مقدمة
يُعدّ الإنجاز اللبناني في ترسيم الحدود البحرية، والحصول على حقه في المنطقة الاقتصادية الأول بين الدول العربية من حيث تحرير أرضه وحقوقه في النفط والغاز من دون أي تنازل، لا سياسيًا ولا ميدانيًا. أما الوضع اللبناني الداخلي: السياسي، والاقتصادي والاجتماعي فيزداد سوءًا! فكيف ستتعامل الأطراف السياسية والطائفية مع الأزمات الراهنة: انتخابات الرئاسة، والازمة الحكومية، والوضع المالي والاجتماعي؟
هذه الاستحقاقات والأزمات ناقشتها حلقة النقاش التي نظمتهاالرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين تحت عنوان: "لبنان ينتصر ولا يطبع".
أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:
الزمان |
الخميس 3/ 11/ 2022 |
المكان |
Zoom Meeting |
مدة اللقاء |
من العاشرة والنصف صباحًا لغاية الثانية عشرة ظهرًا |
المشاركون السادة: |
|
1 |
رئيس الرابطة د. محسن صالح. |
2 |
عضو الرابطة د. عادل يمين. |
3 |
الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية والقانون الدولي د. علي فضل الله. |
4 |
رئيس المركزي الاستشاري للدراسات والتوثيق د. عبد الحليم فضل الله. |
5 |
عضوة الرابطة الأستاذة ثريا عاصي. |
6 |
عضو الرابطة د. عبدو اللقيس. |
7 |
أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط. |
افتتح رئيس الرّابطة د. محسن صالح الحلقة بالترحيب بالمشاركين، والاشارة إلى الإنجاز الكبير في موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان المؤقت، واحتمال أن يقع لبنان تحت فوضى داخلية، فراغ رئاسي، فراغ حكومي، فراغ (إذا جاز التعبير) اقتصادي واجتماعي. وقال: المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تعكس نفسها على كافة طبقات المجتمع، الطبقات جميعا تحملت من الوضع الاقتصادي ما لا يتحمله شعب ربما في هذا العالم، وصحيح ان الناس ترتب امورها من هنا او هناك بدعم من مهاجرين واعانات من جمعيات او أحزاب ولكن هذا لا يحل مشكلة المجتمع اللبناني التي تتفاقم نتيجة عدم وجود دولة.
إذن نحن في ظل هذا الفراغ يجب ربما ان يبقى هذا الفراغ حتى يتم إعادة بناء دولة. الدولة الفاقدة للشرعية، الفاقدة للرضا الاجتماعي، الفساد، الديون، عدم الاهتمام بمصالح الشعب اللبناني من التربية الى الاقتصاد والتنمية وكل ما له علاقة بوجود دولة وانتظام في العمل السياسي والاجتماعي هذا الان مفقود. ونحن بحاجة فعلا الى إعادة بناء الدولة وإعادة بناء اقتصاد، خاصة في ظل عدم استتباب أي شكل من اشكال بناء الدولة. وعدم القدرة على تغيير المنظومة لا يجعلنا نتراجع عن تغييرها، وبناء الدول يجب ان يجد أطراف قوية تستطيع إعادة بناء الدول.
دولتنا منهارة كليا على كل الأصعدة وبالتالي الجو العام في هذه المنطقة ربما لا يساعد، وكان تيار المقاومة والتيار الوطني الحر وبعض القوى الموجودة في لبنان يريدون فعلًا بناء دولة تقوم على أكثر من ثلاثية (ثلاثية +) شعب وجيش ومقاومة ودولة، تكون هي في مقدمة الدفاع عن لبنان وكل المستضعفين في لبنان.
مداخلة د. عبد الحليم فضل الله
ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان المؤقت هو امر شديد الأهمية واتى خارج سياق الانسداد السياسي والاقتصادي الذي كان يمر به لبنان طوال الفترة الماضية، الترسيم كان إنجازا وعندما نتحدث عنه لا نتحدث عن 10 سنوات من التفاوض، بل عن حدث عمره أسابيع وأشهر قليلة منذ أعلنت المقاومة الإسلامية عن تصميمها في الدفاع عن الحدود التي تضعها الدولة اللبنانية، وأضافت بندا جديدا الى بنود الردع هو الثروة مقابل الثروة، وكان التقاط اللحظة الجيوسياسية الإقليمية والدولية هي أيضا تقع في صلب هذه المبادرة الاستراتيجية التي قامت بها المقاومة، والتي لم تكن لتكتمل لولا انتظام عقد السلطات السياسية في لبنان واصطفافها خلف موقف واحد واصرارها في الدفاع عن حقوق لبنان وللتوصل للحد الأدنى من هذه الحقوق.
