ايتمار بن غفير، ابن الـ 47 عامًا، الموسوم بالعنصرية والإرهاب حتى في أوساط اليمين الاستيطاني، حيث اتهمه بذلك بينت وزوجته غيلات، والذي كان هدفًا للمُلاحقة من قِبل "الشاباك" واستخبارات الشرطة، بات على مقربة مؤكدة من وزارة الأمن الداخلي، وما يعنيه هذا الأمر من سلطة وقوة ونفوذ. من مُطارَد إلى رئيس من طاردوه، ومن مُلاحَق ومعتدٍ ومدع على الشرطة في الساحات والمحاكم إلى قائدٍ لها. بن غفير الذي توعد رابين ووصفه بالخائن، وهدد شارون واحتفل بموته؛ بات اليوم أمينًا على الأمن ومالك مفاتيح تتويج رئيس الحكومة؛ هو دراما انتخابات الكنيست الـ 25.
بغض النظر عن المجموع الكلي للأصوات التي حصل عليها كلا المعسكريْن، بما في ذلك الأصوات التي لم تجتز نسبة الحسم ("ميرتس" و"التجمع" و"البيت اليهودي")، والتي الفارق بينها لا يتجاوز الـ 10 آلاف صوت؛ فإن المُجتمع الإسرائيلي اجتاز تحولًا كبيرًا ليس لجهة المجموع الكلي الذي صوّت لمعسكر نتنياهو؛ بل لجهة أن اليمين الفاشي العنصري (بن غفير وسموتريتش) تحوّل إلى ظاهرة كبيرة في أوساط اليمين، اكتسب شرعية ومشروعية لنهجه، وهي فقط ستزداد مع الوقت.
انتخاب بن غفير وسموتريتش بهذا العدد من المقاعد (15 مقعدًا)، وتوليهما لحقائب وزارية مهمة، وتضمين خطوطهما السياسية وتوجهاتهما الدينية والمدنية والقضائية في وثيقة الائتلاف هو درجة عليا ونوعية من ترجمات التحولات داخل معسكر اليمين، فتحالف بن غفير - سموتريتش منح الفلتان العنصري الغوغائي الشعبوي منبرًا ومُمثلًا، ومنح هويتهم اعترافًا ومكانة على حساب ما كان يُعرف باليمين الليبرالي.
من الهوامش والمُلاحقة إلى الكابينت
ولد بن غفير في القدس عام 67، لأب من أصول عراقية وأم من أصول كردستانية، وهي عائلة يمينية متدينة، ومنذ صغره التحق بمدارس التعليم الدينية وبالشبيبة اليمينة، فكانت البداية بالتحاقه بشبيبة "موليدت"، ثم وبتأثير من نوعم فيدرمان التحق بشبيبة حركة "كاخ" الكهانية، ووصل فيها إلى منصب مركز أنشطة الشبيبة الكهانية، وأولى أنشطته التظاهرية كانت ضد حركة "نساء بالأسود" التي كانت تحتج أسبوعيًا ضد استمرار الاحتلال، وواصل تعليمة الديني في المركز الديني المسمى بـ "الفكرة اليهودية" الذي أسسه مائير كهانا. وفي أعقاب مجزرة الحرم الإبراهيمي سنة 1984 التي نفذها الإرهابي باروخ غولديشتاين، أعلن عن حركة "كاخ" كتنظيم إرهابي (وكان إلى وقت قريب يحتفظ بصورة لغولديشتاين في مكتبه باعتباره البطل الذي يُمثله)، وأول إدانة له تمّت في أعقاب منشور نشره باسم نشطاء حركة "كاخ" السابقين، ولاحقًا أسس جبهة الفكرة اليهودية، وقد أصدرت المحكمة قرارًا بحله باعتباره امتدادًا لتنظيم "كاخ".
