يستغل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، شعبيته الكبيرة داخل الولايات المتحدة في الترويج لمرشحي الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي ستُعقَد في 8 نوفمبر 2022؛ حيث يشير بعض خبراء الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة إلى أن أوباما يعتبر ورقة رابحة للحزب الديمقراطي؛ حيث يتمتع بشعبية كاسحة لا يتمتع بها الرئيس جو بايدن ولا سلفه الجمهوري دونالد ترامب؛ فقد بلغت نسبة تأييد الرئيس الأسبق حينما خرج من البيت الأبيض في يناير 2017 نحو 59% وفقاً لاستطلاع مؤسسة غالوب.
وفي ظل تخوفات الديمقراطيين من سيطرة الجمهوريين على أحد مجلسَي الكونغرس أو كليهما، وسط ارتفاع نسب دعمهم وتأييدهم في استطلاعات الرأي الأخيرة، وعدم رضا الناخبين الأمريكيين عن أداء الرئيس بايدن؛ يعتبر الرئيس الأسبق باراك أوباما فرصة يستغلها الديمقراطيون لجذب المزيد من الناخبين، والحفاظ على أغلبيتهم بالكونغرس، معولين على عاطفة الجماهير الأمريكية عندما وصل أوباما إلى الحكم سابقاً، وأعطى دفعة أمل للعديد من الأمريكيين، في ظل صغر سنه حينذاك، ولون بشرته، وأجندته الطامحة.
جهود أوباما
يحرص الرئيس الأسبق باراك أوباما على دعم المرشحين الديمقراطيين بشتى الطرق المتاحة له. وفيما يأتي يمكننا تسليط الضوء على أبرز جهوده في هذا الشأن:
1– حضور أوباما التجمعات الانتخابية: يسافر أوباما في رحلات قصيرة إلى ولايات تمثل ساحات قتال رئيسية في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، بما في ذلك جورجيا وويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا ونيفادا؛ لحضور التجمعات الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين لمناصب حكام الولايات، أو لعضوية الكونغرس، في محاولة لدرء هجمات الجمهوريين المستمرة على منافسيهم الديمقراطيين لقلب مقاعد الكونغرس ليكون ذا أغلبية جمهورية. ويستغل الرئيس الديمقراطي الأسبق في ذلك شعبيته الواسعة، التي لا تقتصر على الديمقراطيين وحدهم، بل بين الناخبين المستقلين أيضاً؛ وذلك في ظل حالة سائدة بين الجمهور الأمريكي من اللا يقين الاقتصادي.
2– دعم المرشحين الديمقراطيين على "تويتر": يستغل باراك أوباما حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" في الترويج للمرشحين الديمقراطيين، وتشجيع الناخبين على التصويت في انتخابات التجديد النصفي المقرر لها 8 نوفمبر 2022، للحفاظ على الأغلبية الديمقراطية بمجلسي الشيوخ والنواب، ولحماية المكتسبات التي نجح الديمقراطيون في تحقيقها خلال إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، على غرار قانون خفض التضخم، وحزم الإغاثة من جائحة كوفيد–19، فضلاً عن تخويفهم من رغبات الجمهوريين في تغيير قانون الرعاية الصحية لعام 2010، وتقييد الحقوق الانتخابية. ويستغل أوباما حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً للترويج لحضوره التجمعات الانتخابية الديمقراطية وتضخيم صدى تلك الزيارات.
3– التعامل مع الانتخابات باعتبارها استفتاءً حزبياً: يعمل الرئيس الأسبق باراك أوباما، وغيره من المسؤولين الديمقراطيين على جعل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بمنزلة استفتاء للاختيار بين الديمقراطيين والجمهوريين في ظل موجة تضخم لم تشهدها البلاد منذ 40 عاماً. وبالرغم من أن الرئيس الحالي جو بايدن، وأعضاء إدارته يستخدمون تلك الرسالة، فإن وجود بايدن في الحكم، وعدم رضاء الناخبين عن أدائه الاقتصادي يجعل أوباما هو الأفضل في إيصال تلك الرسالة، والترويج لنجاح الإدارة الديمقراطية في رفع مستوى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2,6% خلال الربع الثالث من عام 2022، بعد أن تراجع خلال الربعين الماضيين. وقد سبق أن استخدم “أوباما” الرسائل والحجج نفسها خلال حملاته الانتخابية الرئاسية في عامي 2008 و2012.