واجه هذا الإنجاز ويواجه بحملة، وهناك اراء قانونية وسياسية ينبغي الاصغاء اليها في تحليل وفي ابراز الموقف بخصوص الترسيم، لكن بالتأكيد هناك اراء تتسم بأحد امرين: انما انها تنم عن عدم معرفة كافية بشؤون وشجون عمليات ترسيم الحدود البحرية بين الدول (الدولة اللبنانية وفلسطين المحتلة)، وتنم عن عدم دراية كافية بمندرجات ومعايير ترسيم وتجارب ترسيم الحدود، وهناك اراء تنطلق من الكيد السياسي والنكد السياسي والمزايدة السياسية ومحالة سلب لبنان والشعب اللبناني حلاوة هذا الإنجاز الكبير، الذي أضاف الى معادلة الردع بندا جديدا وهو الثروات مقابل الثروات، وأيضا المفاوض اللبناني على المستوى السياسي كان في الأسابيع الأخيرة ابرز صلابة وإصرار وقدرة على إدارة ملف التفاوض بطريقة التفاوض الغير مباشر بطريقة صحيحة، وأيضا لأنه أكد المؤكد بأن هناك فعلا معادلة الشراكة بين الدولة اللبنانية والمقاومة، ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة والتي أدت الى نتائج شديدة الوضوح.
خط 23 هو خط يستند الى مقاربة قانونية محددة وخط 29 يستند الى مقاربة قانونية أخرى، وخط 1 لا يستند الى أي مقاربة قانونية، والخطوط الأخرى التي تذهب جنوبا باتجاه فلسطين المحتلة بالنسبة لنا كالبنانين هي أيضا خطوط مدعومة بتجارب دولية ومقاربات قانونية، وخط 23 يستند الى مقاربة قانونية ولا يستطيع أحد ان يقول ان هذا الخط يتجاوز حقوق لبنان لتخطيه المبادئ القانونية، ومن يقول ان هناك خيارات أخرى، نقول نعم هناك خيارات أخرى وخط 29 هو من هذه الخيارات التي كان ممكن ان تعتمد، لكن في القانون الدولي ترسيم الحدود البحرية غير ترسيم الحدود البرية، فالأخير يستند الى مواثيق ومعاهدات واعراف راسخة وعادة يكون الترسيم هو تحديد لحدود محددة في اتفاقيات ومعاهدات سابقة، بينما الحدود البحرية هي حصيلة اتفاق طرفين.
يمكن ان يقول أحد ما بالإمكان ان ينال لبنان مساحات أكبر واوسع من المياه البحرية، لكن الحديث عن التفريط بالسيادة غير دقيق لأنه ترسيم الحدود البحرية هو ما يتفق عليه الطرفان.
بموضوع الفراغ، لا نريد ان نستبق الأمور ولكن للأسف لبنان اليوم يدخل الى فراغ متعدد الجوانب (على المستوى الرئاسي، وفراغ نسبي على المستوى الحكومي)، وهذا ينعكس بهذه الطريقة او تلك على أداء المجلس النيابي في ظل ما يسمى توازن عمل السلطات.
لبنان موضوع امام ثلاثة خيارات:
1. الوصول الى توافق حول رئيس، توافق يرضي القوى الأساسية ويعبر عن طموحات اللبنانيين على أربع مستويات:
- المستوى الإصلاحي.
- مستوى الوفاق الداخلي.
- مستوى الاستقرار الأمني والاستقرار الميداني.
- القدرة على التفاوض والتفاعل مع ما يسمى المجتمع الدولي بضمن الازمة التي نمر بها بصورة صلبة وندية ومتكافئة.
2. المرور بفراغ طويل الأمد يستمر لأشهر وربما أكثر من ذلك.
3. المرور بفراغ والوصول الى تسوية متكاملة تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والمندرجات السياسية الأخرى.