بعد حل جبهته، استمر بن غفير في نشاطه السياسي وأنشطته الاستفزازية والتحريضية المختلفة عبر العديد من الأطر السياسية والحركات العنصرية، مع مجموعه من العنصريين أمثال ميخائيل بن آري (عضو كنيست سابق) وباروخ مارزيل (آخر زعيم لحركة "كاخ") ونوعم فيدرمان (رئيس حركة نوعم)، عمل مساعدًا برلمانيًا لميخائيل بن آري وناطقًا إعلاميًا للجبهة اليهودية، وحاول دخول الكنيست أكثر من مرة باسم تنظيم "القوة اليهودية" لكنه فشل في تجاوز نسبة الحسم، وفي انتخابات الكنيست الـ 23 تحالف مع "الصهيونية الدينية" التي سعت للتحالف مع "البيت اليهودي"، لكن بينت أصر على رفض ضم بن غفير للقائمة، رغم أن بن غفير اعتذر عن وضع صورة غولديشتاين في مكتبه ورفعها، لكنه في الانتخابات الـ 24 نجح عبر تحالفه مع "الصهيونية الدينية" في الدخول وحيدًا عن حزبه للكنيست، وفي الانتخابات الأخيرة، وبضغوط من نتنياهو، شكّل تحالف "الصهيونية الدينية" و"القوة اليهودية" وحركة "نوعم"، الذي حصل على 15 مقعدًا، من بينها حصل بن غفير على سبعة مقاعد.
بن غفير يعتمد على جمهور فاشي عنصري يتغذى على خطاب "الموت للعرب" الذي يصدح في مدرجات الملاعب من قِبل عصابات لافاميليا ولاهافا، وبن غفير الآن يستبدل شعار "الموت للعرب" إلى "الموت للمخربين" لتجاوز الملاحقة القانونية.
عُرف بأنه الأكثر استفزازًا وتحريضًا ضد الفلسطينيين في الضفة وفي الداخل، وضد اليسار اليهودي، وبعدوانيته الكبيرة، يسكن مستوطنة "كريات اربع" في الخليل، وهو داعم ومؤيد كبير للشبيبة الاستيطانية العنيفة التي تمارس كل أشكال العدوان، والمسمّون في الصحافة الإسرائيلية بـ "زعران التلال"، وبصفته محاميًا فقد تولي الدفاع عن معتقلي الشبيبة الاستيطانية، وتولى الدفاع عن أحد قتلة دوابشة، مُتهمًا الشرطة بالحصول على الاعترافات بالقوة، ونظم حملة دعم كبيرة لقاتل عبد الفتاح الشريف، اليئور أزاريا، وأنشأ جبهة للمطالبة بالإفراج عن قاتل رابين يغئال عمير.
بن غفير، نتيجة لأنشطته الاستفزازية، صدر بحقه أكثر من 50 لائحة اتهام، أدين في ثمانية منها بإدانات لها علاقة بالتحريض والاعتداء والانتماء لتنظيم إرهابي، لكنه بالمقابل كسب الكثير من الدعاوى التي رفعها على الشرطة وعلى آخرين، بحيث كان مجموع التعويضات التي حصل عليها ربع مليون شيكل.
يُذكر أنه في مرحلة معينة اتهم في أوساط اليمين الاستيطاني بأنه "عميل للشاباك"، حتى إن زوجة بينت (غيلات) اتهمته عبر منشور على "فيسبوك" بأنه إرهابي و"عميل للشاباك" ثم اضطرت للتراجع ودفع تعويضات.
أجندته تركز على فرض السيادة على الضفة وعلى الحرم القدسي، وتنفيذ الإعدام بحق الفلسطينيين الذين قتلوا يهود، وسحب الجنسية من فلسطينيي الداخل الذين لا يظهرون ولاءً للدولة، وتعزيز قوات الشرطة بشريًا وماديًا، وتقليص صلاحيات القضاء، فضلًا عن الحد من التعبيرات الديموقراطية في الجوانب المدنية.
تحالف بن غفير - سموتريتش سيشكّل تحديًا كبيرًا لنتنياهو على جميع المستويات، وهما على خلاف بقية رؤساء بلوك اليمين لا يعلنان عن ثقتهما الكبيرة به؛ بل لا يخفيان ازدرائهما له باعتباره متذبذبًا بحاجة لمن يطوقه.