4– المشاركة في الحملات إعلانية وجمع التبرعات: سجَّل الرئيس الأسبق نحو 20 إعلاناً تلفزيونياً يدعم فيها المرشحين الديمقراطيين، ويشير إلى الفوائد التي سيجنيها الناخبون من التصويت لصالح الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر الجاري، كما حرص على المشاركة في حملات جمع التبرعات للتشجيع على تقديم المزيد من التبرعات لدعم الديمقراطيين خلال حملاتهم الانتخابية.
5– حث الأمريكيين الأفارقة على التصويت للديمقراطيين: يعتبر باراك أوباما هو أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية يصل إلى البيت الأبيض، وهو الأمر الذي يجعله يتمتع بقاعدة انتخابية وشعبية واسعة بين الناخبين من أصول أفريقية، وهي قاعدة انتخابية مهمة خلال الانتخابات القادمة؛ لذلك يظهر أوباما في بعض الولايات التي يتنافس فيها مرشحون أمريكيون من أصول أفريقية على غرار ولاية جورجيا التي يتنافس فيها المرشحان الديمقراطي رافائيل وارنوك، والجمهوري هيرشل ووكر، على مقعد مجلس الشيوخ. وكذلك تتنافس الديمقراطية الأمريكية من أصول أفريقية ستايسي أبرامز لإزاحة الجمهوري الأبيض بريان كيمب، الذي سبق أن هزمها بفارق بسيط في انتخابات عام 2018؛ لجذب الناخبين من أصول أفريقية للتصويت لصالح الديمقراطيين في 8 نوفمبر.
6– توظيف القدرات الخطابية لجذب المواطن العادي: يشير بعض مديري الحملات الانتخابية الديمقراطية إلى أن الرئيس الأسبق باراك أوباما يتمتع بقدرة فائقة على الحديث السياسي الجذاب، الذي يديره بالعامية ليصل إلى المواطنين العاديين بسهولة، وهي قدرة فريدة لا تتوافر عند الكثير من السياسيين الديمقراطيين؛ إذ إن “أوباما”، على غرار الرئيس الأسبق بيل كلينتون، يمتلك القدرة على رواية القصص، وهي خاصية فريدة قادرة على جذب الناخبين.
7– تركيز خطاب أوباما على إخفاقات الجمهوريين: يستخدم الرئيس الأسبق باراك أوباما، إخفاقات الجمهوريين في الترويج للديمقراطيين، مشيراً إلى أن استحواذ الجمهوريين على أغلبية مقاعد الكونغرس سيضر بالديمقراطية الأمريكية، وسيضر بالمكاسب التي نجح الديمقراطيون في تحقيقها للشعب الأمريكي؛ فخلال مشاركته في تجمع انتخابي بولاية جورجيا انتقد “أوباما” لاعب كرة القدم السابق والمرشح الجمهوري هيرشل ووكر؛ فقد أشار إلى ضعف خبرته السياسية، وصعوبة الثقة به ليكون صوتاً يخدم المواطنين الأمريكيين خلال تلك المرحلة، فضلاً عن إشارته إلى نفاقه السياسي بعد الفضائح الأخيرة التي تم تداولها عنه حول دفعه لنساء كان على علاقة بهن لإجراء عمليات إجهاض بالرغم من كونه أحد مناهضي حقوق الإجهاض.