علينا ان ننتظر لكن علينا ان لا يتحول هذا الفراغ على مستوى المؤسسات الدستورية الى فراغ على مستوى السياسات الأساسية الضامنة للاستقرارين الاقتصادي والاجتماعي والأمني الميداني، وهنا لا ابشر لإمكانية اهتزاز الامن ولكن هناك من يعول في لبنان على هز الاستقرار والمس به من اجل تحويله الى أداة ضغط على القوى الأخرى وتحديدا على المقاومة والقوى المتحالفة معها من اجل تعميق الفراغ والوصول الى خيارات لا تتناسب مع طموحاتنا على المستويات الانفة الذكر، علينا ان ننتظر لكن ينبغي ان نضع الأمور على سكة النقاش الداخلي الحقيقي والفعلي والصحيح، وهذه مناسبة لكي يكون النقاش ليس فقط حول من يملء هذا الفراغ وكيف يملئ هذا الفراغ، أيضا يتسع دائرة النقاش لتشمل القضايا الحيوية الأساسية ومنها موضوع الازمة الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية.
هذا التريث والتباطؤ بوضع لبنان على سكة الحل من التعافي وحل الازمة المالية والاقتصادية والاجتماعية يضخم الثمن، وبالعودة الى شهر نيسان 2020 كان ثمن الخروج من الازمة يساوي بضعة عشرات من مليارات الدولارات، اما اليوم ثمن الازمة أصبح 73 مليار دولار، كل يوم يمر دون ان نقر خطة تعافي وخطة للخروج من الازمة يزداد الثمن وتطول المدة للخروج من هذه الازمة.
كان لدينا في شهر نيسان 2020 خطة مقبولة اثناء حكومة الرئيس حسان دياب، ولم نستفيد من هذه الفرصة بسبب المنازعات السياسية، واليوم نضيع هذه الفرصة لأكثر من سبب: أولا المنازعات السياسية، ثانيا تضارب المصالح، ثالثا بسبب تضارب الرؤى، رابعا التدخلات الخارجية، وهذه الأمور الأربعة تمنع وضع الحلول على سكة التنفيذ.
الخيارات المتاحة للخروج من الازمة:
1. التعافي بإعادة هيكلة القطاع المصرفي (بدون إعادة هيكلة القطاع المصرفي لن نستطيع الخروج من الازمة بتاتا واي تقدم او تحسن سيكون ظرفي ومؤقت). وهذا يطرح سؤال: من يدير عملية تعافي القطاع المصرفي؟، هناك توجهان في البلد: البعض يريد مصرف لبنان ان يدير العملية وهذا سيزيد من الازمة ويعمقها لان مصرف لبنان وحاكمه جزء من الازمة فكيف يكون جزء من الحل، والبعض الاخر يقول يجب إيجاد اطر جديدة تضمن الحاكمة الجيدة لإدارة عملية التعافي.
2. إعادة هيكلة ميزانية مصرف لبنان.
3. معالجة مشكلة سعر الصرف والذهاب باتجاه الاستقرار بأسواق الصرف ضمن ثمن عالي.
4. انقاذ القطاع العام وإصلاح اموره ولاسيما في التعليم والصحة والخدمات الأساسية والبنى التحتية.
5. اصلاح ومكافحة الفساد واسترداد ما يمكن استرداده من أموال من الخارج.
6. اصلاح العجز في الموازين الخارجية.
وحتى لو قمنا بإصلاح كل هذه النقاط وبقي لدينا ثغرة في الحساب الخارجي، وبقي لدينا اقتصاد غير منتج سنذهب للدخول في ازمة جديدة. الاكيد أن النظام السياسي بحاجة الى تعديل، وفيه مشاكل، ودستوريًا لدينا حاجة للخروج من الاستعصاء عبر تعديلات، ولكن مشكلة لبنان هي مشكلة سياسات عامة أكثر منها مشكلة نظام سياسي، وإذا عالجنا مشكلة النظام السياسي ستبقى مشكلة السياسات العامة قائمة، وإذا عدنا الى للتاريخ السياسي للنزاعات والانشقاقات في لبنان، نرى ان الخلاف على السياسات الأساسية في الداخل والخارج هي التي كانت الشرارة والدافع والعامل الأساسي وراء انقساماتنا وازماتنا الكبرى.
