيما ينسب بعض المساعدين هذا النجاح إلى الخطوات التي تم اتخاذها قبل بدء الحرب. فلقد أطلق البيت الأبيض لأول مرة، في الفترة التي سبقت الحرب، استراتيجيات مبتكرة لتبادل المعلومات الاستخبارية، وتكوين حلفاء أوروبيين موحدين ضد روسيا، ومساعدات عسكرية ومالية جاهزة لأوكرانيا، بالإضافة إلى بعض أقسى وأشد العقوبات – بحسب التقرير – التي تم فرضها على روسيا على الإطلاق. وجاءت لحظة محورية في نهاية أكتوبر الماضي، خلال اجتماع مع قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا على هامش قمة مجموعة العشرين في روما، شرح فيها بايدن بالتفصيل ما كان الروس يخططون ويفكرون فيه. وفي ذلك الاجتماع أيضاً، كان هناك اتفاق على بدء العمل على الفور لمنع روسيا من المضي قدماً في عدوانها، كما عزز بايدن التحالف عبر الأطلسي، ووحَّد الكثير من دول العالم ضد روسيا.
أزمات متتالية
بالرغم من بعض المكاسب التي حققها “بايدن” في الشهور الأولى من حكمه، واجه تحديات رئيسية جعلت هذه المكاسب “منقوصة”. وتتمثل أهم العثرات التي تعرضت لها إدارة “بايدن” فيما يلي:
1– انعكاسات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان: بالرغم من تأكيد أحد كبار المستشارين العسكريين في اجتماع له مع الرئيس بايدن، أن الانسحاب العسكري من أفغانستان لن يكون مثل فيتنام؛ حيث حاول اللاجئون الفيتناميون الجنوبيون اليائسون التشبث بطائرات الهليكوبتر عام 1975؛ فإن الشيء نفسه تكرر في حالة أفغانستان؛ فبعد إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان سقطت كابول سريعاً؛ ما أجبر طائرة هليكوبتر على النقل الجوي إلى المطار القريب، واندفع الأفغان اليائسون إلى المطار متشبثين بأجنحة الطائرات المغادرة. ليس هذا فحسب، بل حدث تفجير في 26 أغسطس 2021 خارج بوابات مطار كابول، أسفر عن قتل أكثر من 170 شخصاً بينهم 13 جندياً أمريكياً. وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أن الانسحاب من أفغانستان قوَّض صورة بايدن باعتباره هادئاً وذا كفاءة، ومناهضاً لسلفه ترامب.
2– ارتفاع معدلات التضخم في البلاد: لا يزال مدى مساهمة تشريعات بايدن في ارتفاع الأسعار محل نقاش؛ حيث يجادل مسؤولو الإدارة بأن التضخم ظاهرة عالمية، وأن حزمة إغاثة أصغر حجماً، لم تكن لتحُدَّ بشكل أساسي من التضخم المحلي. وفي ظل استمرار معدل التضخم في الارتفاع، تصاعد إحباط بايدن، وبدأ حلفاؤه داخل البيت الأبيض وخارجه يضغطون عليه لإلقاء خطاب يخاطب فيه الواقع الجديد لارتفاع الأسعار. ومع ذلك، أشار بعض المسؤولين إلى أن رئيس موظفي البيت الأبيض رون كلاين، قد رفض ذلك، وفضَّل التركيز على المؤشرات الاقتصادية الجيدة، مثل أرقام الوظائف القوية. وهكذا، بحلول نهاية عامه الأول في منصبه، كان يُنظر إلى التضخم على نطاق واسع داخل البيت الأبيض وبين النشطاء الديمقراطيين، على أنه أكبر مشكلة سياسية تواجه بايدن وحزبه أثناء توجههما إلى انتخابات التجديد النصفي لعام 2022.
3– إخفاق بايدن في قضية الإجهاض: في أوائل الربيع، أعرب بايدن عن مخاوفه من استمرار تبني الحزب الجمهوري نظريات المؤامرة الانتخابية، معبراً عن أسفه لتجاوز الفصائل المتطرفة حزبها لإغراق الجمهوريين الأكثر اعتدالاً، لكن التحول الأكثر اهتزازاً بالنسبة لبايدن والديمقراطيين، جاء نتيجة قرار المحكمة العليا إلغاء قضية “رو ضد وايد”، التي قضت بحماية الدستور الأمريكي حرية المرأة الحامل في اختيار الإجهاض دون قيود حكومية. ويضيف التقرير أن بايدن وكبار مساعديه كانوا بطيئين في التصرف في تلك القضية، معتقدين خطأ أن أمامهم وقتاً إضافياً لوضع الخطة التي يأملون الانتهاء منها، موضع التنفيذ.