8– الظهور مع الرئيس بايدن بالولايات المتأرجحة: يشارك أوباما في تجمعات انتخابية مع الرئيس جو بايدن؛ لدعم المرشحين الديمقراطيين في بعض الولايات المتأرجحة، وهو أمر يشد من أزر بايدن خلال التجمع الانتخابي؛ فهو أكثر قدرة على الحديث دون حساسية؛ لأنه خرج من منصبه مقارنة بالرئيس بايدن الذي سيكون حديثه أكثر صعوبةً في ظل وجوده في البيت الأبيض. ويحاول بايدن الترويج لفكرة أن التضخم الذي تشهده الولايات المتحدة ناجم عن الوباء العالمي، كما أن ارتفاع أسعار مواد الطاقة يرجع إلى الحرب الروسية–الأوكرانية؛ وذلك لدحض مزاعم الجمهوريين حول أن السياسات الديمقراطية هي السبب في تلك الاضطرابات الاقتصادية.
9– تشجيع أوباما الناخبين على التصويت: توجه أوباما وقرينته ميشيل أوباما، إلى مكان الاقتراع في شيكاغو محل إقامتهما، ليقوما بالتصويت. وأثناء ذلك حرص أوباما على توجيه الشكر للعاملين القائمين على العملية الانتخابية. ومن شأن خطوة “أوباما” في التصويت تشجيع بقية المواطنين الأمريكيين على الإدلاء بأصواتهم وعدم العزوف عن التصويت في تلك الفعاليات الانتخابية المهمة.
نتائج متوقعة
من المؤكد أن استغلال الديمقراطيين مختلف الوسائل المتاحة لديهم للفوز بمقاعد مجلسي الشيوخ والنواب سيكون لها تأثيرها على النتيجة النهائية، كما سيكون لمشاركة أوباما في الحملات الانتخابية تأثير أيضاً. وقد اختلفت التقديرات حول تلك التأثيرات بين تيارين مختلفين، وهما:
1– حفاظ الديمقراطيين على الأغلبية: يستند التيار الأول إلى استطلاعات الرأي الأخيرة التي تشير إلى تقدم المرشحين الديمقراطيين على الجمهوريين في مختلف الولايات، بما يؤهلهم للحفاظ على أغلبية مقاعد مجلس النواب، والفوز بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ لكسر التعادل 50–50 بينهم وبين الجمهوريين. وقد تدعم الدعاية الانتخابية التي يقوم بها أوباما خلال الأيام الراهنة هذا السيناريو.
2– خسارة الديمقراطيين للأغلبية: يستشهد البعض بالنتائج التي حققها أوباما سابقاً أثناء وجوده في الحكم؛ حيث خسر الحزب الديمقراطي السيطرة على مجلس النواب في الانتخابات النصفية الأولى أثناء وجوده بالحكم في عام 2010، كما فاز الجمهوريون بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في عام 2014، مشيرين إلى عدم قدرة أوباما على اجتذاب الناخبين في انتخابات التجديد النصفي، متنبئين باحتمالية خسارة الحزب الديمقراطي أغلبية أحد المجلسين خلال الوقت الراهن، لا سيَّما أن رسائل الجمهوريين حول الركود الاقتصادي والهجرة غير المشروعة والجريمة، أقوى من رسائل الديمقراطيين عن حقوق الإجهاض، وهو ما سيكون له انعكاس سلبي كبير على الإدارة الأمريكية إذا تحقق؛ حيث سيعوق الجمهوريون أجندة بايدن، كما قد يتم التحقيق مع بعض أفراد إدارته.
وختاماً، يمكن القول إن مشاركة الرئيس الأسبق باراك أوباما، في الحملات الانتخابية الديمقراطية مهمة، لكنها ليست عاملاً حاسماً يضمن فوز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في ظل تعقُّد المشهد الأمريكي الراهن، وارتفاع مستويات التضخم، وذيوع حالة من اللا يقين الاقتصادي، في الوقت الذي يتصدر فيه الاقتصاد قائمة القضايا التي على أساسها سيصوت الأمريكيون في الثامن من نوفمبر الجاري. ومع ذلك، قد تحفز مشاركة الرئيس الأسبق في التجمعات الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين، القاعدة الانتخابية للأمريكيين من أصول أفريقية على التصويت لصالح الديمقراطيين.