السياسات يختبئ خلفها النخبة، ومشكلتنا مع النخبة التي تدير السياسات، ومهما كان لدينا قوانين ودستور ونظام سياسي، إذا كان لدينا نخبة كهذه النخبة السياسية ستقود الأمور بالاتجاهات الت نراها، والثورات الناجحة لا تدعو الى تغيير الدساتير في البداية، بل الى تغيير النخبة الحاكمة، وبعد ذلك يأتي دور الدساتير والأنظمة. نحن من نناصر الإصلاح في البلد بعيدًا عن الاصطفافات أقلية، وأخشى أن نبقى اقلية في المستقبل، وفي الانتخابات النيابية المتعاقبة شاهد على ذلك.
مداخلة د. علي فضل الله
استذكر كلام إيليا حريق في كتابه "من يحكم لبنان"، حيث وصل في النتيجة الى ان من يحكم لبنان هم اولئك القادرون على انشاء كتل نيابية كبيرة، ولازال جزء من هذا الموضوع حقيقي وقائم. والعنصر الخارجي هو عنصر دائما موجود في السياسة اللبنانية ولكن يجب ان يعطى حجمه الطبيعي، وهو يؤثر بشكل نسبي.
موضوع الترسيم هو قصة نجاح معينة واظن انها ليست قصة كاملة، واظن ان الذي يجب ان يشكر في ما جرى هو البندقية قبل المفاوض والتي حققت هذا الانجاز. والوضع في لبنان كما قال الرئيس سليم الحص يومًا "في لبنان الكثير من الحرية والقليل من الديمقراطية"، فصحيح توازنات الطوائف وخوفها من بعضها هو الذي يدفع ويؤدي الى مقدار الى الحريات ولكن هذا النظام يجب ان يعاد تأسيسه، فلماذا عندما يأتي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ويطرح موضوع النظام التأسيسي يقبل هذا الكلام وإذا طرح من اخرين بعض الطوائف تستشعر التهديد او القائمين عليها؟
هناك حاجة الى إعادة النظر في النظام في لبنان لأنه يثبت فشله كل مرة، ولكن لكي لا نقع في توترات كبيرة هناك نوع من تسويات يجب ان تجري. فنحن بحاجة الى ان نقتحم في الاقتصاد ما دمنا نجحنا في تحرير الجرود وتحرير الجنوب ونجحنا في بعض الساحات، يجب ان يفعل نفس المنطق في جوانب أخرى، ويحتاج أولا الى انتاج قادة اداريين من نوع جديد، فجزء من الطبقة السياسية أصبح ريعيًا زبائنيًا فاسدًا.
إن الثروات البحرية فعلا هو الحل الوحيد المباشرة والواضح في انقاذ البلد، وصحيح التنقيب والاستخراج يحتاج الى سنوات ولكن يكفي ان تصدر رسالة واحدة علمية معترف فيها عالميا من شركة كبرى في العالم بوجود ارصدة كبيرة في بحر وبر لبنان من النفط وهذا سيؤدي الى عودة الثقة الائتمانية باقتصاد البلد وإمكانية الإقراض ممكن تعود. أما التدخل الخارجي فإنه لن يتوقف، ولا نستطيع التحكم به، ولكن نستطيع بجهد ذاتي ان نغير مستوى استجابة بعض الداخل لذلك، ولو بالتهديد، وهناك دول تابعة كثيرة في العالم لديها هامش معين ولذلك يجب ان نبحث عن الهامش.
مداخلة د. عادل يمين
اَن الأوان بعد كل الازمات التي عشناها والعبر التي يجب ان نأخذها من التجارب التي مضت، خصوصا في عهد الرئيس السابق العماد ميشال عون، انه بتنا بحاجة بعد أكثر من 30 عاما من تطبيق اتفاق الطائف الى إعادة النظر في النظام الدستوري في لبنان، وقد برهنت الاختلالات والثغرات الموجودة في اتفاق الطائف ان يستمر البعض في فرض التعامل مع هذا الاتفاق أنه مقدس، فهو ليس مقدس رغم ان فيه حسانات ولكن هناك عيوب ونواقص تمنع تطبيق هذا الاتفاق بشكل صحيح، وتمنع من بناء دولة ونظام فعال ومنتج بسب التشابك بالصلاحيات بين المواقع الرئاسية والدستورية وغياب المهل ووجود افاق مسدودة في الكثير من المحطات من دون تأمين المخارج اللازمة.
وإذا في عهد كعهد الرئيس السابق العماد ميشال عون مع حليفه القوي في السياسة حزب الله، وجدنا خيبات كبيرة على المستوى المرحلي اسميتها خيبات مرحلية مقابل إنجازات استراتيجية، وهذه الإنجازات هي نتيجة تفاهم مار مخايل الذي تجسد في الدولة.