4– نقص القدرات الكافية لمواجهة الجائحة: في ذلك الصيف، عندما بدا أن فيروس كورونا في تراجع مستمر، أبطأ مصنعو الاختبار من إنتاجهم لأدوات اختبارات فيروس كورونا المنزلية؛ إذ كان من المتوقع في ذلك الوقت أن اللقاحات ستخفض معدل الإصابات الجديدة، لكن ما حدث كان عكس ذلك، نتيجةً لظهور المزيد من المتحورات الجديدة لفيروس كورونا؛ ما دفع البيت الأبيض إلى سن قيود على السفر. لم تكن المشكلة تتعلق بالفشل في التخطيط، حسبما ذكر مسؤول سابق في الإدارة، بل تتعلق بالقدرة؛ فلم تكن هناك اختبارات منزلية كافية متاحة للمستهلكين في السوق عندما تولى بايدن منصبه.
5– تفاقُم الصراعات الداخلية بين الديمقراطيين: في سابقة تاريخية، قام بايدن بتعيين كمالا هاريس باعتبارها أول امرأة أمريكية من أصل أسود وهندي في منصب نائب الرئيس. ومع ذلك، اتسمت فترة ولاية هاريس بمخاوف حول أسلوب إدارتها، وشكوك مستمرة حول قدرتها على قيادة الحزب الديمقراطي في المستقبل. من ناحية أخرى، يجادل مساعدو البيت الأبيض بأن التركيز على الاقتتال الداخلي بين الديمقراطيين في وقت مبكر من فترة بايدن، أدى إلى حجب العمل السياسي الذي كانوا يشاركون فيه وراء الكواليس. بحلول شهر مارس، بدأت الإدارة تتخذ خطوات لاستعادة وضعها التشريعي، وتجاوز الصراعات الداخلية. ويجادل مستشارو البيت الأبيض بأن نجاحهم في إقناع كل ديمقراطي تقريباً بالتصويت على الأجندة التشريعية للرئيس، ينبغي الاحتفال به. وبعد أن اختفى الاقتتال الداخلي بين الديمقراطيين عن عناوين الصحف، الآن، يروج بايدن لوعود الحملة التي تم الوفاء بها.
6– تراجع معدلات التأييد لبايدن: مع ارتفاع معدلات التضخم وانتشار متغيرات فيروس كورونا، انخفضت نسب التأييد لبايدن إلى أقل من 40% هذا الصيف؛ ما جعله من بين الرؤساء الذين حصلوا على أدنى تقييمات على الإطلاق خلال فترة رئاستهم الأولى، بينما أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست وشبكة إيه بي سي الإخبارية، الشهر الماضي، أن 56% من الديمقراطيين والمستقلين ذوي الميول الديمقراطية أرادوا أن يرشح الحزب شخصاً آخر غير بايدن في عام 2024.
وفي الوقت نفسه، أعلن 75% من الديمقراطيين الأصغر سناً، عن تأييدهم لبايدن، و94% من الناخبين الديمقراطيين عن دعمهم لبايدن ضد ترامب في انتخابات 2024. ومع ذلك، ما زال من السابق لأوانه إجراء تقييم كامل للإنجازات والهزائم التي حققها بايدن خلال 21 شهراً. وقبل أسابيع فقط من انتخابات التجديد النصفي، فإن الحزب الجمهوري يبدو أنه مستعد للسيطرة على مجلس النواب ولديه فرصة للفوز بمجلس الشيوخ؛ الأمر الذي سيفرض واقعاً سياسياً جديداً على رئاسة بايدن. لكن بالنسبة للفريق الكبير القريب من الرئيس الأمريكي، الذي بدأ الاستعدادات لحملة إعادة الانتخاب، فإنه يظل واثقاً بأن ولاية بايدن الأولى ستُذكر على أنها نجاح تاريخي.
وختاماً، أوضح التقرير أن العديد من المساعدين بالبيت الأبيض، تمنَّوا لو أن كل النجاحات الأخيرة قد جاءت في وقت أقرب وأسهل، دون الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، ودون الاقتتال الديمقراطي الداخلي، ودون سلسلة من المتغيرات لفيروس كورونا. ومع اقتراب موعد الانتخابات النصفية، أشار أشيش جها منسق البيت الأبيض لمكافحة فيروس كورونا، إلى أن الوفيات الناجمة عن الفيروس انخفضت بنسبة 90%، وتمَّت إعادة فتح المدارس بالكامل. ويجادل مسؤولو البيت الأبيض أيضاً، بأن نجاحهم في مكافحة الوباء، جاء على الرغم من المعارضة الشديدة من كبار الجمهوريين، الذين قوَّضوا الثقة باللقاحات ومنعوا تمويل الاستجابة.