هناك خيبات في مكافحة الفساد وبناء الدولة وتحاشي الانهيار المالي ومعالجة الاختلالات المالية، لا بل بالعكس وقع انهيار كبير تفجر نتيجة تراكم 30 عاما من الفساد والافساد، واعتقد ان هناك جزء مسؤولة عنه الطبقة السياسية ولكن هناك جزء مسؤولة عنه طبيعة النظام، لا يمكن الاستمرار بنظام لا حلول فيه.
في السياسة نحتاج الى صحوة وطنية وسياسية ننتقل كفريق وطني الى خيارات نوعية في عملية بناء الدولة. والمفروض في عملية البحث عن مرشح رئاسي البحث عن المرشح الأكثر قدرة على بناء الدولة الى جانب ضرورة ان يكون مطمئنا لخيار المقاومة وقوة لبنان وان لا يكون هناك شك فيه بعدائه للعدو الإسرائيلي، ولا يجوز ان تكون التحالفات او الحساسيات سبب للتغاضي عن خيار بناء الدولة ومكافحة الفساد.
إن الفريق الوطني مدعو الى إعادة قراءة الوضع ووضع استراتيجية على خطين من جهة التفكير في تطوير النظام على قاعدة حفظ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وحفظ الكوتا الطائفية في المواقع الرئاسية طالما لم نبلغ الدولة العلمانية، ولكن وضع مشروع لتطوير النظام بسد الاختلالات والثغرات ووضع المهل وفتح الافاق عندما تقع الازمات، ومن جهة أخرى وضع استراتيجية سياسية لتقديم نموذج إصلاحي من هذا الفريق الوطني، فلم يعد مقبولا ان يبقى هذا الفريق همه فقط مراعاة الحساسيات الحزبية والطائفية، بل يجب ان يخرج الى الناس بنموذج لبناء الدولة ومواجهة الازمات المالية والاقتصادية والخدماتية المتراكمة الى جانب الاستراتيجية الدفاعية التي تحقق قسم منها وقسم بحاجة الى تبلور.
اعتقد ان مسألة مقاربة النظام اللبناني تحتاج الى مقدار أكبر من الواقعية لان الغاء الطائفية مع واقع طائفي مجتمعي تربوي وثقافي سيقود الى عمل طائفي أكثر فظاظة، والى هيمنة طائفية، وعندما نطرح تبديل النظام على قاعدة الغاء الكوتا الطائفية وتجاوز الطائفية السياسية فقط مع بقاء الطائفية في الأحوال الشخصية والمحاكم والزواج والارث والوصية وفي النفوس، سيؤدي ذلك الى ممارسة سياسية طائفية ولكن بدون كوتا وهذه أخطر من الممارسة الطائفية مع كوتا، لان الكوتا وان كانت تمييز لكنها تمييز إيجابي يهدف الى منع الظلامة ومنع ضرب المساواة.
الغاء الكوتا الطائفية يؤدي الى هيمنة طائفية بمجرد طائفيتين او مذهبين، ونحن امام حل من اثنين اما علمنة شاملة على جميع الأصعدة، واما تنظيم الطائفية البناءة، وكل قول غير ذلك يهدف الى تعزيز الطائفية من خلال الغاء الكوتا وهيمنة الطوائف الكبرى وضرب وإلغاء الأقليات.
مداخلة الأستاذة ثريا عاصي
أزمتنا الأساسية هي انه صار هناك خرق لاتفاق الطائف ولم ينفذا يوما، والعلة ليست باتفاق الطائف وحده انما تركيبة النظام على أسس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين هي سبب العلة. وقد استطاعت المقاومة تحقيق انجاز التحرير الأول والتحرير الثاني وترسيم الحدود البحرية ولكن يبقى لدينا علة هذا النظام.
إن ما نعيشه اليوم ليس بسبب أزمات في الحكم فقط انما أيضا نتيجة تدخلات خارجية، والخيارات الاستراتيجية والاقتصادية التي يأخذها لبنان هي بتطلعه دائما الى الغرب ويعطي ظهره الى الشرق هي التي أدت الى الازمات التي يمر بها البلد. فلبنان اعطى الحصرية لشركة توتال والتي سبق ان انسحبت من موضوع التنقيب تحت التهديدات الأميركية والإسرائيلية، فكيف يمكن ان نعول ان لا تتلقى شركة توتال تهديد اخر وتنسحب من التنقيب خصوصا بعد فوز بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية، وبالتالي يفترض ان يكون لدينا خيارات أخرى لكي نخرج من الازمات الاقتصادية. وبعد مسيرات المقاومة باتجاه حقول العدو أصبح هناك كلام اخر للأميركي معنا. ولكن عادت الازمة بالأيادي اللبنانية.
اعتبر القانون الانتخابي هو سيء جدا وطائفي جدا ولم يستطع ان يعطي أي ديمقراطية ولدينا مشكلة في مجتمعاتنا التي تدخل في معتركات طائفية. اعادة بناء الدولة لا يكون بنفس الأدوات الداخلية. ونطالب بدولة مواطنة وإعادة بناء الدولة على أساس المواطنة والكفاءة وليس تهجير الكفاءات واللبنانيين. ومتمسكة برأيي حول إسقاط هذا النظام الطائفي وإعادة التفكير بمسؤولية وطنية خارج عن المذاهب والطوائف على كافة الأصعدة.
مداخلة د. عبدو اللقيس
نظام الطائف الذي تم توريط البلد والشعب للبناني به هو عبارة عن نظام القناصل وبالتالي أصبحت الطوائف في لبنان تخضع لأوامر القنصل والسفير الذي تتبع له كما في العهد السابق. والخروج من هذا المأزق هو الخروج من الطائف بشكل واضح ونهائي، ويجب الذهاب الى عقد اجتماعي جديد يكون بعيد عن المنطق الطائفي والطوائف. والتوجه نحو إقامة نظام مدني يتساوى فيه الجميع ولا يكون غلبة لأي فئة على فئة بالمواضيع القانونية هو الحل والمخرج الوحيد، وان تكون كل الوظائف للجميع مداورة وان يتم انتخاب الرئاسات الثلاثة بشكل مباشر من الشعب وان تكون مداورة بين كل الطوائف، وبالتالي نعيد للمواطن قيمة انتمائه الوطني ونخرجه من الانتماء "للمزرعة" التي يعيشونه بها في هذا النظام الطائفي.
كلمة الترسيم اخذت لغط كبير في الواقع الإقليمي والدولي وخاصة من المغتاظين الذي هم اذناب الأميركي في المنطقة وخاصة التكفيريين الوهابيين الذين اخذوا هذا الموضوع الى مكان اخر، من اجل تسخيف الجهد والانتصار التاريخي المذل لهذا العدو. والكيان الصهيوني فقد قيمته الاستراتيجية ولم يعد باستطاعته شن الحروب، وبالتالي أصبح هناك خوف على المصير الوجودي له ولشقيقه التوأم الوهابي في ارض الحجاز.
لذلك هذا الانتصار التاريخي الذي حصل من خلال القدرة على توظيف القدرة الخاصة بالمقاومة، ووصلنا الى هذا المستوى، وهؤلاء يشنون الحرب الإعلامية القذرة ضد المقاومة لتسخيف جهد الانتصار الكبير ولمحاولة رفع معنويات هذا العدو الذي صعق بهذا المستوى ولذلك يريدون توصيف ما حصل بانه تطبيع. وكل ما فعلته المقاومة هي عملية طرد من ارضنا ولا يوجد ترسيم مع هذا العدو، والذين يزعمون انهم أصحاب غيرة على الغاز الفلسطيني او انهم يقولون بأننا اعطينا العدو فلسطين بغازها هؤلاء مجموعة من الكذبة.
نحن امام مشهد تاريخي عظيم انتصار لم يسجل لأي فئة من فئات دول الطوق بأن تمكن أي فريق ان يوجه صفعة مثل هذه الصفعة للكيان الصهيوني. ويجب ان نستغل كالبنانين هذا الانتصار التاريخي لنخرج من ازمة الذل التي وضعنا بها اتفاق الطائف وجعلنا عبيدا للقناصل واعادنا لنظام ومفهوم القناصل في السابق، يجب ان نذهب نحو دولة مدنية حقيقية يتساوى فيها الجميع حتى يشعر الجميع بانتمائهم الوطني. يجب المحافظة على الكوتا ولكن ان نخرج من المنطق الضيق بأن هذا المنصب لهذه الطائفة ولا يسمح المس به، خاصة في الرئاسات الأولى، ونذهب الى تنظيم اجتماعي اخر حداثة.